الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يُوقَنُ مِنْهُ بِطَهَارَةٍ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَمَقْبَرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَكَنَائِسِهِمْ
[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]
وَأَقَلُّ مَا يُصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ مِنْ اللِّبَاسِ ثَوْبٌ
ــ
[الفواكه الدواني]
لِهَوَاءِ الْكَعْبَةِ لَا لِجُمْلَةِ الْبُنْيَانِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا بَعُدَ عَنْ الْبَيْتِ يَرْتَفِعُ لَهُ، وَكَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ تَبْطُلُ فِي حُفْرَةٍ تَحْتَهُ أَوْ جَنْبَهُ وَلَوْ نَافِلَةً، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجَهَا أَنَّ الصَّلَاةَ دَاخِلَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إنْ كَانَتْ مَنْدُوبَةً تُسْتَحَبُّ، وَإِنْ كَانَتْ رَغْبِيَّةً أَوْ سُنَّةً تُمْنَعُ ابْتِدَاءً وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَا تُعَادُ، وَإِنْ كَانَتْ مَفْرُوضَةً تُمْنَعُ وَتُعَادُ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وَبِالْإِطْلَاقِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَتْ سُنَّةٌ فِيهَا وَفِي الْحَجَرِ لِأَيِّ جِهَةٍ لَا فَرْضٌ فَيُعَادُ فِي الْوَقْتِ وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ وَبِالْإِطْلَاقِ.
قَالَ مُحَقِّقُوا شُرَّاحِهِ: مَعْنَى جَازَتْ سُنَّةٌ مَضَتْ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَارِجَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَمِيعُ جِدَارِهَا وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا فَالْفَرْضُ بَاطِلٌ، وَأَمَّا صَلَاةُ النَّفْلِ عَلَى ظَهْرِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْعَمَلُ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا سَنَذْكُرُهُ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِلْحُرْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) رَابِعُهَا الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ (الْحَمَّامِ) وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ (حَيْثُ لَمْ يُوقَنْ مِنْهُ بِطَهَارَةٍ) وَلَا نَجَاسَةٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُنَا فِي جَوْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ خَارِجِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَزْعِ الثِّيَابِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُتَيَقَّنْ نَجَاسَتُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى خَارِجِهِ الطَّهَارَةُ.
(فَائِدَةٌ) : الْحَمَّامُ هُوَ الْمَحَلُّ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ مُذَكِّرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ لِلْخَارِجِ مِنْ الْحَمَّامِ طَابَ حَمِيمُك أَيْ طَابَ عَرَقُك.
(وَ) خَامِسُهَا (الْمَزْبَلَةُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَهِيَ مَوْضِعُ طَرْحِ الزُّبَالَةِ.
(وَ) سَادِسُهَا (الْمَجْزَرَةُ) وَهِيَ الْمَحَلُّ الْمُعَدُّ لِلتَّذْكِيَةِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ، وَتُعَادُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ وَلَوْ صَلَّى عَامِدًا، وَيَأْتِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْأَحْسَنِ أَيْ أَبَدِيَّةً، وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقْت فَلَا كَرَاهَةَ.
(وَ) سَابِعُهَا (مَقْبَرَةُ) مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ (الْمُشْرِكِينَ) وَكَذَا الْمُسْلِمِينَ وَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ حَيْثُ شُكَّ فِي طَهَارَتِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهَا فَتُمْنَعُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَتَجُوزُ الْأَمْنُ مِنْ نَجَاسَتِهَا، وَلِذَلِكَ شَهَّرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي الْمَحَجَّةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ إنْ أَمِنَتْ تِلْكَ الْبِقَاعُ مِنْ النَّجَسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَقْبَرَةِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَلَفْظُ خَلِيلٍ: وَجَازَتْ بِمَرْبِضِ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ كَمَقْبَرَةٍ وَلَوْ لِمُشْرِكٍ وَمَزْبَلَةٍ وَمَحَجَّةٍ وَمَجْزَرَةٍ إنْ أُمِنَتْ مِنْ النَّجَسِ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ أَيْ أَبَدِيَّةَ عَلَى الْأَحْسَنِ إذْ لَمْ تُحَقَّقْ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ فِي الْجَمِيعِ إنْ لَمْ تُوقَنْ طَهَارَةُ تِلْكَ الْبِقَاعِ سِوَى الصَّلَاةِ عَلَى الْكَعْبَةِ فَإِنَّ النَّهْيَ لِعَدَمِ الِاسْتِقْبَالِ وَإِلَّا فَلَا نَهْيَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَقْبَرَةَ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لِأَجْلِ قَوْلِهِ:(وَ) كَذَا يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي (كَنَائِسِهِمْ) أَيْ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُرَادُ مَحَلُّ عِبَادَتِهِمْ لِيَشْمَلَ الْكَنِيسَةَ وَالْبِيعَةَ وَبَيْتَ النَّارِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَتْ بِكَنِيسَةٍ وَلَمْ تُعَدْ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ الْعَامِرَةِ وَالْخَارِبَةِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى فِرَاشِهَا أَوْ غَيْرِهِ حَيْثُ صَلَّى فِيهَا اخْتِيَارًا، أَمَّا الْإِعَادَةُ فَمَشْرُوطَةٌ بِأَنْ يُصَلِّي بِهَا اخْتِيَارًا وَكَانَتْ عَامِرَةً وَصَلَّى عَلَى فُرُشِهَا فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى نَجَاسَةٍ نَاسِيًا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا مُكْرَهًا أَوْ كَانَتْ خَارِبَةً وَلَوْ صَلَّى عَلَى فُرُشِهَا أَوْ عَامِرَةً وَصَلَّى عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ فَلَا إعَادَةَ، فَالْكَرَاهَةُ مُعَلَّقَةٌ بِالصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى فُرُشٍ طَاهِرٍ، وَالْإِعَادَةُ مُقَيَّدَةٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْكَرَاهَةُ بِخِلَافِ الْكَرَاهَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الْإِعَادَةُ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ تَقْرِيرِنَا لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّهْيَ فِي جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَعَلَى الْحُرْمَةِ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي بَعْضِهَا عِنْدَ عَدَمِ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَالصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَافْهَمْ.
(خَاتِمَةٌ) تَشْتَمِلُ عَلَى أَمَاكِنَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا سِوَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، مِنْهَا: الْبُقْعَةُ الْمُعْوَجَّةُ الَّتِي لَا يَتَمَكَّنُ الْمُصَلَّيْ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا: الْبُقْعَةُ الَّتِي فِيهَا تَصَاوِيرُ وَتَمَاثِيلُ وَمِنْهَا: الْبُقْعَةُ الَّتِي بِهَا نَائِمٌ أَوْ جَمَاعَةٌ أَوْ مُتَيَقِّظٌ وَيُصَلِّي إلَى وَجْهِهِ كُلٌّ لِاشْتِغَالِهِ. وَمِنْهَا: الْبُقْعَةُ الَّتِي بِهَا جِدَارٌ يَرْشَحُ وَيُصَلِّي إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَيَنْبَغِي اسْتِقْبَالُهُ لِأَفْضَلِ الْجِهَاتِ، وَمِنْهَا: الْبُقْعَةُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّى أَصْحَابُهَا النَّجَاسَاتِ كَبَيْتِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتَنَزَّهْ عَنْ النَّجَاسَاتِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْفَرْشُ الَّذِي يَمْشِي عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ، وَمَنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَرَاهَةِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْإِعَادَةِ تَيَقُّنُ النَّجَاسَةِ أَوْ عَدَمُ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ فِي مَا الْغَالِبُ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا الْبُقْعَةُ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا عَلَى الثَّلْجِ الشَّدِيدِ الْبُرُودَةِ فَكَرِهَهَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَالدَّارُ الْمَغْصُوبُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَلَكِنْ لَا إعَادَةَ مَعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي مَسَاجِدِ الْأَفْنِيَةِ يَدْخُلُهَا الدَّجَاجُ وَالْكِلَابُ ابْنُ رُشْدٍ مَا لَمْ يَكْثُرْ دُخُولُهَا.
سَاتِرٌ مِنْ دِرْعٍ أَوْ رِدَاءٍ، وَالدِّرْعُ الْقَمِيصُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَعُدْ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ الدِّرْعُ الْخَصِيفُ السَّابِغُ الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَخِمَارٌ تَتَقَنَّعُ بِهِ وَتُبَاشِرُ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ) عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ (مِنْ لِبَاسٍ ثَوْبٌ سَاتِرٌ) جَمِيعَ جَسَدِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَيَدَيْهِ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ دِرْعٍ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (وَالدِّرْعُ الْقَمِيصُ) الَّذِي يُلْبَسُ فِي الْعُنُقِ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ كَثِيفًا لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ (أَمَّا رِدَاءٍ) عَطْفٌ عَلَى دِرْعٍ، وَالرِّدَاءُ بِالْمَدِّ مَا يَلْتَحِفُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَحِرَامٍ أَوْ بُرْدَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ عَلَى عَاتِقَيْ الْمُصَلِّي، لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ سُنَّةٌ زِيَادَةٌ عَلَى السِّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ، وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ فِي الْجَامِعِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَأْمُومِ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا السِّتْرُ بِغَيْرِ الْكَثِيفِ وَهُوَ مَا يَصِفُ الْعَوْرَةَ أَيْ يُحَدِّدُهَا مِنْ كَوْنِهَا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ يَشِفُّ وَيُرَى مِنْ لَوْنِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ كَرَاهَةُ لُبْسِ الْوَاصِفِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيَّنَ مُحْتَرَزَ مَا يُجْزِئُ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ:(وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ) الرَّجُلُ (بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ) لِخَبَرِ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ. (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَكْرُوهَ (لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ) لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ مَا إذَا اقْتَصَرَ الْمُصَلِّي عَلَى سَتْرِ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ السَّتْرُ وَاجِبُ شَرْطٍ أَوْ لَا؟ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّهُ جَرَى خِلَافٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَقِيلَ: وَاجِبٌ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ. وَقِيلَ: وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ أَيْضًا، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا لَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ عَامِدًا قَادِرًا عَلَى السَّتْرِ فَعَلَى الشَّرْطِيَّةِ يُعِيدُ الْفَرْضَ لِبُطْلَانِهِ، وَعَلَى نَفْيِ الشَّرْطِيَّةِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، لَكِنْ يَأْثَمُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ دُونَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ.
قَالَ خَلِيلٌ: هَلْ سَتْرُ عَوْرَتِهِ بِكَثِيفٍ وَإِنْ بِإِعَادَةٍ أَوْ طَلَبٍ أَوْ نَجِسٍ وَحْدَهُ كَحَرِيرٍ وَهُوَ مُقَدَّمُ شَرْطٍ إنْ ذَكَرَ وَقَدَرَ وَإِنْ بِخَلْوَةٍ لِلصَّلَاةِ خِلَافٌ، وَمُقَابِلُ الشَّرْطِيَّةِ الْوُجُوبُ الْغَيْرُ الشَّرْطِيِّ كَمَا قَرَّرْنَا لَا السُّنَّةُ وَلَا الِاسْتِحْبَابُ وَإِنْ قِيلَ بِهِمَا لِضَعْفِهِمَا، وَالْخِلَافُ فِي الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَهِيَ مِنْ الرَّجُلِ السَّوْأَتَانِ وَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ وَمِنْ الْمُؤَخَّرِ مَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ، وَأَمَّا عَوْرَتُهُ الْمُخَفَّفَةُ فَهُوَ مِنْ الْمُؤَخَّرِ الْأَلْيَتَانِ وَمِنْ الْمُقَدَّمِ الْعَانَةُ وَمَا فَوْقَهَا لِلسُّرَّةِ عَلَى بِحَثٍّ فِيهِ، وَالْمُغَلَّظَةُ يُعِيدُ لِكَشْفِهَا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَبَدًا عَلَى الشَّرْطِيَّةِ، وَالْمُخَفَّفَةُ يُعِيدُ لِكَشْفِهَا فِي الْوَقْتِ فَقَطْ وَلَوْ عَمْدًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ شَرْطِيَّةِ سَتْرِهَا وَإِنْ وَجَبَ وَكَشْفُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَكَشْفِ كُلٍّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَلَاةِ الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ لِأَنَّ السَّتْرَ لِلصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَمَا عَدَا الْمُغَلَّظَةَ وَالْمُخَفَّفَةَ مِنْ جَسَدِ الرَّجُلِ يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ وَيُكْرَهُ كَشْفُهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ فَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَكْشُوفَ الْفَخِذِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، هَذَا بَيَانُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ) الْحُرَّةَ (مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) فِي خَلْوَةٍ أَوْ جَلْوَةٍ (الدِّرْعُ الْحَصِيفُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْكَثِيفُ الَّذِي لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ (السَّابِغُ) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ (الَّذِي يَسْتُرُ) جَمِيعَ جَسَدِهَا حَتَّى (ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) حَالَ وُقُوفِهَا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ بُطُونَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَسْتُورَاتٌ فَإِذَا سَجَدَتْ أَوْ جَلَسَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ سَتْرِهِمَا لِقَوْلِ مَالِكٍ رضي الله عنه: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ فِي الصَّلَاة إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا لِأَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ عَوْرَةٌ وَلَوْ شَعْرَهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ بِالْعِطْفِ عَلَى الدِّرْعِ (وَخِمَارٌ) بِالْخَاءِ الْمَكْسُورَةِ (تَتَقَنَّعُ بِهِ) أَيْ تُغَطِّي بِهِ رَأْسَهَا وَشَعْرَهَا وَعُنُقَهَا وَعَقْصَهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَجْعَلَ الْوِقَايَةَ فَوْقَ رَأْسِهَا وَتَتْرُكَ ذَقَنَهَا وَعُنُقَهَا مَكْشُوفِينَ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْخِمَارِ مِنْ الْكَثَافَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الدِّرْعِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَمِيعَ جَسَدِ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَصَّ عَلَى سَتْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُغَلَّظَ وَالْمُخَفَّفَ مِنْ جَسَدِهَا وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: مُغَلَّظَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ فَالْمُغَلَّظَةُ مَا عَدَا صَدْرَهَا وَأَطْرَافَهَا كَبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا وَلَوْ الْمُحَاذِي لِصَدْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَتُعِيدُ صَلَاتَهَا بِكَشْفِ جُزْءٍ مِنْهَا أَبَدًا عِنْدَ الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ، وَفِي الْوَقْتِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَتْرَهَا وَاجِبٌ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ وَالْمُخَفَّفَةُ نَحْوَ الصَّدْرِ وَالْأَطْرَافِ.
قَالَ خَلِيلٌ وَأَعَادَتْ لِصَدْرِهَا وَأَطْرَافِهَا بِوَقْتٍ كَكَشْفِ أَمَةٍ فَخْذًا لَا رِجْلًا، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ بَدَا صَدْرُهَا أَوْ شَعْرُهَا أَوْ ظَهَرَ قَدَمَيْهَا أَعَادَتْ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا أَبَدًا، وَقَيَّدْنَا الْمَرْأَةَ بِالْحُرَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الْأَمَةِ وَإِنْ بِشَائِبَةٍ فَإِنَّ عَوْرَتَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَةِ الْحُرَّةِ، إذْ الْمُغَلَّظَةُ مِنْهَا الْأَلْيَتَانِ وَمَا حَاذَاهُمَا مِنْ الْقَدَمِ وَتُعِيدُ لِكَشْفِهَا أَبَدًا، وَالْمُخَفَّفَةُ مِنْهَا الْفَخِذَانِ تُعِيدُ لِكَشْفِهِمَا أَوْ جُزْءٍ مِنْهُمَا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَا يُعِيدُ لِكَشْفِ
بِكَفَّيْهَا الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ مِثْلُ الرَّجُلِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْفَخِذِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُنْثَى أَقْبَحُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ فِي الصَّلَاةِ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بَيَانُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا مِنْ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَا تُعَادُ الصَّلَاةُ لِكَشْفِهِ مِنْهَا أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ الْمُصَنِّفُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهَا عَنْ النَّاسِ خَلَا زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِثْلِهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَحْرَمٍ لَهُ، وَالسُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ خَارِجَتَانِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَخِذَ مِنْ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَشْفُهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، كَمَا يَحْرُمُ تَمْكِينُ الدَّلَّاكِ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَشَدُّ مِنْ النَّظَرِ، وَسَيَأْتِي فِي الْمُصَنِّفِ: وَالْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْفَخِذُ عَوْرَةٌ حَقِيقَةً يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ الْخَاصَّةِ وَلَا يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ غَيْرِهَا، وَأَمَّا عَوْرَتُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ أَمَةً فَهِيَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَأَمَّا عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَعَهُ فَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّهُ يُنْظَرُ مِنْهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهِيَ تَرَى مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَالْفَرْقُ قُوَّةُ دَاعِيَتِهَا لِلرَّجُلِ وَخَفِيفُ دَاعِيَتِهِ لَهَا، وَأَمَّا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَعَ امْرَأَةٍ مِثْلِهَا فَكَعَوْرَةِ الرَّجُلِ مَعَ مِثْلِهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَافِرَةً فَعَوْرَتُهَا مَعَهَا جَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ أَمَتَهَا وَإِلَّا كَانَتْ عَوْرَتُهَا مَعَهَا كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ، وَعَوْرَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ أُنْثَى غَيْرِ كَافِرَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَهِيَ أَمَتُهَا، وَعَوْرَةُ الْأَمَةِ مَعَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأَنَّ عَوْرَةَ الْحُرَّةِ مَعَ الذُّكُورِ الْمُسْلِمِينَ الْأَجَانِبِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَمِثْلُ الْأَجَانِبِ عَبْدُهَا إذَا كَانَ غَيْرَ وَغْدٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يَرَى مِنْهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَأَمَّا مَعَ الْكَافِرِ غَيْرِ عَبْدِهَا فَجَمِيعُ جَسَدِهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَأَمَّا عَوْرَتُهَا مَعَ الْمَحْرَمِ أَوْ مَعَ عَبْدِهَا الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ إذَا كَانَ وَغَدًا فَجَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهَا مِنْهُمَا فَيَرَيَانِ مِنْهَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ وَتَرَى مِنْهُمَا مَا تَرَاهُ مِنْ مَحْرَمِهَا.
قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ: وَالْعَبْدُ الْوَغْدُ مَعَ سَيِّدَتِهِ كَالْمَحْرَمِ وَأَطْرَافُهَا كَرَأْسِهَا وَذِرَاعَيْهَا وَمَا فَوْقَ مَنْحَرِهَا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الَّذِي يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّهُ يَرَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَهِيَ تَرَى مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَيَرَى مِنْ مَحْرَمِهِ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ وَتَرَى مِنْهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَهِيَ تَرَى مِنْهُ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا شُهْرَةَ وَإِلَّا حُرِّمَ النَّظَرُ وَلَوْ لِأُمِّهِ أَوْ بِنْتِهِ.
الثَّالِثُ: قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ السَّتْرَ بِالْكَثِيفِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا يُطْلَبُ حَيْثُ الْقُدْرَةُ وَلَوْ بِالِاسْتِعَارَةِ وَأَوْلَى بِالشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ الْمُعْتَادِ حَيْثُ لَمْ يُحْتَجَّ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا اسْتَتَرَ بِالنَّجِسِ وَأَوْلَى الْحَرِيرُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا صَلَّى عُرْيَانًا، فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ عُرْيَانًا نُدِبَ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ خِلَافًا لِ خَلِيلٍ، كَمَا تُنْدَبُ الْإِعَادَةُ لِمَنْ صَلَّى بِحَرِيرٍ أَوْ نَجِسٍ ثُمَّ وَجَدَ ثَوْبًا غَيْرَ حَرِيرٍ أَوْ وَجَدَ مَنْ صَلَّى بِالْمُتَنَجِّسِ ثَوْبًا طَاهِرًا أَوْ مَاءً يُطَهِّرُ بِهِ الثَّوْبَ وَيُعِيدُ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَالْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَلَمَّا ذَكَرَ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَ مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ (تُبَاشِرَ بِكَفَّيْهَا الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ مِثْلَ الرَّجُلِ) وَيُكْرَهُ لَهُمَا سَتْرُهُمَا وَلَوْ بِالْكُمَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَجِرَاحَاتٍ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَيْهِمَا فَسُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسُنَّ عَلَى أَطْرَافِ قَدَمَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ كَيَدَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَيْهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ اُسْتُحِبَّ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ كَمَا قَالَ سَنَدٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُعَادُ فِي الْوَقْتِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَنْ سُنَّةٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَهُوَ فَرْضٌ، فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُ الْمَشْهُورَ حَدِيثُ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْيَدَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعَةِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «وَلَا أَكُفُّ الشَّعْرَ وَالثِّيَابَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ضَمَّ ثِيَابَهُ أَوْ شَعْرَهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَى الْيَدَيْنِ، وَلَا يُقَالُ: مِنْ جُمْلَةِ السَّبْعَةِ الْجَبْهَةُ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَيْهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَعَلَى مَا يَحْصُلَانِ بِهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَمَا يُطْلَبُ تَطْهِيرُهُ لِلصَّلَاةِ مِنْ ثَوْبٍ وَمَكَانٍ، شَرَعَ فِي بَيَانِ وَاجِبَاتِهِمَا وَصِفَاتِهِمَا مُقَدِّمًا الْكَلَامَ عَلَى الْوُضُوءِ فَقَالَ: