المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الأعذار المسقطة لقضاء الصلوات] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[الأعذار المسقطة لقضاء الصلوات]

وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي إغْمَائِهِ وَيَقْضِي مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِمَّا يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تَطْهُرُ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ طُهْرِهَا بِغَيْرِ تَوَانٍ خَمْسُ رَكَعَاتٍ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَرِيضُ لَا يَخَافُ عَلَى عَقْلِهِ عِنْدَ الثَّانِيَةِ، وَلَكِنْ (كَانَ الْجَمْعُ) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (أَرْفَقَ) أَيْ أَيْسَرَ (بِهِ لِبَطْنٍ بِهِ وَنَحْوِهِ) كَشِدَّةِ بَرْدٍ (جَمَعَ) جَوَازًا فِي (وَسَطِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهُوَ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى بِحَيْثُ إذَا سَلَّمَ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَيُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ وَيُسَمَّى الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ صُورِيًّا.

(وَ) جَمَعَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ (عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ) الْأَحْمَرِ فَيُوقِعُ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ بِنَاءً عَلَى امْتِدَادِهِ، وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ اخْتِيَارٍ بِهَا، وَالصَّحِيحُ فِعْلُ هَذَا الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَمْعًا حَقِيقِيًّا لِفِعْلِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَالْحَقِيقِيُّ مَا تُقَدَّمُ فِيهِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ أَوْ تُؤَخَّرُ كَمَا قَدَّمْنَا.

[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ وَبِالْأَوْلَى الْمَجْنُونُ (لَا يَقْضِي) وَاحِدٌ مِنْهُمْ (مَا خَرَجَ وَقْتُهُ) الضَّرُورِيُّ (فِي) زَمَنِ (إغْمَائِهِ) أَوْ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ الْحَلَالِ، كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ عَسَلًا أَوْ لَبَنًا لِعَدَمِ خِطَابِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.

(وَ) إنَّمَا (يَقْضِي) أَيْ يُؤَدِّي الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ (مَا) أَيْ الْفَرْضَ الَّذِي (أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ) وَفَسَّرْنَا يَقْضِي بِيُؤَدِّي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ، وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ لَا يُقَالُ لَهُ قَضَاءً، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ الْمُشَاكَلَةَ فَعَبَّرَ بِيَقْضِي لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَةِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُشَاكَلَةِ، نَظِيرُهُ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ أَوْ الضَّمِيرُ فِي وَقْتِهِ عَائِدٌ عَلَى مَا الْمُفَسَّرَةِ بِالْفَرْضِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الضَّمِيرَ، ثُمَّ بَيَّنَ أَقَلَّ الْقُدْرَةِ الَّذِي إذَا أَفَاقَ فِيهِ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ بِقَوْلِهِ:(مِمَّا يُدْرِكُ مِنْهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ (رَكْعَةً) بِسَجْدَتَيْهَا (فَأَكْثَرَ مِنْ الصَّلَوَاتِ) وَحَاصِلُ الْمَعْنَى بِإِيضَاحٍ: أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ إلَّا إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا فَأَكْثَرَ بَعْدَ تَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِهَا الَّتِي تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ الْإِغْمَاءُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَعْذُورُ غَيْرُ الْكَافِرِ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ، فَقَوْلُهُ: مِمَّا يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً يَعْنِي فِي جَانِبِ السُّقُوطِ وَالْإِدْرَاكِ مَعًا، فَالتَّقْدِيرُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ فِي إغْمَائِهِ مِمَّا لَا يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَيَقْضِي مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِمَّا يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ لِأَدَائِهِ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَمِقْدَارُ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الصِّحَّةُ لَمْ يَقْضِهِمَا لِإِغْمَائِهِ فِي وَقْتِهِمَا، وَإِنْ أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ هَذَا الْقَدْرُ قَضَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَفَاقَ فِي وَقْتِهِمَا، وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِقْدَارُ الطُّهْرِ وَأَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْضِهِمَا، وَإِذَا أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَضَاهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بِهِ الْإِدْرَاكُ بِهِ السُّقُوطُ.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الضَّرُورِيُّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتُدْرِكُ فِيهِ الصُّبْحَ بِرَكْعَةٍ لَا أَقَلَّ، وَالظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءَانِ إنْ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْأُولَى لَا الْأَخِيرَةِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ الْحَيْضَ وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ) وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ (تَطْهُرُ) أَيْ تَرَى كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَامَةَ الطُّهْرِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَلَا تَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِمَّا لَا تُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَتُؤَدِّي مَا طَهُرَتْ فِي وَقْتِهِ مِمَّا تُدْرِكُ فِيهِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ التَّشْبِيهِ قَوْلَهُ:(فَإِذَا) رَأَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ عَلَامَةَ الطُّهْرِ نَهَارًا وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ طُهْرِهَا) بِالْمَاءِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ، وَإِلَّا قُدِّرَ لَهَا الطُّهْرُ بِالتُّرَابِ (بِغَيْرِ تَوَانٍ) أَيْ تَرَاخٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ يُعْتَبَرُ زَمَنُ طُهْرِهَا عَلَى الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا لَا مَعَ سُرْعَةِ الْعَجَلَةِ وَلَا مَعَ التَّسَاهُلِ فِي الْفِعْلِ وَالْهَيْئَةِ وَفَاعِلُ بَقِيَ (خَمْسُ رَكَعَاتٍ) فِي الْحَضَرِ أَوْ ثَلَاثٌ فِي السَّفَرِ (صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهَا صَلَاتُهَا لِطُهْرِهَا فِي وَقْتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا تُدْرِكُ الْأُولَى بِقَدْرِهَا وَيَبْقَى لِلثَّانِيَةِ رَكْعَةٌ، فَلَوْ شَرَعَتْ فِي الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ تَظُنُّ إدْرَاكَ الصَّلَاتَيْنِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ صَلَّتْ الْعَصْرَ وَسَقَطَتْ الظُّهْرُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُمَا فَرَكَعَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَضَى الْأَخِيرَةَ، وَإِنْ تَطَهَّرَ فَأَحْدَثَ أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، أَوْ ذَكَرَ مَا تَرَتَّبَ فَالْقَضَاءُ، وَيُتِمُّ مَا شَرَعَ فِيهِ نَافِلَةً بِحَيْثُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدَ طُهْرِهَا أَنَّهُ يُقَدَّرُ لَهَا الطُّهْرُ زِيَادَةً عَلَى مَا تُدْرِكُ فِيهَا الرَّكْعَةَ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ غَيْرَ الْكَافِرِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَعْذُورُ غَيْرَ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ يُسْلِمُ فِي آخَرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى زَوَالِ مَانِعِهِ، وَفَائِدَةُ التَّقْدِيرِ السُّقُوطُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِلطُّهْرِ وَالرَّكْعَةِ وَعَدَمُهُ عِنْدَ اتِّسَاعِهِ لَهُمَا، وَكَمَا يُعْتَبَرُ مِقْدَارُ الطُّهْرِ فِي جَانِبِ الْإِدْرَاكِ يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي جَانِبِ السُّقُوطِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: وَالْمُرَادُ الطُّهْرُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَخَشْيَةِ فَوَاتِهِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَا يَنْتَقِلُ الشَّخْصُ لِلتَّيَمُّمِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخِطَابِ بِالصَّلَاةِ هُنَا، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ، وَأَخَّرَ فِعْلَهَا حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا، وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ أَدْرَكَ الْوَقْتَ بِرَكْعَةٍ، وَإِنْ تَوَضَّأَ

ص: 235

مِنْ اللَّيْلِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّهَارِ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّتْ الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ، وَإِنْ حَاضَتْ لِهَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ تَقْضِ مَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ حَاضَتْ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ أَوْ لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى رَكْعَةٍ قَضَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى فَقَطْ وَاخْتُلِفَ فِي حَيْضِهَا لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فَقِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقِيلَ إنَّهَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا تَقْضِيهِمَا

وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ

وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

خَرَجَ وَقْتُهَا فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُ نَوْعُ تَفْرِيطٍ فَشَدَّدَ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِ الْعُذْرِ فَخَفَّفَ عَنْهُ بِسُقُوطِهَا إنْ لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ لِلطُّهْرِ بِالْمَاءِ، هَذَا إيضَاحُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَيْضًا: وَأَفْهَمُ اقْتِصَارَهُ عَلَى الطُّهْرِ أَيْ طُهْرِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَيْضًا طُهْرُ الْخُبْثِ إنَّمَا يُطْلَبُ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ لَهُ سَتْرَ عَوْرَةٍ وَلَا اسْتِقْبَالَ قِبْلَةٍ وَلَا اسْتِبْرَاءَ وَاجِبٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِي كَلَامِ الشَّاذِلِيِّ مَا يَقْتَضِي اعْتِبَارَ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَانْظُرْهُ مَعَ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَمَفْهُومٌ بِغَيْرِ تَوَانٍ أَنَّهَا لَوْ تَرَاخَتْ فِي الْفِعْلِ، أَوْ كَانَتْ مُوَسْوِسَةً حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي يَسَعُ الطُّهْرَ الْمُعْتَادَ وَالرَّكْعَةَ لَوَجَبَ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ.

(وَإِنْ) رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ) بَعْدَ طُهْرِهَا بِالْمَاءِ بِغَيْرِ تَوَانٍ مَا يَسَعُ (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) وَلَوْ فِي السَّفَرِ (صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) لِإِدْرَاكِ الْمَغْرِبِ بِثَلَاثٍ وَتُبْقِي رَكْعَةً لِلْعِشَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ خَلِيلٍ أَنَّ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ يُدْرَكَانِ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْأُولَى عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَإِنْ كَانَ) الْبَاقِي (مِنْ النَّهَارِ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ) بَعْدَ طُهْرِهَا إنَّمَا يَسَعُ (أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْخَمْسِ فِي النَّهَارِ وَالْأَرْبَعِ فِي اللَّيْلِ (صَلَّتْ الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ) ، وَسَقَطَتْ الْأُولَى لِأَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ، وَلَمَّا كَانَ مَا بِهِ الْإِدْرَاكُ يَحْصُلُ بِهِ السُّقُوطُ قَالَ:(وَإِذَا حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ (لِهَذَا التَّقْدِيرِ) وَهُوَ الْخَمْسُ فِي النَّهَارِ بِعُذْرٍ مِنْ الطُّهْرِ أَوْ الْأَرْبَعُ فِي اللَّيْلِ مَعَ زَمَنِ الطُّهْرِ (لَمْ تَقْضِ مَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهِ) بَلْ يَسْقُطُ عَنْهَا الصَّلَاتَانِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَأُسْقِطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْرَ نَوْمٍ وَنِسْيَانِ الْمُدْرِكِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ زَمَنِ الطُّهْرِ لِمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يُقَدِّرُ الطُّهْرَ فِي جَانِبِ السُّقُوطِ كَمَا يُقَدِّرُ فِي جَانِبِ الْإِدْرَاكِ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُمَرَ: وَسَوَاءٌ أَخَّرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلَاةَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ رَجَاءَ أَنْ تَحِيضَ فِي وَقْتِهِمَا حَتَّى لَا تَقْضِيَهُمَا إلَّا أَنَّهَا تَأْثَمُ فِي الْعَمْدِ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ مِنْهَا: الْمُقِيمُ الْمُرِيدُ لِلسَّفَرِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاتَيْنِ لِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى يَقْصُرْهُمَا فَلَهُ قَصْرُهُمَا، وَمِنْهَا: مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فِي زَمَنِ الْحَرِّ فَأَرَادَ السَّفَرَ فِيهِ لِأَجْلِ الْفِطْرِ وَيَقْضِيهِ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ، وَمِنْهَا: مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ يَصِيرُ بِهِ مُسْتَطِيعًا فَتَصَدَّقَ بِهِ لَيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَأْثُومٌ، وَلَمْ يُعَامَلْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ، بِخِلَافِ الْخَلِيطَيْنِ يَقْصِدَانِ بِالْخَلْطَةِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ الْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُمَا يُؤَاخَذَانِ بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْخَلْطَةِ، وَمِثْلُهُمَا مَنْ أَبْدَلَ إبِلَهُ بِذَهَبٍ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَفَرَّقَ شَيْخُنَا مُحَمَّدٌ بَيْنَ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيْنَ مَسَائِلِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمُتَقَدِّمَةِ لِلَّهِ وَفِي مَسَائِلِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ.

(وَإِنْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ فِي آخِرِ الصَّلَاتَيْنِ (لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ) فِي الْحَضَرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ (فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ) بَعْدَ مِقْدَارِ زَمَنِ الطُّهْرِ (أَوْ) حَاضَتْ (لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى رَكْعَةٍ قَضَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى فَقَطْ) وَتَسْقُطُ الثَّانِيَةُ لِحَيْضِهَا فِي وَقْتِهَا، وَالْوَقْتُ إذَا ضَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إدْرَاكًا وَسُقُوطًا، وَتَقْضِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا تَرْتِيبٌ فِي ذِمَّتِهَا لِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَبْلَ الْمُسْقِطِ، فَهِيَ كَدَيْنٍ أُعْسِرَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بَلْ يَقْضِيهِ فِي يَسَارِهِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تَقْضِي الْأُولَى بَعْدَ الطُّهْرِ. (وَاخْتُلِفَ فِي حَيْضِهَا) أَيْ فِيمَا إذَا حَاضَتْ (لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ) مَعَ مَا يَسَعُ الطُّهْرَ (فَقِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ تَقْضِي الْأُولَى وَتَسْقُطُ الثَّانِيَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ.

(وَقِيلَ إنَّهَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا تَقْضِيهِمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ يُدْرَكَانِ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأُولَى يَجِبُ تَقْدِيمُهَا فِعْلًا فَيُقَدَّرُ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَتُدْرَكُ الصُّبْحُ بِرَكْعَةٍ فِي الضَّرُورِيِّ، وَالظُّهْرَانِ وَالْعِشَاءَانِ بِفَضْلِ رَكْعَةٍ عَنْ الْأُولَى لَا الْأَخِيرَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا مِنْ اعْتِبَارِ زَمَنِ الطُّهْرِ فِي جَانِبِ الْإِدْرَاكِ وَالسُّقُوطِ أَنَّ مَنْ أَخَّرَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِمَا بِحَيْثُ بَقِيَ خَمْسُ رَكَعَاتٍ إنَّمَا يَسْقُطَانِ عَنْهَا حَيْثُ كَانَتْ طَاهِرًا حِينَ حُصُولِ الْحَيْضِ لَا إنْ كَانَ عَلَيْهَا جَنَابَةٌ، بِحَيْثُ لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالْغُسْلِ لَمْ تُدْرِكْ سِوَى أَرْبَعٍ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ الثَّانِيَةُ وَتَقْضِي الْأُولَى، وَلَوْ كَانَتْ أَخَّرَتْهُمَا عَمْدًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَعُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ لِمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ التَّيَمُّمُ لِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ مَحَلُّهَا بَابَ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَيْقَنَ) أَيْ جَزَمَ (بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي) طَرَيَانِ (الْحَدَثِ) الْمُرَادُ النَّاقِضُ وَلَوْ سَبَبًا سِوَى الرِّدَّةِ فَيَشْمَلُ الشَّكَّ فِي نَوْمِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ مَسِّ ذَكَرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّوَاقِضِ.

ص: 236

وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ بِالْقُرْبِ أَعَادَ ذَلِكَ وَمَا يَلِيهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ أَعَادَهُ فَقَطْ

وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَبْتَدَأَ

ــ

[الفواكه الدواني]

(ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَيَشُكُّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ إلَّا الْمُسْتَنْكَحَ، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ عَلَى حَدٍّ سِوَى فَلَا يَلْزَمُ الْوُضُوءُ بِتَوَهُّمِ الْحَدَثِ مَعَ ظَنِّ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ ظَنَّ الْحَدَثَ أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ وَفِي عَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ فِي الرِّدَّةِ لِعَدَمِ حُصُولِهَا بِالشَّكِّ، وَفُهِمَ مِنْ إيجَابِ الْوُضُوءِ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ إيجَابُهُ فِي عَكْسِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي حُصُولِ الطَّهَارَةِ أَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا أَوْ شَكَّ فِيهِمَا، أَوْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ، وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ بَابِ أَحْرَى؟ وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّكَّ حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةَ، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُتَيَقِّنًا الطَّهَارَةَ، ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي النَّاقِضِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي فِيهَا، وَبَعْدَ تَمَامِهَا إنْ بَانَ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ يُعِدْهَا، وَإِنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ أَعَادَهَا وُجُوبًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ مُؤَثِّرٌ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ أَمَتِهِ أَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ الرَّضَاعِ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ.

قَالَهُ الْوَانْشَرِيسِيُّ، وَإِنَّمَا أَثَّرَ فِي الشَّرْطِ دُونَ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ مُحَقَّقَةٌ فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَالْمَانِعُ يَطْرَأُ عَلَى أَمْرٍ مُحَقَّقٍ، وَهُوَ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْمِلْكُ مِنْ الرَّقِيقِ فَلَا تَنْقَطِعُ بِأَمْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ.

الثَّانِي: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا صَلَّى شَاكًّا فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَالَ مَالِكٌ: صَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّهَارَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلِمْت أَمْ لَا؟ وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: بَاطِلَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَامِلٍ عَلَى قَصْدِ الصِّحَّةِ.

الثَّالِثُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ إشْكَالٌ بَيَانُهُ إيهَامُ أَنَّ جُمْلَةَ وَشَكَّ فِيهِ حَالِيَّةٌ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِثُمَّ بَدَلِ الْوَاوِ، وَلِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ الشَّكَّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْيَقِينِ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْمُصَنِّفِ، وَعِبَارَةُ خَلِيلٍ خَالِيَةٌ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَلَفْظُهَا: وَيَشُكُّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى مَا يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ فِي الْمَزْجِ بِقَوْلِنَا: فِي حُصُولِ الْحَدَثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ طَرَأَ بَعْدَ الْيَقِينِ فَتَصِيرُ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ خَلِيلٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ) نَسِيَهُ حَالَ الْوُضُوءِ، أَوْ شَكَّ فِي نِسْيَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَحًا (فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ التَّذَكُّرُ (بِالْقُرْبِ) مِنْ وُضُوئِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تَجِفَّ أَعْضَاؤُهُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ وَالْمُعْتَبَرُ آخِرُ الْأَعْضَاءِ غَسْلًا (أَعَادَ ذَلِكَ) وُجُوبًا وَمَعْنَى الْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَيَأْتِي بِهِ بِنِيَّةِ إتْمَامِ وُضُوئِهِ، وَيَفْعَلُهُ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَغْسُولًا، سَوَاءٌ كَانَ عُضْوًا كَامِلًا أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ.

(وَ) أَعَادَ (مَا يَلِيهِ) اسْتِنَانًا لِأَجَلِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ سُنَّةٌ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَيَغْسِلُهُ مَرَّةً إنْ كَانَ غَسَلَهُ أَوَّلًا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَسَلَهُ مَرَّةً بِغَسْلِهِ مَرَّتَيْنِ.

(وَ) مَفْهُومُ بِالْقُرْبِ (إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ) بِأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ جَفَافِ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ آخِرًا (أَعَادَهُ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى فِعْلِ الْمَتْرُوكِ (فَقَطْ) ، وَلَا يَغْسِلُ مَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُرْبِ، وَقَيَّدْنَا هَذَا بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكَحِ فَإِنَّهُ إنْ شَكَّ فِي تَرْكِ عُضْوٍ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَلَا يَغْسِلُهُ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: يُطْلَبُ مِنْ النَّاسِي أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَنْسِيَّ فَوْرًا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَفْعَلُهُ حِينَ يَذْكُرُهُ فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الذِّكْرِ حَتَّى طَالَ فَسَدَ وُضُوءُهُ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ أَوْ كَانَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الْمُتَكَرِّرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ يُعْذَرُ بِهِ فَيَفْعَلُ الْمَنْسِيَّ وَحْدَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ فَرْعُ سَحْنُونٍ الْمَشْهُورِ بَيْنَ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ: مَنْ صَلَّى الْخَمْسَ بِوُضُوءٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَذَكَرَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ وُضُوءِ أَحَدِهَا مَسَحَهُ وَأَعَادَ الْخَمْسَ، فَلَوْ أَعَادَهَا نَاسِيًا مَسَحَهُ مَسْحَةً وَأَعَادَ الْعِشَاءَ فَقَطْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ إحْدَى الْأَرْبَعِ فَقَدْ أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ الْكَامِلِ وَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ الْمَتْرُوكُ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْمَسْحِ الثَّانِي اهـ.

وَاعْتَرَضَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعْذَرْ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: لِأَنَّ مَعَهُ نَوْعًا مِنْ التَّفْرِيطِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي جَوَابِهِ: لَا مَانِعَ مِنْ بِنَاءِ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ، وَمِثْلُ فَرْعِ سَحْنُونٍ: لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ لِلْعِشَاءِ، ثُمَّ بَعْدَ صَلَاتِهَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ وَأَعَادَ الْخَمْسَ نَاسِيًا مَسْحَ رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ فَقَطْ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فُعِلَتْ مَرَّتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ قَطْعًا. قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ

ص: 237

الْوُضُوءَ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ

وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَوُضُوءَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ

ــ

[الفواكه الدواني]

بِالشَّيْءِ أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا يَلِي الْمَتْرُوكَ يُعَادُ مَعَ الْقُرْبِ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فِيمَا يَلِي اللُّمْعَةَ هَلْ هُوَ بَقِيَّةُ الْعُضْوِ الْمَتْرُوكِ مِنْهُ، أَوْ الْعُضْوُ الَّذِي يَلِي الْعُضْوَ الْمَتْرُوكَ مِنْهُ اللُّمْعَةُ؟ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، فَتُغْسَلُ اللُّمْعَةُ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ، وَيُعِيدُ الْعُضْوَ الْمَوَالِيَ لِعُضْوِ اللُّمْعَةِ، وَلَا يَغْسِلُ بَقِيَّةَ مَا تَرَكَ مِنْهُ اللُّمْعَةُ، فَلَوْ نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ يَدٍ مَثَلًا، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ مِنْ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى غَسَلَهَا مِنْ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا، وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُمَا لِآخِرِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ نَسِيَهَا مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَمْ يَدْرِ مَحَلَّهَا غَسَلَ الْعُضْوَ كُلَّهُ.

(وَ) مَفْهُومُ إنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ (إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) أَيْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ (ابْتَدَأَ) وُجُوبًا (الْوُضُوءَ إنْ طَالَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنُ التَّرْكِ فَتَخَلَّصَ أَنَّ التَّارِكَ لِشَيْءٍ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً يَبْنِي مَا فَعَلَ مَعَ النِّسْيَانِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْعَجْزِ فَإِنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَنَى بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا، وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يَطُلْ بِجَفَافِ أَعْضَاءٍ بِزَمَنِ اعْتَدِلْ، وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ مَعَ الطُّولِ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ وُجُوبِهَا مَعَ الذِّكْرِ، وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا تَجِبُ، فَلِذَا بَنَى مَعَ النِّسْيَانِ وَلَوْ طَالَ زَمَنُ التَّرْكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَتْرُوكِ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا، وَمَفْهُومُ إنْ طَالَ إنْ لَمْ يَطُلْ لَا يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ، وَيَأْتِي بِالْمَتْرُوكِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِوُجُودِهَا، وَتُسَنُّ إعَادَةُ مَا بَعْدَهُ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، فَصَارَ الْعَمْدُ كَالنِّسْيَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ مَعَ الطُّولِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَرِيضَةَ الْمُوَالَاةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْفَوْرِ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِالْوُضُوءِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مُتَفَاحِشٍ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَدَّرَ بِهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَهَلْ الْمُوَالَاةُ وَاجِبَةٌ إنْ ذَكَرَ وَقَدَّرَ إلَخْ، وَوَجَبَ الْأَخْذُ أَنَّهُ أَوْجَبَ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ مَعَ الْعَمْدِ فِي حَالِ الطُّولِ وَالْبِنَاءَ فِي حَالِ النِّسْيَانِ مُطْلَقًا، وَحَمَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ أَيْضًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَا يُقَالُ: الْمُصَنِّفُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ ابْتِدَاءٌ فِي كَلَامِهِ الْأَصْلِ فِي الْوُجُوبِ، خِلَافًا لِسَيِّدِي أَحْمَدَ زَرُّوقٍ وَسَيِّدِي يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِمَا: يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ فِي حَالِ الْعَمْدِ مَعَ الطُّولِ، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ التَّهَاوُنَ بِالسُّنَنِ كَالتَّهَاوُنِ بِالْفَرَائِضِ، وَتَبِعَا فِي كَلَامِهِمَا ابْنَ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَعَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا يَبْتَدِيهِ وَلَوْ فَرَّقَهُ عَامِدًا، وَإِنَّمَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُ نَاسِيًا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ جَمِيعِ سُنَنِ الْوُضُوءِ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُوَالَاةُ شُهِرَتْ فَرْضِيَّتُهَا فَعَظُمَ أَمْرُهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَابَلَ الْمُصَنِّفُ التَّرْكَ نِسْيَانًا الْمَفْهُومُ مَنْ ذَكَرَ بِالْمُتَعَمِّدِ، وَخَلِيلٌ قَابَلَهُ بِالْعَاجِزِ، وَأَمَّا الْأَوْلَى مِنْهُمَا مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْقُولِ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ فَأَقُولُ: الْأَوْلَى مُقَابَلَةُ النَّاسِي بِالْعَاجِزِ لِيَكُونَ نَصًّا عَلَى الْمُتَوَهَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَابَلَهُ بِالْعَامِدِ كَ الْمُصَنِّفِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعَاجِزَ كَالنَّاسِي يَبْنِي مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا قَابَلَهُ بِالْعَاجِزِ عُلِمَ بِالْأَوْلَى بِنَاءَ الْمُتَعَمَّدِ، وَلَا يُقَالُ: الْمُقَابَلَةُ بِالْعَاجِزِ تُوهِمُ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ سَائِرَ الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الْفَوْرِيَّةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ فَافْهَمْ، نَعَمْ أَلْحَقُوا الْمَكْرُوهَ عَلَى التَّرْكِ بِالنَّاسِي، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ بِمُطْلَقِ التَّخْوِيفِ بِالْأَمْرِ الْمُؤْلِمِ مِنْ ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ، وَصَوَّرُوا التَّفَرُّقَ بَيْنَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ عَجْزًا بِأَنْ يُعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فَيُغْصَبُ مِنْهُ أَوْ يُرَاقُ أَوْ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ مَا يَكْفِيهِ، وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لِلتَّفْرِيقِ كَالْعَاجِزِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ، وَيَجِبُ ابْتِدَاءُ الْوُضُوءِ مَعَ الطُّولِ، بِخِلَافِ مَنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَقْطَعُ بِكِفَايَتِهِ فَيُرَاقُ عَلَيْهِ أَوْ يُغْضَبُ مِنْهُ فَهَذَا كَالنَّاسِي كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ، فَإِنْ قِيلَ.

وُجُوبُ الْمُوَالَاةِ مَشْرُوطٌ بِالذِّكْرِ وَمَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ افْتَرَقَا عِنْدَ التَّخَلُّفِ إذْ يُبْنَى مُطْلَقًا عِنْدَ عَدَمِ الذِّكْرِ وَهُوَ النِّسْيَانُ، وَأَمَّا عِنْدَ فَقْدِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ إنَّمَا يُبْنَى عِنْدَ الْقُرْبِ، وَكَانَ مُقْتَضَى شَرْطِيَّةِ الْقُدْرَةِ كَالذِّكْرِ الْبِنَاءَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْعَجْزِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَاجِزَ عِنْدَهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ بِعَدَمِ احْتِيَاطِهِ بِتَكْثِيرِ الْمَاءِ أَوْ بِالتَّحَفُّظِ مِمَّنْ يُرِيقُهُ أَوْ يَغْصِبُهُ، فَشَابَهُ الْمُتَعَمِّدَ لَتَرْكِ الْمُوَالَاةِ فَافْهَمْ.

الثَّانِي: التَّارِكُ لِبَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَمْدًا أَوْ عَجْزًا إنَّمَا أُمِرَ بِابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الطُّولِ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ، وَذَلِكَ التَّرْكُ يَشْمَلُ تَرْكَ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، وَغَسْلُ مَا بَعْدَهُ لَكِنْ بَعْدَ تَفْرِيقٍ فَاحِشٍ، وَيَشْمَلُ مَا إذَا غَسَلَ أَوَّلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَشْرَعْ فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى جَفَّ الْأَوَّلُ، فَهَذَا أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ التَّارِكِ جُمْلَةً فَيَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ كَالْأَوَّلِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْوُضُوءِ بَلْ مِثْلُهُ الْغُسْلُ فِي التَّفْصِيلِ، فَإِنْ تَرَكَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ فَإِنَّهُ مَعَ التَّرْكِ نِسْيَانًا أَوْ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ يَبْنِي بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْغُسْلِ، وَلَوْ مَعَ الطُّولِ وَيَبْتَدِيهِ مَعَ التَّفْرِيقِ عَمْدًا، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِعْلِ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْغُسْلِ لَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ، وَيُغْسَلُ الْمَتْرُوكُ مَرَّةً وَاحِدَةً إلَّا الرَّأْسَ فَتُثَلَّثُ لِطَلَبِ التَّثْلِيثِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَمِثْلُ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ

ص: 238

وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَطَاوَلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ

وَمَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ حَصِيرٍ وَبِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَالْمَرِيضُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمُنْدَرِجَةُ فِي الْغُسْلِ تُفْعَلُ مَرَّةً، وَأَمَّا الْوُضُوءُ السَّابِقُ عَلَى الْغُسْلِ فَيَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْوُضُوءِ.

الثَّالِثُ: قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: اعْلَمْ أَنَّ تَارِكَ الْمُوَالَاةِ وَتَارِكَ بَعْضِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَالْمُنَكِّسَ سَوَاءٌ فِي إعَادَةِ مَا حَصَلَ فِيهِ الْخَلَلُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ وَحْدَهُ إنْ حَصَلَ الْبُعْدُ، وَفِي إعَادَتِهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ وَغَيْرِهِ.

الرَّابِعُ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا النِّيَّةَ فَإِنَّهُ إذَا ذَكَرَهَا أَوْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ طُولٌ وَلَا يَعْتَدُّ بِشَيْءٍ مِمَّا فَعَلَهُ دُونَ تَحَقُّقِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا إذَا كَانَ صَلَّى قَبْلَ فِعْلِ الْمَتْرُوكِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ تَرْكِ بَعْضِ مَفْرُوضَاتِ الْوُضُوءِ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَبْلَ فِعْلِهِ (أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا) إنْ كَانَتْ مَفْرُوضَةً لِفِعْلِهَا قَبْلَ تَمَامِ طَهَارَتِهِ.

(وَ) أَعَادَ (وُضُوءَهُ) إنْ كَانَ طَوَّلَ مَعَ الْعَمْدِ أَوْ الْعَجْزِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ التَّرْكُ نِسْيَانًا أَوْ إكْرَاهًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ صَلَاتَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ، وَأَشَارَ إلَى حُكْمِ تَرْكِ غَيْرِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ سَابِقًا: وَمَنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ فَقَالَ: (وَإِنْ ذَكَرَ) مِنْ وُضُوئِهِ بَعْدَ تَمَامِهِ شَيْئًا مِمَّا لَيْسَ فَرِيضَةً بَلْ (مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) بَلْ (وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ سُنَّةٌ، وَلَمْ يُنِبْ عَنْهُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُوجِبًا لِتَكْرِيرِ الْمَسْحِ (فَإِنْ كَانَ) التَّذَكُّرُ (قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَنْسِيَّ اسْتِنَانًا حَيْثُ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ قُرْبَةٍ، لَا إنْ كَانَ مُرَادُهُ نَقْضَ طَهَارَتِهِ.

(وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ) سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَسَوَاءٌ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّنَنِ فِيمَا بَيْنَهَا أَوْ مَعَ الْفَرَائِضِ مَنْدُوبٌ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ تَمَضْمَضَ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ وَجْهِهِ، وَمِثْلُ تَحَقُّقِ النِّسْيَانِ الشَّكُّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَحًا (وَإِنْ تَطَاوَلَ) أَيْ بَعُدَ مَا بَيْنَ وُضُوئِهِ وَتَذَكُّرِهِ (فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَنْسِيَّ وَحْدَهُ (لِمَا يُسْتَقْبَلُ) مِنْ الصَّلَوَاتِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أَتَى بِهِ وَبِالصَّلَاةِ وَسُنَّةً فَعَلَهَا لِمَا يُسْتَقْبَلُ، كَأَنْ يُذْكَرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَنَّهُ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ السُّنَنِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا الْوُضُوءِ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ فِعْلُ السُّنَّةِ الْمَتْرُوكَةِ، وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الطَّوَافُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْأُجْهُورِيُّ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ مَعَ الْقُرْبِ يَفْعَلُ الْمَتْرُوكَ مِنْ السُّنَنِ حَيْثُ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا، وَأَمَّا مَعَ الطُّولِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْ الطَّوَافَ، وَقَيَّدْنَا بِاَلَّتِي لَمْ يُنِبْ عَنْهَا غَيْرَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الِاسْتِنْثَارِ، وَمِثْلُهُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُمَا غَيْرُهُمَا، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ رَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَكْرَارَ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَكَذَا تَجْدِيدُ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَطَّابُ خِلَافًا لِلزَّرْقَانِيِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ نَسِيَ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ وَذَكَرَهُمَا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ شُيُوخِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِيهِ، وَالرَّاجِحُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّهُ يَفْعَلُ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ، وَلَا يُؤَخِّرُ إلَى تَمَامِ الْوُضُوءِ، وَإِذَا كَانَ التَّذَكُّرُ بَعْدَ تَمَامِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُعِيدُهُ، وَإِذَا كَانَ فِي أَثْنَائِهِ كَمَّلَهُ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْ فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ، وَأَمَّا الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ: يُكَمِّلُ الْوُضُوءَ وَيَفْعَلُ السُّنَّةَ الْمَتْرُوكَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، وَكُلٌّ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ وَالذَّخِيرَةِ مَفْرُوضٌ فِي النَّاسِي، وَأَمَّا الْعَامِدُ فَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ السُّنَّةَ الْمَتْرُوكَةَ سَرِيعًا وَلَا يُؤَخِّرُهَا إلَى تَمَامِ الْوُضُوءِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ: وَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَمَفْرُوضٌ فِي حَالِ الطُّولِ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ كَمَا عَلِمْت.

(وَ) إذَا كَانَ قَدْ صَلَّى بِهَذَا الْوُضُوءِ الْمَتْرُوكِ بَعْضَ سُنَنِهِ (لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) الْمَتْرُوكَ مِنْ السُّنَنِ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا حَيْثُ كَانَ تَرْكُهَا نِسْيَانًا، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا وَلَوْ جَمِيعَ السُّنَنِ، وَصَلَّى فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ، لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ سُنَنِ الْوَسِيلَةِ عَنْ سُنَنِ الْمَقْصِدِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَالَ فِي الْوُضُوءِ: «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا يُعِيدُ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ فِي تَرْكِ السُّنَنِ: لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ سُنَنِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ حَيْثُ فُعِلَتْ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَأَمَّا لَوْ انْدَرَجَتْ فِي الْغُسْلِ فَلَا يَفْعَلُ مَا تَرَكَهُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، كَذَا يَنْبَغِي فِي تَرْكِ السُّنَنِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ حُصُولُ

ص: 239