المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت]

يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ

وَاللَّحْدُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّقِّ وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ لِلْمَيِّتِ تَحْتَ الْجَرْفِ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْقَبْرِ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ تُرْبَةً صَلْبَةً لَا تَتَهَيَّلُ وَلَا تَتَقَطَّعُ وَكَذَلِكَ فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ــ

[الفواكه الدواني]

حَجَرٍ عَلَيْهِ بِلَا نَقْشٍ وَإِلَّا كُرِهَ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْشُ بِقُرْآنٍ فَتَظْهَرُ الْحُرْمَةُ خَوْفَ الِامْتِهَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ، وَهِيَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى خُصُوصِ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسٌ عَلَى الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْقُبَبُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُضْرَبُ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهَا فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى دَفْنِ الْأَمْوَاتِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَى مَا هُوَ حَقٌّ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ.

(وَ) كَمَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يُكْرَهُ (تَجْصِيصُهَا) أَيْ تَبْيِيضُهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لَنَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ «نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ» ، وَمَا وَرَدَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكُونُ عَلَى الْقَبْرِ تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهِ مَا لَمْ يُجَصَّصْ فَإِنْ جُصِّصَ تَرَكُوا الِاسْتِغْفَارَ، وَعَلَى هَذَا كُلِّهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَتَطْيِينُ قَبْرٍ وَتَبْيِيضُهُ وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَحْوِيزٌ فَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ، وَجَازَ لِلتَّمْيِيزِ كَحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ بِلَا نَقْشٍ إلَّا كُرِهَ،

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ حُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وُجُوبُ مُوَارَاةِ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ أَبُوهُ كَافِرًا وَتَغْسِيلُهُ قَالَ: (وَلَا يُغَسِّلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ (الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ) وَأَوْلَى غَيْرُ الْأَبِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ (وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْبِرِّ سَقَطَ بِمَوْتِهِ وَقَبْرُهُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ بَلْ يَتْرُكُهُ إلَى أَهْلِ دِينِهِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ) عَلَيْهِ (أَنْ يَضِيعَ) بِتَرْكِ مُوَارَاتِهِ (فَلْيُوَارِهِ) وُجُوبًا بِكَفْنِهِ وَدَفْنِهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَعَرَّةِ وَلَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا وَلَا قِبْلَتَهُ، وَالنَّهْيُ عَمَّا ذُكِرَ لِلتَّحْرِيمِ، وَالْكَافِرُ يَتَنَاوَلُ الْحَرْبِيَّ خِلَافًا لِبَعْضٍ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ «أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا مَاتَ جَاءَ وَلَدُهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: اذْهَبْ فَوَارِهِ» ، وَالْمَقَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُوَارَاتِهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ مَنْ يُبَاشِرُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِهِ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرَ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ مُوَارَاتُهُ عِنْدَ خَوْفِ ضَيْعَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وُجُوبُ مُوَارَاتِهِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ عَلَيْهِ عَامٌّ حَتَّى فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ وَغَيْرَهُ كَخَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يُغَسِّلُ مُسْلِمٌ أَبًا كَافِرًا وَلَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ إلَّا أَنْ يَضِيعَ فَلْيُوَارِهِ إنَّمَا نَصَّ الْمُتَوَهِّمُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَتْ مُوَارَاتُهُ لَا تَجِبُ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ فَالْأَجْنَبِيُّ أَحْرَى؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ مُوَارَاةِ الْآدَمِيِّ فَافْهَمْ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ فِي مَحَلِّ الدَّفْنِ فَقَالَ (وَاللَّحْدُ أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الشَّقِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْدُ أَحَبَّ لِخَبَرِ:«اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» وَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَهُ لِنَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ «كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْحَدُ وَالْآخَرُ يَشُقُّ فَقَالَتْ الصَّحَابَةُ: أَيُّهُمَا جَاءَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ فَجَاءَ الَّذِي يَلْحَدُ فَلَحَدَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم» وَأَفْعَلُ التَّفْضِيل لَيْسَ عَلَى بَابِهِ كَمَا تَقْتَضِيه الْأَدِلَّةُ، وَفَسَّرَ اللَّحْدَ بِقَوْلِهِ:(وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ (لِلْمَيِّتِ تَحْتَ الْجُرْفِ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْقَبْرِ) أَيْ فِي جَانِبِ الْحَائِطِ الْكَائِنِ فِي الْقِبْلَةِ. (وَذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَحَبِّيَّةِ اللَّحْدِ عَلَى الشَّقِّ (إذَا كَانَتْ) الْمَقْبَرَةُ (تُرْبَةً صَلْبَةً) أَيْ (تَتَهَيَّلُ) كَالرَّمْلِ (وَ) لَا (تَتَقَطَّعُ) أَيْ تَسْقُطُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِلَّا كَانَ الشَّقُّ أَفْضَلَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَحْفِرَ حُفْرَةً فِي وَسَطِ الْقَبْرِ وَيَبْنِيَ جَانِبَاهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهَا وَيُسَدُّ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ فَوْقَ الْجَانِبَيْنِ كَالسَّقْفِ بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَلِأَجْلِ فَضْلِ اللَّحْدِ (فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) . (خَاتِمَةٌ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ غَايَةَ الْقَبْرِ وَبَيَّنَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَأَقَلُّهُ مَا مَنَعَ رَائِحَتَهُ وَحَرَسَهُ، وَيُسْتَحَبُّ عَدَمُ عُمْقِهِ وَكَوْنُهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ سَبْخَةٍ لِسُرْعَةِ الْبَلَاءِ فِيهَا، وَاَلَّتِي لَا تُبْلَى أَفْضَلُ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.

[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ شَرَعَ فِيمَا يَكُونُ بَعْدَهُمَا وَهُوَ الصَّلَاةُ بِقَوْلِهِ:

ص: 292

بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ

وَالتَّكْبِيرُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُنَّ وَإِنْ رَفَعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ

وَإِنْ شَاءَ دَعَا بَعْدَ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) كَيْفِيَّةِ (الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ اتِّفَاقًا وَهُوَ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِكَسْرِهَا عَلَى الْأَفْصَحِ؛ لِأَنَّ فَعَالَةَ بِالْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ أَوْ الضَّمِّ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ.

قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبِفَعَائِلَ اجْمَعْنَ فَعَاله وَشِبْهُهُ ذَا تَاءٍ أَوْ مُزَالَهُ كَسَحَابَةٍ وَرِسَالَةٍ وَكُنَاسَةٍ وَعَجُوزٍ وَصَحِيفَةٍ، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْمَيِّتِ وَحْدَهُ وَعَلَى النَّعْشِ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا خُصُوصُ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ.

(وَ) فِي ذِكْرِ (الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) وَاسْتَشْكَلَ ذِكْرُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نِيَّةٍ وَتَكْبِيرٍ وَدُعَاءٍ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَسَلَامٍ وَقِيلَ وَقِيَامٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَهُوَ جَائِزٌ، وَلَيْسَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا يُقَالُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالدُّعَاءُ لَهَا بَدَلُ قَوْلِهِ لِلْمَيِّتِ لِيَكُونَ الضَّمِيرُ مُطَابِقًا لِلْجَنَائِزِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا جَمْعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَتْ الْجَنَائِزُ تُطْلَقُ عَلَى الْأَمْوَاتِ فَقَطْ وَعَلَى النُّعُوشِ وَالْأَمْوَاتِ عَلَيْهَا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَلَى بُعْدِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى النُّعُوشِ مَعَ الْأَمْوَاتِ، مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى نُعُوشٍ، وَأَفْرَدَ الْمَيِّتَ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْجَنَائِزِ لِلْجِنْسِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ جُمَلٍ أَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَدَلِيلُ الْفَرِيضَةِ مَفْهُومُ قَوْله تَعَالَى:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَفْهُومُ ضِدُّ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

(تَنْبِيهَانِ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إمَامًا، وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَصِيٌّ رُجِيَ خَيْرُهُ، ثُمَّ الْخَلِيفَةُ لَا فَرْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ خُطْبَةٍ، ثُمَّ أَقْرَبُ الْعَصَبَةِ كَالنِّكَاحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالثَّانِي: شُرُوطُهَا كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ ذَاتِ الْأَرْكَانِ، وَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَتَجِبُ قَبْلَ دَفْنِهِ فَإِنْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ حَيْثُ لَمْ يُتَيَقَّنْ ذَهَابُهُ وَلَوْ بِأَكْلِ السَّبُعِ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهَا جَمَاعَةٌ بَلْ تُسْتَحَبُّ فَقَطْ، وَإِذَا حَصَلَ لِلْإِمَامِ مُوجِبُ الِاسْتِخْلَافِ اسْتَخْلَفَ، وَإِذَا ذَكَرَ فَائِتَةً تَمَادَى عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ أَمْرِهَا، وَطَلَبُ الْإِسْرَاعِ بِالْجَنَائِزِ وَأَرْكَانِهَا الْمُتَّفِقِ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرُ وَالدُّعَاءُ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَلَوْ مِنْ الْمَأْمُومِ وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْقِيَامُ إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا مِنْ جُلُوسٍ أَوْ رُكُوبٍ اخْتِيَارًا أُعِيدَتْ، هَكَذَا قَالَهُ عِيَاضٌ وَابْنُ الْحَاجِّ وَزَرُّوقٌ وَالْقَرَافِيُّ وَسَنَدٌ بِنَاءً عَلَى فَرْضِيَّتِهَا،

وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ تِلْكَ الْأَرْكَانِ إلَّا التَّكْبِيرَ وَالدُّعَاءَ وَالسَّلَامَ حَيْثُ قَالَ: (وَ) عَدَدُ (التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ وَلَوْ مَأْمُومًا، وَتُمْنَعُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ. فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى أَرْبَعٍ، وَاسْتَقَرَّ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْأَرْبَعِ، وَمَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ، فَلَوْ زَادَ الْإِمَامُ عَلَى الْأَرْبَعِ لَمْ يَنْظُرْهُ مَأْمُومُهُ بَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ سَوَاءٌ زَادَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَسَوَاءٌ كَانَ يَرَى الزِّيَادَةَ مَذْهَبًا أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَالظَّاهِرُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ تَبَعًا لِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلَوْ أَتَى الْمَأْمُومُ بِالرَّابِعَةِ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَ الْإِمَامُ سَاهِيًا سَبَّحَ لَهُ الْمَأْمُومُ فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ كَمَّلَ صَلَاتَهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ وَطَالَ إلَّا أَنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ فَيَبْنِي بِأَنْ يَرْجِعَ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ يُكْمِلُهَا بِتَكْبِيرِ الرَّابِعَةِ إنْ سَلَّمَ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ يُسَلِّمُ بَعْدَ تَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا سُجُودُ سَهْوٍ فِي زِيَادَةِ كَلَامٍ أَوْ سَلَامٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِي ذَاتِ

ص: 293

الْأَرْبَعِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ مَكَانَهُ

وَيَقِفُ الْإِمَامُ فِي الرَّجُلِ عِنْدَ وَسَطِهِ وَفِي الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا

وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ خَفِيَّةٌ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ

وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ وَقِيرَاطٌ فِي حُضُورِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ التَّمَثُّلُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدِ ثَوَابًا

وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاسِعٌ وَمِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ (يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُنَّ) أَيْ التَّكْبِيرَاتِ (وَإِنْ رَفَعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ) بِهِ إذْ غَايَةُ مَا حَصَلَ مِنْهُ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الرَّفْعُ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ لِمَا غَيْرُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُنَّ.

1 -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى إحْرَامٌ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لَا إحْرَامَ لَهَا؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ إدْخَالُهَا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَسْتَأْنِفُ لَهَا صَلَاةً بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الْأُولَى، فَقَدْ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: لَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ ثَانِيَةٌ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يُشْرِكُ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ مَعَ الْأُولَى فِي الدُّعَاءِ، وَقِيلَ يَجُوزُ إدْخَالُهَا فِي الدُّعَاءِ مَعَ الْأُولَى، وَنَقَلَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ، وَلَعَلَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ جَوَازِ إدْخَالِهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهَا صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ كَلَامُ التَّهْذِيبِ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ النِّيَّةَ وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهَا، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ رُكْنِيَّتَهَا ضَرُورِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَعْمَالِ وَصِحَّتُهَا بِالنِّيَّةِ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَرُكْنُهَا النِّيَّةُ وَأَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَالدُّعَاءُ وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ وَسَمْعُ الْإِمَامِ مَنْ يَلِيه وَصَبْرُ الْمَسْبُوقِ لِلتَّكْبِيرِ، وَدَعَا إنْ تُرِكَتْ وَإِلَّا وَالَى، وَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ إلَى الدُّعَاءِ فِيمَا يَأْتِي عِنْدَ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ: وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ شَيْءٍ مَحْدُودٍ، وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ مَعَ اسْتِحْضَارِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ لَمْ يَضُرَّ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ كَمَا تَصِحُّ لَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا أُنْثَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا ذَكَرٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ أَنَّهَا فُلَانٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الشَّخْصُ الْحَاضِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي النَّعْشِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَاعْتَقَدَ أَنَّ مَا فِيهِ وَاحِدٌ فَإِنَّهَا تُعَادُ عَلَى الْجَمِيعِ حَيْثُ كَانَ الْوَاحِدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَإِلَّا أُعِيدَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي نَوَاهُ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَيْسَ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ عَيَّنَهُ فَإِنَّهَا تُعَادُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ فِي النَّعْشِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الدُّعَاءَ وَاجِبٌ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَلَوْ عَلَى الْمَأْمُومِ فَلَيْسَ كَقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَلْ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ شَافِعٌ مَطْلُوبٌ بِالدُّعَاءِ،

وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ) الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ (دَعَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ) تَكْبِيرَاتٍ بِمَا كَانَ يَدْعُو بِهِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ بِغَيْرِهِ (ثُمَّ يُسَلِّمُ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ مَكَانَهُ) مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهَا كَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَكَمَا لَا قِرَاءَةَ بَعْدَ رُكُوعِ الرَّابِعَةِ مَثَلًا لَا دُعَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ هُنَا وَمُقَابِلُهُ يَدْعُو وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، قَالَ خَلِيلٌ: وَدَعَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ.

(وَ) صِفَةُ الْوُقُوفِ الْمَنْدُوبِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ (يَقِفَ الْإِمَامُ) وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ (فِي) الصَّلَاةِ عَلَى (الرَّجُلِ عِنْدَ وَسَطِهِ وَفِي) الصَّلَاةِ عَلَى (الْمَرْأَةِ عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا) قَالَهُ خَلِيلٌ: وَوُقُوفُ إمَامٍ بِالْوَسَطِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ كَمَا تَقِفُ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاتِهَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَذَكَّرَ كُلٌّ إنْ وَقَفَ عِنْدَ وَسَطِ الْمَيِّتِ مَا يَشْغَلُهُ، وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ وَوَقَفَ عِنْدَ وَسَطِهَا» لِعِصْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَصْدِ مَا يَشْغَلُهُ، وَأَمَّا وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَعَلَى صِفَةِ وُقُوفِهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا وُقُوفُهُ عِنْدَ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا عَلَى جِنَازَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ عَلَى امْرَأَةٍ فَتَقِفُ حَيْثُ شَاءَتْ، وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُ رَأْسِ الْمَيِّتِ عَلَى يَمِينِ الْمُصَلِّي إلَّا فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ رَأْسُ الْمَيِّتِ عَلَى يَسَارِهِ لِتَكُونَ رِجْلَاهُ لِغَيْرِ جِهَةِ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلِّي فِي الرَّوْضَةِ يَصِيرُ قَبْرُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِيهِ عَلَى يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ قَبْرِ الْخُلَفَاءِ وَالزَّوْجَاتِ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِ الْمُصَلَّى فِيهَا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَهُ لِمَنْ لَمْ يَرَهُ.

(وَ) عِدَّةُ (السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ خَفِيفَةٌ) وَرُوِيَ خَفِيَّةٌ (لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) لَكِنَّ الْإِمَامَ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيه.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَسْلِيمَةٌ خَفِيفَةٌ وَسَمْعُ الْإِمَامِ مَنْ يَلِيه، وَمَعْنَى، خَفِيفَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ عَدَمُ الْجَهْرِ بِهَا مِنْ الْمَأْمُومِ، وَلَيْسَ هُنَا رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُسَارَعَةُ لِلدَّفْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَرْكَانِهَا وَصِفَتُهُ كَصِفَةِ سَلَامِ الصَّلَاةِ مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ وَقِيرَاطٌ فِي حُضُورِ دَفْنِهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا

ص: 294

مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّنَاءُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ

ــ

[الفواكه الدواني]

حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» . وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي الْقِيرَاطَيْنِ، خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ مِنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَأَنَّ أَحَدَ الْقِيرَاطَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْآخَرِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حُصُولُ ثَوَابِ قِيرَاطِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَتْبَعْهَا فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَهُ. عَلَى اتِّبَاعِهَا وَعَلَى الْبَقَاءِ مَعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَثَوَابُ مَنْ اتَّبَعَهَا وَلَازَمَهَا لِلدَّفْنِ أَعْظَمُ (وَذَلِكَ) الْقِيرَاطُ (فِي التَّمْثِيلِ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ثَوَابًا) تَمْيِيزٌ لِمِثْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَبَلُ أُحُدٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ لَكَانَ ثَوَابُ هَذَا الْقِيرَاطِ كَثَوَابِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْجَبَلُ فِي كِفَّةٍ وَجُعِلَ الْقِيرَاطُ فِي كِفَّةٍ مُقَابِلَةٍ لَهَا لَسَاوَاهَا، وَأُحُدُ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَالَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ هَذَا الْجَبَلَ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» وَخَصَّهُ بِالتَّمْثِيلِ إمَّا لِذَلِكَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْجِبَالِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَمُتَّصِلٌ بِجَمِيعِ الْجِبَالِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الْقِيرَاطُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الدَّفْنِ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ثَوَابُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ.

الثَّانِي: لَوْ تَعَدَّدَتْ الْأَمْوَاتُ لَتَعَدَّدَ قِيرَاطُ الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ بِتَعَدُّدِهِمْ.

قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ وَسَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: يَحْصُلُ لَهُ بِكُلِّ مَيِّتٍ قِيرَاطٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ انْتَفَعَ بِدُعَائِهِ وَحُضُورِهِ.

الثَّالِثُ: الْمُقَسَّمُ إلَى هَذِهِ الْقَرَارِيطِ هُوَ الْأَجْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَيِّتِ مِنْ تَغْمِيضِهِ وَتَقْبِيلِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ وَنَزْعِ ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَوَضْعِهِ عَلَى مُرْتَفَعٍ وَتَغْسِيلِهِ وَحَمْلِهِ وَالْمَشْيِ مَعَهُ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَحُضُورِهِ وَدَفْنِهِ وَحَفْرِ قَبْرِهِ وَسَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِهَالَةِ التُّرَابِ، فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَمْرًا بَلْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ بَقِيَ مِنْهَا تَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ، فَمَنْ أَتَى بِالصَّلَاةِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ جُمْلَةُ الْأَجْرِ، وَمَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْقِيرَاطُ مَنْسُوبًا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ قِيرَاطًا، نَبَّهَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.

الرَّابِعُ: حُضُورُ الْجِنَازَةِ إمَّا رَغْبَةً فِي أَهْلِهَا أَوْ خَوْفًا مِنْهُمْ، وَإِمَّا رَغْبَةً فِي الْأَجْرِ وَإِمَّا مُكَافَأَةً، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْصُلُ بِهِ الْقِيرَاطُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ عَلَى حُضُورِ الدَّفْنِ، وَقَصْدُ أَهْلِهَا وَالْمُكَافَأَةُ لَا يَضُرُّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ صِلَةِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» إلَخْ الْإِمْكَانُ حَمْلُهُ عَلَى حُصُولِ الْأَجْرِ الْكَامِلِ،

وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ وَلَوْ بِعَفَا اللَّهُ عَنْهُ أَوْ رحمه الله نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُجْزِي أَنْ (يُقَالَ فِي الدُّعَاءِ) فِي الصَّلَاةِ (عَلَى الْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ) أَيْ أَوْ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ حَصَلَ الْوَاجِبُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِلَفْظٍ أَوْ قَدْرٍ وَلِذَلِكَ قَالَ:(وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاسِعٌ) فِي تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ (وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدُّعَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ (أَنْ يُكَبِّرَ) عِنْدَ شُرُوعِهِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ رُكْنٌ كَمَا بَيَّنَّا. (ثُمَّ) الْأَوْلَى الْفَاءُ بَدَلُ ثُمَّ عَدَمُ التَّرَاخِي (يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى) وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28] فَأَطْلَقَ الْمَوْتَ عَلَى عَدَمِهِ قَبْلَ إنْشَائِهِمْ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ مَنْ أَرَادَ إمَاتَتَهُ، وَأَحْيَا مَنْ أَرَادَ حَيَاتَهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ بِالْكُفْرِ وَأَحْيَا بِالْإِيمَانِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ) مُتَرَادِفَانِ (وَ) لَهُ (الْمُلْكُ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى سَبَبٍ بَاعِثٍ بَلْ فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ.

(وَ) لَهُ (الْقُدْرَةُ) التَّامَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ.

(وَ) لَهُ (السَّنَاءُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ فِي الشَّرَفِ وَالْمَنْزِلَةِ لَا فِي الْمَكَانِ، وَأَمَّا بِالْقَصْرِ فَهُوَ الضَّوْءُ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا. (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ الْمُمْكِنَاتِ (قَدِيرٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت) الْبَرَكَةُ الْخَيْرُ وَالْمَنْفَعَةُ (عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ) أَيْ مَحْمُودٌ (مَجِيدٌ) أَيْ مُعَظَّمٌ وَمُشَرَّفٌ وَكَرِيمٌ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ صِيغَةُ الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي التَّشَهُّدِ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَمْ تَأْتِ فِي طَرِيقٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ فِيهَا هُنَا لَفْظُ فِي الْعَالَمِينَ وَزَادَ هُنَاكَ، وَحَذَفَ. أَيْضًا لَفْظَ: وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ

ص: 295

أَمَتِك أَنْتَ خَلَقْته وَرَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتَّهُ وَأَنْتَ تُحْيِيه وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَجِيرُ بِحَبْلِ جِوَارِك لَهُ إنَّك ذُو وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ اللَّهُمَّ قِه مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَنَقِهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ تَقُولُ هَذَا بِأَثَرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَإِنْ كَانَ الِاعْتِرَاضُ إنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا فَقَطْ، وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَارِدِ وَتَرْكُ مَا لَمْ يَثْبُتْ وُرُودُهُ، وَتَقَدَّمَتْ الْمُنَاقَشَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ فَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إمَامٌ عَظِيمٌ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ. (اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنَا، وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ فِي وَلَدِ الزِّنَا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّهُ عَبْدُك، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي نِدَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَقِيلَ: يُنَادَى بِاسْمِ أُمِّهِ، وَقِيلَ: بِاسْمِ أَبِيهِ. (أَنْتَ خَلَقْته وَ) أَنْتَ (رَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتّه) فِي الدُّنْيَا (وَأَنْتَ تُحْيِيه) فِي الْآخِرَةِ (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ فَشَفِّعْنَا فِيهِ) أَيْ اقْبَلْ دُعَاءَنَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا قَبِلَ اللَّهُ شَفَاعَتَهُمْ " وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ الِاجْتِهَادُ فِي إحْضَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أَدْنَى مِنْ الْمَيِّتِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّمَا يَقُولُ جِئْنَاك شُفَعَاءَ لَهُ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُسَاوِيًا أَوْ أَرْفَعَ رُتْبَةً، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَإِنَّمَا يَقُولُ: جِئْنَا مَعَ الشُّفَعَاءِ لَهُ. (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَجِيرُ) أَيْ نَطْلُبُ الْإِجَارَةَ وَالْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك حَالَ كَوْنِنَا مُتَمَسِّكِينَ (بِحَبْلِ جِوَارِك) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَمَانِك (لَهُ) وَفِي كَلَامِهِ اسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ لَا يُجْمَعُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ إلَّا بِالْحَبْلِ، وَبَيَانُ الِاسْتِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْعَبْدَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ بِإِسَاءَتِهِ مَحْجُوبٌ عَنْهُ فَلَا يَنْضَافُ إلَى رَحْمَتِهِ إلَّا بِحَبْلِ عَفْوِهِ وَفَضْلِهِ فَالِاسْتِعَارَةُ تَصْرِيحِيَّةٌ، فَإِضَافَةُ حَبْلٍ إلَى جِوَارٍ بَيَانِيَّةٌ. (إنَّك ذُو) أَيْ صَاحِبُ (وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ) أَيْ عَهْدٍ، وَقَدْ وَعَدَ سبحانه وتعالى مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمَغْفِرَةِ. (اللَّهُمَّ قِه) أَيْ نَجِّهِ (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) بِأَنْ تُثَبِّتَهُ لِجَوَابِ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ، أَوْ تَجْعَلَهُ مِمَّنْ لَا يُسْأَلُ كَالشُّهَدَاءِ، وَأَمَّا ضَمَّةُ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْهَا سِوَى الْأَنْبِيَاءِ لَنَجَى مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِهِ وَحَضَرَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْ أَفْلَتَ مِنْهَا أَحَدٌ لَأَفْلَتَ مِنْهَا هَذَا الصَّبِيُّ» وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي قُبُورِهِمْ ضَمَّةً وَلَا سُؤَالٌ لِعِصْمَتِهِمْ.

(وَ) قِه (مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) بِسَتْرِ ذُنُوبِهِ (وَارْحَمْهُ وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزْلَهُ) بِسُكُونِ الزَّايِ أَيْ اُلْطُفْ بِهِ حِينَ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ وَحِيدًا فَرِيدًا بِأَنْ تُرِيَهُ فِيهِ مَا يُؤْنِسُهُ،؛ لِأَنَّ النُّزُلَ يُطْلَقُ عَلَى حُلُولِهِ فِي قَبْرِهِ وَإِكْرَامِهِ فِيهِ بِرُؤْيَةِ مَا يَسُرُّهُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيُطْلَقُ النُّزُلُ عَلَى مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ (وَوَسِّعْ مَدْخَلَهُ) أَيْ قَبْرَهُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ مَاءَانِ مُنْعَقِدَانِ يَنْزِلَانِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ يَذُوبَانِ، وَالْمَعْنَى: اُمْحُ ذُنُوبَهُ وَلَا تُبْقِي مِنْهَا شَيْئًا بِقَرِينَةٍ. (وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ) الْوَسِخُ (مِنْ الدَّنَسِ) وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الْغَسْلِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِلْمَخْلُوقِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ الزَّنَاتِيُّ: اللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ، وَلَوْلَا وُرُودُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ الشَّارِعِ لَمَا جَازَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى: حَتَّى يَصِيرَ فِي نَظَرِنَا كَالثَّوْبِ الْأَبْيَضِ الَّذِي نُشَاهِدُهُ خَالِصًا مِنْ كُلِّ مُنَافٍ لِلْبَيَاضِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْخُلُوصِ مِنْ الذُّنُوبِ. (وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ) بِأَنْ تَجْعَلَ دَارِهِ الْجَنَّةَ (وَ) أَبْدِلْهُ (أَهْلًا) أَيْ قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ) فِي الدُّنْيَا (وَ) أَبْدِلْهُ (زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ) لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الدُّنْيَا قَدْ تَكُونُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِثْلَهُ، وَإِلَّا عُوِّضَ خَيْرًا مِنْهَا، أَوْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا ذَاتَ أَزْوَاجٍ وَصَحَّتْ لِغَيْرِهِ فَيُبْدِلُهُ خَيْرًا مِنْهَا، أَوْ لَمْ يُزَوَّجْ فِي الدُّنْيَا فَيُعَوِّضُهُ خَيْرًا مِنْ الَّتِي كَانَ يُرِيدُ زَوَاجَهَا. (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) فِي الدُّنْيَا لِغَيْرِهِ (فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ) أَيْ فِي الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِك) ضَيْفًا (وَأَنْتَ خَيْرُ) جَوَّادٍ (مَنْزُولٍ بِهِ) فَالضَّمِيرُ لَيْسَ لِلَّهِ (فَقِيرٌ إلَى رَحْمَتِك) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَزَلَ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ) لِاسْتِغْنَائِك عَنْ كُلِّ مَا سِوَاك. (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ وَلَا تَبْتَلِهِ فِي قَبْرِهِ بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَجْرَ مُصِيبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُصَابٌ فِي أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) بِسَبَبِ مُصِيبَتِهِ (تَقُولُ هَذَا) الدُّعَاءَ وُجُوبًا (بِأَثَرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَأَمَّا الْحَمْدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَنْدُوبَانِ وَالْوَاجِبُ الدُّعَاءُ وَلَوْ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ كَمَا قَدَّمْنَا.

ص: 296

وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَحَاضِرِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَسْعِدْنَا بِلِقَائِك وَطَيِّبِنَا لِلْمَوْتِ وَطَيِّبِهِ لَنَا وَاجْعَلْ فِيهِ رَاحَتَنَا وَمَسَرَّتَنَا ثُمَّ تُسَلِّمُ

وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً قُلْت اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك ثُمَّ تَتَمَادَى بِذِكْرِهَا عَلَى التَّأْنِيثِ غَيْرَ أَنَّك لَا تَقُولُ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَوْجًا فِي الْجَنَّةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا

وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ

ــ

[الفواكه الدواني]

(وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) وُجُوبًا عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَحَاضِرِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا وَ) اغْفِرْ (لِوَالِدِينَا) بِكَسْرِ الدَّالِ (وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ) مُوَاظِبًا (عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ) بِضَمِّ الْهَاءِ مِنْ تَوَفَّهُ وَبِكَسْرِهَا مِنْ أَحْيِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَاءُ مِنْ أَحْيِهِ وَالْأَلِفُ مِنْ تَوَفَّهُ. (عَلَى الْإِسْلَامِ) وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا تَفَنُّنًا؛ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ شَرْعًا أَوْ لِاتِّحَادِ مَا يُرَامُ مِنْهُمَا.

قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَمُوتَ وَلِسَانُهُ رَطْبٌ بِذِكْرِ اللَّهِ فَيَلْزَمُ سِتَّةَ أَشْيَاءَ أَوْ سَبْعَةً، أَنْ يَقُولَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ كُلِّ عَمَلٍ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِذَا اسْتَقْبَلَهُ مَكْرُوهٌ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ قَالَ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ أَمْرٍ فِي غَدٍ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.

(وَ) تَقُولُ (أَسْعِدْنَا بِلِقَائِك) أَيْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (وَطَيِّبِنَا لِلْمَوْتِ) بِأَنْ تُوَفِّقَنَا لِلتَّوْبَةِ النَّصُوحِ حَتَّى نَمُوتَ عَلَيْهَا. (وَطَيِّبْهُ لَنَا) بِأَنْ يَنْزِلَ بِنَا وَأَنْفُسُنَا رَاضِيَةٌ بِهِ. (وَاجْعَلْ فِيهِ رَاحَتَنَا وَمَسَرَّتَنَا) بِحَيْثُ تُوَسِّعُ لَنَا الْقَبْرَ وَتُنَعِّمُنَا فِيهِ وَتُدْخِلُنَا بَعْدَ خُرُوجِنَا مِنْهُ الْجَنَّةَ وَتَرْزُقُنَا فِيهَا النَّظَرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ، وَلَا يُقَالُ: فِي هَذَا تَمَّنِي الْمَوْتِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ الدُّعَاءِ بِمَا ذُكِرَ التَّمَنِّي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ حُصُولِهِ،؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَوْتِ، عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ يُجَوِّزُ تَمَّنِي الْمَوْتِ إذَا بُشِّرَ بِالْجَنَّةِ لِلْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الشَّقَاءِ إلَى دَارِ الرَّاحَةِ، أَوْ يَكُونُ الشَّخْصُ مُلَابِسًا لِلْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُ احْتِرَازُهُ عَنْهَا أَوْ يَنْدَرِسُ الْحَقُّ وَيَنْتَشِرُ الْبَاطِلُ كَزَمَانِنَا هَذَا.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدُّعَاءِ (تُسَلِّمُ) عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ تَسْلِيمَةً خَفِيفَةً؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ لِطُولِهِ، بَلْ الْعَمَلُ وَالْأَحْسَنُ مَا اسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ مِنْ دُعَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ حَمْلِ أَهْلِهَا، فَإِذَا وُضِعَتْ كَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ.

قَالَ مَالِكٌ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْته مِنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْجِنَازَةِ.

1 -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَالْوَاجِبِ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ حَتَّى عَلَى الْمَأْمُومِ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ: وَابْتَدَأَ بِحَمْدٍ وَصَلَاةٍ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِسْرَارِ دُعَاءٍ.

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُصَلِّي مُرَاعَاةَ الْخِلَافِ فَيَأْتِي بِهَا بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ حَتَّى تَصِحَّ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَالْعِبَادَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا خَيْرٌ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَمِنْ الْوَرَعِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْمُرَاعَاةِ صِحَّةُ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ خَلْفَ الْمَالِكِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ تَكُونُ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْمَالِكِيِّ فِيهَا، وَقَوْلُنَا بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا كَوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا حَتَّى تَصِحَّ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ،

وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّذْكِيرِ فِي الدُّعَاءِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا. (وَإِنْ كَانَتْ) الْجِنَازَةُ (امْرَأَةً قُلْت) بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك ثُمَّ تَتَمَادَى بِذِكْرِهَا عَلَى التَّأْنِيثِ) فَتَقُولُ: وَبِنْتُ أَمَتِك وَبِنْتُ عَبْدِك أَنْتَ خَلَقْتهَا وَرَزَقْتهَا إلَخْ (غَيْرَ أَنَّك لَا تَقُولُ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ زَوْجًا فِي الْجَنَّةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا) وَعَبَّرَ بِقَدْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوَقُّعِ لِدُخُولِهَا عَلَى الْمُضَارِعِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ مُتَوَقَّعٌ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ بِمُتَعَدِّدِ فِي الدُّنْيَا لَدَخَلَهَا الْخِلَافُ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ تَكُونُ لَهُ، إلَّا أَنْ تَمُوتَ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

1 -

ص: 297

عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْتَغِينَ بِهِمْ بَدَلًا وَالرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ

وَلَا بَأْسَ أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَيَلِي الْإِمَامَ الرِّجَالُ إنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا جُعِلَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَجُعِلَ مِنْ دُونِهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلُوا صَفًّا وَاحِدًا وَيُقَرِّبُوا إلَى الْإِمَامِ

ــ

[الفواكه الدواني]

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْمَيِّتُ هَلْ هُوَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ وَيَقْطَعَ النَّظَرَ عَنْ كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ فِي هَذَا النَّعْشِ، وَيَتَمَادَى فِي الدُّعَاءِ عَلَى التَّذْكِيرِ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْرَادِ، وَيَجْمَعُ عِنْدَ اعْتِقَادِ الْجَمْعِ، وَيُفْرِدُ عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى مَنْ حَضَرَ فِي هَذَا النَّعْشِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَعَلَى الْمُتَعَدِّدِ الْمُحَقَّقِ وَالْمُشْكِلِ فَتَقُولُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْمُثَنَّى: اللَّهُمَّ إنَّهُمَا عَبْدَاك أَوْ أَمَتَاك، وَفِي الْجَمْعِ: اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبِيدُك وَأَبْنَاءُ عَبِيدِك، وَفِي الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ: اللَّهُمَّ إنَّهُنَّ إمَاؤُك وَبَنَاتُ إمَائِك وَبَنَاتُ عَبِيدِك، وَإِنْ اجْتَمَعَ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ غَلَّبَ الْمُذَكَّرَ عَلَى الْمُؤَنَّثِ.

1 -

الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَخَلِيلٍ عَنْ مَا لَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ وَحِدَةَ الْجِنَازَةِ وَظَنَّ الْمَأْمُومُونَ التَّعَدُّدَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ عَلَى اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِينَ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا أُعِيدَتْ عَلَى مَنْ عَدَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا ظَنَّهُ الْإِمَامُ، وَلِذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ أَنَّ الَّذِي فِي النَّعْشِ جَمَاعَةٌ وَاعْتَقَدَ الْمَأْمُومُونَ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ وَتَبَيَّنَ مُطَابَقَةُ اعْتِقَادِ الْإِمَامِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا تُعَادُ، كَمَا لَا تُعَادُ إذَا ظَنَّ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ أَنَّ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِمَّا نَوَى، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا سَبَقَ مَا يُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ فَرَاجِعْهُ.

ثُمَّ أَكَّدَ تَعْلِيلَ النَّهْيِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ: (وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ) أَيْ مَحْبُوسَاتٌ (عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ) أَيْ لَا يَرْضِينَ (بِهِمْ بَدَلًا) ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا إكْرَاهَ فِيهَا وَلَا حُزْنَ، وَإِنَّمَا الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَنَيْلُ مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُسُ، وَأَفْضَلُ خِصَالِ الْمَرْأَةِ حُبُّهَا لِزَوْجِهَا وَهِيَ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهَا فِيهَا بِغَيْرِ حُبِّ زَوْجِهَا، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَانَ مَظِنَّةَ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الرَّجُلُ فَهَلْ كَذَلِكَ؟ قَالَ فِي الْجَوَابِ: (وَالرَّجُلُ) لَيْسَ كَالْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ (قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ) زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَثْرَةُ النِّسَاءِ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ: «اطَّلَعْت عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الرِّجَالَ، وَاطَّلَعْت عَلَى النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْأَزْوَاجِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَشْمَلُ الْحُورَ الْعِينَ، وَلَا يَضُرُّ فِي هَذَا خَبَرُ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ أَنَّهُ يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَيِّمٍ وَمِائَةَ حَوْرَاءَ لِإِمْكَانِ حَمْلِ كُلِّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ لَا الْجَمِيعِيِّ، وَإِنْ جُعِلَتْ قَدْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّقْلِيلِ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِشْكَالُ. (وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ)(فِي الْجَنَّةِ أَزْوَاجٌ) بَلْ وَلَا اثْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ لَا لِحُرْمَةِ ذَلِكَ لِانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ بِالْمَوْتِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتَزَوَّجُ الْإِنْسَانُ بِنَحْوِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ لِكَرَاهَةِ النَّفْسِ ذَلِكَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْأَمْوَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ) أَيْ يُسْتَحَبُّ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) لِفِعْلِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَوْجُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَوَلَدُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِمَا صَلَاةً وَاحِدَةً، وَكَانَ الْمُوَالِي لِلْإِمَامِ زَيْدٌ وَالْمُتَوَلِّي لِلصَّلَاةِ إمَامًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَخُو زَيْدٍ لِأَبِيهِ، وَكَانَ هُنَاكَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَهُمْ أَخَوَا أُمِّ كُلْثُومٍ وَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مِنْهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَلِيُّ الذَّكَرِ، هَكَذَا قَالَ بَعْدَ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَةَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ كَانَ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَأَفْضَلُ وَلِيٍّ وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ، قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَبَالَغَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ وَلِيِّ الرَّجُلِ عَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَلَوْ مَفْضُولًا، مُتَمَسِّكًا بِقَضِيَّةِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَوَلَدِهَا زَيْدٍ لَمَّا مَاتَا وَصَلَّى وَلِيُّ زَيْدٍ إمَامًا.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا حُجَّةَ بِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحُسَيْنَ إنَّمَا قَدَّمَ ابْنَ عُمَرَ لِسِنِّهِ وَلِإِقْرَارِهِ بِفَضْلِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ قَالَهُ الْمَوَّاقُ، وَلَمَّا قَدَّمَ هُوَ الْأَفْضَلَ جَمْعَ الْجَنَائِزِ فِي الصَّلَاةِ ذَكَرَ هُنَا كَيْفِيَّةَ وَضْعِهِمْ أَمَامَ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ:(وَ) يُنْدَبُ أَنْ (يَلِيَ الْإِمَامَ) فِي حَالِ الصَّلَاةِ (لِرِجَالٍ) فَاعِلُ يَلِي وَظَاهِرُهُ غَيْرُ صَالِحِينَ (إنْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ الْجَنَائِزِ (نِسَاءٌ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا) وَنِسَاءً وَمَعَهُمْ أَطْفَالٌ (جُعِلَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَجُعِلَ مَنْ دُونَهُ) فِي الْفَضْلِ مِنْ (النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) الْفَاضِلُ مُتَرَتِّبِينَ صَفًّا وَاحِدًا (إلَى الْقِبْلَةِ) بِحَيْثُ يَصِيرُ الْجَمِيعُ أَمَامَ الْإِمَامِ، يَلِي الْإِمَامَ الرَّجُلُ، وَالطِّفْلُ خَلْفَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْجَمِيعِ.

قَالَ خَلِيلٌ: يَلِي الْإِمَامَ رَجُلٌ فَطِفْلٌ فَعَبْدٌ فَخَصِيٌّ فَخُنْثَى كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى كَيْفِيَّةٍ أُخْرَى بِقَوْلِهِ:(وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلُوا صَفًّا وَاحِدًا) مُمْتَدًّا مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ. (وَيُقَرَّبُ إلَى الْإِمَامِ

ص: 298