الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
وَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ بَعْدَ مَا لَمْ يَنْزِعْهُمَا
وَذَلِكَ إذَا أَدْخَلَ فِيهِمَا رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُمَا فِي وُضُوءٍ تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ فَهَذَا الَّذِي أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَلَا،
وَصِفَةُ الْمَسْحِ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب فِي الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ صِفَةِ وَحُكْمِ (الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) وَلَمْ يُعَرِّفْهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ حَدُّهُ بِأَنَّهُ إمْرَارُ الْيَدِ الْمَبْلُولَةِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى خُفَّيْنِ مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ مَائِيَّةٍ تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ وَحَقِيقَةُ الرُّخْصَةِ مَا شُرِعَ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَالتَّسْهِيلِ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَغَيِّرُ مِنْ صُعُوبَةٍ لِسُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ، وَالْحُكْمُ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى رَأْي الْأَكْثَرِ، فَلَا تُشْرَعُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ الْحُكْمِ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ، وَأَمَّا النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ فَتَتَعَلَّقُ حَتَّى بِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ، وَعَلَى هَذَا فَتَجْرِي هَذِهِ الرُّخْصَةُ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ نَحْوِ قَصْرِ الصَّلَاةِ حَتَّى فِي قَصْرِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةٌ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الصَّبِيَّ أَحَقُّ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهِ وَحُكْمُ هَذِهِ الرُّخْصَةِ الْإِبَاحَةُ، وَقَدْ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ هُنَا مِنْ صُعُوبَةٍ وَهِيَ وُجُوبُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِسُهُولَةٍ وَهِيَ جَوَازُهُ وَالْعُذْرُ مَشَقَّةُ النَّزْعِ وَاللُّبْسِ، وَالسَّبَبُ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ كَوْنُ الْعُضْوِ قَابِلًا لِلْغَسْلِ وَمُمْكِنًا.
وَلَا يُقَالُ: كَيْفَ تَكُونُ الرُّخْصَةُ هُنَا مُبَاحَةٌ مَعَ وُجُوبِ الْمَسْحِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُوبُ الْمَسْحِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ أَرَادَ عَدَمَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَهُ فِعْلُهُ وَفِعْلُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَهَكَذَا حُكْمُ كُلِّ فِعْلَيْنِ يَجِبُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ يَكُونُ كُلٌّ جَائِزًا وَعِنْدَ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ يَكُونُ وَاجِبًا، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَشْمَلَ الصَّبِيَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ إبَاحَةِ الْمَسْحِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ:(وَلَهُ) أَيْ لِلَابِسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ تَحِلُّ بِهَا الصَّلَاةُ وَانْتَقَضَتْ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ (أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) وَمِثْلُهُمَا الْجَوْرَبَانِ وَالْجَوْرَبُ مَا وُضِعَ عَلَى شَكْلِ الْخُفِّ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ وَجِلْدٍ ظَاهِرُهُ وَهُوَ مَا يَلِي السَّمَاءَ وَبَاطِنُهُ وَهُوَ مَا يَلِي الْأَرْضَ (فِي) زَمَنِ (الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ) الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الرُّخْصَةَ الَّتِي تُبَاحُ فِي الْحَضَرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ فِعْلِهَا فِي السَّفَرِ إبَاحَةٌ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَلَا يَتَقَيَّدُ زَمَانُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بِزَمَنٍ خَاصٍّ بِحَيْثُ يَجِبُ نَزْعُهُمَا بِانْقِضَائِهِ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مُوجِبُ غَسْلٍ (مَا لَمْ يَنْزِعْهُمَا) أَوْ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ مُبَادَرَةٍ إلَى غَسْلِ رِجْلِهِ عَلَى حُكْمِ الْمُوَالَاةِ فَتَبْطُلُ طَهَارَتُهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ الْوُضُوءِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَإِنْ نَزَعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بَادَرَ لِلْأَسْفَلِ كَالْمُوَالَاةِ النَّاسِي يَبْنِي مُطْلَقًا وَالْعَاجِزُ وَالْعَامِدُ حَيْثُ لَا طُولَ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْمَسْحِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَإِنَّمَا فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام وَرَخَّصَ فِيهِ لِمَا يَلْحَقُ الشَّخْصَ مِنْ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ خَلْعِهِ فِي كُلِّ طَهَارَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ تَجْدِيدِ مَسْحِهِ بِغَايَةٍ خَبَرُ:«إذَا أَدْخَلْت رِجْلَيْك فِي الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ تَنْزِعْهُمَا» وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهَذَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ نَزْعِهِمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِغَسْلِهَا.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِلْخُفَّيْنِ بَلْ مِثْلُهُمَا الْجُرْمُوقَانِ وَهُمَا خُفَّانِ غَلِيظَانِ لَا سَاقَيْنِ لَهُمَا، وَالْجَوْرَبَانِ وَهُمَا عَلَى شَكْلِ الْخُفِّ إلَّا أَنَّهُمَا مِنْ نَحْوِ قُطْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجِلْدٍ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ اتِّخَاذِ الْمَلْبُوسِ فِي كُلِّ رِجْلٍ بَلْ لَوْ لَبِسَ فِي كُلِّ رِجْلٍ خُفَّيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ أَوْ لَبِسَ صُحُفًا فَوْقَ جَوْرَبٍ أَوْ لَبِسَ فِي رِجْلٍ ثَلَاثَةً وَفِي رِجْلٍ أَقَلَّ حَيْثُ لَبِسَ الْأَعْلَى عَلَى طُهْرٍ كَالْأَسْفَلِ لَا إنْ لَبِسَ الْأَسْفَلَيْنِ عَلَى طُهْرٍ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ لَبِسَ الْأَعْلَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَلَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْأَعْلَيَيْنِ
(وَذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَشْرُوطٌ بِمَا (إذَا أَدْخَلَ) الْمَاسِحُ (فِيهِمَا رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُمَا فِي وُضُوءٍ) أَوْ غُسْلٍ يَرْتَفِعُ
فَوْقِ الْخُفِّ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ وَيَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَذْهَبَ بِيَدَيْهِ إلَى حَدِّ الْكَعْبَيْنِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى وَيَجْعَلُ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ فَوْقِهَا وَالْيُمْنَى مِنْ أَسْفَلِهَا
وَلَا يَمْسَحُ عَلَى طِينٍ فِي أَسْفَلِ خُفِّهِ أَوْ رَوْثِ دَابَّةٍ حَتَّى يُزِيلَهُ بِمَسْحٍ أَوْ غَسْلٍ
وَقِيلَ يَبْدَأُ فِي مَسْحِ أَسْفَلِهِ مِنْ الْكَعْبَيْنِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ لِئَلَّا يَصِلَ إلَى عَقِبِ خُفِّهِ شَيْءٌ مِنْ رُطُوبَةِ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِهِ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ بِحَيْثُ (تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ) وَتَعْبِيرُهُ بِالْغُسْلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ لُبْسِهِمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَكَوْنِهَا مَائِيَّةً، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ أَنَّهُ لَبِسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِهِمَا، وَزِيدَ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا بِلُبْسِهِ كَالْمُحْرِمِ الَّذِي لَمْ يَضْطَرَّ، وَخَامِسٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لُبْسُهُمَا لِضَرُورَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خَوْفِ عَقَارِبَ أَوْ لِدَفْعِ مَشَقَّةِ النَّزْعِ عِنْدَ الْوُضُوءِ أَوْ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لِعَادَةٍ كَكَوْنِهِ مِنْ الْجُنْدِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ نَحْوِ الْقُضَاةِ لَا إنْ لَبِسَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ وَالْعَظَمَةِ أَوْ فَعَلَ فِي رِجْلَيْهِ حِنَّاءَ مَثَلًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَبِسَهُ لِيَمْسَحَ لِئَلَّا تَزُولَ بِالْغَسْلِ فَلَا يَمْسَحُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ أَحَدَ عَشَرَ، خَمْسَةٌ فِي الْمَاسِحِ وَقَدْ عَلِمْتهَا وَأَشَارَ لَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: بِطَهَارَةِ مَاءٍ كَمَّلْت بِلَا تَرَفُّهٍ وَعِصْيَانٍ بِلُبْسِهِ أَوْ سَفَرٍ عَلَى مُسَامَحَةٍ فِي السَّفَرِ، وَسِتَّةٌ فِي الْمَمْسُوحِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ جِلْدًا طَاهِرًا مَخْرُوزًا سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَوْ نَقَصَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَخْرُوقًا قَدْرَ ثُلُثِ الْقَدَمِ لَا أَقَلَّ إنْ الْتَصَقَ وَأَنْ يُمْكِنَ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ، وَالسَّادِسُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْخُفِّ حَائِلٌ فَإِنْ مَسَحَ فَوْقَ الْحَائِلِ كَانَ كَمَنْ تَرَكَ مَسْحَهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ بِأَعْلَاهُ وَيُعِيدُهَا فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ بِأَسْفَلِهِ. (فَهَذَا) الَّذِي أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفَّيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُوَ (الَّذِي إذَا أَحْدَثَ) بَعْدَ تِلْكَ الطَّهَارَةِ حَدَثًا أَصْغَرَ (وَتَوَضَّأَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا) وَمَعْنَى تَوَضَّأَ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَدْخَلَهُمَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ عَلَى طَهَارَةٍ تُرَابِيَّةٍ أَوْ مَائِيَّةٍ نَاقِصَةٍ بِأَنْ لَبِسَهُمَا بَعْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ مُنَكِّسًا أَوْ كَانَ مُتَرَفِّهًا بِلُبْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُفُّ جِلْدًا (فَلَا) يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ فَقَالَ: (وَصِفَةُ الْمَسْحِ) عَلَى الْخُفَّيْنِ الْكَامِلَةُ (أَنْ يَجْعَلَ) الْمَاسِحُ (يَدَهُ الْيُمْنَى) حَالَ الْمَسْحِ عَلَى ظَهْرِ رِجْله الْيُمْنَى (مِنْ فَوْقِ الْخُفِّ) مُبْتَدِئًا (مِنْ طَرَفِ) بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ (الْأَصَابِعِ) مِنْ رِجْلِهِ الْيُمْنَى (وَ) يَجْعَلُ (يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ ذَلِكَ) الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ (يَذْهَبُ) أَيْ يَمُرُّ (بِيَدَيْهِ) مَاسِحًا (إلَى حَدِّ) أَيْ مُنْتَهَى (الْكَعْبَيْنِ) أَيْ النَّاتِئَيْنِ بِطَرَفِ السَّاقَيْنِ وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْمَسْحِ كَمَا يُدْخِلُهُمَا فِي غَسْلِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، وَيُكْرَهُ تَتَبُّعُ غُضُونِهِ وَهِيَ تَجْعِيدَاتِهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَيَكُونُ الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا يُكَرِّرُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ غَسْلُهُ وَتَكْرَارُهُ وَتَتَبُّعُ غُضُونِهِ. (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِ) رِجْلِهِ (الْيُسْرَى) مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْيُمْنَى مِنْ الْبُدَاءَةِ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ وَالْمُرُورِ بِالْيَدَيْنِ إلَى آخِرِ الْكَعْبَيْنِ.
(وَ) لَكِنْ هُنَا (يَجْعَلُ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ فَوْقِهَا وَ) يَجْعَلُ (الْيُمْنَى مِنْ أَسْفَلِهَا) عَكْسُ وَضْعِهِمَا عِنْدَ مَسْحِ الْيُمْنَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَهَذَا قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونَ: الْوَضْعُ فِي مَسْحِ الْيُسْرَى كَالْوَضْعِ فِي مَسْحِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَصَدَّرَ بِهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَوَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى طَرَفِ أَصَابِعِهِ وَيُسْرَاهُ تَحْتَهَا وَيُمِرُّهُمَا لِكَعْبَيْهِ، وَهَلْ الْيُسْرَى كَذَلِكَ أَوْ الْيُسْرَى فَوْقَهَا تَأْوِيلَانِ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ طَلَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَسْحِ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَقْوَالٍ: مَشْهُورُهَا يَجِبُ مَسْحُ الْأَعْلَى وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْأَسْفَلِ، وَقِيلَ: مَسْحُ الْأَسْفَلِ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَبَطَلَتْ إنْ تَرَكَ أَعْلَاهُ لَا أَسْفَلَهُ فَفِي الْوَقْتِ وَتَرْكُ الْبَعْضِ كَتَرْكِ الْكُلِّ
1 -
الثَّانِي: إذَا جَفَّتْ يَدُهُ فِي حَالِ الْمَسْحِ فِي أَثْنَاءِ الرِّجْلِ كَمَا مَسَحَهَا بِغَيْرِ تَجْدِيدٍ وَجَدَّدَ لِلرِّجْلِ الْأُخْرَى، وَلَيْسَ مَسْحُ الْخُفَّيْنِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ فِي وُجُوبِ التَّجْدِيدِ لَهُ وَلَوْ جَفَتْ يَدُهُ فِي أَثْنَائِهِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ هُوَ الْمُطَهَّرُ فَيَحَبُّ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ الْمَاءَ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُطَهَّرَ وَإِنَّمَا الْمُطَهَّرُ الرِّجْلُ فَلَا مَعْنَى لِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَحَلٍّ لَا يَتَطَهَّرُ، وَإِنَّمَا طَلَبَ الشَّارِعُ نَقْلَ الْمَاءِ إلَيْهِ أَوْ أَنَّ تَجْدِيدَ الْمَاءِ لِلْخُفِّ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ مَنْهِيُّ عَنْهَا.
الثَّالِثُ: قَالَ الْجُزُولِيُّ: يُطْلَبُ مِنْ الْمَاسِحِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مَسْحِ يُمْنَاهُ غَسْلُ يَدِهِ الْيُسْرَى الَّتِي مَسَحَ بِهَا أَسْفَلَ خُفِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا مَا يُنَجِّسُ خُفَّ الْيُسْرَى
وَلَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ عَدَمُ الْحَائِلِ قَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَمْسَحَ عَلَى طِينٍ فِي أَسْفَلِ) أَوْ أَعْلَى (خُفِّهِ أَوْ) أَيْ وَلَا عَلَى (رَوْثِ دَابَّةٍ) كَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ (حَتَّى يُزِيلَهُ بِمَسْحٍ) وَلَوْ بِطِينٍ أَوْ خِرْقَةٍ تُزِيلُ الْعَيْنَ. (أَوْ غَسْلٍ) لِيَقَعَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الطَّاهِرِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ هُنَا بِالْمَسْحِ الْمُزِيلِ لِلْعَيْنِ رِفْقًا بِصَاحِبِ الْخُفِّ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُعْفَى عَنْهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي الْمَعْفُوَّاتِ: وَخُفٌّ وَنَعْلٌ مِنْ رَوْثِ دَوَابَّ وَبَوْلِهَا إنْ دَلْكًا لَا غَيْرَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ تَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَابُّ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الطِّينِ وَالرَّوْثِ الْمَذْكُورِ كَبَوْلٍ أَوْ عُذْرَةِ الْآدَمِيِّ لَا يَكْفِي فِيهِ الْمَسْحُ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ
مَا مَسَحَ مِنْ خُفَّيْهِ مِنْ الْقَشَبِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَسْفَلِهِ طِينٌ فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ حَتَّى يُزِيلَهُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمُطْلَقِ حَيْثُ يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى الطِّينِ أَوْ الرَّوْثِ فَإِنْ كَانَ بِأَعْلَى الْخُفِّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ طَاهِرًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَرَكَ أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَسْفَلِهِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْحَائِلُ طِينًا، وَإِنْ كَانَ رَوْثًا نَجِسًا أَعَادَ أَبَدًا مَعَ الْعَمْدِ وَفِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لِأَسْفَلِ الْخُفِّ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ نَحْوَ الطِّينِ وَالرَّوْثِ إنَّمَا يُصِيبَانِ الْأَسْفَلَ.
وَأَشَارَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى لِلْمَسْحِ بِقَوْلِهِ: (وَقِيلَ يَبْدَأُ فِي مَسْحِ أَسْفَلِهِ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) مُنْتَهِيًا (إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ) وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ يَضَعُ يُمْنَاهُ عَلَى ظَهْرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَعِلَّةُ الِابْتِدَاءِ فِي مَسْحِ أَسْفَلِهِ مِنْ الْكَعْبَيْنِ (لِئَلَّا يَصِلَ إلَى عَقِبِ خُفِّهِ شَيْءٌ مِنْ رُطُوبَةِ مَا مَسَحَ مِنْ خُفَّيْهِ مِنْ الْقَشَبِ) إنْ ابْتَدَأَ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ وَسَكَتَ عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ كَالصِّفَةِ الْأُولَى.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُمَرَ: فِي صِفَةِ الْمَسْحِ أَقْوَالٌ: إمَّا يَبْدَأُهُمَا مَعًا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْكَعْبَيْنِ أَوْ يَبْدَأهُمَا مَعًا مِنْ الْكَعْبَيْنِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِأَعْلَى الْخُفِّ مِنْ الْأَصَابِعِ، وَأَسْفَلُهُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَفِي صِفَتِهِ بَعْدَ زَوَالِ طِينِهِ سِتٌّ الْكَافِي وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ فَلَا نُطِيلُ بِبَسْطِ بَاقِي الصِّفَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:(وَإِنْ كَانَ فِي أَسْفَلِهِ أَوْ أَعْلَاهُ طِينٌ) أَوْ نَحْوُهُ (فَلَا يَمْسَحُ) عَلَى الْخُفِّ (حَتَّى يُزِيلَهُ) فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَمْسَحُ عَلَى طِينٍ فِي أَسْفَلِ خُفِّهِ حَتَّى يُزِيلَهُ بِمَسْحٍ أَوْ غَسْلٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إنْ مَسَحَ عَلَيْهِ يَكُونُ كَتَرْكِ الْمَسْحِ فَيَبْطُلُ إنْ كَانَ بِأَعْلَاهُ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ بِأَسْفَلِهِ
1 -
(تَنْبِيهٌ) : يَنْتَهِي حُكْمُ الْمَسْحِ بِحُصُولِ مُوجِبِ غُسْلٍ كَحَيْضٍ أَوْ جَنَابَةٍ وَبِخَرْقٍ كَبِيرٍ وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثِ الْقَدَمِ أَوْ دُونِهِ إنْ انْفَتِحْ بِحَيْثُ يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى الرِّجْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ خُفَّيْهِ مَعًا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ، وَمِثْلُ خَرْقٍ كَبِيرٍ نَزْعُ أَكْثَرِ قَدَمِ رِجْلِهِ عَلَى مَا قَالَ فِي الْجَلَّابِ وَالْإِرْشَادِ وَشَهَّرَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَبِنَزْعِ أَكْثَرِ رِجْلٍ لِسَاقِ خُفِّهِ لَا الْعَقِبِ وَإِنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافَهُ، وَإِنْ نَزَعَ أَكْثَرَ الرِّجْلَ لَا يَضُرُّ وَإِنَّمَا الْمُضِرُّ إخْرَاجُ كُلِّ الرِّجْلِ.
قَالَ فِيهَا: وَإِنْ أَخْرَجَ جَمِيعَ قَدَمِهِ إلَى سَاقِ خُفِّهِ وَكَانَ قَدْ مَسَحَ عَلَيْهِمَا غَسَلَ مَكَانَهُ فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَشْهِيرِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ عَلَى خَلِيلٍ.
1 -
(خَاتِمَةٌ) لِأَبْوَابِ الطَّهَارَةِ الْبَدَلِيَّةِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَتِهِ إلَى مَسْحِ الْجَبَائِرِ مَعَ أَنَّ بَيَانَهَا أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا. وَمُحَصَّلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الْمَجْرُوحَ أَوْ الَّذِي يَتَأَلَّمُ صَاحِبُهُ بِمَسِّهِ وَلَمْ يَكُنْ مَجْرُوحًا إنْ خَافَ بِغَسْلِهِ مَرَضًا أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ كَالْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ وُجُوبًا إنْ خَافَ هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَنَدْبًا إنْ خَشِيَ دُونَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مُبَاشَرَتَهُ بِالْمَسْحِ مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهِ وَهُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَسَحَ عَلَى الْخِرْقَةِ وَلَوْ انْتَشَرَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّهِ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُشْتَرَطُ لُبْسُهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَمِثْلُ الْجُرْحِ الرَّمَدُ فَلَا يَتَيَمَّمُ الْأَرْمَدُ بِحَالٍ بَلْ يَمْسَحُ وَلَوْ عَلَى الرَّفْرَافِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ صَحَّ جُلُّ جَمِيعِ جَسَدِهِ إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ أَوْ جُلُّ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ أَصْغَرَ.
وَالْمُرَادُ بِالْجُلِّ مَا فَوْقَ الْأَقَلِّ فَالنِّصْفِ مِنْ الْجُلِّ أَوْ أَقَلُّ الصَّحِيحِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَالْحَالُ أَنَّ غَسْلَ الصَّحِيحِ لَا يَضُرُّ الْجَرِيحَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَرِيحِ، وَأَمَّا لَوْ عَمَّتْ الْجِرَاحَاتُ جَمِيعَ الْجَسَدِ أَوْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْ كَانَ غَسْلُ الصَّحِيحِ يَضُرُّ الْجَرِيحَ أَوْ أَقَلَّ الصَّحِيحِ جِدًّا بِأَنْ كَانَ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ غَسْلُ الصَّحِيحِ الْجَرِيحَ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.
قَالَ خَلِيلٌ: إنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ مَسَحَ ثُمَّ جَبِيرَتَهُ ثُمَّ عِصَابَتَهُ إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ أَوْ أَقَلُّهُ وَلَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ وَإِلَّا فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ كَأَنْ قَلَّ جِدًّا كَيَدٍ فَلَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَ الْجَمِيعَ أَجْزَأَ، بِخِلَافِ لَوْ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَرِيحِ فَلَا يُجْزِئُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْأَصْلِ وَلَا بِالْبَدَلِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ عِنْدَ إمْكَانِ مَسِّ الْجِرَاحَاتِ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَأَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ مَسُّهَا بِسَائِرِ الْوُجُوهِ بِأَنْ لَا يَسْتَطِيعُ مَسَّهَا لَا بِالْمَاءِ وَلَا بِالتُّرَابِ لَا مُبَاشَرَةً وَلَا بِحَائِلٍ، فَإِنْ كَانَتْ بِأَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ سَقَطَ مَحَلُّهَا وَيَفْعَلُ مَا سِوَاهَا مِنْ غَسْلٍ أَوْ مَسْحٍ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا، يَغْسِلُ الصَّحِيحَ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا: يَتَيَمَّمُ إنْ كَثُرَتْ الْجِرَاحَاتُ وَيَغْسِلُ مَا سِوَاهَا إنْ قَلَّتْ وَكَثُرَ الصَّحِيحُ؛ وَالرَّابِعُ: يَجْمَعُهَا وَيُقَدِّمُ الْغُسْلَ وَيُؤَخِّرُ التَّيَمُّمَ لِيَتَّصِلَ بِالصَّلَاةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْوَسِيلَةِ وَهِيَ الطَّهَارَةُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا: أَصْلِيَّةٌ وَبَدَلِيَّةٌ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَقْصِدِهَا وَهُوَ الصَّلَاةُ مُبْتَدِئًا بِأَوْقَاتِهَا لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا وَالسَّبَبُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَبَّبِ بِقَوْلِهِ:.