المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي

يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ.

[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ

وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سَنَةٌ وَبَاقِيهِ فَرِيضَةٌ.

فَمَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ

ــ

[الفواكه الدواني]

الْمَاءُ، سَوَاءٌ وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِهِ بِأَنْ خَرَجَ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ أَوْ وَجَبَ غَسْلُ مَحَلِّ الْأَذَى فَقَطْ بِأَنْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، وَكَمَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيمَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ وَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِخُرُوجِ مَنِيِّهِ بِلَا لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ وَكَانَ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوجِبْ غُسْلًا وَلَا نَقَضَ وُضُوءًا فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ كَالْبَوْلِ وَالْحَصَى وَالدُّودِ الْخَارِجِينَ بِبِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لِأَنَّ الْيَسِيرَةَ يُعْفَى عَنْهَا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ فِي غَسْلِ الْمَنِيِّ فِي صُورَتَيْنِ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ أَوْ يَكُونُ غَيْرَ مُوجِبٍ الْغُسْلَ وَنَاقَضَا لِلْوُضُوءِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ فِي صُورَةٍ وَهِيَ أَنْ لَا يُوجِبَ وُضُوءًا وَلَا غُسْلًا.

الرَّابِعُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " ثَلَاثَةِ " بِالتَّاءِ مُطَابِقٌ لِأَحْجَارٍ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ لِآخِرِهِنَّ لِأَنَّ التَّاءَ تُشْعِرُ بِالتَّذْكِيرِ وَالنُّونَ بِالتَّأْنِيثِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَنَّثَ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَحْجَارِ بِالْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا نَظِيرَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَمُرُّونَ بِالدَّهْنَا خِفَافًا عِيَابُهُمْ

وَيَرْجِعْنَ مِنْ دَارِينَ بُجْرَ الْحَقَائِبِ

وَفِي قَوْلِهِ أَطْيَبُ وَأَطْهَرُ إشْكَالٌ أَيْضًا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَطْيَبَ وَأَطْهَرَ اسْمُ تَفْضِيلٍ وَهُوَ لَا يُبْنَى غَالِبًا إلَّا مِنْ الثُّلَاثِيِّ وَهُوَ لَا يَصِحُّ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الطَّهَارَةَ الْقَائِمَةَ بِالْمَاءِ أَشَدُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَجَرِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْقَاصِرَ لَا يُجَاوِزُ حَدَثُهُ فَاعِلَهُ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنَّ تَطْهِيرَ الْمَاءِ لِلْمَحَلِّ أَشَدُّ مِنْ تَطْهِيرِ الْحَجَرِ لَهُ وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَطْيَبَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صَوْغِهِ مِنْ طَهَّرَ وَطَيَّبَ الْمُضَاعَفَيْنِ بَعْدَ حَذْفِ الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهُوَ ثَانِي الْمُضَعَّفِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَاءَ أَشَدُّ تَطْهِيرًا لِلْمَحَلِّ مِنْ تَطْهِيرِ الْحَجَرِ لَهُ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْخَبَثِيَّةِ شَرَعَ فِي صِفَةِ الْحَدَثِيَّةِ لِأَنَّ فِعْلَ الْأُولَى مِنْ بَابِ التَّخْلِيَةِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ بَابِ التَّحْلِيَةِ، وَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ فَقَالَ:(وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَوْلٌ وَلَا غَائِطٌ) وَلَا غَيْرُهُمَا مِمَّا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ (وَتَوَضَّأَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأ (لِحَدَثٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ) وَلَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ (فَلَا بُدَّ) لَهُ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ

[سُنَن الْوُضُوءِ]

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ لَا بُدَّ وُجُوبُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَالَ: (وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ) وَلَوْ مَنْدُوبًا (غَسْلُ الْيَدَيْنِ) إلَى الْكُوعَيْنِ بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ لِأَنَّ غَسَلَهُمَا لِلتَّعَبُّدِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) حَتَّى تَحْصُلَ السُّنَّةُ حَيْثُ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ، لَا إنْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ بَحْرًا أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَيَغْسِلُهُمَا دَاخِلَهُ حَيْثُ كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ مُتَنَجِّسَتَيْنِ لَا يُخْشَى تَغْيِيرُهُ بِغُسْلِهِمَا فِيهِ لِكَثْرَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا مَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَكَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَحَقَّقُ أَوْ يُظَنُّ تَغَيُّرُهُ بِإِدْخَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ التَّحَيُّلُ عَلَى إزَالَةِ مَا عَلَيْهِمَا قَبْلَ إدْخَالِهِمَا أَزَالَهُ وَغَسَلَهُمَا دَاخِلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ كَعَادِمِ الْمَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَلَكِنْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّنَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى غَسْلِهَا ثَلَاثًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثَلَاثًا تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ، وَصَرَّحَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّثْلِيثِ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: التَّثْلِيثُ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ تَارَةً مَرَّتَيْنِ وَتَارَةً مَرَّةً» كَمَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ.

(تَنْبِيهٌ) : كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ لِإِتْيَانِهِ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ لِتَعَدُّدِ الْمُبَعَّضِ، وَلَا يُقَالُ: يُرَادُ بِسُنَّتِهِ الْجِنْسُ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّبْعِيضَ، لِأَنَّا نَقُولُ: وُجُودُ التَّاءِ يُنَافِي ذَلِكَ لِاقْتِضَائِهَا الْوَحْدَةَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْوَحِدَةِ بَلْ هِيَ كَتَاءِ فِضَّةٍ فَلَا يَمْنَعُ وُجُودُهَا مِنْ إرَادَةِ الْجِنْسِ.

[فَرَائِض الْوُضُوء]

وَلَمَّا قِيلَ بِوُجُوبِ بَعْضِ سُنَنٍ اسْتَأْنَفَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ) فَلَفْظُ الْمَضْمَضَةِ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: سُنَّةٌ خَبَرٌ عَنْهَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مُقَدَّرٌ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ، وَالْمَضْمَضَةُ بِمُعْجَمَتَيْنِ أَوْ مُهْمَلَتَيْنِ لُغَةً التَّحْرِيكُ وَشَرْعًا خَضْخَضَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ، فَلَوْ لَمْ يَمُجَّهُ أَوْ لَمْ يُخَضْخِضْهُ لَمْ يَكُنْ آتَيَا بِالسُّنَّةِ، وَالِاسْتِنْشَاقُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّنَشُّقِ وَهُوَ لُغَةً الشَّمُّ وَشَرْعًا جَذْبُ الْمَاءِ بِنَفَسِهِ إلَى دَاخِلِ أَنْفِهِ وَالِاسْتِنْثَارُ عَكْسُهُ وَهُوَ طَرْحُ الْمَاءِ بِنَفَسِهِ إلَى خَارِجِ أَنْفِهِ مَعَ وَضْعِ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى أَنْفِهِ، وَصِفَةُ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ وَآخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ وَوَسَطَهُمَا مُقَابِلًا لِلْبَاطِنِ دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ لِلْآخِرَةِ وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ تَتَبُّعَ غُضُونِهِمَا، وَسَيُعِيدُ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ عَلَى تِلْكَ السُّنَنِ فِي ذِكْرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ

ص: 134

بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ وَكَوْنُ الْإِنَاءِ عَلَى يَمِينِهِ أَمْكَنُ لَهُ فِي تَنَاوُلِهِ وَيَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ غَسَلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْوُضُوءِ قَالَ: (وَبَاقِيه فَرِيضَةٌ) بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٌ وَهِيَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ الْمُكَلَّفُ عَلَى تَرْكِهِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي عَدِّ فَرَائِضِهِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا سَبْعَةٌ: أَرْبَعٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَثَلَاثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ فَرْضِيَّتُهَا وَهِيَ: النِّيَّةُ وَالدَّلْكُ وَالْفَوْرُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ قَوْلَهُ: وَبَاقِيه فَرِيضَةٌ بِأَنَّ بَعْضَ غَيْرِ مَا قَدَّمَهُ سُنَّةٌ، كَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ، وَمِنْهُ فَضِيلَةٌ كَشَفْعِ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ وَبَقِيَّةِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِبَاقِيهِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي آيَةِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، فَإِنَّهَا سِيقَتْ لِبَيَانِ فُرُوضِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَهِيَ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْكَعْبَيْنِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ فَرَائِضَ، وَأَعْضَاءُ السُّنَنِ أَرْبَعٌ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ مَفْعُولَاتِهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا هُوَ فَرْضٌ كَالنِّيَّةِ وَالدَّلْكِ وَالْمُوَالَاةِ، وَمَا هُوَ سُنَّةٌ كَالتَّرْتِيبِ وَالتَّجْدِيدِ لِلْأُذُنَيْنِ وَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُنَنَ الْوُضُوءِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ: غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا وَرَدُّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَرْتِيبُ فَرَائِضِهِ، وَزَادَ اللَّخْمِيُّ: مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ، وَابْنُ عَرَفَةَ: السِّوَاكَ، وَابْنُ رُشْدٍ: الْمُوَالَاةَ، فَتَصِيرُ جُمْلَةُ السُّنَنِ إحْدَى عَشْرَةَ سُنَّةً.

(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُنَبِّهْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَفْتَقِرُ مِنْ السُّنَنِ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ، وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا عَلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ وَذَلِكَ كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ، وَمَا تَأَخَّرَ عَنْ الشُّرُوعِ فِي الْفَرَائِضِ فَنِيَّةُ الْفَرْضِ تَشْمَلُهُ كَالْفَضَائِلِ وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي غَسْلِ يَدَيْهِ الْإِتْيَانَ بِسُنَنِ الْوُضُوءِ السَّابِقَةِ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ

الثَّانِي: لَمْ يُنَبِّهْ أَيْضًا عَلَى شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى شَرْطِهِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ، وَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ، فَالْأَوَّلُ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: الْعَقْلُ وَبُلُوغُ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَطْعُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَوُجُودُ الْكَافِي مِنْ الْمُطْلَقِ. وَالثَّانِي سِتَّةُ أَشْيَاءَ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ تَذَكُّرُ الْفَائِتَةِ وَالْبُلُوغُ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَعَدَمُ السَّهْوِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبِ لَهَا الْوُضُوءُ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ. وَالثَّالِثُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَلَوْ حُكْمًا كَوُضُوءِ مَنْ أَجْمَعَ بِقَلْبِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَدَمُ الْحَائِلِ عَلَى مَحَلِّ الطَّهَارَةِ وَعَدَمُ التَّلَبُّسِ بِالْمُنَافِي حَالَ فِعْلِ الطَّهَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِ الْوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ، وَبِشَرْطِ الصِّحَّةِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُ شَرْطِ الْوُجُوبِ بِمَا لَا يُطْلَبُ مِنْ الشَّخْصِ تَحْصِيلُهُ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ لِئَلَّا يُشْكِلَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَالْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ إبْدَالُ الْوُجُوبِ بِالطَّلَبِ لِيَتَنَاوَلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا هُوَ سُنَّةٌ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْ الْوُضُوءِ، شَرَعَ فِي صِفَتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى السُّنَنِ وَالْفَضَائِلِ فَقَالَ:(فَمَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ نَوْمٍ) مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ (أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ مُوجِبَاتِهِ (فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَبْهَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: إنَّهُ (يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ) بِأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. (وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ) عِنْدَ السَّلَفِ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ أَيْ مَكْرُوهٌ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ أَشْهُرُهَا مَا صَدَّرَ بِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ: وَتَسْمِيَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِهَا مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ (وَ) مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَيْضًا (كَوْنُ الْإِنَاءِ) مَوْضُوعًا (عَلَى يَمِينِهِ) إنْ كَانَ مَفْتُوحًا؛ لِأَنَّهُ (أَمْكَنُ) أَيْ أَسْهَلُ (لَهُ فِي تَنَاوُلِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَيَمُّنُ أَعْضَاءٍ وَإِنَاءٍ إنْ فَتَحَ (وَ) بَعْدَ وَضْعِ الْإِنَاءِ عَلَى مَا هُوَ أَمْكَنُ لَهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ (يَبْدَأَ فَيَغْسِلَ يَدَيْهِ) إلَى كُوعَيْهِ (قَبْلَ أَنْ

ص: 135

فَيَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ شَاءَ أَوْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ

وَإِنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ فَحَسَنٌ،

ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأَنْفِهِ الْمَاءَ وَيَسْتَنْثِرُهُ ثَلَاثًا يَجْعَلُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَامْتِخَاطِهِ وَيُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَلَهُ جَمْعُ ذَلِكَ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ.

ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ إنْ شَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَيَجْعَلُهُ فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا ثُمَّ

ــ

[الفواكه الدواني]

يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ) حَيْثُ كَانَ يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا سَابِقًا (ثَلَاثًا) تَعَبُّدًا بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ كُلِّ يَدٍ عَلَى حِدَتِهَا وَيَدْلُكُهَا وَيُخَلِّلُهَا كَغَسْلِ الْفَرْضِ، وَهَذَا الَّذِي يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ هُوَ مَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ كَانَ قَدْ بَال أَوْ تَغَوَّطَ) أَوْ أَمَذْي (غَسَلَ ذَلِكَ) الْمَخْرَجَ (مِنْهُ) قَبْلَ غَسْلِ يَدَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ الْأَذَى الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ (تَوَضَّأَ) أَيْ يَغْسِلُ يَدَيْهِ لِكُوعَيْهِ قَبْلَ إدْخَالَهُمَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا سَابِقًا، فَالْمُرَادُ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يَشْرَعُ يَتَوَضَّأُ. (ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ لِكُوعَيْهِ (يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لِيَأْخُذَ الْمَاءَ فَيُمَضْمِضُ فَاهُ) بِهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ شَاءَ أَوْ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصِّفَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرَّاجِحُ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَفْضَلُ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ، وَالْغَرْفَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَغْرُوفِ مِنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ

وَلَمَّا كَانَ يُسْتَحَبُّ أَوْ يُسَنُّ الِاسْتِيَاكُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ قَالَ: (وَإِنْ اسْتَاك بِأُصْبُعِهِ فَحَسَنٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِيَاكُ بِغَيْرِ الْأُصْبُعِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ، وَاسْتَظْهَرَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِحَثِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:«لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» وَيَسْتَاكُ عِنْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا، وَكَمَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْوُضُوءِ يُطْلَبُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ وَعِنْدَ كَثْرَةِ الْكَلَامِ، بَلْ يَتَأَكَّدُ طَلَبُهُ وَصِفَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوَّلًا طُولًا فِي اللِّسَانِ وَعَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ، وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا إلَّا فِي حَقِّ الصَّائِمِ فَيُكْرَهُ لَهُ الْأَخْضَرُ وَلَا يَسْتَاكُ بِعُودِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ لِتَحْرِيكِهِمَا عِرْقَ الْجُذَامِ، وَلَا بِالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْأَكْلَةَ وَالْبَرَصَ، وَلَا بِعُودِ الشَّعِيرِ وَالْحَلْفَاءِ وَلَا بِالْمَجْهُولِ مَخَافَةَ كَوْنِهِ مِنْ الْمُحَذَّرِ مِنْهُ، وَيَسْتَاكُ لَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَا فِي مَسْجِدٍ خِيفَةَ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ أَسْنَانِهِ وَقَدْرُهُ شِبْرٌ لَا أَزْيَدُ فَإِنَّ الزَّائِدَ يَرْكَبُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ تَطْيِيبُ رَائِحَةِ الْفَمِ لِلْمَلَكِ لِأَنَّهُ يَدْنُو مِنْ فَمِ الشَّخْصِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُذْهِبُ حُفَرَ الْأَسْنَانِ وَيَجْلُو الْبَصَرَ وَيَشُدُّ اللَّثَةَ وَيُنَقِّي بِالْبَلْغَمِ وَيُرْضِي الرَّبَّ وَيَزِيدُ فِي حَسَنَاتِ الصَّلَاةِ وَيَصِحُّ بِهِ الْجَسَدُ وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَكْسَ الْحَشِيشَةِ.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَهُ الْأَصْلِيَّ النَّدْبُ أَوْ السُّنَّةُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَإِزَالَةِ مَا يُوجِبُ بَقَاؤُهُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَوْلَاهُ، وَقَدْ تَعْرِضْ حُرْمَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزِ فِي زَمَنِ الصَّوْمِ، وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ لِلصَّائِمِ، وَيَكُونُ مُبَاحًا بَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَجَازَ سِوَاكٌ كُلَّ النَّهَارِ

(ثُمَّ) بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ يُسَنُّ أَنْ (يَسْتَنْشِقَ بِأَنْفِهِ الْمَاءَ) أَيْ يُدْخِلُهُ فِيهِ وَيَجْذِبُهُ بِنَفَسِهِ إلَى دَاخِلِ أَنْفِهِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَسْتَنْثِرَهُ) أَيْ يَطْرَحَهُ بِنَفَسِهِ إلَى خَارِجِ أَنْفِهِ (ثَلَاثًا) رَاجِعٌ لِلِاسْتِنْشَاقِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِنْثَارَ كَذَلِكَ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاسْتِنْثَارِ أَنْ (يَجْعَلَ يَدَهُ) أَيْ إبْهَامَهُ وَسَبَّابَتَهُ مِنْ يُسْرَاهُ (عَلَى أَنْفِهِ كَامْتِخَاطِهِ) أَيْ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْكُ أَنْفِهِ بِيُسْرَاهُ فِي حَالِّ امْتِخَاطِهِ، فَالتَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ وَالصِّفَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَنْثِرَ أَوْ يَمْتَخِطَ مِنْ غَيْرِ وَضْعِ يَدِهِ أَوْ مَعَ وَضْعِ يُمْنَاهُ مَعَ وُجُودِ يُسْرَاهُ لِأَنَّهُ كَامْتِخَاطِ الْحِمَارِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوَضْعَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ يَكُونَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ لَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ فَقَالَ: (وَيُجْزِئُهُ) فِي حُصُولِ السُّنَّةِ (أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ فِيهِمَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَهُوَ ظَاهِرُ خَلِيلٍ وَالْحَدِيثِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مَعَ مَا قَدَّمْنَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى حُصُولِ السُّنَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِ الْإِجْزَاءُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الثَّلَاثُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ ثَلَاثٌ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ حَتَّى بِمَرَّةٍ وَالتَّثْلِيثُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَمَّا ذَكَرَ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ، بَيَّنَ هُنَا كَوْنَ الْأَفْضَلِ فِعْلَ الثَّلَاثِ مِنْ غَرْفَةٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ:(وَلَهُ جَمْعُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا عَلَى الْوَلَاءِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا عَلَى الْوَلَاءِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْهَا مَرَّةً ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مَرَّةً وَهَكَذَا، وَلَكِنَّ الصِّفَةَ الْأُولَى أَفْضَلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْ التَّنْكِيسِ.

(وَ) لَكِنَّ (النِّهَايَةَ أَحْسَنُ) أَيْ أَفْضَلُ وَهِيَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ ثَلَاثٍ وَيَسْتَنْشِقَ مِنْ ثَلَاثٍ،

ص: 136

يَنْقُلُهُ إلَى وَجْهِهِ فَيُفْرِغُهُ عَلَيْهِ غَاسِلًا لَهُ بِيَدَيْهِ مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ وَحَدُّهُ مَنَابِتُ شَعْرِ رَأْسِهِ إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ وَدَوْرُ وَجْهِهِ كُلِّهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَفِعْلُهُمَا بِسِتٍّ أَفْضَلُ وَجَازَ أَوْ أَحَدُهُمَا بِغَرْفَةٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَنَّ الْأَحْسَنِيَّةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَالِاثْنَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا حُسْنَ فِيهَا الْكَرَاهَةُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَبَالَغَ مُفْطِرٌ وَحَقِيقَتُهَا إدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَقْصَى الْحَلْقِ فِي الْمَضْمَضَةِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ جَذْبُ الْمَاءِ لِأَقْصَى الْأَنْفِ، وَلِذَلِكَ كُرِهَتْ لِلصَّائِمِ خِيفَةَ أَنْ يَسْبِقَهُ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ.

الثَّانِي: لَا يُقَالُ كَانَ مُقْتَضَى قُوَّةِ الْفَرَائِضِ عَلَى السُّنَنِ تَقْدِيمَهَا عَلَى السُّنَنِ فَلِمَاذَا قُدِّمَتْ السُّنَنُ عَلَى الْفَرَائِضِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا قُدِّمَتْ تِلْكَ السُّنَنُ عَلَى الْفَرَائِضِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِاخْتِبَارِ حَالِ الْمَاءِ لِأَنَّ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ يُعْرَفُ لَوْنُ الْمَاءِ، وَبِالْمَضْمَضَةِ يُعْرَفُ حَالُ طَعْمِ الْمَاءِ، وَبِالِاسْتِنْشَاقِ يُعْرَفُ رِيحُ الْمَاءِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ فِعْلِ الْفَرَائِضِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ) بَعْدَ الِاسْتِنْثَارِ (يَأْخُذُ الْمَاءَ إنْ شَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ) يَأْخُذُهُ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا أَسْهَلُ (فَيَجْعَلُهُ) أَيْ يُصَيِّرُهُ (فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا ثُمَّ) بَعْدَ تَفْرِيغِهِ فِي يَدَيْهِ (يَنْقُلُهُ إلَى وَجْهِهِ فَيُفْرِغُهُ عَلَيْهِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (غَاسِلًا لَهُ) أَيْ لِوَجْهِهِ أَيْ دَالِكًا لَهُ (بِيَدَيْهِ) إنْ قَدَرَ وَإِلَّا اسْتَنَابَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْغَسْلِ، وَهَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ الْأُولَى مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَهِيَ غَسْلُ الْوَجْهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ الدَّلْكِ لِلصَّبِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ الْأَكْمَلُ الْمُقَارَنَةُ، وَالْمُرَادُ بِيَدَيْهِ بَاطِنُ كَفَّيْهِ لِأَنَّ الدَّلْكَ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَكُونُ بِهِمَا، فَلَا يُجْزِي الدَّلْكُ بِظَاهِرِ كَفِّهِ وَلَا بِمِرْفَقِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ، وَأَحْرَى غَيْرُهُمَا إلَّا فِي دَلْكِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَيَّدْنَا بِالْوُضُوءِ لِأَنَّ الْغُسْلَ يَجُوزُ فِيهِ دَلْكُ الْأَعْضَاءِ بِبَعْضِهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يَنْقُلُهُ إلَى وَجْهِهِ شَرْطِيَّةُ نَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا الشَّرْطُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ، وَلِذَا لَوْ غَسَلَ عُضْوًا مِنْ الْمَطَرِ عِنْدَ نُزُولِهِ أَوْ مِنْ مَاءِ الْمِيزَابِ لَكَفَى، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ إذَا أُرِيدَ مَسْحُهُ، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ غَسْلَهُ نِيَابَةً عَنْ مَسْحِهِ لَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْمَاءِ إلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، فَلَوْ نَزَلَ عَلَى رَأْسِهِ مَطَرٌ يَسِيرٌ وَمَسَحَ بِهِ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ فَلَا يَجِبُ نَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْغَسْلِ، بَلْ لَوْ نَزَلَ عَلَى رَأْسِهِ مَطَرٌ كَثِيرٌ فَغَسَلَ رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ النَّقْلَ لِلْمَسْحِ لَا لِلْغَسْلِ، وَمِنْ النَّقْلِ مُلَاقَاةُ الْمَطَرِ بِيَدِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: يُفْرِغُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ الْمَاءَ مِنْ يَدِهِ وَمَسَحَ وَجْهَهُ بِبَلَلِ يَدَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِهِ يُفْرِغُهُ أَنَّهُ لَا يَلْطِمُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ بِقُوَّةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ أَجْزَأَ حَيْثُ عَمَّ، وَفَسَّرْنَا الْغُسْلَ بِالدَّلْكِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الدَّلْكَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ حَتَّى يُسَمَّى الْفِعْلُ غَسْلًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ أَخَذًا مِنْ «قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِك» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.

الثَّانِي: أَفْهَمَ قَوْلُهُ بِيَدَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُوَضِّئَ نَفْسَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ عَلَى الدَّلْكِ فَقَطْ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى نَحْوِ الْأَقْطَعِ اسْتِنَابَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ أَوْ يَدْلُكُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ وَالنِّيَّةُ مِنْ الْمُسْتَنِيبِ، فَلَوْ اسْتَنَابَ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ عَلَى الدَّلْكِ اخْتِيَارًا فَقَوْلَانِ: الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا عَدَمُ إجْزَاءِ الِاسْتِنَابَةِ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ فَيَجُوزُ.

الثَّالِثُ: لَوْ أُكْرِهَ شَخْصٌ عَلَى فِعْلِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُجْزِئُهُ هَذَا الْوُضُوءُ لِعَقْدِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا إنْ اسْتَطَاعَ الْمُخَالَفَةَ وَفَعَلَهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَجْزَأَهُ حَيْثُ وُجِدَتْ النِّيَّةُ، كَمَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى فِعْلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُخَالَفَةِ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الدَّلْكُ وَاقِعًا مِنْ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّلْكُ وَاقِعًا مِنْ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِيهِ لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَكَوْنِهِ ذَا آفَةٍ أَوْ عَلِيلًا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ شَخْصًا عَلَى تَرْكِ الدَّلْكِ وَمَكَّنَهُ مِنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ صِحَّةُ وُضُوئِهِ لِأَنَّ الدَّلْكَ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ.

الرَّابِعُ: لَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةً لِعُذْرٍ فَوُضُوءُهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً لَصَحَّ وُضُوءُهُ حَيْثُ نَوَاهُ لِعَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ عِنْدَنَا عَلَى الْمَذْهَبِ، إلَّا أَنَّهُ تَنْكِيسٌ حُكْمًا فَيُسَنُّ إعَادَةُ الْمُنَكَّسِ مَعَ مَا بَعْدَهُ بِالْقُرْبِ وَحْدَهُ مَعَ الْبُعْدِ لِأَجْلِ سُنِّيَّةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَرْتِيبُ سُنَنِهِ أَوْ مَعَ فَرَائِضِهِ فَيُعَادُ الْمُنَكَّسُ وَحْدَهُ إنْ بَعُدَ بِجَفَافٍ وَإِلَّا مَعَ تَابِعِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيغُ الْمَاءِ وَالْغَسْلُ (مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ) لِيَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ الْوَجْهِ،

ص: 137

مِنْ حَدِّ عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ إلَى صُدْغَيْهِ

وَيُمِرُّ يَدَيْهِ عَلَى مَا غَارَ مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ وَأَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ وَمَا تَحْتَ مَارِنِهِ مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا ثَلَاثًا يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ

وَيُحَرِّكُ لِحْيَتَهُ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ بِكَفَّيْهِ لِيُدَاخِلَهَا الْمَاءُ لِدَفْعِ الشَّعْرِ لِمَا يُلَاقِيه مِنْ الْمَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهَا فِي الْوُضُوءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيُجْرِي عَلَيْهَا يَدَيْهِ إلَى آخِرِهَا

، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى

ــ

[الفواكه الدواني]

وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الطَّهَارَةِ الِابْتِدَاءُ بِأَوَّلِ الْأَعْضَاءِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَسْفَلِهَا أَجْزَأَهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا عَلَّمَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ، وَالْجَبْهَةُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ مِمَّا يُصِيبُ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ، وَالْجَبِينَانِ مَا أَحَاطَ بِهَا يَمِينًا وَشِمَالًا، وَالْعَارِضَانِ صَفْحَتَا الْخَدِّ وَالْعُذْرَانِ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَارِضَيْنِ.

قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: الْجَبْهَةُ وَالْجَبِينَانِ وَالْعَارِضَانِ وَالْعَنْفَقَةُ وَأَهْدَابُ الْعَيْنِ وَالشَّارِبُ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْوَجْهِ، فَالشَّعْرُ الْكَثِيفُ يُغْسَلُ ظَاهِرُهُ وَلَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَقِيلَ يَجِبُ، وَمَا كَانَ خَفِيفًا يَجِبُ فِيهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَهُوَ حَقِيقَةُ التَّخْلِيلِ (وَ) أَعْلَى الْجَبْهَةِ هُوَ (حَدُّ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ) الْمُعْتَادُ وَيَنْتَهِي الْغَسْلُ (إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ) وَالذَّقَنُ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعَنْفَقَةِ وَهَذَا فِيمَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيُنْهِي غَسْلَهُ إلَى آخِرِ لِحْيَتِهِ وَلَوْ طَالَتْ (وَ) إلَى مُنْتَهَى (دَوَرِ وَجْهِهِ كُلِّهِ مِنْ حَدِّ عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ) وَهُوَ مَا تَحْتَ الْأَضْرَاسِ (إلَى) أَيْ مَعَ (صُدْغَيْهِ) .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَجْهَ حَدُّهُ طُولًا مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ إلَى مُنْتَهَى الذَّقَنِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَحَدُّهُ عَرْضًا مِنْ وَتَدِ الْأُذُنِ إلَى وَتَدِ الْأُذُنِ الْأُخْرَى، وَالْمُصَنِّفُ بَيَّنَ حَدِّهِ طُولًا بِقَوْلِهِ: مِنْ أَعْلَى الْجَبْهَةِ، إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ، وَعَرْضًا بِقَوْلِهِ: مِنْ حَدِّ عَظْمَاتِ لِحَيَّيْهِ إلَى صُدْغَيْهِ، فَهُوَ كَقَوْلِ خَلِيلٍ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ وَمَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَالذَّقَنِ، وَالصُّدْغَانِ تَثْنِيَةُ صُدْغٍ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا بَيَّنَّا، وَبِشَرْطِ الْمُعْتَادِ يَدْخُلُ الْأَغَمُّ وَيَخْرُجُ الْأَصْلَعُ، فَيَجِبُ عَلَى الْأَغَمِّ وَهُوَ مَا نَزَلَ شَعْرُ رَأْسَهُ عَنْ الْمَنْبَتِ الْمُعْتَادِ لِغَالِبِ النَّاسِ غَسَلَ مَا نَزَلَ عَنْ الْمَبْدَأِ الْمُعْتَادِ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْأَصْلَعِ وَهُوَ مَنْ انْحَسَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ خَارِجًا عَنْ الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ إدْخَالُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيَتَحَقَّقَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

(تَنْبِيهٌ) : قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِذَارَ وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَارِضِ وَهُوَ صَفْحَةُ الْخَدِّ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ مَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْبَيَاضِ الْكَائِنِ فَوْقَ وَتَدِ الْأُذُنِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: وُجُوبُ غَسْلِهِ مُطْلَقًا، عَدَمُ وُجُوبِهِ مُطْلَقًا، الْوُجُوبُ عَلَى الْأَمْرِ وَعَدَمُهُ لِصَاحِبِ اللِّحْيَةِ، وَالرَّابِعُ سُنِّيَّةِ غَسْلِهِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِهِ مُطْلَقًا.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالصُّدْغِ بَعْضُهُ مِنْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ فَفَرْضُهُ الْمَسْحُ وَبَعْضُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فَأَسْفَلَ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، هَذَا حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمَشْغُولِ بِالشَّعْرِ، وَأَمَّا الْبَيَاضُ الْكَائِنُ فِيهِ فَمَا بَيْنَ الشَّعْرِ وَالْأُذُنِ مِمَّا فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ وَفَوْقَ وَتَدِ الْأُذُنِ فَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ غَسْلَهُ سَنَةٌ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ. وَأَمَّا مَا نَزَلَ عَنْ الْعَظْمِ النَّاتِئِ مِمَّا تَحْتَ وَتَدِ الْأُذُنِ فَهَذَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَتَدَيْنِ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيعَابِ

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَدِّ الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا نَبَّهَ هُنَا عَلَى وُجُوبِ تَتَبُّعِ أَمَاكِنِ يَبْعُدُ عَنْهَا الْمَاءُ غَالِبًا بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُمِرَّ يَدَيْهِ عَلَى مَا غَار) أَيْ غَابَ (مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ) حَتَّى يَعُمَّهُ الْمَاءُ لَا دَاخِلَ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنِ (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُمِرَّهُمَا عَلَى (أَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ) وَهِيَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا عِنْدَ كِبَرِهِ غَالِبًا، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَ، وَإِلَّا وَجَبَ إيصَالُ الْمَاءِ وَيَسْقُطُ الدَّلْكُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي وَجْهِهِ مَحَلٌّ غَائِرٌ لَوَجَبَ عَلَيْهِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ وَدَلْكُهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ.

(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يُمِرَّهُمَا عَلَى مَا (تَحْتَ مَارِنِهِ مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهٍ) وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَاَلَّذِي تَحْتُهُ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْخِرَيْنِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْوَتْرَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْحَدِرُ عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْلُكْهَا بِيَدِهِ تَصِيرُ لُمْعَةً.

قَالَ خَلِيلٌ: فَيَضِلُّ الْوَتْرَةَ وَأَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ وَظَاهِرَ شَفَتَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَسْلِ إيصَالُ الْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ، وَلَمَّا كَانَ الْغَسْلُ الْفَرْضُ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ بَيَّنَ مَا هُوَ الْأَكْمَلُ بِقَوْلِهِ:(يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ تَعْمِيمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (ثَلَاثًا) لَكِنْ الَّتِي تَعُمُّ الْعُضْوَ هِيَ الْفَرْضُ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِمَّا بَعْدَهَا فَضِيلَةٌ فَيَعُمُّ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمُسْبِغَةِ فَضِيلَةٌ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُحَقِّقَاتِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي غَسْلَةٍ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ؟ فَفِي كَرَاهَتِهَا وَنَدْبِهَا قَوْلَانِ بِخِلَافِ الرَّابِعَةِ الْمُحَقِّقَةِ فَفِي مَنْعِهَا وَكَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ إلَّا لِنَحْوِ تَدَفٍّ أَوْ تَنَظُّفٍ، وَمَعْنَى (يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ) أَنَّهُ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النَّقْلَ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا فِي الْمَسْحِ وَهَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَغْسِلُ وَجْهَهُ.

(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُحَرِّكَ لِحْيَتَهُ) الْكَثِيفَةَ (فِي) حَالِ (غَسْلِ وَجْهِهِ بِكَفَّيْهِ لِيُدَاخِلَهَا الْمَاءَ) إذْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَعُمَّهَا الْمَاءُ (لِدَفْعِ الشَّعْرِ لِمَا يُلَاقِيه مِنْ الْمَاءِ) وَلَمَّا كَانَ التَّحْرِيكُ غَيْرَ التَّخْلِيلِ قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ)

ص: 138

ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ يُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ وَيَعْرُكُهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ ثُمَّ يَغْسِلُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَيَبْلُغُ فِيهَا بِالْغَسْلِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ يُدَخِّلُهُمَا فِي غَسْلِهِ، وَقَدْ قِيلَ إلَيْهِمَا حَدُّ الْغَسْلِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إدْخَالُهُمَا فِيهِ وَإِدْخَالُهُمَا فِيهِ أَحْوَطُ لِزَوَالِ تَكَلُّفِ التَّحْدِيدِ،

ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَيُفْرِغُهُ عَلَى بَاطِنِ يَدِهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا (تَخْلِيلُهَا فِي الْوُضُوءِ فِي) مَشْهُورِ (قَوْلِ مَالِكٍ) بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ كَرَاهَةُ تَخْلِيلِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى سُقُوطِ تَخْلِيلِهَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثِيفَةً وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَشَرَتِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ» ، وَعَنْ مَالِكٍ: وُجُوبُ تَخْلِيلِهَا، وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: اسْتِحْبَابُ تَخْلِيلِهَا، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ.

(وَ) إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَخْلِيلُ الْكَثِيفَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَنْ يُجْرِي عَلَيْهَا يَدَيْهِ بِالْمَاءِ)(مُنْتَهَيَا إلَى آخِرِهَا) وَإِنْ طَالَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهَا فِي الْغَسْلِ قَوْلًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «خَلِّلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ» وَقَيَّدَ الْكَثِيفَةَ لِأَنَّ الْخَفِيفَةَ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا حَتَّى فِي الْوُضُوءِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْرِيكِ وَالتَّخْلِيلِ إذْ التَّحْرِيكُ ضَمُّ الشَّعْرِ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ مَعَ تَحْرِيكِهِ لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ، وَالتَّخْلِيلُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ.

وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي وُجُوبِ تَخْلِيلِ الْخَفِيفَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِتَحْرِيكِ الْكَثِيفَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ لِحْيَتِهَا لِأَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّزَيُّنُ لِلرَّجُلِ، وَيُقَاسُ عَلَى شَعْرِ اللِّحْيَةِ الْحَاجِبُ وَالْهُدْبُ وَالشَّارِبُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُجْرِي عَلَيْهَا يَدَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا.

قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ دُخُولِ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهٍ وَرَأَيْت شَيْخَ الْمَالِكِيَّةِ نُورَ الدِّينِ السَّنْهُورِيَّ وَهُوَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ يَفْعَلُهُ فَلَا أَدْرِيه لِوَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِ انْتَهَى.

قَالَ الشَّاذِلِيُّ: قُلْت: وَرَدَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ» قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى وُضُوءِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا بِحَسَبِ اللَّفْظِ لَا يَعُمُّ كُلَّ وُضُوءٍ وَأَقُولُ: التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ فَإِنْ ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا جَازَ.

(خَاتِمَةٌ) : قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي بِنُورِك يَوْمَ تُبَيِّضُ وُجُوهَ أَوْلِيَائِك، وَلَا تُسَوِّدْ وَجْهِي بِظُلُمَاتِك يَوْمَ تُسَوِّدُ وُجُوهَ أَعْدَائِك، إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ أَوَّلُ الْفَرَائِضِ الْقُرْآنِيَّةِ يَنْتَقِلُ إلَى ثَانِيهَا وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ) وَصِفَةُ غَسْلِهَا أَنْ (يُفِيضَ عَلَيْهَا الْمَاءَ وَيَعْرُكَهَا) أَيْ يَدْلُكَهَا (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) أَيْ بِبَاطِنِ كَفِّهَا مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فِي غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُخَلِّلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ) بِأَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ إحْدَاهُمَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْأُخْرَى سَوَاءٌ أَدْخَلَ مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ.

وَلَا يُقَالُ: الْإِدْخَالُ مِنْ الْبَاطِنِ تَشْبِيكٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْكَرَاهَةُ فِي الصَّلَاةِ لَا فِي غَيْرِهَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِكَرَاهَةِ التَّشْبِيكِ حَتَّى فِي الْوُضُوءِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ فِي الْوُضُوءِ، وَمَا أَدْرِي مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ عَلَى مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّشْبِيكِ حَتَّى فِي الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْحَدِيثِ. (ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ الْيُمْنَى (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ) أَيْ كَالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي غَسْلِ الْيُمْنَى (وَيَبْلُغُ فِيهِمَا) وُجُوبًا (بِالْغَسْلِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُغَيَّا بِإِلَى أَصْلُهُ الْخُرُوجُ وَهُوَ هُنَا دَاخِلٌ قَالَ:(يُدْخِلُهُمَا فِي غَسْلِهِ) وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ اللُّغَوِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُغَيَّا تَدْخُلُ فِيهِ كَبِعْت الثَّوْبَ مِنْ طَرَفِهِ إلَى طَرَفِهِ فَيَدْخُلُ الطَّرَفَانِ بِخِلَافِ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ فِي الْآيَةِ {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] غَايَةً إلَى الْمَغْسُولِ.

وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ غَايَةً لِلْمَتْرُوكِ لَاسْتَقَامَ الْخُرُوجُ، وَلِتَقْدِيرِ: وَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَاتْرُكُوا مِنْ آبَاطِكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ، وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ نَافِعٍ وَأَشْهَبَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(وَقِيلَ يَنْتَهِي إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (حَدُّ الْغَسْلِ) الْفَرْضُ (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إدْخَالُهُمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْغَسْلِ (وَ) إنَّمَا (إدْخَالُهُمَا فِيهِ) أَيْ الْغَسْلِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لِأَنَّهُ (أَحْوَطُ لِزَوَالِ تَكَلُّفِ التَّحْدِيدِ) وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِدْخَالُهُمَا إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِزَوَالِ تَكَلُّفِ التَّحْدِيدِ عِلَّةً لِسُقُوطِ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ لَا عِلَّةً

ص: 139

الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا رَأْسَهُ يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِهِ مِنْ أَوَّلِ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَقَدْ قَرَنَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِيَدَيْهِ مَاسِحًا إلَى طَرَفِ شَعْرِ رَأْسِهِ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ

، وَيَأْخُذُ بِإِبْهَامَيْهِ خَلْفَ أُذُنَيْهِ إلَى صُدْغَيْهِ وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوَعَبَ رَأْسَهُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ

ــ

[الفواكه الدواني]

لِلِاحْتِيَاطِ، لِأَنَّ طَلَبَ الِاحْتِيَاطِ تَشْدِيدٌ لَا تَخْفِيفٌ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ لِزَوَالِ إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْقِيلِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ يَجْعَلُ غَسْلَهُمَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ غَسْلُ الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ حَيْثُ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ.

فَيَتَخَلَّصُ أَنَّ فِي غَسْلِ الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا مَا صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْفَرْضِ، ثَانِيهمَا سُقُوطُهُ مِنْ الْفَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ غَسَلَهُ، ثَالِثُهَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ شُرَّاحِهِ، وَسَبَبُ تَكَلُّفِ التَّحْدِيدِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ غَايَةِ الْغَسْلِ فِي الْيَدَيْنِ بِسَبَبِ الْإِتْيَانِ فِي الْآيَةِ بِإِلَى الْمُحْتَمِلَةِ فِي الْجُمْلَةِ دُخُولَ الْغَايَةِ فِي الْمُغَيَّا وَعَدَمَ دُخُولِهَا.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: إتْيَانُ الْمُصَنِّفِ بِثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ مُرَتَّبٌ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَهُوَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَقَالَ: يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَيْنِ، إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بَلْ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ حَيْثُ عَمَّتْ الْعُضْوَ، وَإِنَّمَا خَيَّرَ فِي جَانِبِ الْيَدَيْنِ وَجَزَمَ بِالتَّثْلِيثِ فِي الرِّجْلَيْنِ وَالْوَجْهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ يَغْسِلُ الْوَجْهَ ثَلَاثًا وَالْيَدَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَوَجْهُ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فِي الْوَجْهِ مَغَابِنُ وَجَوَانِبُ وَالرِّجْلَانِ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ، وَبِالْجُمْلَةِ الزَّائِدُ مُسْتَحَبٌّ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي الْفَضَائِلِ وَشُفِعَ غَسْلُهُ وَتَثْلِيثُهُ.

الثَّانِي: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ الْفَرْضِ، وَمِثْلُهُ لَوْ خُلِقَتْ نَاقِصَةً وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا كَفٌّ بِمَنْكِبِهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الزَّائِدَةِ حَيْثُ كَانَتْ بِمِرْفَقٍ مُطْلَقًا أَوْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ لَا إنْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ وَلَا مِرْفَقَ لَهَا فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ عَلَى بِحَثِّ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَالَ السَّنْهُورِيُّ: إنْ وَصَلَتْ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي لِلْفَرْضِ مِنْهَا لَا إنْ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ، وَمَا جَرَى فِي الْيَدَيْنِ يَجْرِي فِي الرِّجْلَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ شَخْصُ مِنْ النِّصْفِ الْأَعْلَى عَلَى صُورَةِ رَجُلَيْنِ وَالْأَسْفَلِ صُورَةُ وَاحِدٍ لَوَجَبَ غَسْلُ وَجْهَيْهِ وَالْأَرْبَعَةِ أَيْدٍ عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِيَّةِ، لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْبَعْضِ تَحَكُّمٌ وَلِدُخُولِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَيْدِي فِي عُمُومِ:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] .

الثَّالِثُ: لَوْ كُشِطَ جِلْدُ الْوَجْهِ أَوْ الذِّرَاعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْجِلْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَبِيرَةِ، وَأَمَّا لَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَوْضِعِ الْجِلْدِ، وَكَذَا الْجِلْدُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا إنْ خَرَجَ عَنْهُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مَحَلُّهُ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الرِّجْلَيْنِ.

الرَّابِعُ: لَوْ كَانَ بِالْيَدِ خَاتَمٌ أَوْ سِوَارٌ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ إنْ كَانَ لِأُنْثَى مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا أَوْ ذَهَبَا، وَإِنْ كَانَ لِذَكَرٍ وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ كَانَ مُجَرَّمًا كَخَاتَمِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَزْيَدَ مِنْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ تَعَدَّدَ أَوْ لَبِسَهُ لِزِينَةٍ، وَظَاهِرُ بَحْثِ الْأُجْهُورِيِّ وُجُوبُ نَزْعِهِ وَلَوْ اتَّسَعَ، وَمُقْتَضَى بَحْثِ السَّنْهُورِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِتَحْرِيكِ الْوَاسِعِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ أَوْ الْمَكْرُوهُ كَخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ أَوْ الْخَشَبِ أَوْ الْعَظْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهِ إنْ كَانَ ضَيِّقًا وَيَكْفِي تَحْرِيكُهُ إنْ كَانَ وَاسِعًا.

الْخَامِسُ: يَجِبُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ تَتَبُّعُ عُقَدِ أَصَابِعِهِ وَرُءُوسِهَا كَمَا يَتَتَبَّعُ أَسَارِيرَ جَبْهَتِهِ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ، وَأَنْ يَحْنِيَ كَفَّهُ وَيَغْسِلَ ظَاهِرَهُ بِالْأُخْرَى وَيَجْمَعَ رُءُوسَ أَصَابِعِهِ وَيَحُكَّهَا عَلَى كَفِّهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إزَالَةُ مَا تَحْتَ أَظَافِرِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَتُهُ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْمُ ظُفْرِهِ السَّاتِرِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ.

(خَاتِمَةٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِهِ يَدَهُ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: وَأَعُوذُ بِك أَنْ تُعْطِيَنِي كِتَابِي بِشِمَالِي أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْيَدَيْنِ يَنْتَقِلُ إلَى الْفَرْضِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ (يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى) إنْ شَاءَ (فَيُفْرِغُهُ عَلَى بَاطِنِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ) بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ فِي يُسْرَاهُ وَإِرْسَالِهِ مِنْهَا (يَمْسَحُ بِهِمَا رَأْسَهُ) وَقَوْلُنَا إنْ شَاءَ لِأَنَّ مَالِكًا أَجَازَ أَخْذَهُ بِيَدَيْهِ مَعًا وَصِفَةُ الْمَسْحِ الْكَامِلَةُ أَنْ (يَبْدَأَ مِنْ مُقَدَّمِهِ مِنْ أَوَّلِ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ) الْمُعْتَادِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ قَرَنَ) أَيْ جَمَعَ (أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ) سِوَى إبْهَامَيْهِ (بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ إبْهَامَهُ فِي صُدْغَيْهِ ثُمَّ) بَعْدَ تِلْكَ الْهَيْئَةِ (يَذْهَبُ بِيَدَيْهِ مَاسِحًا) بِهِمَا جَمِيعَ الرَّأْسِ مُنْتَهَيَا (إلَى طَرَفِ شَعْرِ رَأْسِهِ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى حَيْثُ بَدَأَ)

(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَأْخُذَ بِإِبْهَامَيْهِ) أَيْ يَمُرَّ بِهِمَا (خَلْفَ أُذُنَيْهِ إلَى صُدْغَيْهِ) أَيْ مَعَ صُدْغَيْهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَهُمَا مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ مِمَّا فَوْقَ الْعَظْمِ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: الصُّدْغُ مَا فَوْقَ

ص: 140

فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا مَبْلُولَتَيْنِ وَمَسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ،

ثُمَّ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ وَإِنْ شَاءَ غَمَسَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا

وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَمْسَحُ عَلَى دَلَالَيْهَا وَلَا تَمْسَحُ عَلَى الْوِقَايَةِ وَتُدْخِلُ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِ عِقَاصِ شَعْرِهَا فِي رُجُوعِ يَدَيْهَا فِي الْمَسْحِ

، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ يَصُبُّ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى

ــ

[الفواكه الدواني]

الْعَظْمِ بِحَلْقِهِ الْمُحَرَّمَ وَمَا دُونَ الْعِذَارِ، وَقَدَّمْنَا عِنْدَ بَيَانِ حَدِّ الْوَجْهِ أَنَّ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالصُّدْغِ بَعْضُهُ مِنْ الرَّأْسِ يُمْسَحُ هُوَ مَا فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ وَبَعْضُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فَأَسْفَلُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، هَذَا حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمَشْغُولِ بِالشَّعْرِ، وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ مِنْ الْبَيَاضِ فَاَلَّذِي فَوْقَ وَتَدِ الْأُذُنِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَاَلَّذِي تَحْتَهُ يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَتَدِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا ظَهَرَ لَك وَجْهُ كَوْنِ إلَى بِمَعْنَى مَعَ، وَلَا يَصِحُّ بَقَاؤُهَا عَلَى بَابِهَا لِأَنَّ الْمُغَيَّا بِهَا خَارِجٌ، وَمُنْتَهَى الْمَسْحُ فِي الصُّدْغِ مَنْبَتُ شَعْرِ الْعَظْمِ النَّاتِئِ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ الْمُوهِمُ أَنَّ جَمِيعَ الْعَظْمِ يُمْسَحُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَمَسْحُ مَا عَلَى الْجُمْجُمَةِ بِعَظْمِ صُدْغَيْهِ مَعَ الْمُسْتَرْخِي، وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَرْخِي مَا طَالَ مِنْ الشَّعْرِ وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقَدَمِ، وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ غَيْرَ مُتَعَيِّنَةٍ قَالَ:(وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوْعَبَ) أَيْ عَمَّ (رَأْسَهُ وَ) لَكِنَّ الْفِعْلَ (الْأَوَّلَ أَحْسَنُ) لِأَنَّهُ صِفَةُ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ أَقْبَلَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ أَدْبَرَ، وَالْمُرَادُ أَقْبَلَ بِيَدَيْهِ إلَى جِهَةِ قَفَاهُ. وَلَمَّا بَيَّنَ الصِّفَةَ الْكَامِلَةَ فِي أَخْذِ الْمَاءِ ذَكَرَ صِفَةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ:(وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا) حَالَةَ كَوْنِهِمَا (مَبْلُولَتَيْنِ وَمَسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ) وَإِنَّمَا أَجْزَأَ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَعْمِيمُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْفَرْضَ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَسْنُونَ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْبَدْءَ مِنْ الْمُقَدَّمِ مَنْدُوبٌ وَأَنَّ تَعْمِيمَهُ بِالْمَسْحِ فَرْضٌ وَالرَّدَّ سُنَّةٌ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَعْرٌ أَوْ لَهُ شَعْرٌ قَصِيرٌ وَإِلَّا وَجَبَ.

الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَا لَوْ جَفَّتْ يَدُهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْحِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْمَاءِ إنْ جَفَّتْ إلَّا قَبْلَ تَمَامِ الْمَسْحِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا كُرِهَ التَّجْدِيدُ، لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يُسَنُّ حَيْثُ بَقِيَ بَعْدَ مَسْحِ الْفَرْضِ بَلَلٌ وَإِلَّا سَقَطَتْ سُنَّةُ الرَّدِّ، وَلِذَا وَقَعَ مِنْ عَلَّامَةِ الزَّمَانِ الْأُجْهُورِيِّ التَّرَدُّدُ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ بَلَلٍ لَا يَمْسَحُ جَمِيعَ الرَّأْسِ فِي الرَّدِّ، ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَنَّهُ يَمْسَحُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَلِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ (يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ وَإِبْهَامَيْهِ) بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَيُفْرِغَهُ عَلَى سَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى مَعَ إبْهَامِهَا، وَمَا اجْتَمَعَ فِي كَفِّ الْيُسْرَى يُفْرِغُهُ عَلَى سَبَّابَةِ الْيُمْنَى مَعَ إبْهَامِهَا (وَإِنْ شَاءَ غَمَسَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ مِنْ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ (فِي الْمَاءِ ثُمَّ) بَعْدَ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ (يَمْسَحُ أُذُنِيهِ) عَلَّ جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (ظَاهِرَهُمَا) وَهُوَ مَا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى الْأَصَحِّ (وَبَاطِنَهُمَا) وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَيُكْرَهُ تَتْبَعُ غُضُونِهِمَا لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّتَبُّعُ مُنَافٍ لَهُ، وَصِفَةُ الْمَسْحِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ وَيُمِرَّهُمَا وَيَجْعَلَ آخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ وَوَسَطَهُمَا مُلَاقِيًا لِلْبَاطِنِ دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ دَاخِلٌ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَالْكُلُّ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّ مَسْحَ الصِّمَاخِ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا فَلَعَلَّهُ مُخَالِفٌ لِهَذَا.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ سُنَّةٌ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَعَزَاهُ لِلْأَكْثَرِ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ.

وَلَمَّا كَانَتْ النِّسَاءُ شَقَائِقَ الرِّجَالِ قَالَ: (وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا) وَأُذُنَيْهَا (كَمَا ذَكَرْنَا) فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِقْدَارًا وَصِفَةً (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ (تَمْسَحَ عَلَى دَلَالَيْهَا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ شَعْرِهَا عَلَى وَجْهِهَا وَعَلَى صُدْغَيْهَا وَلَوْ طَالَ: كَمَا يَمْسَحُ الرَّجُلُ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِمَّا فَوْقَ الْعَظْمِ النَّاتِئِ وَلَوْ طَالَ إلَى الْقَدَمِ. (وَ) لَوْ كَانَ عَلَى شَعْرِهَا وِقَايَةٌ (لَا تَمْسَحُ عَلَى الْوِقَايَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَجْعَلُهَا عَلَى شَعْرِهَا لِتَقِيهِ مِنْ الْغُبَارِ لِأَنَّهُ حَائِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا إزَالَتُهُ وَتَمْسَحُ عَلَى الشَّعْرِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ وَضَعَتْهَا لِضَرُورَةٍ كَصُدَاعٍ أَوْ جِرَاحٍ وَلَا تَسْتَطِيعُ الْمَسْحَ عَلَى مَا تَحْتَهَا فَيَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ عَلَى الْوِقَايَةِ، كَالرَّجُلِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ نَزْعَ عِمَامَتِهِ فَيَمْسَحُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ» أَيْ لِضَرُورَةٍ كَانَتْ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْحَائِلُ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ كَمَّلَ الْبَاقِيَ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ وَاجِبٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْوِقَايَةِ الْمَلْبُوسَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ عَرُوسًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا نَزْعُ مَا عَلَى شَعْرِهَا مِنْ زِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَنْ رَخَّصَ لِلْعَرُوسِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ الْمَسْحَ عَلَى الْحَائِلِ.

(وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي حَالِ مَسْحِ رَأْسِهَا أَنْ (تُدْخِلَ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِ عِقَاصِ شَعْرِهَا فِي رُجُوعِ يَدَيْهَا فِي الْمَسْحِ) وَكُلٌّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَالرَّدِّ فَرْضٌ لِتَوَقُّفِ التَّعْمِيمِ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ تَعْمِيمِ رَأْسِهَا بِالْمَسْحِ يُسَنُّ فِي حَقِّهَا الرَّدُّ وَتُدْخِلُ يَدَيْهَا تَحْتَهُ فِي الرَّدِّ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا حَيْثُ بَقِيَ بِيَدَيْهَا بَلَلٌ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مِنْ تَحْتِ

ص: 141

رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَعْرُكُهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى قَلِيلًا قَلِيلًا يُوعِبهَا بِذَلِكَ ثَلَاثًا وَإِنْ شَاءَ خَلَّلَ أَصَابِعَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ وَالتَّخْلِيلُ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَيَعْرُكُ عَقِبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَمَا لَا يَكَادُ يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ مِنْ جَسَاوَةٍ أَوْ شُقُوقٍ فَلِيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ

ــ

[الفواكه الدواني]

عِقَاصِ شَعْرِهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا حَلُّ الْمَعْقُوصِ وَلَا فَكُّ الْمَضْفُورِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يَنْقُضُ ضَفْرُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَيُدْخِلَانِ يَدَيْهِمَا تَحْتَهُ فِي رَدِّ الْمَسْحِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَدَّ ضَفْرُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهَا لِأَنَّهَا حَائِلٌ.

(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ تَعْمِيمِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فَإِنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَعْمِيمِ الظَّاهِرِ، وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّهُ «حِينَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّعْمِيمِ، وَأَيْضًا الْحُكْمُ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُطْلَقٍ وَجَبَ اسْتِبْقَاؤُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ الْإِمَامُ أَشْهَبُ: يَكْفِي مَسْحُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَوْ النَّاصِيَةَ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ يَكْفِي قَدْرُ الثُّلُثِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يَكْفِي مَسْحُ الثُّلُثَيْنِ، وَاخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ رَحْمَةٌ، فَالْمَرْأَةُ الَّتِي تَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِمَشَقَّةِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَإِذَا أَمَرْنَاهَا بِمَسْحِ الْبَعْضِ تَفْعَلُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا تَهْدِيدُهَا وَلَوْ بِالضَّرْبِ مَعَ ظَنِّ إفَادَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَلَّدَتْ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَشْيَاخِ، لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْعِبَادَةِ وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَحْسَنُ مِنْ تَرْكِهَا.

1 -

الثَّانِي: لَوْ خَالَفَ الْمُتَوَضِّئُ الْوَاجِبَ فِي الرَّأْسِ وَغَسَلَهَا أَجْزَأَ وَإِنْ كُرِهَ أَوْ حُرِّمَ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا إلَّا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ، وَالْمُرَادُ بِنَقْلِهِ تَجْدِيدُهُ وَلَوْ مِنْ بَلَلِ لِحْيَتِهِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ.

1 -

الرَّابِعُ: لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهَا لَا يُعِيدُ مَسْحَ مَوْضِعِهَا وَلَوْ كَانَ شَعْرُهَا طَوِيلًا قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَفِي لِحْيَتِهِ قَوْلَانِ

(ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ وَهُوَ الْفَرْضُ الثَّالِثُ (يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) مَعَ كَعْبَيْهِ النَّاتِئَيْنِ بِمَفْصِلَيْ السَّاقَيْنِ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ الرَّابِعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] عَلَى الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ النَّصْبَ عَطْفًا عَلَى وُجُوهِكُمْ وَلَا يُشْكِلُ قِرَاءَةُ الْجَرِّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمَسْحِ لِحَمْلِهِ عَلَى لَابِسِ الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مَسْحُ رِجْلَيْهِ إلَّا عَلَى الْخُفِّ، وَصِفَةُ غَسْلِهِمَا أَنَّهُ (يَصُبُّ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى) وَيُنْدَبُ كَوْنُ الصَّبِّ مِنْ أَعْلَى الرِّجْلِ (وَيَعْرُكُهَا) أَيْ يَدْلُكُهَا (بِيَدِهِ الْيُسْرَى قَلِيلًا قَلِيلًا) أَيْ دَلْكًا رَفِيقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الْأَوْسَاخِ الْغُرِّ الْمُتَجَسِّدَةِ لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَإِنَّمَا أَكَّدَ الدَّلْكَ فِي الرِّجْلَيْنِ بِقَلِيلٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ مَحَلُّ الْأَوْسَاخِ، فَرُبَّمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ زِيَادَةً عَلَى غَيْرِهِمَا وَيُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ (يُوعِبَهُمَا بِذَلِكَ ثَلَاثًا) وَالْفَرْضُ مِنْ ذَلِكَ الْغَسْلَةُ الْأُولَى حَيْثُ عَمَّتْ، وَالثَّانِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ كَالثَّالِثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِينَ مِنْ الْخِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَهَلْ الرِّجْلَانِ كَذَلِكَ؟ أَوْ الْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَوْلُهُ: وَيَعْرُكُهَا بِيَدِهِ إلَخْ الْعَرْكُ بِالْيَدِ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ لَوْ دَلَكَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى أَجْزَأَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَالْيَدَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلْكِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا حُكْمُ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيَجُوزُ دَلْكُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِبَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَعْرُكُهَا فَرْضِيَّةَ الدَّلْكِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِذَلِكَ لَوْ عَجَزَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ.

وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ فَرْضِيَّةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مُسَاوَاتُهُمَا لِلْيَدَيْنِ فِي وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا قَالَ: (وَإِنْ شَاءَ خَلَّلَ) الْمُتَوَضِّئُ (أَصَابِعَهُ فِي ذَلِكَ) الْغَسْلِ (وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ) لَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِ الْحَرَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى نَفْيِ الْفَرِيضَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَ) لَكِنْ (التَّخْلِيلُ أَطْيَبُ لِلنَّفْسِ) أَيْ أَفْضَلُ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّعْمِيمِ، وَبِجَعْلِنَا فَاعِلَ خَلَّلَ الْمُتَوَضِّئَ يَخْرُجُ الْمُغْتَسَلُ لِنَحْوِ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ حَيْثُ وَجَبَ تَخْلِيلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ شِدَّةُ اتِّصَالِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ حَيْثُ اُسْتُحِبَّ تَخْلِيلُهَا فِيهِ شِدَّةُ اتِّصَالِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ بِبَعْضِهَا فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَهُمَا الْبَاطِنَ، وَافْتِرَاقُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الْأَعْضَاءَ الْمُسْتَقِلَّةَ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ وُجُوبُ تَخْلِيلِهَا فِي الْغُسْلِ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَخْلِيلِ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ فِيهِ، وَصِفَةُ تَخْلِيلِهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْفَلِ الْأَصَابِعِ فَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ الْيُمْنَى لِأَنَّهُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، وَلَمَّا كَانَ فِي الرِّجْلَيْنِ بَعْضُ أَمَاكِنَ تُشْبِهُ الْبَاطِنَ نَبَّهَ عَلَى تَتَبُّعِهَا بِقَوْلِهِ:(وَيَعْرُكُ) أَيْ يَدْلُكُ الْمُتَوَضِّئُ وُجُوبًا (عَقِبَيْهِ) وَهُمَا مُؤَخِّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ (وَعُرْقُوبَيْهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُمَا الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الْمُوتِرُ فَوْقَ الْعَقِبِ.

(وَ) كَذَلِكَ (مَا لَا يَكَادُ) أَيْ لَا يَقْرَبُ أَنْ (يُدَاخِلَهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ) إمَّا لِارْتِفَاعِهِ أَوْ لِخَفَائِهِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ جَسَاوَةٍ) بِجِيمٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ غِلَظٌ فِي الْجِلْدِ يَنْشَأُ عَنْ قَشَفٍ (أَوْ

ص: 142

مَعَ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ جَاءَ الْأَثَرُ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ

وَلَيْسَ تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ ثَلَاثًا بِأَمْرٍ لَا يُجْزِئُ دُونَهُ، وَلَكِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ إذَا أَحْكَمَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ ذَلِكَ سَوَاءً

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَفَعَ طَرَفَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

شُقُوقٍ) فِي الرِّجْلِ (فَلِيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ) فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ (مَعَ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدِهِ) عَلَيْهَا كَأَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ، وَلَمَّا كَانَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ مُعَالَجَةٌ أَتَى الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِلَفْظِ يَكَادُ الدَّالُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ فِي الصِّحَاحِ: كُلُّ شَيْءٍ تُعَالِجُهُ فَأَنْتَ تَكِيدُهُ، فَدَعْوَى زِيَادَتُهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَمَا لَا يَقْرُبُ مُدَاخَلَةُ الْمَاءِ لَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُنْتَهَى غَسْلِهِمَا آخِرُ الْكَعْبَيْنِ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمَغْسُولِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ بِمَفْصِلَيْ السَّاقَيْنِ الْمَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِإِبْرَازِ الرِّجْلَيْنِ.

ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ الْمُبَالَغَةِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّهُ) أَيْ الْحَالُ وَالشَّأْنُ (جَاءَ الْأَثَرُ) أَيْ الْحَدِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَوَيْلٌ كَلِمَةٌ تَقُولهَا الْعَرَبُ لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ وَوَقَعَ فِي الْهَلَاكِ، وَقِيلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ التَّعْذِيبِ بِالْأَعْقَابِ دُونَ غَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُمَّ التَّعْذِيبُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَعَلَيْهِ فَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِذَوِي الْأَعْقَابِ، وَنَسَبَ الْعَذَابَ لَهَا لِشِدَّتِهِ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُعَذَّبٍ، ثُمَّ إنَّ هَذَا يَجْرِي فِي كُلِّ لُمْعَةٍ تَبْقَى فِي الْأَعْضَاءِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَعْقَابَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ حِينَ رَأَى أَعْقَابَ النَّاسِ تَلُوحُ وَلَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ.

وَقَوْلُهُ مِنْ النَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِوَيْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهَلَاكَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا تُوَلْوِلُ تَقُولُ: يَا وَيْلَاه وَتَضِجُّ مِنْ عَذَابِ النَّارِ بِنَاءً عَلَى التَّجَوُّزِ فِي الْإِسْنَادِ لِأَنَّ الَّذِي يُوَلْوِلُ إنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ الْأَعْقَابِ، فَمِنْ عَلَى هَذَا تَعْلِيلِيَّةٌ وَعَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِوَادٍ فِي جَهَنَّمَ تَكُونُ مِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى النَّارِ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَفَسَّرْنَا الْأَثَرَ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقَعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُنَا، وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ نَحْوِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُطْلِقُ الْأَثَرَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَيَخُصُّ الْخَبَرَ بِالْمَرْفُوعِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ:

وَسَمِّ بِالْمَوْقُوفِ مَا قَصَّرْته بِصَاحِبٍ وَصَلْت أَوْ قَطَعْته

وَبَعْضُ أَهْلِ الْفِقْهِ سَمَّاهُ الْأَثَرَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنْ الْمُصَنِّفَ اسْتَعْمَلَهُ هُنَا فِي الْمَرْفُوعِ وَفَسَّرَ الْعَقِبَ بِقَوْلِهِ:(وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَ) هُوَ (آخِرُهُ) لِأَنَّهُ آخِرُ الْقَدَمِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيه الْعَامَّةُ بِالْكَعْبِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (بِغَسْلِ) الرِّجْلِ (الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) مِنْ صَبِّ الْمَاءِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَعَرْكِهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَرْكًا لَطِيفًا وَيُوعِبُهَا بِذَلِكَ ثَلَاثًا وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهَا نَدْبًا

(خَاتِمَةٌ) قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: يَقُولُ عِنْدَ غَسْلِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تُثَبِّت أَقْدَامَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: وَأَعُوذُ بِك أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ.

وَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ يُطْلَبُ فِيهَا غَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ ثَلَاثًا خُشِيَ أَنْ يَتَوَهَّمَ الْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِهِ وُجُوبَهَا قَالَ: (وَلَيْسَ تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ) كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِأَمْرٍ) أَيْ شَأْنٍ (لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَكِنَّهُ) أَيْ التَّثْلِيثَ (أَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ) فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّ الْوَاجِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَيْثُ أَسْبَغَتْ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَضِيلَةٌ.

قَالَ خَلِيلٌ فِي الْفَضَائِلِ: وَشَفْعُ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثُهُ وَالزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُحَقَّقَاتِ قِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ مَمْنُوعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رُوِيَ، «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَيَدْخُلُ فِي الزَّائِدِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ حَيْثُ كَانَ ثَلَاثًا.

وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ الزِّيَادَةِ إذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ فِي الْوُضُوءِ لَا إنْ فَعَلَهَا لِزِيَادَةِ تَنَظُّفٍ أَوْ تَبَرُّدٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَنْ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّكِّ فِي الزِّيَادَةِ فَقَوْلَانِ: بِالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ شَكَّ فِي ثَالِثَةٍ فَفِي كَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ، وَلَمَّا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّثْلِيثَ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَالَ:(وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ) أَيْ يَغْسِلُ جَمِيعَ الْعُضْوِ (بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ وَهُوَ الثَّلَاثُ (أَجْزَأَهُ) فِعْلُ ذَلِكَ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً (إذَا أَحْكَمَ) أَيْ أَوْعَبَ (ذَلِكَ) فَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَا يَعُمُّ وَلَوْ غَسْلَةً وَاحِدَةٌ قَوْله تَعَالَى: اغْسِلُوا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَدَدٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ غَسْلٌ، «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» الْحَدِيثَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْفَرْضُ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبِغَةِ، فَعَنْ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ.

وَعَنْهُ الْكَرَاهَةُ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَالِمِ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ بَقَاءِ لُمْعَةٍ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ

ص: 143