الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَضَاءُ
وَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا أَفْطَرَتْ وَلَمْ تُطْعِمْ وَقِيلَ تُطْعِمُ وَلِلْمُرْضِعِ إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَلَمْ تَجِدْ مَنْ تَسْتَأْجِرُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَتُطْعِمَ وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ وَالْإِطْعَامُ فِي هَذَا كُلِّهِ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ
وَلَا صِيَامَ عَلَى
ــ
[الفواكه الدواني]
الْبَلْغَمُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّدْرِ إلَى طَرَفِ اللِّسَانِ وَيَبْلَعُهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ طَرْحِهِ، وَمِثْلُهُ النُّخَامَةُ وَلَوْ وَصَلَتْ إلَى طَرَفِ اللِّسَانِ وَتَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، خِلَافًا لِخَلِيلٍ فِي إيجَابِهِ الْقَضَاءَ عَلَى مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ طَرْحِهِ، وَمِمَّا لَا قَضَاءَ فِيهِ بِالْأَوْلَى الرِّيقُ يَتَعَمَّدُ جَمْعَهُ فِي فِيهِ وَيَبْلَعُهُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ وَأَظُنُّهُ الرَّاجِحُ، وَمِمَّا لَا قَضَاءَ فِيهِ مَا غَلَبَ مِنْ ذُبَابٍ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ جِبْسٍ لِصَانِعِهِ أَوْ بَائِعِهِ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ يَغْلِبُ الصَّائِمَ، وَمِمَّا لَا قَضَاءَ فِيهِ الْحُقْنَةُ مِنْ الْإِحْلِيلِ وَهُوَ غَيْرُ الذَّكَرِ وَلَوْ بِمَائِعٍ، وَأَمَّا مِنْ الدُّبُرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَفِيهَا الْقَضَاءُ، وَمِمَّا لَا قَضَاءَ فِيهِ أَيْضًا الْجَائِفَةُ حَيْثُ لَمْ تَصِلْ إلَى مَحَلِّ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ، وَكَذَا الْمَنِيُّ أَوْ الْمَذْيُ الْمُسْتَنْكَحَانِ، وَلَا فِي نَزْعِ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ طُلُوعَ الْفَجْرِ أَيْ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْفَجْرُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ قَوْلِهِ ذَرَعَهُ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ اسْتَقَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ اسْتَدْعَى خُرُوجَ الْقَيْءِ (فَقَاءَ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ الْقَيْءُ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَ رُجُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى حَلْقِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ
[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]
. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا خَافَتْ الْحَامِلُ) عَلَى نَفْسِهَا أَوْ (عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا أَفْطَرَتْ) وُجُوبًا وَلَوْ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ حَيْثُ خَافَتْ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَنَدْبًا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. (وَلَمْ تُطْعِمُ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا تَقْضِي فَقَطْ فِي نَظَرِ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا لَمْ تُطْعِمْ؛ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ، وَأَشَارَ إلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ:(وَقَدْ قِيلَ تُطْعِمُ) وَمِثْلُ الْحَامِلِ الْمَرِيضُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَطْفًا عَلَى الْجَائِزِ: وَلِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ أَوْ تَمَادِيهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى كَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ لَمْ يُمْكِنْهُمَا اسْتِئْجَارٌ أَوْ غَيْرُهُ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا شَمَّتْ الْحَامِلُ شَيْئًا وَتَخْشَى إنْ لَمْ تَأْكُلْ مِنْهُ سَرِيعًا أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، وَأَمَّا الصَّحِيحُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِدَوَامِ صَوْمِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِخَوْفِ الْمَوْتِ أَوْ حُدُوثِ الْمَرَضِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْخَوْفُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُسْتَنِدُ صَاحِبُهُ إلَى قَوْلِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ حَاذِقٍ، أَوْ لِتَجْرِبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ لِإِخْبَارٍ مِمَّنْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الْمِزَاجِ كَمَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ.
الثَّانِي: اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ مَا فِي قَوْلِهِ: مَا فِي بَطْنِهَا إمَّا عَلَى الْقَلِيلِ أَوْ نَظَرًا إلَى الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْعَاقِلِ.
(وَ) يُؤْذَنُ (لِلْمُرْضِعِ إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا) الْمَشَقَّةَ الشَّدِيدَةَ بِإِدَامَةِ الصَّوْمِ (وَلَمْ تَجِدْ مَنْ تَسْتَأْجِرُهُ لَهُ أَوْ) وَجَدَتْهُ وَلَكِنْ (لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا) أَوْ قَبِلَ لَكِنْ لَمْ تَجِدْ أُجْرَةً لِمَنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِهَا (أَنْ تُفْطِرَ) وُجُوبًا إنْ خَافَتْ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ أَوْ شَدِيدَةَ الْأَذَى، وَنَدْبًا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا يُؤْذَنُ لِيَشْمَلَ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تُطْعِمَ) بَعْدَ أَكْلِ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْحَامِلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَامِلَ مُلْحَقَةٌ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلرَّضَاعِ حَيْثُ احْتَاجَتْ لِلْأُجْرَةِ، أَوْ لِكَوْنِ الْوَلَدِ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَبَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ، وَنَظِيرُهَا الْحَصَّادُ الَّذِي يَخْرُجُ لِلْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى فِطْرِهِ حَيْثُ يَضْطَرُّ إلَى الْأُجْرَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ تَبْيِيتِ الصَّوْمِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ بِالْفِعْلِ إلَّا عِنْدَ حُصُولِ الْمَشَقَّةِ فَلَيْسَ كَالْمُسَافِرِ، وَمِثْلُهُ صَاحِبُ الزَّرْعِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْخَوْفِ عَلَى زَرْعِهِ فَافْهَمْ.
(تَنْبِيهٌ) إذَا اسْتُئْجِرَتْ الْمُرْضِعُ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَكُونُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ، وَالْأَبُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَالٍ لَهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأُمِّ، هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فَيَكُونُ مُقَيَّدًا لِتَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ، وَالْخِلَافُ فِي مَالِ الْأُمِّ الَّتِي يَلْزَمُهَا الرَّضَاعُ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ، وَكُلُّ مَنْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُطْعِمُ فَالْإِطْعَامُ فِي حَقِّهِ وَاجِبٌ إلَّا فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ) مُدًّا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِالْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ جُمْلَةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ تَرْكَ الْمَاءِ لِشِدَّةِ الْعَطَشِ فِي جَمِيعِ الزَّمَنِ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَفِدْيَةٌ لِهَرَمٍ وَعَطَشٍ، وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ، وَمُرَادُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا يُنَافِي النَّدْبَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَشَقَّةٍ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، إلَّا مَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الصَّوْمُ لِكِبَرٍ أَوْ عَطَشٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا الْحَامِلُ وَالْمُفَرِّطُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ، وَبَيَّنَ قَدْرَهُ بِقَوْلِهِ:(وَالْإِطْعَامُ فِي هَذَا) الْمَذْكُورِ (كُلِّهِ) أَيْ الْمَنْدُوبِ وَالْوَاجِبِ (مُدٌّ) بِمُدِّهِ
الصِّبْيَانِ حَتَّى يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وَبِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ أَعْمَالُ الْأَبْدَانِ فَرِيضَةً قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]
ــ
[الفواكه الدواني]
عليه الصلاة والسلام «عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ» إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَلَا يَرِدُ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْعَطِشُ فَإِنَّهُمَا يُطْعِمَانِ وَلَا يَقْضِيَانِ لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُمَا لِعَدَمِ إطَاقَتِهِمَا الْمَشْرُوطَةِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَيَكُونُ الْإِخْرَاجُ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْإِطْعَامُ إلَّا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَيَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا وَاحِدًا، فَلَا يَصِحُّ إعْطَاءُ الْمُدِّ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَا إعْطَاءُ أَكْثَرَ مِنْ مُدٍّ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِالزَّائِدِ. (وَكَذَلِكَ) يَجِبُ أَنْ (يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ) قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْوَاجِبِ: وَإِطْعَامُ مُدٍّ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام لِمُفَرِّطٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ لِمِثْلِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ، وَلَا يُعْتَدُّ بِالزَّائِدِ إنْ أَمْكَنَ قَضَاؤُهُ لِشَعْبَانَ لَا إنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا شُرِعَ فِي الْكَفَّارَةِ الصُّغْرَى، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ يَدْفَعُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَعْطَى الْمُدَّ لِاثْنَيْنِ كَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَعْطَى مُدَّيْنِ لِوَاحِدٍ انْتَزَعَ وَاحِدًا إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرَّطَ أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ، فَمَرِضَ أَوْ سَافَرَ أَوْ حَاضَتْ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ لَمْ يَلْزَمْ كَفَّارَةٌ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ، وَأَمَّا لَوْ أَخَّرَهُ نَاسِيًا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ لَكَانَ مُفَرِّطًا.
قَالَهُ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ الْكُبْرَى إذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَوْ الْجَهْلِ فَأَحْرَى الصُّغْرَى، وَمِنْ الْعُذْرِ تَأْخِيرُ الْحَامِلِ الْقَضَاءَ لِتَأْخِيرِ وَضْعِهَا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيطَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ لِشَعْبَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ خَاصَّةً، فَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ وَفَرَّطَ فِي الْعَامِ الثَّانِي حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ السَّنَةَ الثَّالِثَةَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ الْمُدُّ بِتَعَدُّدِ السِّنِينَ الَّتِي فَرَّطَ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ مُدٌّ إذَا فَرَّطَ فِي الْقَضَاءِ فِي شَعْبَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ زَمَنَ الْقَضَاءِ وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، فَلَا يَقْضِي فِي رَابِعِ النَّحْرِ وَلَا فِي سَابِقَيْهِ وَلَا فِيمَا وَجَبَ صَوْمُهُ وَلَوْ بِنَذْرٍ، وَيَصِحُّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهُ يُصَامُ تَطَوُّعًا
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ طَلَبُ الصِّبْيَانِ بِالصَّوْمِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ قَالَ: (وَلَا صِيَامَ عَلَى الصِّبْيَانِ) لَا وُجُوبًا لَا نَدْبًا (حَتَّى يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ) أَوْ يَرَى عَلَامَةً لِلْبُلُوغِ سَوَاءً.
(وَ) حَتَّى (تَحِيضَ الْجَارِيَةُ) أَوْ تَرَى عَلَامَةً سِوَى الْحَيْضِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالصَّبِيُّ لِبُلُوغِهِ بِثَمَانِ عَشْرَةَ أَوْ الْحُلُمِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْإِنْبَاتِ، وَمَفْهُومُ الصِّيَامِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيُنْدَبُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُنْدَبُ لَهُمْ فِعْلُهُ وَيُكْتَبُ لَهُمْ ثَوَابُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَنَحْوِ الصَّلَاةِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا تَكْرَارُ الصَّلَاةِ فَنَاسَبَ أَمْرَهُمْ بِهَا لِيَتَمَرَّنُوا عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ: وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِي صِيَامِ الصِّبْيَانِ لِعَدَمِ أَمْرِهِمْ بِهِ، وَالثَّوَابُ إنَّمَا يَكُونُ فِي فِعْلِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْفَاعِلُ، وَيُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ:«أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» أَنَّهُ يُنْدَبُ حَجُّ الصَّغِيرِ وَتَلِفَتْ النَّفْسُ لِلْفَرْقِ، ا. هـ.
كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ، وَأَقُولُ: لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ دُونَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَإِنْ عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ الصَّبِيِّ، وَأَمَّا هُوَ فَيَحْمِلُهُ الْوَلِيُّ فِيمَا لَا يُطِيقُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَمْلُ مُطِيقٍ وَرَمْيٍ إلَخْ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ لَهُ حَجًّا وَلِمَنْ أَحَجَّهُ أَجْرًا» أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْوَلِيِّ إحْجَاجُ الصَّغِيرِ، وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ أَنَّ الْوَلِيَّ أَخَذَ الصَّغِيرَ مَعَهُ إلَى الْحَجِّ يَأْمُرُهُ بِالْإِحْرَامِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَوْ يَنْوِي إدْخَالَهُ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ إنْ كَانَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ، وَعَدَمِ جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لِغَيْرِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ اُسْتُثْنِيَ مِمَّنْ هُوَ مُتَرَدِّدٌ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ وَحَرَّرَهُ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ حَتَّى يَحْتَلِمَ بِقَوْلِهِ:(وَبِالْبُلُوغِ) وَهُوَ قُوَّةٌ تَحْدُثُ فِي الصَّغِيرِ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ حَالِ الطُّفُولِيَّةِ إلَى حَالِ الرُّجُولِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَلَامَاتِهِ (لَزِمَتْهُمْ) أَيْ فُرِضَتْ وَتَحَتَّمَتْ عَلَيْهِمْ (أَعْمَالُ الْأَبَدَانِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْمَأْمُورَاتِ وَشُرُوطِهَا وَجَمِيعِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِأَعْمَالِ الْأَبَدَانِ بَلْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ كَالنِّيَّةِ وَسَائِرِ الْمُعْتَقِدَاتِ الْوَاجِبَةِ الِاعْتِقَادِ، وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ لِلصَّغِيرَةِ وَلُزُومُ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْوَلِيُّ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَعْمَالِ الْأَبَدَانِ خُصُوصُ الصِّيَامِ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ وَالْحَجِّ مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ فَلَا تَرِدُ الْمَذْكُورَاتُ، وَقَوْلُهُ:(فَرِيضَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ لِعَامِلِهَا؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ وَالْفَرِيضَةَ مُتَرَادِفَانِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
قَالَ اللَّهُ
وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَلَمْ يَتَطَهَّرْ أَوْ امْرَأَةٌ حَائِضٌ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَمْ يَغْتَسِلَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمُ النَّحْرِ
وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ لَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعٌ وَيَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
سبحانه وتعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] وَهُمْ الْكِبَارُ، فَوُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ بِالْبُلُوغِ عَلَامَةٌ عَلَى لُزُومِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ، إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، لَكِنْ يُشْكِلُ الِاسْتِدْلَال بِتِلْكَ الْآيَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الدَّلِيلِ الْمُطَابِقَةُ لِلْمَدْلُولِ أَوْ كَوْنُهُ أَعَمَّ، وَوُجُوبُ الِاسْتِئْذَانِ أَخَصُّ مِنْ الْمَدْلُولِ الَّذِي هُوَ سَائِرُ الْفَرَائِضِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُطَابِقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَلِذَلِكَ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَهَذَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُطَابِقٌ لِلدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ أَخَصَّ فَهُوَ مِنْ بَابِ يُؤْخَذُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَعُمُّهُ، وَسَبَبُ نُزُولِ تِلْكَ الْآيَةِ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ يَتِيمًا إلَى عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَكْشُوفٌ فَتَغَيَّظَ مِنْ دُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَذَهَبَ إلَى الْمُصْطَفَى يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَوَجَدَهَا قَدْ نَزَلَتْ» وَالْخِطَابُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِتَغْلِيبِ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَبِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ إلَخْ، أَنَّ لُزُومَ الْأَعْمَالِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ، فَلَا تَرِدُ عَدَمُ لُزُومِ الصَّوْمِ إذَا بَلَغَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِفَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ الَّتِي شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ مُبَيَّتَةً فَلَا يَلْزَمُهُ إمْسَاكٌ وَلَا قَضَاءٌ.
الثَّانِي: إذَا ظَهَرَ الْحَمْلُ بِأُنْثَى فِي أَوَّلِ الْحِجَّةِ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثِ أَشْهُرٍ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا بَلَغَتْ مِنْ ابْتِدَاءِ رَمَضَانَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ فِي نِصْفِ الْحِجَّةِ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ نِصْفِهِ.
(وَمَنْ أَصْبَحَ) أَيْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ (جُنُبًا) فِي زَمَنِ صَوْمِهِ (وَلَمْ يَتَطَهَّرْ أَوْ) أَصْبَحَتْ (امْرَأَةٌ حَائِضٌ طَهُرَتْ) أَيْ طَاهِرَةٌ لِرُؤْيَتِهَا عَلَامَةَ الطُّهْرِ وَلْيُتِمَّا الصَّوْمَ (قَبْلَ الْفَجْرِ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُمَا (لَمْ يَغْتَسِلَا إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) لِوُقُوعِ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَا يَضُرُّ الْإِصْبَاحُ بِلَا غُسْلٍ وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْجَنَابَةِ وَانْقِطَاعِ الْحَيْضِ لَيْلًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ إصْبَاحٌ بِجَنَابَةٍ، وَالْجَوَازُ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَفْضَلِ الِاغْتِسَالَ لَيْلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خَبَرُ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ» وَأَمَّا صِحَّةُ صَوْمِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ طُهْرُهَا فِي زَمَنٍ يَسَعُ الْغُسْلَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إذَا كَانَ فِي زَمَنٍ بِحَيْثُ تُدْرِكُ فِيهِ النِّيَّةَ، وَإِذَا شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمْسَاكُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا بَعْدَهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاؤُهَا إذَا شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ؟ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ وَقَضَاءَهَا، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ أَدَاءَهُ لَا قَضَاءَهُ، فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّهَا تَقْضِي أَيَّامَ الْحَيْضِ الْمُحَقَّقِ فَأَيَّامُ الشَّكِّ فِيهِ أَحْرَى، فَإِنْ قِيلَ: الْحَيْضُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَوُجُوبَهُمَا، فَمَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ قَضَاءَ الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
(وَلَا يَجُوزُ) لِأَحَدٍ بَلْ وَلَا يَصِحُّ (صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا النَّحْرِ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ صَوْمِهِمَا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِهِمَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ الْمَنْعُ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ مُعَلَّلٌ بِضِيَافَةِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا قَضَاءَ عَلَى نَاذِرِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : إنَّمَا قُلْنَا: وَلَا يَصِحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ هُنَا عَنْ ذَاتِ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَوْنِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَمِثْلُهَا الْمَنْهِيُّ عَنْهَا لِذَاتِ الْمَكَانِ كَالْفَرِيضَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ لَا لِذَاتِ زَمَانِهَا وَلَا لِذَاتِ مَكَانِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَحَلِّ الْغَيْرِ وَلَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ؟
(وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ (يُصَامَ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا) أَنْ يَصُومَهُمَا (الْمُتَمَتِّعُ) أَوْ الْقَارِنُ (الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا) وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ نَقْصٌ فِي حَجٍّ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَعَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْحَجِّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَصَامَ أَيَّامَ مِنًى بِنَقْصٍ فِي حَجٍّ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوُقُوفِ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَلَمْ تُجْزِ إنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ، وَالْأَصْلُ فِي حُرْمَةِ صَوْمِهِمَا لِغَيْرِ نَحْوِ الْمُتَمَتِّعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» وَفِي الصَّوْمِ إعْرَاضٌ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ تَحْرِيمُ صَوْمِهِمَا لِمَحْضِ التَّعَبُّدِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي نَاذِرِ صَوْمِهَا، فَعَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى نَاذِرِهِمَا