المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[البيع والشراء وقت صلاة الجمعة] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ١

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ

- ‌بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌[مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ]

- ‌[أَحْكَامِ النِّفَاسِ]

- ‌بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْمَاءِ]

- ‌[حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْمُضَادَّةِ لِلطَّهَارَةِ]

- ‌[مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْوُضُوءِ]

- ‌[صِفَةِ الطَّهَارَة الْحَدَثِيَّةِ]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءِ]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[فِيمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ الْإِتْيَانُ بِهِ]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌بَابٌ فِي الْغُسْلِ

- ‌[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌بَابٌ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَسْمَائِهَا

- ‌[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[صفة الْأَذَان]

- ‌[صِفَةِ الْإِقَامَةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ

- ‌[صفة الْجُلُوس فِي التَّشَهُّد]

- ‌[مَا يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ]

- ‌وَأَقَلُّ الشَّفْعِ

- ‌[مَنْدُوبَات الصَّلَاة]

- ‌[مَكْرُوهَات الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[بَيَان حُكْم الْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]

- ‌[السَّاهِي فِي صَلَاتِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ مِنْ سُجُودٍ وَعَدَمِهِ]

- ‌[مَا يَفْعَلُهُ مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إكْمَالِ صَلَاتِهِ لِاعْتِقَادِهِ كَمَالَهَا]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً نَسِيَهَا]

- ‌[تَرْتِيبِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِصَلَاةٍ حَاضِرَةٍ]

- ‌[مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ فِي الصَّلَاة]

- ‌[أَسْبَاب الْجَمْع وَصِفَته]

- ‌[الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ]

- ‌[صِفَةِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الرُّعَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَاب فِي سُجُود الْقُرْآن]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

- ‌[شُرُوطِ وُجُوبِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[آدَاب الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخَوْف]

- ‌[صفة صَلَاة الْخَوْف فِي الْحَضَر]

- ‌[صَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَالتَّكْبِير أَيَّام منى]

- ‌[زَمَن صَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[خُطْبَةَ الْعِيدِ]

- ‌[صِفَةِ خُرُوجِ الْإِمَامِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ]

- ‌[غُسْلَ الْعِيدِ]

- ‌[بَاب فِي صَلَاة الْخُسُوف]

- ‌[صفة صَلَاة الْكُسُوف وَالْخُسُوف]

- ‌بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[بَاب مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ وَفِي غَسَلَ الْمَيِّت]

- ‌[الْبُكَاء عِنْدَ مَوْتِ الْمَيِّت]

- ‌[تَغْسِيلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ]

- ‌[التَّكْفِينِ وَمَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ]

- ‌[غُسْلِ الشُّهَدَاءِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[صِفَةِ وَضْعِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ]

- ‌[بَاب فِي الصَّلَاة عَلَى الْجَنَائِز وَالدُّعَاء لِلْمَيِّتِ]

- ‌ دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

- ‌مَنْ دُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ

- ‌بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغُسْلِهِ

- ‌بَابٌ فِي الصِّيَامِ

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ شَهْر رَمَضَان]

- ‌[شُرُوطِ الصَّوْمِ]

- ‌[أَسْبَابٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ]

- ‌[أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ حَالَ كَوْنِهِ نَاسِيًا]

- ‌[مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّائِم فِي رَمَضَان]

- ‌[حُكْمِ التَّرَاوِيحِ فِي رَمَضَانَ]

- ‌بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌[أَقَلّ مُدَّة الأعتكاف]

- ‌[مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف]

- ‌[مَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ]

- ‌[مَالًا يُبْطِل الِاعْتِكَاف]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْعَيْن وَالْحَرْث وَالْمَاشِيَة وَمَا يَخْرَج مِنْ الْمَعْدِن]

- ‌ زَكَاةُ الْحَرْثِ

- ‌[زَكَاةِ الْعَيْنِ]

- ‌[زَكَاة عُرُوض التِّجَارَة]

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ الِاحْتِكَارِ]

- ‌[زَكَاة الْمَعَادِن]

- ‌[الْجِزْيَةَ وَشُرُوطهَا]

- ‌[قَدْرُ الْجِزْيَةِ الْعَنْوِيَّةِ]

- ‌[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْمَاشِيَة]

- ‌[نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌[حُكْمِ مَا بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَهُوَ الْوَقْصُ]

- ‌[زَكَاةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَنْعَام]

- ‌[شُرُوطِ زَكَّاهُ الْخَلِيطِينَ]

- ‌[بَاب فِي زَكَاة الْفِطْر]

- ‌[مَا تَخْرُجُ مِنْهُ صَدَقَة الْفِطْرِ]

- ‌[زَمَنِ إخْرَاجِهَا زَكَّاهُ الْفِطْر]

- ‌[بَاب فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌[تَفْسِيرِ الِاسْتِطَاعَةِ]

- ‌[غَصَبَ مَالًا وَحَجَّ بِهِ]

- ‌[صِفَتِهِ الْإِحْرَام بِالْحَجِّ]

- ‌[سُنَنٍ الْغُسْلُ الْمُتَّصِلُ بِالْإِحْرَامِ]

- ‌[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]

- ‌ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌[شُرُوطِ الرَّمْيِ]

- ‌ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ

- ‌[الْعُمْرَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَمَا لَا يَحْرُمُ]

- ‌[أَفْضَل أَنْوَاع الْحَجّ]

- ‌[حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌بَابٌ فِي الضَّحَايَا وَالذَّبَائِحِ وَالْعَقِيقَةِ وَالصَّيْدِ وَالْخِتَانِ

- ‌[أَكْلُ ذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[بَاب فِي الْجِهَاد]

- ‌[وَالرِّبَاطُ فِي ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَاب فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور]

الفصل: ‌[البيع والشراء وقت صلاة الجمعة]

أَنْ يَصْعَدُوا حِينَئِذٍ عَلَى الْمَنَارِ فَيُؤَذِّنُونَ

وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ وَكُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي أَحْدَثَهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَبَيْنَ زَمَنِ السَّعْيِ لَهَا بِقَوْلِهِ (وَذَلِكَ) أَيْ السَّعْيُ يَكُونُ (عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (أَخَذَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِمَعْنَى شَرَعَ (الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْأَذَانِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ وَجَرِّ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " جُلُوسِ " بِحَيْثُ لَا يَفْرُغُ الْأَذَانُ إلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ جِدًّا بِحَيْثُ يَصِلُ السَّاعِي لَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْأَذَانِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي إذَا سَعَى فِيهِ يُدْرِكُ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ حُضُورَ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا غَيْرُ مُسْلِمٍ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ بِحُضُورِهَا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الزَّائِدِ عَلَى مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا بَيَّنَّا، فَيَتَعَيَّنُ فَهْمُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ جَوَازُ أَذَانِ الْجَمَاعَةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْخُلَفَاءِ وَجَائِزٌ لِغَيْرِهِمْ، وَالْمَنْدُوبُ فِي حَقِّ مَنْ يَخْطُبُ عَلَى الْأَرْضِ وُقُوفُهُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضٌ الْوُقُوفَ عَلَى يَمِينِهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ.

وَلَمَّا كَانَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانَانِ وَأَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم شَرَعَ فِي بَيَانِ كُلٍّ بِقَوْلِهِ: (وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ) الَّتِي كَانَتْ تُفْعَلُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَنْ يَصْعَدُوا) أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ (عَلَى الْمَنَارِ) فَإِذَا ارْتَقَوْا عَلَيْهِ (فَيُؤَذِّنُونَ) عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقَى الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، وَكَذَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ سَابِقٍ عَلَى الَّذِي كَانَ يُفْعَلُ عَلَى الْمَنَارِ، وَأَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ بِالزَّوْرَاءِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَرْتَفِعُوا مِنْ السُّوقِ فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَنِ إمَارَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَ بِنَقْلِ الْأَذَانِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَنَارِ بِأَنْ يُفْعَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَصَارَ الْأَمْرُ إذَا خَرَجَ هِشَامٌ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَلَهَا أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْآخَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالثَّانِي مِنْهُمَا آكَدُ مِنْ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُ يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ.

وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْآذَانَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ فِي زَمَانِهِ عليه الصلاة والسلام وَاحِدًا، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ كَانَ عَلَى الْمَنَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَالْمُرَادُ بِالْمَنَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَوْضِعُ الْأَذَانِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَتِهِ الْآنَ.

قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ مَا مَعْنَاهُ: مَحَلُّ تَأْخِيرِ صُعُودِ الْمُؤَذِّنِينَ لِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا كَانَ الْمَنَارُ قَرِيبًا مِنْ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بَعِيدًا فَإِنَّهُمْ يَصْعَدُونَ الْمَنَارَ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْقَى الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَلَكِنْ لَا يُؤَذِّنُونَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ غَيْرُ جَازِمٍ، وَانْدَفَعَ بِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ثُبُوتِهَا مِنْ تَوَهُّمِ عَطْفِ " يُؤَذِّنُونَ " عَلَى " يَصْعَدُوا " الْمَنْصُوبَ بِأَنْ، وَلَمَّا كَانَ الْأَذَانُ الْوَاقِعُ بَعْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ آكَدَ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ

[الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ صَلَاة الْجُمُعَةَ]

قَالَ: (وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وَقَعَ الْآذَانُ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى مَنَارٍ كَمَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ الْآنَ (الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ) عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَ مِثْلِهِ، أَوْ مَعَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْخَطَرِ، إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ الصَّعِيدَ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَيَجُوزُ كُلٌّ، مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إنْ كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ كَعَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ.

وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَاءُ إلَّا مَعَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا فَهَلْ تَتَعَدَّى إلَيْهِ الرُّخْصَةُ وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ لِضَرُورَةِ الْمُشْتَرِي؟ أَوْ الرُّخْصَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ ابْنِ نَاجِي كَالْغُبْرِينِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَقُولُ: الْمَأْخُوذُ مِمَّا يَأْتِي فِي بَيْعِ نَحْوِ الْعَذِرَةِ مِنْ النَّجَاسَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ مَا يَقْتَضِي قَصْرَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، فَرَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ لِقَوْلِهِ لَا كَزِبْلٍ وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ (وَ) لَا مَفْهُومَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بَلْ يَحْرُمُ (كُلُّ مَا يُشْغِلُ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا) كَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْهِبَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْحَصَادِ وَالدِّرَاسِ وَالسَّفَرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وَأَوْلَى غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْحَاجَاتِ، فَإِذَا نَهَى عَنْهُ نَهَى عَنْ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، وَإِذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ كُلُّ مَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ مَالِيَّةٌ كَالْبَيْعِ وَالتَّوْلِيَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفَسْخُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَتَوْلِيَةٍ وَشَرِكَةٍ وَإِقَالَةٍ وَشُفْعَةٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ، لَا

ص: 258

بَنُو أُمَيَّةَ

وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ بِالْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ

وَالْخُطْبَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ

وَيَتَوَكَّأُ الْإِمَامُ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا

ــ

[الفواكه الدواني]

نَحْوِ النِّكَاحِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَكَذَا الْكِتَابَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ فَلَا يُفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ حَرُمَ، وَإِذَا فُسِخَ فَالْفَسْخُ بَعْدَ فَوَاتِهِ فِي الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِهِ.

قَالَ خَلِيلٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَفَسْخُ بَيْعٍ إلَخْ فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَا نِكَاحٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فِي حَالِ سَعْيِهِمَا لِلْجُمُعَةِ، فَقِيلَ يُفْسَخُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الَّذِي يُفْسَخُ الْعَقْدَ الْمُحَرَّمُ.

وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَا سَبِيلَ لِفَسْخِهِ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ أَيْضًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْوَاقِعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَشَخْصَيْنِ عَلَيْهِمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ أَوْ ثَلَاثٍ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَأَبُو عِمْرَانَ بِالْفَسْخِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ بِعَدَمِهِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ وَغَيْرُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَقَيَّدْنَا السَّفَرَ بِوَقْتِ الْأَذَانِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ السَّفَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ فَمَكْرُوهٌ، فَالسَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى ثَلَاثِ أَقْسَامٍ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فِي طَرِيقِهِ كَمُرُورِهِ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ، أَوْ يَكُونُ لَهُ رُفْقَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ التَّأْخِيرَ عَنْهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَّا جَازَ لَهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرُّفْقَةَ لَا تَلْزَمُهُمْ جُمُعَةٌ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَى الْجَمِيعِ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ. (وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي) يَعْنِي الثَّانِيَ فِي الْإِحْدَاثِ وَهُوَ الْأَوَّلُ الْيَوْمَ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ عَلَى الْمَنَارِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعِيدُونَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ. (أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ) بِالزَّوْرَاءِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ إلَّا أَذَانٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ عَلَى الزَّوْرَاءِ لِيَرْتَفِعَ النَّاسُ مِنْ السُّوقِ وَيَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْأَذَانِ فَوْقَ الْمَنَارِ، ثُمَّ لَمَّا تَوَلَّى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْمَدِينَةِ أَمَرَ بِنَقْلِ الَّذِي عَلَى الزَّوْرَاء إلَى الْمَنَارِ وَاَلَّذِي عَلَى الْمَنَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَوْ قَالَ بَدَلُ بَنِي أُمَيَّةَ عُثْمَانُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالِاقْتِدَاءِ، إنْ كَانَ كَانَ أُمَوِيًّا لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ لَا سِيَّمَا أَنَّهُ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَسَمَّاهُ مُحْدِثًا وَهُوَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُحْدِثَ الَّذِي يَجِبُ تَرْكُهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ الْوَاقِعُ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ الْآنَ فَهُوَ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ وَثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالنَّاقِلُ لَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَهُوَ غَيْرُ الْمُحْدِثِ لِلثَّانِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ احْتَرَزَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ السُّنَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَهِيَ الْمَشْرُوعَةُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَإِنَّ الْمُحْدِثَ لِلْأَذَانِ الْأَوَّلِ الْيَوْمَ الَّذِي يُفْعَلُ قَبْلَ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي إشَارَةٌ إلَى السُّنَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِثَانَوِيَّتِهِ أَنَّهُ ثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَالْإِحْدَاثُ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا فِي الْفِعْلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَى الْمَنَارِ الْيَوْمَ هُوَ مَا كَانَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، وَاَلَّذِي بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ هُوَ مَا كَانَ عَلَى الْمَنَارِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ بِنَقْلِهِ بَيْنَ يَدِي الْخَطِيبِ صَادِرًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ فِعْلِهِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحِلَّهُ الْمَنَارُ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ.

الثَّانِي: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمُنْتَهَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ الزَّوَالِ كَالظُّهْرِ فِي الِاخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ.

قَالَ خَلِيلٌ: شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، وَهَلْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَصَحَّحَ أَوَّلًا رِوَايَتَانِ، وَمِمَّنْ قَالَ إنَّ وَقْتَهَا كَوَقْتِ الظُّهْرِ الْأُجْهُورِيُّ، وَيُتَوَجَّهُ عَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ وَتَصِيرُ الْأُولَى فَائِتَةً يَجِبُ تَرْتِيبُهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا لَا عَلَى وَجْهِ الشَّرْطِيَّةِ، وَلَمْ يَنُصَّ أَحَدٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْجُمُعَةِ مَعَ الْعَصْرِ فَيَلْزَمُ عَلَى فِعْلِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِعْلُهَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ يَسِيرَةٌ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ،

وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَمْصَارِ قَالَ: (وَ) صَلَاةُ (الْجُمُعَةِ تَجِبُ بِالْمِصْرِ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ الْعَيْنِيَّةِ، وَالْمِصْرُ هُوَ الْبَلَدُ الْكَبِيرُ الَّذِي بِهِ مَنْ يُقِيمُ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ.

(وَ) كَذَلِكَ تَجِبُ بِالْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ ذَاتِ (الْجَمَاعَةِ) وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ رضي الله عنه خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا

ص: 259

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

إمَامٌ يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُرَى أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً بِالطُّوبِ وَالْأَحْجَارِ، بَلْ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ أَخْصَاصٍ مَصْنُوعَةٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ بُوصٍ وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: شَرْطُ الْجُمُعَةِ وُقُوعُ كُلِّهَا بِالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ لِلْغُرُوبِ، إلَى أَنْ قَالَ: بِاسْتِيطَانِ بَلَدٍ أَوْ أَخْصَاصٍ لَا خِيَمٍ، وَبِجَامِعٍ مَبْنِيٍّ مُتَّحِدٍ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ أَدَاءً فَلَا تَصِحُّ فِي الْمَكَانِ الْمُحَجَّرِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ أَوْ مَبْنِيٍّ بِنَاءً خَفِيفًا أَيْ دُونَ الْمُعْتَادِ، وَحَقِيقَةُ الِاسْتِيطَانِ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ عَلَى التَّأْيِيدِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْجَمَاعَةِ تَتَقَرَّى بِهَا الْقَرْيَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْجُمُعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةٍ وَيُقَالُ لَهَا شُرُوطُ أَدَاءٍ، وَحَقِيقَتُهَا كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ، وَشُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، فَشُرُوطُ الصِّحَّةِ وُقُوعُ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَقْتَ الظُّهْرِ وَاسْتِيطَانِ بَلَدِهَا، وَوُجُوبُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ وَحُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ ذُكُورًا أَحْرَارًا مُسْتَوْطِنِينَ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَلَوْ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى، وَكَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْخَطِيبُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَوُقُوعُ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ فِي الْجَامِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْبَلَدِ أَوْ فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ حِينَ بِنَائِهِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا ابْتِدَاءً بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَاعَا وَالْبَاعُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ، وَإِنْ تَعَدَّدَ فَالْجُمُعَةُ لِلْعَتِيقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَحَلٍّ وَلَا طَرِيقَ بِجِوَارِهِ تُمْكِنُ الصَّلَاةُ فِيهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ تَعَدُّدُهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا لَوْ ارْتَضَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ حَاجَةُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ لِصَلَاتِهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ كَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ وَلَوْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ وُجُودُ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّ هَذَا أَوْلَى لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ لَمَا بَعْدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ اتِّحَادِ الْجَامِعِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةً وَاحِدَةً، وَ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَفْضَى إلَى، الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ.

قَالَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه، وَمَذْهَبُنَا لَا يُخَالِفُهُ فِي هَذَا، وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالِاسْتِيطَانُ، وَهُوَ الْإِقَامَةُ عَلَى قَصْدِ التَّأْبِيدِ لَا الْإِقَامَةُ الْمُجَرَّدَةُ فَلَا تَجِبُ بِهَا إلَّا تَبَعًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْحُضُورِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ لَا يَسْتَطِيعُ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَتْ الْمُكَلَّفَ الْحُرَّ الذَّكَرَ بِلَا عُذْرٍ الْمُتَوَطِّنَ وَإِنْ بِقَرْيَةٍ نَائِيَةٍ بِكَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ، وَقَوْلُنَا فِي شَرْطِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ اثْنَيْ عَشَرَ إلَخْ لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ تَتَقَرَّى بِهِ الْقَرْيَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيُطَالَبُونَ بِحُضُورِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ إلَّا اثْنَيْ عَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ صَحَّتْ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا بِشَرْطِ صِحَّةِ صَلَاةِ جَمِيعِهِمْ، لَا إنْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَافِعِيًّا لَمْ يُقَلِّدْ مَالِكًا فِي صَلَاتِهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ تِلْكَ الْجَمَاعَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْبَلَدِ تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ دَائِمًا مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهَا تَتَقَرَّى بِهَا الْقَرْيَةُ فِي أَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِنَا وَالْعَادَةُ وَإِنْ كَانَ الْعَقْلُ يُجَوِّزُ تَخَلُّفَ ذَلِكَ فَافْهَمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِيطَانَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْجَمَاعَةِ لَا فِي الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْخَلِيفَةِ، وَالْخَلِيفَةُ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْطِنًا بَلْ وَلَوْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ مَقِيسًا عَلَيْهِ تَصِحُّ إمَامَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: شَأْنُ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ أَحَطَّ مَرْتَبَةً مِنْ أَصْلِهِ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةً حَسَنَةً وَهِيَ صِحَّةُ إمَامَةِ مُسَافِرٍ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فِي قَرْيَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَطِيبًا فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِكَيْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إلَّا الَّذِي لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ لِأَجْلِ الْخُطْبَةِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَيْضًا صِحَّةَ إمَامَةِ مَنْ قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى وَبَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ كَفَرْسَخٍ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ قَدْرُ فَرْسَخٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ خَارِجًا عَنْ كَفَرْسَخٍ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ إلَّا إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ إمَامَتِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ رَاجِعْ شُرَّاحَهُ لِخَلِيلٍ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي، ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَاجَةِ.

(وَالْخُطْبَةُ فِيهَا) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (وَاجِبَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا بِلَا خُطْبَةٍ، فَإِذَا صَلَّوْا مِنْ غَيْرِ خُطْبَةٍ أَعَادُوهَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا دَامَ وَقْتُهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْخُطْبَةِ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا مُشَجِّعًا مُخَالِفًا لِلنَّثْرِ وَالشِّعْرِ بِحَيْثُ تُسَمِّيهَا الْعَرَبُ خُطْبَةً، وَأَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ كَانُوا عَجَمًا، وَأَنْ تَكُونَ جَهْرًا وَلَوْ كَانُوا صُمًّا، وَأَنْ تَكُونَ بِحَضْرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَحْرَارًا مُسْتَوْطِنِينَ بَاقِينَ لِسَلَامِهَا، وَأَنْ تَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ، دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا كَجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَتَصِحُّ مِنْ مَحْضِ قُرْآنٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ وَبَعْضِ مَوَاعِظَ كَسُورَةِ ق، وَيُسْتَحَبُّ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَلْ فِيهَا لِلْجِنْسِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا وَلَا بُدَّ أَنْ تَقَعَ (قَبْلَ الصَّلَاةِ) فَلَوْ صَلَّى

ص: 260

وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا

وَتُقَامُ الصَّلَاةُ عِنْدَ فَرَاغِهَا

وَيُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى

ــ

[الفواكه الدواني]

قَبْلَ الْخُطْبَةِ لَمْ تَصِحَّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدَ الْخُطْبَةِ، فَإِنْ خَطَبَ وَصَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ بَطَلَتَا وَأُعِيدَتَا، هَذَا مُلَخَّصُ شُرُوطِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَنَظَمَهَا عَلَّامَةُ الزَّمَانِ سَيِّدِي عَلِيُّ أَبُو الْإِرْشَادِ الْأُجْهُورِيُّ بِقَوْلِهِ:

شَرْطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الذُّكُورَةُ

تَوَطُّنٌ كَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ

إقَامَةٌ أَيْ لِلْوُجُوبِ تَبِعَا

وَفَقْدُ عُذْرِ مِثْلِهَا فَاسْتَمِعَا

كَذَا دُخُولُ الْوَقْتِ وَأَلْحِقْ السَّبَبَ

وُجُوبُهَا كَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ

وَشَرْطُ صِحَّةِ وُقُوعِ الْخُطْبَتَيْنِ

فِي وَقْتِ ظُهْرٍ لَا سِوَاهُ دُونَ بَيْنِ

كَمَسْجِدٍ مُتَّحِدٍ ذِي بِنْيَةِ

وَقَرْيَةٍ بِأَهْلِهَا تَقَرَّتْ

وَأَنْ يُصَلِّيَ مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَا

لَهَا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ مِرَا

وَكَوْنُهُ بِلَا خَفَا مَنْ خَطَبَا

إلَّا لِعُذْرٍ وَمُقِيمًا صُوِّبَا

وَخُطْبَتَيْنِ قَبْلَهَا وَيَحْضُرُوا

جَمِيعَ هَاتَيْنِ اللَّذَيْنِ عَبَّرُوا

ثُمَّ شَرَعَ فِي مَنْدُوبَاتِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَتَوَكَّأَ الْإِمَامُ) أَيْ يَعْتَمِدُ حَالَ خُطْبَتِهِ (عَلَى عَصًا) أَوْ سَيْفٍ (أَوْ قَوْسٍ) قَالَهُ مَالِكٌ، وَالْمُرَادُ قَوْسُ الْعَرَبِ لَا قَوْسُ الْعَجَمِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِئَلَّا يَعْبَثَ بِيَدِهِ فِي لِحْيَتِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْخُطْبَةِ، وَقِيلَ تَخْوِيفِ الْحَاضِرِينَ، وَيَضَعُهُ بِيَمِينِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى عُودِ الْمِنْبَرِ.

(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَجْلِسَ) الْخَطِيبُ (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ حَتَّى يُفْرَغَ الْأَذَانُ (وَ) يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يَجْلِسَ (فِي وَسَطِهَا) وَيَقُومُ لِلْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ قَدْرَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقَى الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ» وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ» وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ مُنْذُ زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْآنَ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْخُطَبِ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا.

(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَجْلِسُ أَنَّهُ يَخْطُبُ قَائِمًا، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الْقِيَامِ فَقِيلَ وَاجِبٌ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ جَمِيعًا، وَقِيلَ سُنَّةٌ، فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا أَسَاءَ وَصَحَّتْ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا فِي عَزَّ وَابْنِ عَرَفَةَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي وُجُوبِ قِيَامِهِ لَهُمَا تَرَدُّدٌ (فَائِدَةٌ) : حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ مَعَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ جَلَاءُ الْقُلُوبِ بِسَمَاعِ الْمَوَاعِظِ.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: لَمَّا كَانَتْ الْقُلُوبُ تَصْدَأُ بِالْغَفْلَةِ وَالْخَطِيئَةِ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ جَلَاءَهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ بِالْمَوَاعِظِ وَالِاجْتِمَاعِ لِيَتَّعِظَ الْغَنِيُّ بِالْفَقِيرِ وَالْقَوِيُّ بِالضَّعِيفِ وَالصَّالِحُ بِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي الْحَجِّ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَبِالِاجْتِمَاعِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عِنْدَ فِعْلِهَا،

وَلَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَأُولَتَيْ الرُّبَاعِيَّةِ فَتَتَّصِلُ بِهَا قَالَ: (وَتُقَامُ الصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ (عِنْدَ فَرَاغِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ دُونَ الْكَثِيرِ فَتُعَادُ لِأَجْلِهِ الْخُطْبَةُ، وَمِنْ الْفَصْلِ الْيَسِيرِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه: لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ خُطْبَتِهِ مَنْسِيَّةً فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بَعْدَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْخَطِيبُ، فَإِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ كَحَدَثٍ أَوْ رُعَافٍ فَقَالَ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ لِعُذْرٍ قَرُبَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَفْهُومُهُ لَوْ بَعُدَ لَوَجَبَ اسْتِخْلَافُهُ لِغَيْرِهِ بِاتِّفَاقٍ، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِخْلَافُ حَاضِرِ الْخُطْبَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ وَلَوْ قَرُبَ زَوَالُ عُذْرِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ إلَّا مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْإِمَامَةِ.

(وَ) صِفَةُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْ (يُصَلِّيَ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) فَتَبْطُلُ بِتَعَمُّدِ زِيَادَةٍ كَسَجْدَةٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ مَعَ السَّهْوِ فَتَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا، وَأَمَّا بِزِيَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ، وَحُكْمُ الْجَهْرِ فِيهَا كَجَهْرِ الْفَرَائِضِ السُّنِّيَّةِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: كُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا خُطْبَةٌ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ مَا عَدَا خُطْبَةِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيمِ، وَإِنْ قَرَأَ فِيهَا سِرًّا عَمْدًا كَانَ كَتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، فَقِيلَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالنَّاسِي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ أَسَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَتَوَهَّمَ أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صَلَّى الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ وَقْفَتَهَا وَقَعَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَحَاجَّهُ مَالِكٌ رضي الله عنه حِينَ نَاظَرَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ هَارُونَ الرَّشِيدِ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هِيَ جُمُعَةٌ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَا تَكُونُ جُمُعَةً إلَّا كَذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَجَهَرَ فِيهَا؟ فَانْقَطَعَ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ جَهَرَ فِيهَا، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْجُمُعَةِ.

(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِالْجُمُعَةِ) لِمَا

ص: 261