الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ
الْوُضُوءُ يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ
أَوْ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ مِنْ مَذْيٍ مَعَ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب مَا يَجِب مِنْهُ الْوُضُوء وَالْغُسْل]
(بَابٌ) هُوَ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَادِ كَبَابِ الْمَسْجِدِ وَمَجَازٌ فِي الْمَعَانِي، وَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ، وَالْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَسَائِلَ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُقَامُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى مَسْأَلَةً إلَّا مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَاكْتُسِبَ بِهِ، لَا الْأَمْرُ الضَّرُورِيُّ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَرْضٌ وَكَالزَّكَاةِ فَرْضٌ فَلَا تُعَدُّ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ.
(مَا) أَيْ الْمُوجِبُ الَّذِي (يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، وَ) الْمُوجِبُ الَّذِي يَجِبُ مِنْهُ (الْغُسْلُ) وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ وَمِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ لِأَنَّ هَذَا شُرُوعٌ فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالْمُوجِبُ مَا يَلْزَمُ بِسَبَبِهِ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ، وَالْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَاصْطِلَاحًا طَهَارَةٌ مَائِيَّةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَالْغُسْلُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ الدَّلْكِ، وَسَيُذْكَرُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَابِهِ، وَمُوجِبَاتُ الْوُضُوءِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِنَوَاقِضِهِ وَمُبْطِلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحْدَاثٌ وَأَسْبَابٌ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَا سَبَبٍ وَهُوَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّهِمَا كَالرِّدَّةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَلَيْسَ مِنْهَا رَفْضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا بِالْعَزْمِ عَلَى النَّقْضِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْعَزْمِ عَلَى الْفِطْرِ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِ الْأَقْسَامِ فَقَالَ:
(الْوُضُوءُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا تَعْرِيفَهُ وَسَتَأْتِي صِفَتُهُ فِي بَابِهِ (يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ) عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ (مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ) الْمُعْتَادَيْنِ وَهُمَا الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِالدَّاخِلِ بِالْحُقْنَةِ وَلَا بِالْقَرْقَرَةِ الشَّدِيدَةِ وَلَا بِالْحَقْنِ بِالرِّيحِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ صِدْقِ الْحَدَثِ عَلَيْهِمَا. وَبَيْنَ الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ بِقَوْلِهِ:(مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ) مِنْ الدُّبُرِ لَا إنْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ ذَكَرِ الرَّجُلِ فَلَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَحَلِّهِ الْمُعْتَادِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْحَصَى وَالدُّودِ الْمُتَخَلِّقَيْنِ فِي الْمَعِدَةِ فَلَا يَنْقُضَانِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا عُذْرَةٌ كَثِيرَةٌ، وَيُعْفَى عَنْ الْخَارِجِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُمَا وَهُمَا غَيْرُ نَاقِضَيْنِ فَتَابِعُهُمَا كَذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَلَوْ كَثُرَ حَيْثُ كَانَ خُرُوجُ الْحَصَى وَالدُّودِ مُسْتَنْكَحًا بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ، أَوْ كَانَ خُرُوجُهُمَا غَيْرَ مُسْتَنْكَحٍ لَكِنْ قَلَّ الْخَارِجُ عَلَيْهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلِيلِ مَا يَسْتَحِيلُ خُرُوجُهُمَا بِدُونِهِ لَا إنْ كَانَ كَثِيرًا فَيَجِبُ إزَالَتُهُ عَنْ الْمَحَلِّ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْهُ.
وَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَسُقُوطِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ الَّتِي لَمْ يُعْفَ عَنْهَا، وَمِثْلُ الْحَصَى وَالدُّودِ فِي عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ الدَّمُ وَالْقَيْحُ لَكِنْ بِشَرْطٍ يَخْرُجَا خَالِصَيْنِ مِنْ الْحَدَثِ وَإِلَّا نَقَضَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَصَى وَالدُّودِ غَلَبَةُ مُخَالَطَةِ الْحَصَى وَالدُّودِ لِلْعُذْرَةِ وَنُدْرَةُ مُخَالَطَةِ الْقَيْحِ وَالدَّمِ لَهَا، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْحَصَى وَالدُّودَ وَالدَّمَ وَالْقَيْحَ لَيْسَتْ مِنْ الْحَدَثِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِمَا، وَتُوقَفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي ذَاتِ الْحَصَى وَالدُّودِ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ أَنَّهُمَا ظَاهِرُ الذَّاتِ وَمُتَنَجِّسَانِ، رَاجَعَ الْأُجْهُورِيَّ عَلَى خَلِيلٍ، وَأَمَّا الْحَصَى وَالدُّودُ غَيْرُ الْمُتَخَلِّقَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَعَهُمَا وَخَرَجَا مِنْ مَحَلِّ الْحَدَثِ فَإِنَّهُمَا يَنْقُضَانِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْحَدَثِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا لَوْ شَرِبَ مَاءً حَارًّا وَابْتَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ غَيْرَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ سَرِيعًا فَلَا شَكَّ فِي نَقْضِ مَا ذَكَرَ لِلْوُضُوءِ.
وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ الْمُلَازِمِ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ إنْ لَازَمَ جُلَّ الزَّمَنِ أَوْ نِصْفَهُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُفَارِقُ أَكْثَرَ الزَّمَنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ لَا يُنْقَضُ فِي ثَلَاثٍ، وَالنَّقْضُ فِي صُورَةٍ وَمَحَلُّهَا فِي الْمَعْجُوزِ عَنْ رَفْعِهِ وَإِلَّا نَقَضَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُعْتَادَيْنِ وَهُمَا الْقَبْلُ وَالدُّبْرُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ خَرَجَ بَوْلُهُ أَوْ فَضْلَتَهُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ مِنْ حَلْقِهِ فَلَا نَقْضَ، أَوْ خَرَجَ حَدَثُهُ مِنْ ثُقْبَةٍ فِي جَسَدِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْسِدَادِ مَخْرَجَيْهِ فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، أَوْ انْقَطَعَ خُرُوجُهُ مِنْ مَحَلِّهِ وَصَارَ مَوْضِعُ الْقَيْءِ مَوْضِعًا لَهُ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَظْهَرُ لِي الْجَزْمُ بِالنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْ ثُقْبَةٍ وَلَوْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ حَيْثُ
غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ بِالْإِنْعَاظِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّذْكَارِ
وَأَمَّا الْوَدْيُ فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ يَخْرُجُ بِأَثَرِ الْبَوْلِ يَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ
، وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَهُوَ الْمَاءُ الدَّافِقُ الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ
ــ
[الفواكه الدواني]
انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ بِالْأَوَّلِ مِنْ مَحَلِّ الْقَيْءِ وَإِنْ حَاوَلُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْته مَا تَقَرَّرَ مِنْ نَقْضِ الْوُضُوءِ عِنْدَنَا بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ
(أَوْ) أَيْ وَكَذَا يَجِبُ الْوُضُوءُ (لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ مِنْ مَذْيٍ مَعَ) وُجُوبِ (غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ) بِنِيَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلَيْنِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي تَعْرِيفِ الْمَذْيِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلِيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَ الصَّلَاةِ» وَلَفْظُ الْفَرْجِ فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي جُمْلَةِ الذَّكَرِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ فِيهِ الْغَسْلُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ صَرِيحًا:«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ الْأَذَى وَلَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَسْلَهُ غَيْرُ تَعَبُّدِيٍّ، وَفِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ أَشَارَ لَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: فَفِي النِّيَّةِ وَبُطْلَانِ صَلَاةِ تَارِكِهَا أَوْ تَارِكِ كُلِّهِ قَوْلَانِ: الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلِ النِّيَّةِ الْوُجُوبُ كَمَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ قَوْلَيْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا مَعَ تَرْكِ النِّيَّةِ الصِّحَّةُ مَعَ غَسْلِ جَمِيعِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهِ فَالْقَوْلَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ عَلَى السَّوَاءِ وَلَوْ مَعَ تَرْكِ النِّيَّةِ عَلَى التَّحْقِيقِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْحَدِيثِ فِي مَذْيِ الرَّجُلِ، وَأَمَّا مَذْيُ الْمَرْأَةِ فَيَكْفِيهَا غَسْلُ مَحَلِّ الْأَذَى فَقَطْ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي النِّيَّةِ أَوْ اسْتَظْهَرَ افْتِقَارَهَا إلَى نِيَّةٍ كَالرَّجُلِ، قُلْت: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ.
الثَّانِي: الْمَذْيُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: تَسْكِينُ الذَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ، وَكَسْرُ الذَّالِ مَعَ شَدِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا سَاكِنَةً، وَيُرْوَى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَلَعَلَّهُ فِي اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ.
الثَّالِثُ: نَاقَشَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي تَقْدِيمِ الْمُصَنِّفِ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمُ التَّصْدِيقِ وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى التَّصَوُّرِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ التَّصَوُّرِ عَلَى التَّصْدِيقِ حُكْمًا وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ الْمُنَاقَشَةِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ الْحُكْمِ عَلَى التَّصَوُّرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى التَّصْوِيرِ لِلْغَيْرِ، وَحُكْمُ الشَّخْصِ عَلَى شَيْءٍ مُتَصَوَّرٍ فِي ذِهْنِهِ قَبْلَ تَصْوِيرِهِ فِي الْخَارِجِ لِغَيْرِهِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ مُتَصَوِّرًا لِلْوُضُوءِ حِينَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَجِبُ لِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ.
ثُمَّ عَرَّفَ الْمَذْيَ بِبَيَانِ صِفَتِهِ عِنْدَ اعْتِدَالِ الطَّبِيعَةِ وَصِفَةِ خُرُوجِهِ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الْمَذْيُ (مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ) الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ الْمَيْلُ إلَى الشَّيْءِ وَإِيثَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ (بِالْإِنْعَاظِ) أَيْ قِيَامِ الذَّكَرِ (عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّذْكَارِ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ التَّذَكُّرِ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مَحَلُّ الْأَذَى، وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ وَإِلَّا فَلَا يَنْقُضَ إلَّا أَنْ يُفَارِقَ أَكْثَرَ الزَّمَنِ أَوْ يَقْدِرَ عَلَى رَفْعِهِ، وَالنَّاقِضُ لِلْوُضُوءِ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّاقِضِ فَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ مِثْلِ الْمَنِيِّ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ غُسْلًا، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِنْعَاظِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَلَوْ كَانَ مَعَ التَّلَذُّذِ وَإِدَامَةِ تَفَكُّرٍ أَوْ نَظَرٍ، وَقَوْلُنَا عِنْدَ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ عَدَمِ اعْتِدَالِهِ فَقَدْ يَخْرُجُ مَذْيُهُ أَصْفَرَ فَلَا يَخْتَلُّ الْحُكْمُ بَلْ يَجِبُ مِنْهُ غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ خُرُوجِهِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ جَوَازُ الْمُلَاعَبَةِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَقَدْ رَغَّبَ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ حِينَ تَزَوَّجَ ثَيِّبًا:«فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك» اهـ. قُلْت: الْحُكْمُ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْأَخْذِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ كَوْنَ الْمُلَاعَبَةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا الْمَذْيُ جَائِزَةً أَوْ مُحَرَّمَةً وَتَأَمَّلْهُ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ حَيْثُ حَضَّ عَلَى مُلَاعَبَةِ الْبِكْرِ
(وَأَمَّا الْوَدْيُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ كَسْرَهَا وَتَشْدِيدَ الْيَاءِ وَرُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ (فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ) بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ ثَخِينٌ (يَخْرُجُ بِإِثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا أَيْ عَقِبَ (الْبَوْلِ) غَالِبًا وَقَدْ يَخْرُجُ وَحْدَهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ
الْكُبْرَى بِالْجِمَاعِ، رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ يَجِبُ مِنْهُ الطُّهْرُ فَيَجِبُ مِنْ هَذَا طُهْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ كَمَا يَجِبُ مِنْ طُهْرِ الْحَيْضَةِ
وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا وَلِسَلَسِ الْبَوْلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ
وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ بِنَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ
أَوْ إغْمَاء
أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ
وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
(يَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ) فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْهُ مَحَلُّ الْأَذَى فَقَطْ، وَيُجْزِي فِيهِ الِاسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ كَالْبَوْلِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُهُ مُغَايِرًا لِحُكْمِ الْمَذْيِ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ لِحُكْمِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا.
وَلَمَّا كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ اسْتِيفَاءُ أَحْكَامِ الْخَارِجِ مِنْ الْقُبُلِ ذَكَرَ الْمَنِيَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ قَبْلَ تَتْمِيمِ الْكَلَامِ عَلَى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَنِيُّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَهُوَ) مِنْ الرَّجُلِ (الْمَاءُ الدَّافِقُ) يَعْنِي الْمَدْفُوقَ الثَّخِينَ (الَّذِي يَخْرُجُ) دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى) وَهِيَ الْحَاصِلَةُ (بِالْجِمَاعِ) بِخِلَافِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْمَذْيُ فَهِيَ صُغْرَى وَالتَّقْيِيدُ بِالْجِمَاعِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَخْرُجُ بِغَيْرِهِ وَصِفَةُ (رَائِحَتِهِ) إذَا كَانَ رَطْبًا مِنْ صَحِيحِ الْمِزَاجِ (كَرَائِحَةِ) غُبَارِ (الطَّلْعِ) مِنْ فَحْلِ النَّخْلِ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفِيهِ لُغَةٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَيَّدْنَا بِ رَطْبًا لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْبَيْضِ عِنْدَ يُبْسِهِ وَبِصَحِيحِ الْمِزَاجِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ مِنْ الْمَرِيضِ وَتَخْتَلِفُ رَائِحَتُهُ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ لِيُرْجَعَ إلَيْهَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ إذَا قَامَ مِنْ نَوْمٍ مَثَلًا فَوَجَدَ بَلَلًا أَوْ شَيْئًا جَافًّا رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ أَوْ الْبَيْضِ عِنْدَ يُبْسِهِ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنِيٌّ، كَمَا يَعْلَمُ كَوْنَهُ مَنِيًّا يَجْعَلُ نُقْطَةَ مَاءٍ حَارٍّ عَلَيْهِ عِنْدَ يُبْسِهِ وَيَشْرَبُهَا سَرِيعًا، وَإِنَّمَا يُشَبَّهُ بِالطَّلْعِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يُشْبِهُ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا فِي بِلَادِهِمْ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
(وَ) أَمَّا صِفَةُ (الْمَرْأَةِ) أَيْ مِنْهَا فَهُوَ (مَاءٌ رَقِيقٌ) ضِدُّ مَاءِ الرَّجُلِ (أَصْفَرُ) غَالِبًا بِخِلَافِ مَاءِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ أَبْيَضُ غَالِبًا، وَأَمَّا طَعْمُهُ فَهُوَ مِنْ الرَّجُلِ مُرٌّ وَمِنْ الْمَرْأَةِ مَالِحٌ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ كَانَ الْوَلَدُ بَيْنَهُمَا، وَأَيُّهُمَا سَبَقَ أَوْ عَلَا أَشْبَهَ الْوَلَدُ صَاحِبَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا يُوجِبُهُ الْمَنِيُّ بِقَوْلِهِ:(يَجِبُ مِنْهُ) أَيْ يَجِبُ مِنْ أَجْلِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ (الطُّهْرُ) أَيْ غَسْلُ جَمِيعِ الْجَسَدِ حَيْثُ خَرَجَ فِي نَوْمٍ مُطْلَقًا أَوْ فِي يَقِظَةٍ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ؛ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِأَنَّهُ الْخَارِجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلَا يُوجِبُ إلَّا الْوُضُوءَ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ طُهْرٌ إلَّا بِخُرُوجِ مَنِيِّهَا وَلَا يَكْفِي إحْسَاسُهَا خِلَافًا لِلْقَاضِيَّ سَنَدٍ وَقَوْلُهُ:(فَيَجِبُ مِنْ هَذَا طُهْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ) تَكْرَارٌ وَلَعَلَّهُ ارْتَكَبَهُ لِأَجْلِ التَّشْبِيهِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا يَجِبُ مِنْ طُهْرِ الْحَيْضَةِ) وَإِنَّمَا شَبَّهَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بِالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَقْوَى الْمَوَانِعِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَا لَا تَمْنَعُهُ الْجَنَابَةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الدَّمَ الْخَارِجَ مِنْ الْمَرْأَةِ يُوجِبُ عَلَيْهَا غَسْلَ جَمِيعِ جَسَدِهَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ قَالَ: (وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَرْأَةِ زِيَادَةً عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا أَوْ اسْتِظْهَارِهَا (فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ) فَقَطْ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ نَاقِضًا لِوُضُوئِهَا وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا لَا عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ بِأَنْ يُفَارِقَهَا أَكْثَرَ الزَّمَنِ أَوْ قَدَرَتْ عَلَى رَفْعِهِ، وَأَمَّا لَوْ لَازَمَهَا وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْهُ الْوُضُوءُ.
(وَ) إنَّمَا (يُسْتَحَبُّ لَهَا وَلِسَلِسِ الْبَوْلِ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لِلشَّخْصِ الَّذِي قَهَرَهُ الْبَوْلُ فَسَلِسٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ لَهَا (أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: أَنْ يُلَازِمَهُمَا جُلَّ الزَّمَنِ أَوْ نِصْفَهُ، وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِمَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا فَارَقَ أَكْثَرَهُ أَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ، وَالِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا لَازَمَ جُلَّ أَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ انْدِفَاعُ التَّنَاقُضِ الَّذِي ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِهِ.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِسَلِسِ الْبَوْلِ كَانَ الْأَوْلَى وَلِصَاحِبِ السَّلَسِ لِيَشْمَلَ سَائِرَ الْأَحْدَاثِ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ مَذْيًا أَوْ مَنِيًّا، فَإِنَّ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهَا وَلَازِمٌ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ رَفْعِهِ، وَأَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِتَدَاوٍ أَوْ سِتْرٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا إلَّا فِي مُدَّةِ تُدَاوِيه وَمُدَّةِ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي السَّلَسِ طَرِيقَةُ الْمَغَارِبَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا خَلِيلٌ فَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِطَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ فِي اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ فِي كُلِّ صُورَةٍ.
الثَّالِثُ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَأَهْلِ الْمَذْهَبِ عُمُومُ هَذَا الْحُكْمِ فِي السَّلَسِ وَلَوْ تَسَبَّبَ فِيهِ الشَّخْصُ، لَكِنْ جَرَى خِلَافٌ فِي اعْتِبَارِ الْمُلَازَمَةِ هَلْ فِي خُصُوصِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الزَّوَالِ وَمُنْتَهَاهَا طُلُوعُ، الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ مُطْلَقًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا الْمُلَازَمَةُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
دَرَجَةً وَغَيْرُ وَقْتِهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ فَأَتَاهُ فِيهَا وَفِي مِائَةٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ يَنْقُضُ لِمُفَارِقَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَنِ لَا عَلَى مُقَابَلَةٍ لِمُلَازَمَةِ أَكْثَرِهِ.
قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي كَبِيرِهِ.
الرَّابِعُ: قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ شَيْخِهِ الْمَنُوفِيِّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تُفْهَمَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَإِنَّمَا تُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ إتْيَانُ السَّلَسِ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُنْضَبِطًا فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ يَأْتِيه إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ مَثَلًا وَيُلَازِمُهُ لِلْغُرُوبِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْعَصْرَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَكَذَا يُقَالُ فِي الْعِشَاءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا فِي وَقْتِ الْأُخْرَى تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا، لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ.
الْخَامِسُ: يُنْظَرُ فِي النُّقْطَةِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنْ الشَّخْصِ بَعْدَ وُضُوئِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَ مِنْهَا وَإِنْ نَقَضَتْ الْوُضُوءَ وَتَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ، وَإِذَا تَحَقَّقَ نُزُولُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ يَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا وَيَتْبَعُهُ مَأْمُومُهُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَحَقَّقَ نُزُولَهَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وُجُوبًا وَلَا يُعِيدُ مَأْمُومُهُ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى بِالْحَدَثِ نَاسِيًا وَهُوَ إمَامٌ فَيُعِيدُ أَبَدًا دُونَ مَأْمُومِهِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَفْوِ عَنْ النُّقْطَةِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ كُلِّ مَا يَعْسَرُ، وَالنَّقْضُ يَكُونُ بِمَا يُفَارِقُ أَكْثَرَ الزَّمَنِ أَوْ يَقْدِرَ عَلَى رَفْعِهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ خِفَّةُ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهَا
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْحَدَثُ شَرَعَ فِي ثَانِي الْأَقْسَامِ وَهُوَ الْأَسْبَابُ جَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ وَاصْطِلَاحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَمِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ، وَيَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: زَوَالُ الْعَقْلِ وَاللَّمْسُ بِشَرْطِهِ وَمَسُّ الذَّكَرِ لِلْبَالِغِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ عَلَى طَرِيقِ الصِّحَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ نَاقِضٌ بِنَفْسِهِ، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يَنْقُضُ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ فَقَالَ:(وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ زَوَالِ) أَيْ اسْتِتَارِ (الْعَقْلِ) وَهُوَ آلَةُ التَّمْيِيزِ (بِنَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِسُقُوطِ لُعَابِهِ أَوْ حَبْوَتِهِ أَوْ الْكُرَّاسِ مِنْ يَدِهِ وَلَا بِمَنْ يَذْهَبُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا بِمَنْ يَأْتِي وَلَا بِالْأَصْوَاتِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ لَا إنْ خَفَّ فَلَا يَنْقُضُ، وَلَوْ طَالَ فَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ وَيَشْمَلُهَا قَوْلُ خَلِيلٍ: وَبِسَبَبِهِ وَهُوَ زَوَالُ عَقْلٍ وَإِنْ بِنَوْمٍ ثَقُلَ وَلَوْ قَصُرَ لَا خَفَّ وَنُدِبَ إنْ طَالَ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ خَفِيفِهِ إنْ طَالَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ نَقْضِ الْخَفِيفِ مَا فِي مُسْلِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ.
قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ الثَّقِيلُ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَهُ حِسُّ الْمَرْءِ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ بِالْحَدَثِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، وَأَمَّا الْخَفِيفُ الَّذِي يُحِسُّ مَعَهُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا يَنْقُضُ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا نَوْمُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِأَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: هَذَا التَّفْصِيلُ فِي النَّائِمِ جَالِسًا، وَأَمَّا الْقَائِمُ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى شَيْءٍ فِي حَالِ قِيَامِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ إلَّا بِسُقُوطِهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَنِدُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْمُسْتَنَدُ إلَيْهِ لَسَقَطَ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجَالِسِ، وَأُمًّا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ إلَّا بِسُقُوطِهِ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ عَدَمَ سُقُوطِهِ عَلَامَةٌ عَلَى خِفَّةِ نَوْمِهِ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ النَّقْضُ بِالنَّوْمِ الثَّقِيلِ وَلَوْ كَانَ النَّائِمُ الْجَالِسُ مُتَمَكِّنًا وَمُسْتَقَرًّا وَهُوَ الَّذِي يَتَرَجَّحُ اعْتِمَادُهُ عِنْدِي لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ النَّائِمَ تَرْتَخِي أَعْصَابُهُ فَلَا يَشْعُرُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ، فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ بِالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ نَقْضُ وُضُوئِهِ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِسْفَارِ سَدُّ الدُّبُرِ
(أَوْ) أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ مِنْ حُصُولِ مُطْلَقِ (إغْمَاءٍ) وَهُوَ مَرَضٌ فِي الرَّأْسِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ بِالْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
(أَوْ) أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا بِزَوَالِ الْعَقْلِ بِسَبَبِ (سُكْرٍ) وَلَوْ بِحَلَالٍ (أَوْ) بِسَبَبِ (تَخَبُّطِ جُنُونٍ) بِأَنْ يَتَخَبَّطَهُ الْجِنُّ ثُمَّ يَعُودُ لِحَالِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِهَذِهِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْ النَّوْمِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ طَوِيلِهَا وَقَصِيرِهَا وَلَا بَيْنَ ثَقِيلِهَا وَخَفِيفِهَا لِأَنَّ هَذِهِ يَزُولُ مَعَهَا التَّكْلِيفُ، بِخِلَافِ النَّوْمِ صَاحِبُهُ مُخَاطَبٌ وَإِنْ رُفِعَ عَنْهُ الْإِثْمُ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِتَرَادُفِ الْهُمُومِ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ رضي الله عنه وُجُوبُ الْوُضُوءِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ نَافِعٍ، وَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَهْوَ قَاعِدٌ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَمِمَّا لَا يَنْقُضُ زَوَالُهُ بِالِاسْتِغْرَاقِ فِي حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى غَابَ عَنْ إحْسَاسِهِ.
قَالَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَلِي فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ مَعَ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِزَوَالِهِ بِالنَّوْمِ.
الثَّانِي: فَسَّرْنَا زَوَالَ الْعَقْلِ بِالِاسْتِتَارِ لِمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْفَاكِهَانِيُّ: الْعَقْلُ لَا يُزِيلُهُ النَّوْمُ وَلَا الْإِغْمَاءُ وَلَا السُّكْرُ وَإِنَّمَا
الْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِالْجَسَدِ لِلَّذَّةِ
وَالْقُبْلَةِ لِلَّذَّةِ
وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ
وَاخْتُلِفَ فِي مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فِي إيجَابِ
ــ
[الفواكه الدواني]
تَسْتُرُهُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ الْمُنْقَطِعُ بِخِلَافِ الْمُطْبَقِ فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ لَا مَحَالَةَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ فِي الْمَذْكُورَاتِ بِلَفْظِ زَوَالٍ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ
وَمِنْ الْأَسْبَابِ اللَّمْسُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ) أَجْلِ (الْمُلَامَسَةِ) الْمُرَادُ اللَّمْسُ وَهُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِبَارِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: (لِلَّذَّةِ) أَيْ لِقَصْدِهَا أَوْ وُجُودِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَمْسٌ يَلْتَذُّ بِهِ صَاحِبُهُ عَادَةً وَلَوْ لِظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ حَائِلٍ وَأُوِّلَ بِالْخَفِيفِ وَبِالْإِطْلَاقِ وَهَذَا حَيْثُ لَا ضَمَّ، وَأَمَّا لَوْ ضَمَّ اللَّذَّاتِ الْمَلْمُوسَةَ أَوْ قَبَضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا فَإِنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَثِيفًا قَصَدَ لَذَّةً أَوْ وَجَدَهَا.
قَالَهُ الْأَجْهُورِيُّ نَقْلًا عَنْ الْحَطَّابِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي اللَّامِسِ الْبُلُوغُ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ وَكَذَلِكَ الْمَلْمُوسُ فَإِنْ بَلَغَ وَالْتَذَّ أَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ كَاللَّامِسِ وَبِقَيْدِ الْعَادَةِ يَخْرُجُ الِالْتِذَاذُ بِالصَّغِيرَةِ غَيْرِ الْمُطِيقَةِ أَوْ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إلَّا الِالْتِذَاذُ، أَوْ بِمَسِّ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ لِاخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ بِالِالْتِذَاذِ بِفَرْجِهِمَا، وَلِذَلِكَ نَصُّوا عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالِالْتِذَاذِ بِالْمُحَرَّمِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ الْمُلَامَسَةِ عَلَى مَا كَانَ بِالْيَدِ فَقَطْ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ:(وَ) يَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا مِنْ (الْمُبَاشَرَةِ بِالْجَسَدِ لِلَّذَّةِ) وَفُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُلَامَسَةِ أَنَّ الِالْتِذَاذَ بِالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ لَمْسٍ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ أَنْعَظَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا لَذَّةَ بِنَظَرٍ كَإِنْعَاظٍ حَيْثُ لَا مَذْيَ.
(تَنْبِيهَانِ)
الْأَوَّلُ: كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ كَوْنُهُ بِعُضْوٍ خَاصٍّ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَصْلِيًّا بَلْ وَلَوْ كَانَ اللَّمْسُ بِعُضْوٍ زَائِدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُسَاوَاتُهُ لِغَيْرِهِ فِي الْإِحْسَاسِ بَلْ الشَّرْطُ قَصْدُ وُجُودِ اللَّذَّةِ حَالَ اللَّمْسِ وَلَوْ بِأَمْرَدَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ فَسَادِ الزَّمَانِ وَالْقَصْدُ كَالْوِجْدَانِ.
وَفِي الْأَجْهُورِيِّ عَلَى خَلِيلٍ: لَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ هُنَا كَوْنُهُ بِعُضْوٍ أَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ لَهُ إحْسَاسٌ كَمَا فِي مَسِّ الذَّكَرِ، فَمَتَى حَصَلَ اللَّمْسُ هُنَا بِعُضْوٍ وَلَوْ زَائِدًا لَا إحْسَاسَ لَهُ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ قَصْدُهُ لِلَّذَّةِ أَوْ وِجْدَانُهَا نَقَضَ، هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ انْتَهَى.
الثَّانِي: إذَا قَصَدَ لَمْسَ امْرَأَةٍ يُعْتَقَدُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا مَحْرَمٌ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَأَمَّا لَوْ لَمَسَّ مِنْ يَعْتَقِدُهَا مَحْرَمًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا نَقْضَ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهُ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَحْرَمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَحْرَمَ كَغَيْرِهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ: قَصْدُهَا لِلْفَاسِقِ فِي الْمَحْرَمِ نَاقِضٌ.
قَالَ بَعْضٌ الْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ مَنْ مِثْلُهُ يَلْتَذُّ بِمَحْرَمِهِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ صُوَرَ اللَّمْسِ أَرْبَعٌ: قَصْدٌ فَقَطْ، وِجْدَانٌ فَقَطْ، قَصْدٌ وَوِجْدَانٌ، انْتِفَاءُ الْأَمْرَيْنِ. يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَلَا نَقْضَ بِانْتِفَائِهِمَا، وَكَثِيرًا مَا يَتَوَضَّأُ الْإِنْسَانُ وَيَلْمِسُ زَوْجَتَهُ عَقِبَ وُضُوئِهِ أَوْ أَجْنَبِيَّةً فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَلَا وُضُوءُهَا إلَّا مَعَ الْقَصْدِ وَالْوِجْدَانِ
(وَ) يَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا مِنْ (الْقُبْلَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ وَضْعُ الْفَمِ عَلَى الْفَمِ (لِلَّذَّةِ) حَيْثُ كَانَتْ عَلَى فَمِ مَنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً وَلَوْ بِامْرَأَةٍ بِمِثْلِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُبْلَةِ طَوْعٌ وَلَا عِلْمٌ وَلَا قَصْدٌ وَلَا وِجْدَانٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي غَيْرِ الْفَمِ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِهِ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْمُلَامَسَةِ، بِخِلَافِهَا عَلَى الْفَمِ فَتَنْقُضُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ انْفِكَاكِهَا عَنْ اللَّذَّةِ عَادَةً، وَلِذَا قَالَ خَلِيلٌ: إلَّا الْقُبْلَةَ بِفَمٍ وَإِنْ بِكُرْهٍ أَوْ اسْتِغْفَالٍ لَا لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ إلَّا أَنْ يَجِدَ اللَّذَّةَ، وَلَا إنْ كَانَتْ عَلَى حَائِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا أَوْ كَانَتْ عَلَى فَمِ صَغِيرَةٍ، فَلَوْ كَانَ الْمُقَبِّلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ صَبِيًّا أَوْ كَانَتْ الْمُقَبَّلَةُ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى فَلَا نَقْضَ بِتَقْبِيلِهَا وَلَوْ الْتَذَّ الْبَالِغُ بِتَقْبِيلِهَا، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: قُبْلَةُ تَرَحُّمِ الصَّغِيرَةِ وَوَدَاعِ الْكَبِيرَةِ وَلَا لَذَّةُ لَغْوٍ يَقْتَضِي بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالِالْتِذَاذِ حَتَّى بِقُبْلَةِ الصَّغِيرَةِ وَحَرَّرَهُ، وَعَدَمُ النَّقْضِ صَرَّحَ بِهِ الْأَجْهُورِيُّ، وَكَذَا لَوْ قَبَّلَ شَابٌّ شَيْخًا أَوْ شَيْخٌ شَيْخًا فَلَا نَقْضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَّلَ الذَّكَرُ الْبَالِغُ أُنْثَى فَالنَّقْضُ وَلَوْ كَانَ شَابًّا وَهِيَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ شَأْنَ الذَّكَرِ الِالْتِذَاذُ بِالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَإِذَا كَانَ الْوُضُوءُ يَنْتَقِضُ بِالتَّقْبِيلِ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى فَمِ مَنْ يُلْتَذُّ بِمِثْلِهِ مُطْلَقًا مِنْ بَابِ أَوْلَى تَنْتَقِضُ بِالتَّقْبِيلِ عَلَى فَرْجِ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهُ، لِأَنَّ عُلَمَاءَنَا نَصَّتْ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْفَرْجِ أَوْ مَسَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ اللَّذَّةِ خِلَافًا لِبَحْثِ بَعْضِ شُيُوخِ شُيُوخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
وَمِنْ الْأَسْبَابِ الْمَسُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا (مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ) الْمُتَّصِلِ الْمُرَادُ ذَكَرُ نَفْسِهِ، فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الضَّمِيرِ سَوَاءٌ مَسَّهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَمْدُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَذَّةٌ وَلَا قَصْدُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَاسُّ شَيْخًا أَوْ عِنِّينًا لَكِنْ بِشَرْطِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ إلَّا مَا خَفَّ جِدًّا وَبِشَرْطِ اتِّصَالِ الذَّكَرِ، وَكَوْنِ الْمَسِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ الْأَصَابِعِ أَوْ بِجَنْبِهَا