الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثِّيَابِ
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ
وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ كُلِّ شَرَفٍ وَعِنْدَ مُلَاقَاةِ الرِّفَاقِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْإِلْحَاحِ بِذَلِكَ
فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى ثُمَّ يُعَاوِدَهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
نَحْوِ النُّفَسَاءِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حِينَ وَلَدَتْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ» وَإِذَا جَهِلَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ الْغُسْلَ حِينَ أَحْرَمَتْ فَقَالَ مَالِكٌ: تَغْتَسِلُ إذَا عَلِمْت وَكَذَا غَيْرُهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ غُسْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ وَحَلْقُ عَانَتِهِ وَوَقْصُ شَارِبِهِ بِخِلَافِ شَعْرِ رَأْسِهِ فَالْأَفْضَلُ إبْقَاؤُهُ.
(وَ) : يَجِبُ عَلَى مُرِيدِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا وَعَلَى وَلِيِّهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَنْ (يَتَجَرَّدَ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ) : وَمِنْ مُحِيطِهَا وَإِنْ بِعُضْوٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ زِرٍّ أَوْ عَقْدٍ، لِقَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ: أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُفْعَلُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ: التَّجَرُّدُ أَوَّلًا مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ، ثُمَّ الْغُسْلُ، ثُمَّ الصَّلَاةُ، ثُمَّ الْإِحْرَامُ وَيَلْبَسُ الْإِزَارَ فِي وَسَطِهِ وَنَعْلَيْنِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ
[الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ]
وَلَمَّا كَانَتْ اغْتِسَالَاتُ الْحَجِّ ثَلَاثَةً آكَدُهَا الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْغُسْلُ لِعَرَفَةَ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) : أَيْ لِلْمُحْرِمِ وَلَوْ بِعُمْرَةٍ (أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ) : إنْ كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ، فَلِذَا لَا يُطْلَبُ مِنْ نَحْوِ حَائِضٍ لِمَنْعِهَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَتَدَلَّكُ فِي هَذَا الْغُسْلِ، وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ بِذِي طُوًى مُثَلَّثُ الطَّاءِ وَهُوَ مَقْصُورٌ، وَهُوَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ حَتَّى يُجَاوِزَهُ فَهُوَ مِنْ أَرْبَاضِهَا كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِدُخُولِ غَيْرِ حَائِضٍ مَكَّةَ بِذِي طُوًى.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَلَوْ قَالَ وَبِطَوَى بِحَرْفِ الْعَطْفِ لَأَفَادَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ إذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ اغْتَسَلَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى ذِي طُوًى اغْتَسَلَ مِنْ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهُمَا.
(وَ) : إذَا شَرَعَ فِي التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ (لَا يَزَالُ) : أَيْ يَسْتَمِرُّ (يُلَبِّي دُبُرَ الصَّلَوَاتِ) وَلَوْ نَوَافِلَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجُدِّدَتْ بِتَغَيُّرِ حَالٍ وَخَلْفَ صَلَاةٍ. (وَعِنْدَ) : طُلُوعِ (كُلِّ شَرَفٍ) : أَيْ جَبَلٍ وَفِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ. (وَعِنْدَ مُلَاقَاةِ الرِّفَاقِ) : جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَنُقِلَ كَسْرُهَا أَيْ الْجَمَاعَةُ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَرَافَقُونَ فِي الْبَرِّ وَيَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ، وَعِنْدَ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ الْغَيْرِ، وَحُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ النَّدْبُ، وَقِيلَ السُّنِّيَّةُ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ طَلَبَ تَجْدِيدِ التَّلْبِيَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الذَّاهِبِ مُحْرِمًا، وَأَمَّا لَوْ نَسِيَ حَاجَةً وَرَجَعَ إلَيْهَا فَقَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: لَا يُلَبِّي؛ لِأَنَّ هَذَا السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ سَعْيِ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: وَلَا يَرُدُّ الْمُلَبِّي سَلَامًا حَتَّى يَفْرُغَ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَنَظِيرُهُ عِنْدَنَا الْمُؤَذِّنُ، وَلَيْسَ فِي التَّلْبِيَةِ: دُعَاءٌ وَلَا صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ عليه الصلاة والسلام فِي تَلْبِيَتِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَمْرُ الْمَنَاسِكِ اتِّبَاعٌ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ:«أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ الرِّضْوَانَ وَالْجَنَّةَ» ؛ لِأَنَّ هَذَا بَعْدَ قَطْعِ التَّلْبِيَةِ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ طَلَبِ التَّلْبِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ مُلَازَمَتُهَا قَالَ:(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) : أَيْ الْمُحْرِمِ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا. (كَثْرَةُ الْإِلْحَاحِ) أَيْ الْمُلَازَمَةُ (بِذَلِكَ) : أَيْ بِالتَّلْبِيَةِ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى مُلَازَمَتِهَا مِنْ الْمَلَالَةِ، بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّوَسُّطُ فِي التَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ لَا يُكْثِرُ حَتَّى يَلْحَقَهُ الضَّجَرُ، وَلَا يَتْرُكُ زَمَنًا طَوِيلًا حَتَّى تَفُوتَهُ الشَّعِيرَةُ، كَمَا يُنْدَبُ لَهُ التَّوَسُّطُ فِي تَصْوِيتِهِ بِهَا، فَلَا يُبَالِغُ فِي رَفْعِهِ وَلَا فِي خَفْضِهِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ مِنًى؛ لِأَنَّهُمَا بُنِيَا لِلْحَجِّ، وَقِيلَ لِلْأَمْنِ فِيهِمَا مِنْ الرِّيَاءِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ، وَتُطْلَبُ التَّلْبِيَةُ حَتَّى مِنْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّهُ. عليه الصلاة والسلام قَالَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ حَاضَتْ:«افْعَلِي مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّك لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» . ثُمَّ شَرَعَ فِي
بَيَانِ أَمَاكِنَ تُتْرَكُ فِيهَا التَّلْبِيَةُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا دَخَلَ) : الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا (مَكَّةَ أَمْسَكَ) : أَيْ كَفَّ نَدْبًا (عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى) : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ مَا شَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَمُقَابِلُهُ لَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَى هَذَيْنِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ؟ وَأَنَّمَا نُدِبَ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ لِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِطَلَبِ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّضَرُّعِ فِي حَالِ فِعْلِهِمَا، فَيُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ فِي فِعْلِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ كَالصَّلَاةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ:«وَالصَّلَاةُ لَا تَلْبِيَةَ فِيهَا» وَقَيَّدْنَا الْمُحْرِمَ بِالْحَجِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ أَحْرَمَ بِهَا لِفَوَاتِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُلَبِّي لِحَرَمِ مَكَّةَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وَفَائِتُ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَسْجِدَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحْرِمَ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَيَنْتَهِي إلَى رَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ كَالْمُحْرِمِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ مِنْ الْمِيقَاتِ سَوَاءٌ أَدْرَكَ الْحَجَّ أَوْ فَاتَهُ وَتَحَلَّلَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى الْبُيُوتِ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُلَبِّي حَتَّى يَصِلَ إلَى مَحَلِّ الْوُقُوفِ ثُمَّ يُعَاوِدَهَا حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْجَلَّابِ، وَيَدُلُّ
يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحَ إلَى مُصَلَّاهَا
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءِ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِذَا خَرَجَ خَرَجَ مِنْ كُدًى وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا حَرَجَ
قَالَ فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَلْيَدْخُلْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمُسْتَحْسَنٌ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ
فَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ ثُمَّ يَطُوفُ وَالْبَيْتُ عَلَى
ــ
[الفواكه الدواني]
عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُحْرِم بِالْحَجِّ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُعَاوِدَهَا) : أَيْ التَّلْبِيَةَ أَيْ يَأْتِيَ بِهَا (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحَ إلَى مُصَلَّاهَا) : وَإِلَى هَذَا أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِيهِ لِانْقِضَاءِ عُمْرَتِهِ بِتَمَامِ سَعْيِهَا، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي: وَالْعُمْرَةُ يُفْعَلُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جِهَةِ الْأَرْكَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ يُفْعَلُ وَالتَّلْبِيَةُ قَوْلٌ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اسْتِمْرَارِ التَّلْبِيَةِ إلَى حُصُولِ الزَّوَالِ وَالرَّوَاحِ إلَى الْمُصَلَّى هُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَقَدْ انْتَهَتْ التَّلْبِيَةُ لِلْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَلْبِيَةَ بَعْدَ الرَّوَاحِ إلَى الْمُصَلَّى حَتَّى تُكْرَهَ الْإِجَابَةُ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَأَمَّا إجَابَةُ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ خَصَائِصِهِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَمْ يُعَاوِدْهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، أَمَّا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ فَهَذَا يُلَبِّي إلَى مُصَلَّى عَرَفَةَ وَلَا يُعَاوِدُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُلَبِّي حَتَّى يَصِلَ إلَى مَحَلِّ الْوُقُوفِ إنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ، ثُمَّ يُعَاوِدُهَا حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْجَلَّابِ
، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَابِ الَّذِي يُنْدَبُ دُخُولُهَا مِنْهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا مِنْهُ بِقَوْلِهِ:(وَيُسْتَحَبُّ) : لِكُلِّ مُرِيدِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ) : نَهَارًا وَأَنْ يَدْخُلَهَا (مِنْ كَدَاءِ) : بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ مَعَ الصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَكَدَاءُ هِيَ (الثَّنِيَّةُ) : أَيْ الطَّرِيقُ (الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ) : وَيُسَمُّونَهَا الْيَوْمَ بَابَ الْمُعَلَّى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّاخِلِ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْآفَاقِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي دُخُولِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ لِمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ إنَّمَا يُقْصَدُونَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ ظُهُورِهِمْ، وَأَيْضًا هَذَا الْمَوْضِعُ دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الْآيَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: يَأْتُوك وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي. (وَإِذَا خَرَجَ) : أَيْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ (خَرَجَ مِنْ كُدًى) : بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ مَعَ التَّنْوِينِ وَلَعَلَّهُ لِلرِّوَايَةِ، وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ مَعَ مَفْتُوحِ الْكَافِ وَمَضْمُومِهَا وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَسْفَلِ مَكَّةَ، وَيُعْرَفُ هَذَا الْمَحَلُّ الْيَوْمَ بِبَابِ شَبِيكَةَ وَهُوَ بَابُ بَنِي سَهْمٍ، وَالْخُرُوجُ مِنْهُ حُكْمُهُ النَّدْبُ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَفِي ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ بَابُ الدُّخُولِ كَدَاءٌ الْمَفْتُوحُ الْكَافِ، وَبَابُ الْخُرُوجِ كُدًى الْمَضْمُومُ الْكَافِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلدَّاخِلِ الْفَتْحُ وَلِلْخَارِجِ الضَّمُّ. (وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) : مَا نُدِبَ لَهُ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بَلْ خَالَفَ (فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ بِمَا لَا يُتَوَهَّمُ
. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْهُ مِنْ الْأَبْوَابِ أَوْ الْخُرُوجَ شَرَعَ فِي بَيَانِ نَدْبِ الْمُسَارَعَةِ إلَى دُخُولِ مَسْجِدِهَا وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ الدُّخُولُ مِنْهُ مِنْ أَبْوَابِهِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ) : أَيْ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُظْهِرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ (فَإِذَا دَخَلَ) : الْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (مَكَّةَ فَلْيَدْخُلْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) : سَرِيعًا وَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَأَكْلٍ خَفِيفٍ أَوْ حَطِّ رَحْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، فَالتَّأَخُّرُ عَنْهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ، وَلَمَّا كَانَ لَهُ أَبْوَابٌ عِدَّةً بَيَّنَ مَا يُنْدَبُ الدُّخُولُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ:(وَمُسْتَحْسَنٌ) : أَيْ مُسْتَحَبٌّ (أَنْ يَدْخُلَ) : أَيْ الَّذِي دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ الْمَسْجَدَ الْحَرَامَ. (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) : وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْيَوْمَ بِبَابِ السَّلَامِ لِدُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ فَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ فَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَفَاهُ مَالِكٌ، وَإِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا وَالْبَيْتِ مِنْ كَدَاءٍ بِالْمَدِّ وَالْفَتْحِ وَالْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ،
وَلَمَّا كَانَتْ تَحِيَّةُ مَسْجِدِ مَكَّةَ الطَّوَافَ بَيَّنَ مَا يَفْعَلُهُ مُرِيدُ الطَّوَافِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (فَيَسْتَلِمُ) : أَيْ يُقَبِّلُ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ) : بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ (بِفِيهِ إنْ قَدَرَ) : عَلَى ذَلِكَ وَفِي جَوَازِ التَّصْوِيتِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ، وَأَمَّا تَقْبِيلُهُ فِي غَيْرِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَمَنْدُوبٌ وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَنَصُّوا هُنَا عَلَى كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ وَالْخُبْزِ، كَمَا يُكْرَهُ امْتِهَانُهُ أَيْ الْخُبْزِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك، وَيُقَالُ إنَّ
يَسَارِهِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ
ثَلَاثَةً خَبَبًا ثُمَّ أَرْبَعَةً مَشْيًا
وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُكَبِّرُ وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: بَلْ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى بَنِي آدَمَ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا فَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَهُوَ يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ قَبَّلَهُ. (وَإِلَّا) : بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ بِفَمِهِ (وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْحَجَرِ (ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ) : عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ بِعُودٍ ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرٍ تَقْبِيل، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَبَّرَ فَقَطْ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَا يَكْفِي الْعُودُ مَعَ إمْكَانِ الْيَدِ وَلَا وَضْعُ الْيَدِ مَعَ إمْكَانِ التَّقْبِيلِ، وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَفُهِمَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِوَضْعِ يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَضَعُ خَدَّهُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ بَلْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ. (ثُمَّ) : بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ (يَطُوفُ وَ) : الْحَالُ أَنَّ (الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ سَبْعَةَ أَطَوَافً) : أَيْ أَشْوَاطٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَهَذَا الطَّوَافُ يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَجِّ طَوَافٌ قَبْلَ عَرَفَةَ إلَّا طَوَافَ الْقُدُومِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَوُجُوبُهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ إمَّا وُجُوبًا كَالْآفَاقِيِّ الْقَادِمِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ نَدْبًا كَالْمُقِيمِ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ وَخَرَجَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ مِنْ الْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، وَكَذَا الْمُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ بِأَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا مُقْتَحِمًا لِلنَّهْيِ، فَمَعْنَى إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ إنْ طُولِبَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْحِلِّ أَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ. وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يُرَاهِقُ، وَأَمَّا لَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَخَافَ فَوَاتَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ. ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يُرْدِفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ أَرْدَفَ بِحَرَمٍ فَلَا قُدُومَ عَلَيْهِ وَيُؤَخِّرُ سَعْيَهُ حَتَّى يَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ،؛ لِأَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى عَرَفَةَ إنْ طَافَ لِلْقُدُومِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ عِنْدَ الْمُرَاهَقَةِ أَوْ الْإِرْدَافِ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) : أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مُعْظَمَ شُرُوطِ الطَّوَافِ وَهِيَ: الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَلَوْ طَافَ مُحْدِثًا وَلَوْ عَجْزًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ أَحْدَثَ مِنْ حَالِ طَوَافِهِ ابْتَدَأَهُ وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ الطَّوَافُ رُكْنًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ طَافَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ رُكْنِيًّا، وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُحْدَوْدَبُ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ، وَخُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ، فَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ السِّتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ بَلْ طَافَ فِيهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الْبَيْتِ، وَأَنْ يَكُونَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَشْوَاطُ مُتَوَالِيَةً، فَلَوْ فَرَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا أَوْ لِعُذْرٍ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا يَضُرُّ، وَأَمَّا لَوْ نَسِيَ شَوْطًا فَإِنْ ذَكَرَهُ بِالْقُرْبِ مَعَ بَقَاءِ طَهَارَتِهِ عَادَ إلَيْهِ كَمَا يَبْنِي فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْقُرْبِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ بَطَلَ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، وَأَمَّا لَوْ فَرَّقَ لِصَلَاةٍ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ لِطَلَبِ نَفَقَةٍ ضَاعَتْ، فَإِنْ كَانَ طَلَبَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَتْ الْجِنَازَةُ مُتَعَيِّنَةً وَيَخْشَى تَغَيُّرَهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي كَمَا يَبْنِي عِنْدَ قَطْعِهِ لِفَرِيضَةٍ يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ فِيهَا مَعَ الْإِمَامِ، أَوْ لِرُعَافِ بَنَى أَوْ لِغُسْلِ نَجَاسَةٍ عَلِمَ بِهَا فِي صَلَاتِهِ أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ طَوْلٌ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَشْوَاطُ سَبْعَةً، فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ وَلَوْ شَكًّا مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ رَجَعَ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ زَادَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ سَهْوًا فَلَا تُبْطِلُهُ إلَّا إنْ بَلَغَتْ مِثْلَهُ، وَأَمَّا عَمْدًا فَيَبْطُلُ وَلَوْ بِزِيَادَةِ شَوْطٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّلَاةِ.
قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا، وَلِي فِيهِ بَحْثٌ وَيَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِيَسِيرِ الزِّيَادَةِ، وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ وَبَنَى عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ الشَّكِّ إلَّا الْمُسْتَنْكِحَ كَالصَّلَاةِ، وَيُقْبَلُ إخْبَارُ الْغَيْرِ بِالْكَمَالِ وَلَوْ وَاحِدًا حَيْثُ كَانَ عَدْلًا، وَيَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يَحْتَاطَ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ الطَّوَافَ، بِأَنْ يَقِفَ قَبْلَ الرُّكْنِ بِقَلِيلٍ حَيْثُ يَصِيرُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جُمْلَتَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَلْيَنْتَبِهْ لِذَلِكَ، وَقُلْنَا مُعْظَمُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا بَيَّنَّا. (فَائِدَةٌ) : ابْتِدَاءُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِالدَّمِ.
وَبَيَّنَ صِفَةَ طَوَافِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الرِّجَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِقَوْلِهِ (ثَلَاثَةً) : بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ سَبْعَةً وَ (خَبَبًا) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَامِلُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَخَبُّ فِيهَا خَبَبًا، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَطُوفُ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنَكَّرَ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ أَيْ خَابًّا أَيْ مُسْرِعًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْخَبَبَ وَهُوَ الرَّمَلُ مَا فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْجَرْيِ بِأَنْ يَمْشِيَ هَازًّا لِمَنْكِبَيْهِ، وَحُكْمُ الْخَبَبِ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ السُّنِّيَّةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ فِيهَا فِي حَقِّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَرَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَمِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِفُ صَبِيًّا أَوْ مَرِيضًا وَحُمِلَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ رَجُلٍ فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ كَمَا يُحَرِّكُهَا بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ، وَالْمَطْلُوبُ عِنْدَ الزَّحْمَةِ الرَّمَلُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ فَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهَا، وَلَا دَمَ عَلَى التَّارِكِ لَهُ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَقَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ فِي
بِفِيهِ وَلَكِنْ بِيَدِهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ
فَإِذَا تَمَّ طَوَافُهُ رَكَعَ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ
ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ إنْ قَدَرَ ثُمَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
طَوَافِهِنَّ وَلَا هَرْوَلَةَ فِي سَعْيِهِنَّ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَائِبَةً عَنْ رَجُلٍ وَأَحْرَمَتْ عَنْهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ النَّائِبَ عَنْ الْمَرْأَةِ لَا يَرْمُلُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنَّمَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، وَأَمَّا مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَلَا يَرْمُلُ فِي إفَاضَتِهِ وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا طَوَافُ التَّطَوُّعِ فَيُكْرَهُ الرَّمَلُ فِيهِمَا.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يُنْدَبُ: وَرَمَلُ مُحْرِمٍ مِنْ كَالتَّنْعِيمِ أَوْ بِالْإِفَاضَةِ لِمُرَاهِقٍ لَا تَطَوُّعٍ وَوَدَاعٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ سُنَّةً، وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ بَيَّنَّاهَا. (ثُمَّ أَرْبَعَةً) : بِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ (مَشْيًا) : أَيْ مِنْ غَيْرِ خَبَبٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى سُنِّيَّةِ الرَّمَلِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:«مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ» . وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ مَكَّةَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَقَدْ أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: بَلْ هُمْ أَقْوَى مِنَّا فَزَالَتْ الْعِلَّةُ وَبَقِيَ الْحُكْمُ» وَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الْأُولَى مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ لَهُ سُنَنًا سِتَّةً وَثَانِيهَا الْمَشْيُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ، فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يُعِدْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لَزِمَهُ دَمٌ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ بِدَلِيلِ لُزُومِ الدَّمِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ فَسُنَّةٌ وَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ فِي تَرْكِهِ اخْتِيَارًا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا، وَلَنَا فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ أَفْعَالَ الْحَجِّ يَجِدْ لُزُومَ الدَّمِ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتَأَمَّلْهُ. وَثَالِثُهَا الدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَابِعُهَا تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِفَمِهِ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَخَامِسُهَا اسْتِلَامُ أَيْ لَمْسٌ بِغَيْرِ الْفَمِ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ.
وَسَادِسُهَا صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَأَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ، وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ، وَلِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ وَوَضْعِهَا عَلَى فِيهِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ الدُّعَاءُ بِلَا حَدٍّ وَرَمَلُ رَجُلٍ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَفِي سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ وُجُوبِهِمَا خِلَافٌ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِهِمَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ
، وَأَشَارَ إلَى مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ بِقَوْلِهِ:(وَيَسْتَلِمُ) : أَيْ يُقَبِّلُ الطَّائِفُ مُطْلَقًا (الرُّكْنَ) : أَيْ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ فِي غَيْرِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا) : فِيمَا تَقَدَّمَ بِأَنْ يُقَبِّلَهُ بِفِيهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَيَمَسُّهُ بِيَدِهِ إنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَيَمَسُّهُ بِعُودٍ وَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ سَقَطَ عَنْهُ. (وَيُكَبِّرُ) : فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي قَوْلِهِ: كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصِّفَةِ لَا فِي الْحُكْمِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَمَّا كَانَ التَّقْبِيلُ بِالْفَمِ مُخْتَصًّا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرُهُ يُلْمَسُ بِغَيْرِ الْفَمِ قَالَ:(وَلَا يَسْتَلِمُ) : أَيْ لَا يُقَبِّلُ (الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِفِيهِ) :؛ لِأَنَّ الْفَمَ لَا يُطْلَبُ وَضْعُهُ إلَّا عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. (وَلَكِنْ) : يَسْتَلِمُهُ بِمَعْنَى يَلْمِسُهُ (بِيَدِهِ) : نَدْبًا فِي غَيْرِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ (ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ) : فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ كَبَّرَ وَمَضَى، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ هُوَ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجَرِ رُكْنَانِ، وَمِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الطَّوَافِ زِيَادَةٌ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ وَلَمْسِ الْيَمَانِيِّ بَعْدَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ الدُّعَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا شُرُوطُ الطَّوَافِ وَسُنَنُهُ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَكْرُوهَاتِهِ وَتَزِيدُ عَلَى عَشْرٍ: مِنْهَا الطَّوَافُ مَعَ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ، وَمِنْهَا السُّجُودُ عَلَى الرُّكْنِ، وَمِنْهَا تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَمِنْهَا كَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَمِنْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَمِنْهَا إنْشَادُ الشِّعْرِ إلَّا مَا خَفَّ مِمَّا يَشْتَمِلُ عَلَى وَعْظٍ، وَمِنْهَا الشُّرْبُ لِغَيْرِ اضْطِرَارٍ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، وَمِنْهَا تَغْطِيَةُ الرَّجُلِ فَمَه وَانْتِقَابُ الْمَرْأَةِ، وَمِنْهَا الرُّكُوبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمِنْهَا حَسْرُ الْمَنْكِبَيْنِ، وَمِنْهَا الطَّوَافُ عَنْ الْغَيْرِ قَبْلَ فِعْلِهِ عَنْ نَفْسِهِ، ابْنُ رَاشِدٍ: وَفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ
(فَإِذَا تَمَّ) : أَيْ فَرَغَ (طَوَافُهُ) : لِقُدُومِهِ بِدَلِيلِ سَعْيِهِ بَعْدَهُ (رَكَعَ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ) :.
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ نِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا حُكْمُ فِعْلِهِمَا عِنْدَ الْمَقَامِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ رُكْنِيَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهِمَا أَوْ سُنِّيَّتِهِمَا، وَالْخِلَافُ جَارٍ حَتَّى فِي رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْمُتَطَوِّعِ، وَوَجْهُ وُجُوبِ رَكْعَتَيْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِمَا تَبَعِيَّتُهُمَا لَهُ وَهُوَ قَدْ تَعَيَّنَ إتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَرَجَّحَ الْأُجْهُورِيُّ وُجُوبَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا حُكْمُ فِعْلِهِمَا عِنْدَ الْمَقَامِ
يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَيَقِفُ عَلَيْهِ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ يَسْعَى إلَى الْمَرْوَةِ وَيَخُبُّ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَإِذَا أَتَى الْمَرْوَةَ وَقَفَ عَلَيْهَا لِلدُّعَاءِ ثُمَّ يَسْعَى إلَى الصَّفَا يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيَقِفُ بِذَلِكَ أَرْبَعَ وَقَفَاتٍ عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعًا عَلَى الْمَرْوَةِ
ثُمَّ يَخْرُجُ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَمَنْدُوبٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْحَجَرُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ حِينَ بَنَى الْبَيْتَ وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ، أَوْ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ.
الثَّانِي: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ طَوَافُهُ رَكَعَ أَنَّهُ يُطْلَبُ اتِّصَالُهُمَا بِالطَّوَافِ لِدَلَالَةِ الْفَاءِ عَلَى التَّعْقِيبِ، فَلَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ تَطَهَّرَ وَأَعَادَ الطَّوَافَ لِصَلَاتِهِمَا مُتَّصِلَيْنِ بِهِ، فَإِنْ تَطَهَّرَ وَصَلَّاهُمَا وَسَعَى مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَإِنْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ فَلْيَرْكَعْهُمَا بِمَوْضِعِهِ وَيَبْعَثْ بِهَدْيٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ قَهْرًا.
الثَّالِثُ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ طَوَافُهُ رَكَعَ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا الْفَرْضُ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْمَعَ أَسَابِيعَ وَيُصَلِّيَ لِجَمِيعِهَا رَكْعَتَيْنِ بَلْ يُكْرَهُ، وَإِنْ وَقَعَ صَلَّى لِكُلِّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، اُنْظُرْ الْأُجْهُورِيَّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(ثُمَّ) : بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) : الْأَسْوَدَ اسْتِنَانًا (إنْ قَدَرَ) : وَهَذَا التَّقْبِيلُ الْوَاقِعُ بَعْدَ تَمَامِ الطَّوَافِ تَوْدِيعٌ لِلْبَيْتِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ بِزَمْزَمَ لِيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّقْبِيلُ تَوْدِيعًا لِلْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ لِلسَّعْيِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(ثُمَّ) : بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ (يَخْرُجُ) : مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ الصَّفَا الَّذِي هُوَ بَابُ بَنِي مَخْزُومٍ ذَاهِبًا (إلَى الصَّفَا) : بِالْقَصْرِ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ وَبَقِيَ مِنْهُ مَحَلٌّ صَغِيرٌ قَرِيبٌ عَلَى بَابِ الصَّفَا، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ يُسَنُّ أَنْ يَرْقَاهُ (فَيَقِفَ عَلَيْهِ لِلدُّعَاءِ) : بِمَا تَيَسَّرَ وَلَا يَدْعُو عَلَى الْأَرْضِ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ، وَحُكْمُ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ السُّنِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ إنَّمَا هُوَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. (ثُمَّ) : بَعْدَ النُّزُولِ مِنْ عَلَى الصَّفَا (يَسْعَى) : أَيْ يَمْشِي ذَاهِبًا (إلَى الْمَرْوَةِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَبَلٌ بِمَكَّةَ أَيْضًا مِنْهُ خَالٍ مِنْ الْبِنَاءِ مَحَلٌّ صَغِيرٌ كَالْبَاقِي مِنْ الصَّفَا.
(وَ) : يُسَنُّ أَنْ (يَخُبَّ) : أَيْ يُسْرِعَ إنْ كَانَ رَجُلًا (فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ) : فِي السَّبْعَةِ أَشْوَاطٍ، وَالْمُرَادُ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، فَيَمْشِي بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فِي حَالِ سَعْيِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى هَذَا الْمَحَلِّ فَيُسْرِعَ فِيهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِسْرَاعٌ بَيْنَ الْأَخْضَرَيْنِ فَوْقَ الرَّمَلِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ الْإِسْرَاعُ لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَلَا يَخُبُّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَلَوْ تَرَكَ الْخَبَبَ الْمَطْلُوبَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا دَمَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ كُلًّا سُنَّةٌ خَفِيفَةٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِفَرْضِيَّتِهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ سُنَّةٌ، وَإِذَا تَرَكَهَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ، وَالْمَشْيُ فِي الطَّوَافِ لِلْقَادِمِ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَإِذَا أَتَى الْمَرْوَةَ وَقَفَ عَلَيْهَا) : اسْتِنَانًا بِحَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ (لِلدُّعَاءِ) : كَمَا يَقِفُ عَلَى الصَّفَا، وَالْوُقُوفُ الْمَذْكُورُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا، وَلِلنِّسَاءِ إنْ خَلَا الْمَكَانُ مِنْ مُزَاحِمَةِ الرِّجَالِ، وَعِنْدَ الزَّحْمَةِ تَقِفُ النِّسَاءُ لِلدُّعَاءِ أَسْفَلَهَا. (ثُمَّ) : بَعْدَ الدُّعَاءِ بِمَا تَيَسَّرَ (يَسْعَى إلَى الصَّفَا) : الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ (بِفِعْلِ ذَلِكَ) : الْمَذْكُورِ مِنْ السَّعْيِ وَالْوُقُوفِ (سَبْعَ مَرَّاتٍ) : ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ تَكْرِيرِ السَّعْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَوْلَهُ: (فَيَقِفُ بِذَلِكَ أَرْبَعَ وَقَفَاتٍ) : بِفَتْحِ الْقَافِ لِفَتْحِ فَائِهِ (عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعًا عَلَى الْمَرْوَةِ) : وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ الصَّفَا ثُمَّ يَنْتَهِي إلَى الْمَرْوَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الصَّفَا فَتَحْصُلُ مِنْ وُقُوفِهِ مَرَّتَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَمَرَّةً عَلَى الْمَرْوَةِ طَوَافَانِ، وَلِذَلِكَ يَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعُ وَقَفَاتٍ عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعُ وَقَفَاتٍ عَلَى الْمَرْوَةِ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَلَا يُجْبَرُ بِالدَّمِ دَلَّ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة: 158] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ بِهِمَا أَيْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا، نَزَلَتْ لَمَّا كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا وَعَلَيْهِمَا صَنَمَانِ يَمْسَحُونَهُمَا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ فَرْضٍ لِمَا أَفَادَهُ رَفْعُ الْإِثْمِ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. غَيْرُهُ وَقَالَ: «اُبْتُدِئُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» يَعْنِي الصَّفَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ: إنَّمَا أُخِذَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَ مُجْتَهِدُو أُمَّةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام عَلَى فَرْضِيَّتِهِ، خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا أَفَادَهُ: رَفْعُ الْإِثْمِ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا لِمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ السَّعْيَ بَعْدَ الطَّوَافِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهِ مِنْ تَقَدُّمِ طَوَافٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَصِحَّتُهُ بِتَقَدُّمِ طَوَافٍ وَنَوَى فَرْضِيَّتَهُ أَيْ عُلِمَ أَنَّهُ وَاجِدٌ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ، وَهَذَا مَعْنَى نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ لَا مَعْنَى لِنِيَّةِ فَرِيضَةِ الشَّيْءِ مَعَ عِلْمِهِ فَرْضًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ تَتَضَمَّنُ فَرْضِيَّتَهَا وَإِيقَاعُهَا فِي وَقْتِهَا يَتَضَمَّنُ كَوْنَهَا أَدَاءً، وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ فِي