الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ
وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ تُقَامُ
يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ كَمَا يَخْرُجُ لِلْعِيدَيْنِ ضَحْوَةً فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسُ وَضُحَاهَا وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ
ثُمَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب فِي صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ (صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) بِالْمَدِّ وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ السَّقْيِ، وَشَرْعًا طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ أَوْ بِدَوَابِّهِمْ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا تُصَلَّى؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَحَمَلَ مَا وَرَدَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى الدُّعَاءِ وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} [البقرة: 60] وقَوْله تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] الْآيَةَ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» .
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَتُشْرَعُ عِنْدَ تَأْخِيرِ النِّيلِ وَالْمَطَرِ، وَقَدْ احْتَاجَ الزَّرْعُ أَوْ الْآدَمِيُّ أَوْ الْحَيَوَانُ الْبَهِيمِيُّ إلَى الْمَاءِ فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ النَّاسَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْحَالِ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا لِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وَأَشَارَ إلَى بَيَانِ حُكْمِهَا بِقَوْلِهِ: (وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ) عَلَى الْأَعْيَانِ يَتَأَكَّدُ أَنْ (تُقَامَ) أَيْ تُصَلَّى.
قَالَ خَلِيلٌ: سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِزَرْعٍ أَوْ شُرْبٍ بِنَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ بِسَفِينَةٍ رَكْعَتَانِ جَهْرًا وَكَرَّرَ إنْ تَأَخَّرَ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّهَا إنَّمَا تُسَنُّ لِلْمَحَلِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَهُوَ احْتِيَاجُ الزَّرْعِ وَالْجَدْبُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ضِدُّ الْخِصْبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ أَوْ لِشُرْبِ الْآدَمِيِّ أَوْ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ وَلَا جَدْبٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّرْبِ وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ الْكِفَايَةُ لَا مَعَ سَعَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَانٍ وَلَا نَدْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّعَةِ فِعْلُ خَيْرٍ فَيُنْدَبُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي خَصْبٍ وَرَخَاءٍ وَأَرَادَ أَنْ يَطْلُبَ بِهِ الرَّخَاءَ أَوْ الْخَصْبَ لِغَيْرِهِ فَيُنْدَبُ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْخَيْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَتُفْعَلُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ،
[وَقْت صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
ثُمَّ بَيَّنَ وَقْتَهَا بِقَوْلِهِ: (يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ) إلَى الْمُصَلَّى (كَمَا يَخْرُجُ لِلْعِيدَيْنِ) وَذَلِكَ عِنْدَ (ضَحْوَةِ) النَّهَارِ وَهِيَ مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ إلَى الزَّوَالِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَخَرَجُوا ضُحًى مُشَاةً بِبِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ مَشَايِخُ وَصِبْيَةٌ لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْهُمْ وَلَا بَهِيمَةٌ وَلَا حَائِضٌ. (فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) نَدْبًا كَمَا يُنْدَبُ أَنْ (يَقْرَأَ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ فِي صَلَاتِهَا بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ رُكُوعٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَتْ كَصَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ. (وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) وَتَحْصُلُ، السُّنَّةُ بِفِعْلِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ تُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ، وَأَمَّا الصِّبْيَانُ وَالْمُتَجَالَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ فَتُنْدَبُ فِي حَقِّهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْمُرَادُ مِنْ غَيْثٍ أَوْ نِيلٍ كُرِّرَتْ عَلَى تَوَالِي الْأَيَّامِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكَرَّرَ إنْ تَأَخَّرَ لَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ بِهِ أَيَّامًا مُتَوَالِيَةً.
قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُقِيَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَرِجَالٌ صَالِحُونَ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: أَجْمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّاسِ مَعَ أَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْرُجُ اتِّفَاقًا وَهُمْ الرِّجَالُ وَالْمُتَجَالَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ وَمَنْ يَعْقِلُ فِي الْقَرْيَةِ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَقِسْمٌ لَا يَخْرُجُ اتِّفَاقًا وَهُنَّ الشَّابَّاتُ الْمَخْشِيَّاتُ الْفِتْنَةَ، وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْقِلُ فِي الْقَرْيَةِ وَالشَّابَّاتُ غَيْرُ الْمَخْشِيَّاتِ وَالْبَهَائِمُ، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ عَدَمُ خُرُوجِهِمْ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا مَنْ لَا يَعْقِلُ مِنْهُمْ وَبَهِيمَةٌ
يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ فَيَجْلِسُ جِلْسَةً فَإِذَا اطْمَأَنَّ النَّاسُ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا فَخَطَبَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ.
فَإِذَا فَرَغَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ يَجْعَلُ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَلَا يَقْلِبُ ذَلِكَ وَلْيَفْعَلْ النَّاسُ مِثْلَهُ وَهُوَ قَائِمٌ وَهُمْ قُعُودٌ ثُمَّ يَدْعُو كَذَلِكَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَيَنْصَرِفُونَ وَلَا يُكَبِّرُ فِيهَا وَلَا فِي الْخُسُوفِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَلَا أَذَانَ فِيهَا وَلَا إقَامَةَ.
ــ
[الفواكه الدواني]
وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَأَبَاحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ خُرُوجَهُمْ مَعَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقِفُونَ عَلَى جِهَةٍ وَلَا يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ آخَرَ، قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ وَانْفَرَدَ لَا بِيَوْمٍ آخَرَ.
الثَّانِي: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ وَبَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: بِبِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ أَيْ مُتَوَاضِعِينَ وَجِلِينَ لَابِسِينَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْمُصَلَّى فِي غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ كَالْعَبْدِ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَسْتَسْقُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا يُصَلُّونَ فِيهِ الْعِيدَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ (ثُمَّ) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ (يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ) نَدْبًا (بِوَجْهِهِ فَيَجْلِسُ) عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ خُطْبَتِهِ (جَلْسَةً) بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَرَّةً كَجَلْسَتِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ يَجْلِسُونَ كَذَلِكَ. (فَإِذَا اطْمَأَنَّ النَّاسُ) جَالِسِينَ (قَامَ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصَا) أَوْ سَيْفٍ لِئَلَّا يَعْبَثَ بِلِحْيَتِهِ (فَخَطَبَ) بِالْأَرْضِ الْخُطْبَةَ الْأُولَى (ثُمَّ جَلَسَ) قَدْرَ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ) الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ لَكِنْ يُبَدِّلُ التَّكْبِيرَ بِالِاسْتِغْفَارِ.
قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ خَطَبَ كَالْعِيدِ لَكِنْ يُبَدِّلُ التَّكْبِيرَ بِالِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ قَالَ: وَنُدِبَ خُطْبَةٌ بِالْأَرْضِ فَلَا يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُمْنَعُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ يُطْلَبُ فِيهَا التَّوَاضُعُ، وَيَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ بِكَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَلَا يَدْعُو لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ، وَتُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا بِأَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَيَأْتِي بِأَجْوَدِهِ وَهُوَ مَا كَانَ يَقُولُهُ صلى الله عليه وسلم فِي اسْتِسْقَائِهِ وَهُوَ:«اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهِيمَتَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ» وَيَجْهَرُ بِالدُّعَاءِ وَيُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِخُطْبَتَيْنِ كَالْعِيدِ هُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا وَالْمَطْلُوبُ تَوَسُّطُهَا.
1 -
الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَدَلِيلُهُ مَا خَرَّجَهُ أَصْحَابُ الصِّحَاحِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَدَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ؛ وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ أَنْجَحُ فِي الدُّعَاءِ فَقَدْ «كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ حَاجَةً تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ» ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُقَدَّمُ حَقُّ اللَّهِ، كَمَا قَدَّمَ الثَّنَاءَ فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَقِيَاسًا عَلَى الْعِيدَيْنِ وَاسْتِمَاعُهُمَا مَنْدُوبٌ وَكُلُّ مَنْ حَضَرَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَبَعْدَ الْخُطْبَةِ يُخَيَّرُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَافِلَةً كَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ.
(فَإِذَا فَرَغَ) الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَةِ (اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) نَدْبًا (فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) بِأَنْ (يَجْعَلَ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَ) يَجْعَلَ (مَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْمَنِ) وَالسِّرُّ فِي التَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَوِّلُ سَاعَةَ الْجَدْبِ بِسَاعَةِ الْخَصْبِ وَسَاعَةَ الْعُسْرِ بِسَاعَةِ الْيُسْرِ (وَلَا يَقْلِبُ ذَلِكَ) الرِّدَاءَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْحَاشِيَةَ السُّفْلَى عُلْيَا وَالْعُلْيَا سُفْلَى. (وَلْيَفْعَلْ النَّاسُ) أَيْ الرِّجَالُ بِأَرْدِيَتِهِمْ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يُحَوِّلْنَ، وَقَوْلُنَا بِأَرْدِيَتِهِمْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْبَرَانِسِ فَلَا تُحَوَّلُ، ثُمَّ بَيَّنَ زَمَنَ التَّحْوِيلِ مِنْ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ قَائِمٌ وَهُمْ قُعُودٌ ثُمَّ يَدْعُو كَذَلِكَ) قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ: ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ بِلَا تَنْكِيسٍ وَكَذَلِكَ الرِّجَالُ فَقَطْ قُعُودًا، وَمِنْ الْأَدْعِيَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهِيمَتَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ» . وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ الْأَذَى وَالضَّنْكِ وَالْجَهْدِ مَا لَا يُشْكَى إلَّا إلَيْك، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك فَإِنَّك كُنْت غَفَّارًا، فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي حَالِ الدُّعَاءِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ إلَى السَّمَاءِ، وَوَرَدَ أَنَّهُ بَعْدَ الدُّعَاءِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ وَيَمْسَحُهُ بِهِمَا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّعَاءَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّحْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَخْطُبُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ثُمَّ يُحَوِّلُ ثُمَّ يَدْعُو عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَالنَّاسُ مِثْلُ الْإِمَامِ إلَّا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَالدُّعَاءِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَكُونُ قَائِمًا وَهُمْ جُلُوسٌ. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِ الدُّعَاءِ (يَنْصَرِفُ) أَيْ الْإِمَامُ (وَيَنْصَرِفُونَ وَلَا يُكَبِّرُ) أَحَدٌ (فِيهَا) أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ. (وَلَا فِي) صَلَاةِ (الْخُسُوفِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) وَتَكْبِيرَةِ (الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ) كَمَا أَنَّهُ لَا