الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَرِيضَةٌ
فَأَمَّا
زَكَاةُ الْحَرْثِ
فَيَوْمُ حَصَادِهِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فَفِي كُلِّ حَوْلٍ مَرَّةً
وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
(بَابٌ فِي) بَيَانِ أَحْكَامِ (زَكَاةِ الْعَيْنِ)(وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَ) ذِكْرٍ فِي (أَحْكَامِ) وَقَدْرِ (الْجِزْيَةِ) فِي بَيَانِ قَدْرِ (مَا يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ) بِضَمِّ التَّاءِ جَمْعُ تَاجِرٍ كَفَاجِرٍ وَفُجَّارٍ، وَيُقَالُ تِجَارٌ بِكَسْرِهَا كَصَاحِبٍ وَصِحَابٍ (أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ) مِنْ تِجَارَةِ (الْحَرْبِيِّينَ) وَسَتَأْتِي الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرِّكَازِ وَزَكَاةِ الْعُرُوضِ، وَالزَّكَا فِي اللُّغَةِ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ، يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ وَزَكَا الْمَالُ إذَا كَثُرَ، وَفِي الشَّرْعِ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ: إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ إلَخْ، وَوَجْهُ تَسْمِيَةِ الْجُزْءِ زَكَاةً عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَنَّ فَاعِلَهَا يَزْكُو بِفِعْلِهِ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ يُرْفَعُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقِيلَ: لِنُمُوِّ ذَلِكَ الْجُزْءِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ اللَّهِ لِخَبَرِ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِكَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا طَيِّبًا كَانَ كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ يُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» أَوْ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَبَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ:(وَزَكَاةُ) بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَهِيَ بِمَعْنَى تَزْكِيَةِ (الْعَيْنِ) أَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. (وَالْحَرْثِ) وَهِيَ سَائِرُ الْحُبُوبِ الْمَعْرُوفَةِ وَالثِّمَارِ وَذَوَاتِ الزُّيُوتِ الْآتِي بَيَانُهَا. (وَالْمَاشِيَةِ) وَهِيَ خُصُوصُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (فَرِيضَةٌ) وَلَوْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَعْلُوفَةً أَوْ عَامِلَةً وَلَوْ كَانَ الْحَرْثُ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَفُرِضَتْ فِي ثَانِيَةِ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَآيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» إلَى قَوْلِهِ: «وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهَا فَمَنْ جَحَدَهَا فَهُوَ كَافِرٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ كَرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ وَتُجْزِيهِ وَفَرْضِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ.
1 -
وَلِوُجُوبِهَا شُرُوطٌ سِتَّةٌ: الْإِسْلَامُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ، وَالْمِلْكُ التَّامُّ، وَالنِّصَابُ، وَمُرُورُ الْحَوْلِ فِي غَيْرِ الْمَعْدِنِ، وَمَجِيءُ السَّاعِي فِي الْمَاشِيَةِ، وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ خِطَابُ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ خِطَابِهِمْ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُنَا عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَطَاءٍ مِنْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ وَدَائِعِ اللَّهِ يَبْذُلُونَهُ فِي مَحَلِّهِ؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَالْأَنْبِيَاءُ مُبَرَّءُونَ مِنْ الدَّنَسِ لِعِصْمَتِهِمْ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا بَنَاهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ مِنْ عَدَمِ مِلْكِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ.
[زَكَاة الْحَرْث]
ثُمَّ بَيَّنَ وَقْتَ وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فِي الْحُبُوبِ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا زَكَاةُ الْحَرْثِ) كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْقَطَانِيِّ السَّبْعَةِ وَذَوَاتِ الزُّيُوتِ وَالثِّمَارِ الْآتِيَةِ (فَيَوْمُ حَصَادِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَقَوْلُنَا وَقْتَ وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْرَاكِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَالْوُجُوبُ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ وَطَيِّبِ الثَّمَرِ فَمَا أُكِلَ بَعْدَ الْإِفْرَاكِ زَمَنَ الْمَسْغَبَةِ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّاهُ وَيُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ مِنْ جِنْسِهِ حَبًّا نَاشِفًا أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى مَا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ مَا اسْتَأْجَرَ بِهِ، وَأَمَّا الثِّمَارُ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ فِيهَا يَوْمَ الطِّيبِ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا زَهَتْ النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ وَأَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ.
(وَ) أَمَّا تَزْكِيَةُ (الْعَيْنِ) غَيْرَ الْمَعْدِنِ
زَكَاةَ مِنْ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَذَلِكَ سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ وَرُبُعُ قَفِيزٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام
وَيُجْمَعُ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ فِي الزَّكَاةِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
(وَالْمَاشِيَةِ فَفِي) تَمَامِ (كُلِّ حَوْلٍ مَرَّةً) حَيْثُ لَا سَاعِيَ فِي الْمَاشِيَةِ وَإِلَّا فَبَعْدَ حُضُورِهِ وَعَدَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ حُضُورُهُ وَحَضَرَ بِالْفِعْلِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَيْنَ إنَّمَا تُزَكَّى بَعْدَ تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَذَا الْمَاشِيَةُ الَّتِي لَا سَاعِيَ لَهَا أَوْ لَا يُمْكِنُ وُصُولُهُ وَإِلَّا فَبَعْدَ وُصُولِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَهُوَ شَرْطُ وُجُوبٍ إنْ كَانَ وَبَلَغَ، فَإِنْ تَخَلَّفَ وَأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ الْإِخْرَاجُ وَلَوْ تَخَلَّفَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمَحَلُّ الْإِجْزَاءِ إنْ أَثْبَتَ الْمُخْرَجَ وَالْإِخْرَاجَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي دُونَ تَخَلُّفٍ فَلَا تُجْزِئُ، بِخِلَافِ الَّتِي لَا سَاعِيَ لَهَا فَيُجْزِئُ إخْرَاجُهَا وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ حَيْثُ كَانَ التَّقَدُّمُ بِيَسِيرٍ كَالشَّهْرِ.
قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ قُدِّمَتْ بِكَشَهْرٍ فِي عَيْنٍ وَمَاشِيَةٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ وَقْتِ إخْرَاجِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ قَدْرِ النِّصَابِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي بَلَغَهُ الْمَالُ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) تُشْرَعُ (زَكَاةٌ مِنْ الْحَبِّ) الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةِ وَالْعَلْسُ وَالْقَطَانِيُّ السَّبْعَةُ الَّتِي هِيَ الْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالتُّرْمُسُ وَالْحِمَّصُ وَالْبِسِلَّةُ وَالْفُولُ وَالْجُلْبَانُ وَذَوَاتُ الزُّيُوتِ وَهِيَ حَبُّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ وَالسِّمْسِمِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُلْجَانِ وَالْقُرْطُمُ وَالزَّيْتُونُ. (وَالتَّمْرُ) وَالزَّبِيبُ فَهَذِهِ عِشْرُونَ نَوْعًا لَا غَيْرَهَا مِنْ نَحْوِ بِزْرِ كَتَّانٍ أَوْ سَلْجَمٍ أَوْ بِزْرِ فُجْلٍ أَبْيَضَ وَلَا فِي فَوَاكِهَ كَرُمَّانٍ أَوْ خَوْخٍ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) بِنَاءً عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ تَحْدِيدٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ:«لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» .
وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» وَالْأَوْسُقُ جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَقُولُ النِّصَابُ تَقْرِيبٌ فَتَجِبُ عِنْدَ النَّقْصِ الْيَسِيرِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَوْسُقُ قَدْ لَا تُعْرَفُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَسَّرَ قَدْرَهَا بِالْكَيْلِ بِقَوْلِهِ:(وَذَلِكَ) مِنْ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَدْرُهُ بِالْكَيْلِ (سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ) جَمْعُ قَفِيزٍ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَاعًا وَرُبْعُ قَفِيزٍ فَالسِّتَّةُ أَقْفِزَةُ (وَرُبْعُ) قَفِيزٍ هِيَ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَقَدْرُهَا بِالْكَيْلِ الْمَصْرِيِّ عَلَى مَا حَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيُّ بِالْأَقْدَاحِ أَرْبَعُمِائَةِ قَدَحٍ وَبِالْأَرَادِبِ أَرْبَعَةُ أَرَادِبَ وَوَيْبَةٍ لِكِبَرِ الْكَيْلِ فِي زَمَنِهِ عَمَّا كَانَ فِي الْأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ، فَلَا يُنَافِيهِ ضَبْطُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ فِي زَمَنِهِ الْأَوْسُقَ بِالْكَيْلِ الْمَصْرِيِّ سِتَّةُ أَرَادِبَ وَنِصْفَ وَيْبَةٍ. (وَالْوَسْقُ) قَدْرُهُ بِالصِّيعَانِ (سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ) أَيْ صَاعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ عليه الصلاة والسلام) وَالْمُدُّ حُفْنَةٌ وَهِيَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَوَزْنُهُ رَطْلٌ وَثُلُثُ بِالْبَغْدَادِيِّ، فَيَكُونُ الصَّاعُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَالْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ بِالْأَرْطَالِ الشَّرْعِيَّةِ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ كُلُّ رَطْلٍ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا بِالْوَزْنِ الْمَكِّيِّ، وَالرَّطْلُ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ خَمْسُونَ وَخُمْسَا حَبَّةٍ مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ، وَأَمَّا بِالْأَرْطَالِ الْمَصْرِيَّةِ فَالْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَمَا قَالَ الْأُجْهُورِيُّ أَلْفُ رَطْلٍ وَأَرْبَعُمِائَةِ رَطْلٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ رَطْلًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْخَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِالصِّيعَانِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَبِالْأَمْدَادِ أَلْفُ مُدٍّ وَمِائَتَا مُدٍّ، وَبِمَا ذَكَرْنَا عُلِمَ قَدْرُ النِّصَابِ بِالْكَيْلِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَصْرِيِّ وَبِالْوَزْنِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَصْرِيِّ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ النِّصَابِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَيُدْخِلُ أَرْضَ السَّيْحِ أَيْ الْمَاءِ الْجَارِي، وَمَا سُقِيَ مِنْ السَّمَاءِ، وَمَا سُقِيَ بِقَلِيلِ مَاءٍ كَالذُّرَةِ الصَّيْفِيِّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَإِنَّهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ قَلِيلُ مَاءٍ عِنْدَ وَضْعِ حَبِّهِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ لَا يُسْقَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَشَقَّةِ كَالدَّوَالِيبِ وَالدِّلَاءِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمَيْهِمَا حَيْثُ تَسَاوَيَا أَوْ تَقَارَبَا فَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ ذِي السَّيْحِ وَنِصْفُهُ مِنْ ذِي الْآلَةِ، وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَقِيلَ الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ وَيُلْغَى الْأَقَلُّ وَقِيلَ لَا تَبَعِيَّةَ وَتُعْتَبَرُ الْقِسْمَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمَيْهِمَا وَهَلْ يُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ خِلَافٌ.
1 -
الثَّانِي: شَرْطُ اعْتِبَارِ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً مِنْ التِّبْنِ الَّذِي لَا تُخْزَنُ بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً الْجَفَافِ فِيمَا أُكِلَ أَخْضَرُ كَفَرِيكٍ وَشَعِيرٍ أَوْ فُولٍ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِفُّ أَصْلًا كَعِنَبٍ وَزَيْتُونٍ وَبَلَحِ مِصْرَ، أَوْ مِمَّا يَجِفُّ كَعِنَبٍ وَبَلَحِ غَيْرِ مِصْرَ وَأُكِلَ قَبْلَ جَفَافِهِ.
الثَّالِثُ: شَرْطُ وُجُوبِهَا فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ أَنْ تَكُونَ مَزْرُوعَةً، وَأَمَّا مَا وُجِدَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ نَابَتَا فِي الْجِبَالِ وَالْأَرَاضِي الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَا يُجْمَعُ مِنْ الزَّيْتُونِ وَالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ فِي الْجِبَالِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنْ بَلَغَ خَرْصُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَا يَكُونُ أَهْلُ قَرْيَةِ ذَلِكَ الْجَبَلِ أَحَقَّ بِهِ وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ فِي جَمِيعِ مَا سَمَّيْت لَك الْخُمُسَ إنْ جُعِلَ فِي الْغَنَائِمِ
. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لِكَمَالِ النِّصَابِ وَمَا لَا يُضَمُّ بِقَوْلِهِ:
خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلْيُزَكَّ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ تُجْمَعُ أَصْنَافُ الْقَطْنِيَّةِ وَكَذَلِكَ تُجْمَعُ أَصْنَافُ التَّمْرِ وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ وَالْأَرْزِ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ لَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ
وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ مِنْ التَّمْرِ أَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ الْجَمِيعِ مِنْ وَسَطِهِ
وَيُزَكَّى الزَّيْتُونُ إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ وَيُخْرِجُ مِنْ الْجُلْجُلَانِ وَحُبِّ الْفُجْلِ
ــ
[الفواكه الدواني]
(وَيُجْمَعُ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ وَصِلَةُ يُجْمَعُ (فِي الزَّكَاةِ) لِتَقَارُبِ مَنْفَعَتِهَا وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ فِي الْبَيْعِ جِنْسًا بِحَيْثُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. (فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا) بَعْدَ الضَّمِّ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) فَأَكْثَرُ (فَلْيُزَكِّ ذَلِكَ) الْمَجْمُوعَ وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِسَابِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأُخِذَ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ كَالتَّمْرِ نَوْعًا أَوْ نَوْعَيْنِ وَإِلَّا فَمِنْ أَوْسَطِهَا، فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى أَجْزَأَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَيَجِبُ الضَّمُّ وَلَوْ زُرِعَتْ بِبُلْدَانٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ وَإِنْ بِبُلْدَانٍ إنْ زُرِعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ حَصَادِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَصْدَ فِي الْحُبُوبِ كَالْحَوْلِ، وَإِنْ زُرِعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ حَصَادِ الْآخَرِ فَلَا ضَمَّ، فَإِذَا زُرِعَ فِي ثَلَاثَةِ أَمَاكِنَ وَزُرِعَ الثَّانِي قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَزُرِعَ الثَّالِثُ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ وَسْقَانِ وَفِي الثَّالِثِ وَسْقَانِ أَيْضًا وَفِي الْوَسَطِ وَهُوَ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الضَّمِّ أَنْ يَبْقَى مِنْ حَبِّ الْأَوَّلِ إلَى حَصَادِ الثَّانِي مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، فَلَا بُدَّ فِي زَكَاةِ الْجَمِيعِ عِنْدَ ضَمِّ الْوَسَطِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَبْقَى حَبُّ السَّابِقِ لِحَصْدِ اللَّاحِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَسَطِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ نِصَابٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَسْقَانِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَكْمُلُ النِّصَابُ مِنْ الْوَسَطِ مَعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَسَطِ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ، وَفِي الْأَوَّلِ اثْنَانِ وَفِي الثَّالِثِ وَاحِدٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَنَصَّ اللَّخْمِيُّ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْقَاصِرِ، وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ زُكِّيَ الثَّالِثُ مَعَهُمَا، وَإِنْ كَمُلَ مِنْ الثَّالِثِ وَالْوَسَطِ زَكَّاهُمَا دُونَ الْأَوَّلِ.
قَالَ بَعْضٌ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ إذَا كَمُلَ النِّصَابُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَالْأَوَّلُ مَضْمُومٌ لِلثَّانِي فَالْحَوْلُ لِلثَّانِي وَهُوَ خَلِيطٌ لِلثَّالِثِ، وَإِذَا كَمُلَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالْمَضْمُومُ الثَّانِي لِلثَّالِثِ فَالْحَوْلُ لِلثَّالِثِ وَلَا خُلْطَةَ لِلْأَوَّلِ بِهِ وَهُوَ فَرْقٌ جَيِّدٌ. (وَكَذَلِكَ تُجْمَعُ) لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ (أَصْنَافُ التَّمْرِ) كَالصَّيْحَانِيِّ فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِلْبَرْنِيِّ وَالْعَجْوَةِ؛ لِأَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الْمُتَقَارِبَةَ فِي الْمَنْفَعَةِ يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ مُرَاعَاةً لَحِقَ الْفُقَرَاءِ وَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِسَابِهِ إلَّا إذَا زَادَتْ عَلَى نَوْعَيْنِ فَمِنْ أَوْسَطِهَا كَمَا يَأْتِي، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَمْحَ وَمَا مَعَهُ لَا يُضَمُّ لِأَصْنَافِ التَّمْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَكَذَلِكَ تُجْمَعُ أَصْنَافُ الْقَطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا لِبَعْضِهَا بِشَرْطِ زَرْعِ الْمَضْمُومِ قَبْلَ حَصَادِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ خَلِيلٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهَا فِي الزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَتُجْمَعُ الْقَطْنِيَّةُ عَلَى قَطَانِيٍّ وَهِيَ كُلُّ مَا لَهُ غِلَافٌ كَالْبَسِيلَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ وَالْجُلْبَانِ وَالْفُولِ وَالتُّرْمُسِ وَاللُّوبِيَا، وَسُمِّيَتْ بِالْقَطَانِيِّ؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَكَانِ أَيْ تُقِيمُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْجُلْجُلَانُ وَلَا حَبُّ الْفُجْلِ وَلَا الْكِرْسِنَّةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ عِنْدَ الضَّمِّ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ أُخْرِجَتْ مِنْ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ فَقَطْ أَجْزَأَ إنْ كَانَ الْمُخْرَجُ مِنْهُ أَعْلَى مِنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُ. (وَكَذَلِكَ) تُجْمَعُ (أَصْنَافُ الزَّبِيبِ) بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَيُضَمُّ الْجُعْرُورُ لِغَيْرِهِ وَالْأَسْوَدُ لِلْأَحْمَرِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ النِّصَابُ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ شَرَعَ فِيمَا لَا يُضَمُّ بِقَوْلِهِ:(وَالْأُرْزُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: (وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ) مَعْطُوفَانِ عَلَيْهِ وَجُمْلَةُ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ لَا يُضَمُّ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ (إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ) كَمَا أَنَّهَا أَجْنَاسٌ فِي الْبَيْعِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَهَا
(وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ) مُخْتَلِفَةٌ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ (مِنْ التَّمْرِ) وَكَمُلَ النِّصَابُ بِضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ (أَدَّى) أَيْ أَخْرَجَ الْمَالِكُ (الزَّكَاةَ عَنْ الْجَمِيعِ مِنْ وَسَطِهِ) أَيْ التَّمْرِ، وَمِثْلُ أَصْنَافِ التَّمْرِ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْوَسَطِ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ رِفْقًا بِالْمُزَكِّي وَبِالْفُقَرَاءِ، إذْ لَوْ أُخِذَ مِنْ الْأَعْلَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ بِرَبِّ الْمَالِ، أَوْ مِنْ الْأَدْنَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ بِالْفُقَرَاءِ، فَكَانَ الْعَدْلُ الْوَسَطَ، وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ أَخْرَجَ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ أَوْسَطِهَا لِوُضُوحِ أَمْرِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَ الْحَائِطُ كُلُّهُ جَيِّدًا أَوْ كُلُّهُ رَدِيئًا لَأُخِذَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَفْهُومُ أَصْنَافٍ لَوْ اجْتَمَعَ صِنْفَانِ فَقَطْ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ، فَفِي الْجَوَاهِرِ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ وَلَا يُنْظَرُ لِلْأَكْثَرِ، وَمَفْهُومُ أَصْنَافِ التَّمْرِ أَنَّ أَصْنَافَ الْحُبُوبِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِحَسَبِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأُخِذَ مِنْ الْحَبِّ كَيْفَ كَانَ كَالتَّمْرِ نَوْعٍ أَوْ نَوْعَيْنِ وَإِلَّا فَمِنْ أَوْسَطِهَا
، وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ الْكَيْلُ وَالْإِخْرَاجُ تَارَةً مِنْ الْحَبِّ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ أَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ:(يُزَكَّى الزَّيْتُونُ إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) مُقَدَّرَةِ الْجَفَافِ