الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ مَا بِفَرْجِهِ أَوْ جَسَدِهِ مِنْ الْأَذَى، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخِرِ غُسْلِهِ، ثُمَّ يَغْمِسُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ وَيَرْفَعُهُمَا غَيْرَ قَابِضٍ بِهِمَا شَيْئًا فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ يَغْرِفُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ غَاسِلًا لَهُ بِهِنَّ
[بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ]
وَتَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَتَضْغَثُ شَعْرَ رَأْسِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
وَإِنْ تَبَيَّنَ عَدَمَ جَنَابَتِهِ، وَقَيَّدْنَا الطُّهْرَ بِكَوْنِهِ مِنْ بَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ اغْتَسَلَ لِنَحْوِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْوُضُوءِ.
(تَنْبِيهٌ) : وَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي تِلْكَ السُّنَنِ فِي كَوْنِهَا لِلْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ: أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّثْلِيثِ وَالْمُطْلَقِ وَالنِّيَّةِ وَكَوْنُ الْغُسْلِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ، وَأَنَّ غَسَلَهُمَا لِلْكُوعَيْنِ قَبْلَ غَسْلِ الْأَذَى مِنْ سُنَّةِ الْغُسْلِ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَذًى يَكُونُ غَسْلُهُمَا مِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ أَيْضًا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ حَيْثُ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ، وَأَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ بَعْدَ تَمَامِ وُضُوئِهِ تَذَكَّرَ الْجَنَابَةَ وَكَمَّلَ غَسْلَ جَسَدِهِ فَوْرًا فَإِنَّ السُّنَنَ تَكُونُ لِلْوُضُوءِ، وَتِلْكَ الصُّورَةُ أَشَارَ إلَيْهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَغَسْلُ الْوُضُوءِ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ وَلَوْ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَتْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنْ نِيَّةِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَامِ وَاجِبٍ مَقَامَ جُزْءٍ وَاجِبٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُوبِ، وَأَشَارَ إلَى الصِّفَةِ الْفَاضِلَةِ بِقَوْلِهِ:(وَأُفَضِّلُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ) وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَصْغَرِ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ الْأَكْبَرِ فِي مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ. (بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ مَا بِفَرْجِهِ أَوْ جَسَدِهِ مِنْ الْأَذَى) بِنِيَّةِ رَفْعِ الْأَكْبَرِ لِيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْوُضُوءِ بَعْدَ تَمَامِ غَسْلِهِ.
وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَوْ الْأَوَّلُ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى بِإِيضَاحٍ: أَنَّهُ يَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا لِكُوعَيْهِ بِنْيَةِ السُّنِّيَّةِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ يُزِيلُ الْأَذَى عَنْ جَسَدِهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى لَا يُعِيدُ غَسْلَ يَدَيْهِ لِكُوعَيْهِ، وَغَالِبُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَائِلٌ بِإِعَادَةِ غَسْلِهِمَا، وَقَوْلُهُ: وُضُوءَ الصَّلَاةِ يُوهِمُ أَنَّهُ يُكَرِّرُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَرَّةً مَرَّةً.
قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ أَعْضَاءُ وُضُوئِهِ كَامِلَةً مَرَّةً مَرَّةً حَتَّى مَسْحَ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ وَغَسْلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ كَامِلَةً مَرَّةً.
قَالَ شَارِحُهُ التَّتَّائِيُّ: مَسْحًا وَغَسْلًا فَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ لِفَرَاغِ غَسْلِهِ كَانَ الْمَوْضِعُ نَظِيفًا أَوْ وَسِخًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَرَّةً فَقَطْ لِأَنَّهُ غُسْلٌ حَقِيقَةً وَصُورَةُ وُضُوءٍ، وَقَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِتَرْكِ مَسْحِ رَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ لِأَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ فَلَا فَائِدَةَ فِي مَسْحِهِمَا، وَمَا قَالَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ يُقَوِّيه حَدِيثُ مَيْمُونَةَ وَهُوَ:«تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وُضُوءَ الْجَنَابَةِ وَأَكْفَى بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْحَائِطِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» الْحَدِيثَ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَلَا أُذُنَيْهِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ وَلَمْ يَغْسِلْ فِيهِ رِجْلَيْهِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ خَلِيلًا اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -:«أَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ» فَظَاهِرُ قَوْلِهَا تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَنَّهُ يُكَمِّلُهُ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ غَيْرُ رِجْلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ التَّكْمِيلُ فَيُقَدَّمُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ مُتَنَجِّسَتَيْنِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِمَنْ فَصَلَ وَخِلَافًا لِمَنْ خَيَّرَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ) فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ (وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخَرِ غُسْلِهِ) وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ غَسْلِهِمَا لِإِخْلَالِهِ بِالْفَوْرِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ وَاضِحٌ
(تَنْبِيهٌ) : اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ إذَا أَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ هَلْ يَغْسِلُهُمَا بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ؟ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: يَنْوِي بِغَسْلِهِمَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْوِي بِهِ إتْمَامَ وُضُوئِهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرْنَا (يَغْمِسُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ) أَوْ يُفْرِغُهُ عَلَيْهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَفْتُوحًا (وَيَرْفَعُهُمَا غَيْرَ قَابِضٍ بِهِمَا شَيْئًا) مِنْ الْمَاءِ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْبَلَلُ (فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِ رَأْسَهُ) اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ: طِبِّيَّةٌ وَفِقْهِيَّةٌ، فَالطِّبِّيَّةُ انْسِدَادُ الْمَسَامِّ الَّتِي فِي الرَّأْسِ فَيَحْصُلُ الْأَمْنُ مِنْ الزُّكَامِ وَمِنْ قُشَعْرِيرَةِ الْجَسَدِ عِنْدَ صَبِّ الْمَاءِ، وَالْفِقْهِيَّةُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ وَإِلَى أُصُولِ الشَّعْرِ بِسُهُولَةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ تَخْلِيلِ أُصُولِ شَعْرِ رَأْسِهِ بِيَدَيْهِ (يَغْرِفُ بِهِمَا) الْمَاءَ وَيَصُبُّهُ (عَلَى رَأْسِهِ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِ (ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ) جَمْعُ غَرْفَةٍ بِالْفَتْحِ مِلْءُ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا حَالَةَ كَوْنِهِ (غَاسِلًا لَهُ) أَيْ دَالِكًا لِلرَّأْسِ (بِهِنَّ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثِ شَيْئًا وَلَوْ عَمَّ بِوَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَعُمُّ الرَّأْسَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى جَانِبٍ وَالثَّالِثَةُ فِي الْوَسَطِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا
حَلُّ عِقَاصِهَا
، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَتَدَلَّكُ بِيَدَيْهِ بِأَثَرِ صَبِّ الْمَاءِ حَتَّى يَعُمَّ جَسَدَهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
تَثْلِيثٌ لِأَنَّ الثَّلَاثَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَيُخَالِفُ قَوْلَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الرَّأْسُ تَثْلِيثٌ دُونَ سَائِرِ أَعْضَاءِ الْغُسْلِ
1 -
(فَائِدَةٌ) : مَنْ كَانَ يَخَافُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ حُصُولَ النَّزْلَةِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَيَمْسَحُ عَلَيْهِ.
قَالَ الْجُزُولِيُّ: وَسَمِعْتُهُ مِنْ شُيُوخٍ عِدَّةٍ حَتَّى وَقَعَ عِنْدِي مَوْقِعَ الْيَقِينِ بِحَيْثُ لَوْ احْتَجْت إلَيْهِ لَفَعَلْته، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْرِبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ لَا بِمُجَرَّدِ الْخَوْفِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّرْخِيصِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَصْلِ إلَى الْبَدَلِ، وَلَا يَنْتَقِلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إلَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مَائِيَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَ) لَمَّا كَانَتْ النِّسَاءُ شَقَائِقَ الرِّجَالِ وَجَبَ أَنْ (تَفْعَلَ ذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمَ (الْمَرْأَةُ) فَالْإِشَارَةُ لِلْبَدْءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ وَبَعْدَهُ إزَالَةُ الْأَذَى ثُمَّ إكْمَالُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى مَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ ثُمَّ صَبُّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ (تَضْغَثَ) أَيْ تَعْرُكَ وَتُحَرِّكَ (شَعْرَ رَأْسِهَا) لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَشَرَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا نَقْضُ ضَفْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ التَّخْلِيلَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ بِخِلَافِ التَّحْرِيكِ وَالضَّغْثِ فَإِنَّهُ عَرْكُ الشَّعْرِ وَحَبْسُ الْمَاءِ عَلَيْهِ.
(وَ) كَذَا (لَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا) قَالَ خَلِيلٌ: وَتَخْلِيلُ شَعْرِهِ وَضَغْثُ مَضْفُورِهِ لَا نَقْضُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِالضَّغْثِ فِي الْمَضْفُورِ أَوْ الْمَعْقُوصِ حَيْثُ كَانَ مَرْخُوًّا بِحَيْثُ يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ، وَإِلَّا وَجَبَ نَقْضُهُ وَتَخْلِيلُهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ كَغَيْرِ الْمَضْفُورِ. كَمَا يَجِبُ نَقْضُ الْمَضْفُورِ الْمُشْتَدِّ وَلَوْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخُيُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَوْ لَمْ يَشْتَدَّ لِأَنَّهَا حَائِلٌ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ الْمَضْفُورَ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ لَا يَجِبُ نَقْضُهُ، وَلَوْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْوُصُولِ إلَى مَا تَحْتَ الْخُيُوطِ وَقَاسَهُ عَلَى الْخَاتَمِ الضَّيِّقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْرِيكُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَعَلَهُ كَالْجَبِيرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَفِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ نَاجِي فِي شَرْحِهِ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا وَهَذَا إذَا كَانَ مَرْخُوًّا بِحَيْثُ يَدْخُلُ الْمَاءُ وَسَطَهُ، وَإِلَّا كَانَ غُسْلُهَا بَاطِلًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْفُورِ وَالْمَعْقُوصِ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْبَشَرَةِ وَلَوْ كَثِيفًا، وَيَتَنَاوَلُ ذَلِكَ شَعْرَ الْحَاجِبِ وَاللِّحْيَةِ، وَمِثْلُهُ جَمِيعُ الْمَغَابِنِ الَّتِي فِي الْبَدَنِ كَشُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ إلَّا مَا شَقَّ دَلْكُهُ فَيَكْفِي إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ حَلِّ عِقَاصِهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ:«قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشَدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةَ؟ فَقَالَ: لَا، أَمَّا يَكْفِيك أَنْ تَحُثِّي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «أَفَأَنْقُضُهُ فِي الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ؟ قَالَ: لَا» وَلَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ إذَا اغْتَسَلْنَ أَنْ يَنْقُضْنَ شُعُورَهُنَّ قَالَتْ: أَفَلَا يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُءُوسَهُنَّ؟ لَقَدْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَمَا أَزِيدُ أَنْ أَغْرِفَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ: أُرْخِصَ لِلْعَرُوسِ فِي السَّبْعَةِ أَيَّامٍ أَنْ تَمْسَحَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى مَا فِي رَأْسِهَا مِنْ الطِّيبِ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْهُ فِي سَائِرِ جَسَدِهَا تَيَمَّمَتْ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.
قَالَ الْحَطَّابُ عَقِبَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَقُولُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَوِّزُوا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمَسْحَ عَلَى الْحَائِلِ إلَّا فِي الضَّرُورَةِ، وَمَا كَانَ لِلزِّينَةِ فَلَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرُورَةِ
1 -
(تَنْبِيهٌ) : كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ حَلُّ عِقَاصِهَا لَا يَلْزَمُهَا نَزْعُ خَاتَمِهَا وَلَا تَحْرِيكُهُ، وَكَذَا سَائِرُ أَسَاوِرِهَا وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ زُجَاجًا وَلَوْ ضَيِّقَةً، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَزْعُ خَاتَمِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ ضَيِّقًا خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ:
وَحَرِّكْ الْخَاتَمَ فِي اغْتِسَالِكَ وَالْخَرْصُ وَالسِّوَارُ مِثْلُ ذَلِكَا
فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الضَّيِّقَ جِدًّا مِنْ خَاتَمٍ أَوْ سِوَارٍ يَجِبُ نَزْعُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عَدَمِ لُزُومِ إحَالَةِ الْخَاتَمِ وَلَوْ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَلِسًا فَالْمَاءُ يَصِلُ إلَى مَا تَحْتَهُ وَيَغْسِلُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَضْنَ بِأُصْبُعِهِ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لُبْسَهُ.
قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(ثُمَّ) بَعْدَ غَسْلِ الرَّأْسِ (يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) مِنْ أَعْلَاهُ نَدْبًا فِيهِمَا (ثُمَّ) بَعْدَ تَمَامِ غَسْلِ الْأَيْمَنِ يُفِيضُهُ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) بَادِئًا لَهُ مِنْ أَعْلَاهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَمَامِ الْأَيْمَنِ قَبْلَ الْأَيْسَرِ تَبِعْنَا فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِثُمَّ وَقَالَ: يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى الْأَيْمَنِ إلَى الرُّكْبَةِ ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ إلَى الرُّكْبَةِ ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى أَسْفَلِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ أَسْفَلِ الْأَيْسَرِ وَسَكَتَ عَنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ.
قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: لِدُخُولِهِمَا فِي الشِّقَّيْنِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: وَيَخْتِمُ بِصَدْرِهِ وَبَطْنِهِ، (وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى جَسَدِهِ أَنْ (يَتَدَلَّكَ) مَعَ الْقُدْرَةِ (بِيَدَيْهِ) أَوْ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ سِوَاهُمَا وَلَوْ بِخِرْقَةٍ وَيَكُونُ الدَّلْكُ مُقَارِنًا لِلصَّبِّ أَوْ (بِأَثَرِ صَبِّ الْمَاءِ) عَلَى الْعُضْوِ الْمُدْلُوك وَهَكَذَا يَفْعَلُ. (حَتَّى يَعُمَّ جَسَدَهُ) بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُولُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ بِدُونِ
، وَمَا شَكَّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ أَخَذَهُ مِنْ جَسَدِهِ عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ وَدَلَكَهُ بِيَدِهِ حَتَّى يُوعِبَ جَمِيعَ جَسَدِهِ
وَيُتَابِعُ عُمْقَ سُرَّتِهِ وَتَحْتَ حَلْقِهِ
وَيُخَلِّلُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ
وَتَحْتَ جَنَاحَيْهِ وَبَيْنَ أَلْيَتَيْهِ
وَرُفْغَيْهِ وَتَحْتَ رُكْبَتَيْهِ وَأَسَافِلِ رِجْلَيْهِ
وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ يَجْمَعُ ذَلِكَ فِيهِمَا لِتَمَامِ غَسْلِهِ وَلِتَمَامِ وُضُوئِهِ إنْ كَانَ أَخَرَّ غَسْلَهُمَا
، وَيَحْذَرُ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
الدَّلْكِ لَا يُسَمَّى غَسْلًا عِنْدَ مَالِكٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يُسَمَّى انْغِمَاسًا. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهُ لِلصَّبِّ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ لَصَارَ مَسْحًا، وَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الدَّلْكِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ فِيمَا يَصِحُّ لَهُ مُبَاشَرَتُهُ لَا فِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً أَوْ أَمَةً، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ سَقَطَ وَعَمَّمَ جَسَدَهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ:
وَلَا يَصِحُّ الدَّلْكُ بِالتَّوْكِيلِ إلَّا لِذِي آفَةٍ أَوْ عَلِيلِ
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِنَابَةِ عَلَى الْعَاجِزِ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ.
قَالَ الْمَوَّاقُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا عَجَزَ عَنْهُ سَاقِطٌ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَشْبَهُ بِيُسْرِ الدِّينِ فَيُوَالِي صَبَّ الْمَاءِ وَيُجْزِيه.
وَلَمَّا كَانَتْ الطَّهَارَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِالتَّعْمِيمِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ قَالَ: (وَمَا) أَيْ الْمَوْضِعُ الَّذِي (شَكَّ) الْمُغْتَسِلُ فِي (أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ أَخَذَهُ) أَيْ عَمَّهُ (مِنْ جَسَدِهِ) بَيَانٌ لِمَا سَوَاءٌ كَانَ عُضْوًا أَوْ لُمْعَةً، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي مَوْضِعٍ هَلْ كُلُّهُ أَمْ لَا؟ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ عَدَمُ الْيَقِينِ (عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ) وُجُوبًا (وَدَلَكَهُ حَتَّى يُوعِبَ جَمِيعَ جَسَدِهِ) يَقِينًا وَلَا يَكْفِيه عَدَمُ تَيَقُّنِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنْكِحًا أَوْ ضَرِيرًا أَوْ فِي مَحَلٍّ مُظْلِمٍ لِقَوْلِ الْبُرْزُلِيِّ: مَنْ تَوَضَّأَ فِي ضِيَاءٍ أَوْ ظُلْمَةٍ يَكْفِيه غَلَبَةُ الظَّنِّ أَنَّ الْمَاءَ أَتَى عَلَى مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ.
وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ وَالشَّيْخِ دَاوُد أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ إيعَابِ جَمِيعِ الْجَسَدِ وَلَا يَكْفِيه غَلَبَةُ الظَّنِّ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا فَيَكْفِيه غَلَبَةُ الظَّنِّ اهـ كَلَامُهُمَا.
وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْوُضُوءِ وَفِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ وُجُوبِ بِنَاءِ الْمُسْتَنْكِحِ عَلَى الْأَكْثَرِ عِنْدَ الشَّكِّ أَيْ فِي الرَّكَعَاتِ أَوْ الْغَسَلَاتِ، وَمِنْ بِنَائِهِ عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا، وَفِي مَسْحِ رَأْسِهِ هَلْ فَعَلَهُ أَمْ لَا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالظَّنِّ هُنَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا وَحَرَّرَهُ، وَإِذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِتَعْمِيمِ جَسَدِهِ فَلَا يُعَوِّلْ عَلَى خَبَرِهِ إلَّا إذَا حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِخَبَرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ، وَقَالَ الْحَطَّابُ: يُقْبَلُ إخْبَارُ الْغَيْرِ بِكَمَالِ الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ، اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي بِحَثِّ الشَّكِّ فِي الطَّوَافِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَاحِدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا؟ فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ وَهِيَ مَعَهُ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِيَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَمِثْلُ الشَّكِّ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ: وَلَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا؟ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ خَلِيلٍ وَرَجَعَ إمَامٌ فَقَطْ لِعَدْلَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَلْ إعَادَةُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ بِنِيَّةٍ أَمْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؟ وَبَيَّنَهُ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا لَمْ يَلْزَمْهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِذَلِكَ وَإِنْ بَعُدَ لَزِمَهُ تَجْدِيدُهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى بِهَذِهِ اللُّمْعَةِ أَعَادَ أَبَدًا وَسُمِّيَ غَسْلُ تِلْكَ اللَّمْعَةِ إعَادَةً إمَّا بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ فِعْلِهَا أَوْ لَا، أَوْ مُرَاعَاةً لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَفْظَ الْعَوْدِ فِي الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ فِعْلُهُ نَحْوَ: عَادُوا حُمَمًا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، وَالرُّسُلُ لَمْ يَعُودُوا فِي مِلَّتِهِمْ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُتَابِعَ عُمْقَ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ (سُرَّتِهِ) أَيْ دَاخِلَهَا فَيُوصِلَ الْمَاءَ إلَيْهِ وَيَدْلُكَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا كَفَى إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِهَا.
(وَ) كَذَا يُتَابِعُ (تَحْتَ حَلْقِهِ) الْمُرَادُ تَحْتَ ذَقَنِهِ.
(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُخَلِّلَ شَعْرَ لِحْيَتِهِ) وَلَوْ كَثِيفًا لِخَبَرِ: «خَلِّلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً» وَلَوْ كَانَ خَلَّلَهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً وَخَلَّلَهَا فِي الْوُضُوءِ فَيَكْفِيه عَنْ تَخْلِيلِهَا فِي الْغُسْلِ.
(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ مَا (تَحْتَ جَنَاحَيْهِ) أَيْ إبْطَيْهِ (وَ) مَا (بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) أَيْ مَقْعَدَتَيْهِ فَيُوصِلُ الْمَاءَ إلَيْهِ مَعَ اسْتِرْخَائِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِ تَكَافِيشِ الدُّبُرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ غُسْلُهُ بَاطِلًا.
(وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ (رُفْغَيْهِ) وَهُمَا أُصُولُ فَخْذَيْهِ مِمَّا يَلِي الْجَوْفَ.
(وَ) كَذَا مَا (تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ) وَجَمِيعُ مَغَابِنِ جَسَدِهِ.
(وَ) كَذَا (أَسَافِلُ رِجْلَيْهِ) كَعُرْقُوبَيْهِ وَعَقِبَيْهِ.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُخَلِّلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ) فِي الْوُضُوءِ إنْ قَدَّمَهُ وَإِلَّا خَلَّلَهُمَا فِي الْغُسْلِ (وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ) أَيْ آخِرَ غُسْلِهِ (يَجْمَعُ ذَلِكَ) الْغُسْلُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الرِّجْلَيْنِ (لِتَمَامِ غُسْلِهِ وَلِتَمَامِ وُضُوئِهِ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (وَإِنْ كَانَ أَخَّرَ غَسَلَهُمَا) عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّأْخِيرُ مُخِلًّا بِالْمُوَالَاةِ حَيْثُ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدَّمَ غَسْلَهُمَا عِنْدَ فِعْلِ الْوُضُوءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ
تَدَلُّكِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَقَدْ أَوَعَبَ طُهْرَهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَإِنْ مَسَّهُ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِهِ وَبَعْدَ أَنْ غَسَلَ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مِنْهُ فَلِيَمُرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ ذَلِكَ وَيَنْوِيه.
ــ
[الفواكه الدواني]
غَسْلِهِمَا حَيْثُ كَانَ خَلَّلَ أَصَابِعَهُمَا، لِأَنَّ غَسْلَ الْوُضُوءِ يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَانَ نَوَى بِوُضُوئِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرَ لِأَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ تُجْزَى عَنْ نِيَّةِ الْغُسْلِ فِي مَحَلِّ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَسْحُ الْوُضُوءِ عَنْ مَسْحِ مَحَلِّهِ فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْإِجْزَاءِ وَصُورَتُهُ: أَنَّ مَنْ بِهِ نَزْلَةٌ فِي رَأْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِهِ فِي الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُهُ، فَلَوْ مَسَحَهُ فِي الْوُضُوءِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُجْزِئُهُ مَسْحُ الْوُضُوءِ عَنْ مَسْحِ الْغُسْلِ، وَقَالَ أَشْيَاخُهُ: لَا يُجْزِئُهُ.
(فَائِدَةٌ) : خَرَّجَ أَبُو دَاوُد: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ الْبَوْلِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ رَبَّهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَ الصَّلَاةَ خَمْسًا، وَغُسْلَ الْجَنَابَةِ مَرَّةً، وَغَسْلَ الثَّوْبِ مَرَّةً» .
(وَيُحَذَّرُ) الْمُغْتَسِلُ الَّذِي تَوَضَّأَ أَوَّلًا وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهِ وَشَرَعَ يَتَدَلَّك (أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ فِي) حَالِ (تَدَلُّكِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ) أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَوْ بِجَنْبِ الْكَفِّ أَوْ جَنْبِ الْأَصَابِعِ أَوْ رُءُوسِهَا. (فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَسَّ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ أَوْعَبَ) أَيْ أَكْمَلَ (طُهْرَهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ) لِبُطْلَانِهِ بِالْمَسِّ إذَا أَرَادَ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ، وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ الْمَنْعُ أَوْ الْكَرَاهَةُ لِمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ مَعَ عَدَمِ مَاءٍ تَقْبِيلُ مُتَوَضِّئٍ وَجِمَاعُ مُغْتَسِلٍ إلَّا لِطُولٍ، وَاحْتُرِزَ بِمَسِّ الذَّكَرِ عَنْ مَسِّ الْأُنْثَى فَرْجَهَا أَوْ الذَّكَرِ الدُّبُرَ أَوْ الْأُنْثَيَيْنِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ.
(وَ) مَفْهُومُ أَوْعَبَ طُهْرَهُ أَنَّهُ (إنْ مَسَّهُ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِهِ وَ) لَكِنْ (بَعْدَ أَنْ غَسَلَ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُغْتَسِلِ وَقِيلَ تَمَامِ الْغُسْلِ أَوْ حَصَلَ الْمَسُّ فِي أَثْنَاءِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (فَلِيَمُرَّ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْمَسِّ أَوْ الْغُسْلِ (بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ) الَّذِي يُجَدِّدُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِبَلَلِ جَسَدِهِ لَمْ يُجْزِئْ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْإِمْرَارُ (عَلَى مَا يَنْبَغِي) أَيْ يُجْزِئُ (فِي ذَلِكَ) الْإِمْرَارُ بِأَنْ يَعُمَّ الْعُضْوَ وَيَدْلُكَهُ وَيَتَتَبَّعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَغَابِنِ وَيَدْلُكَهُ بِنَفْسِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّ مَسَّ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ هُنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ النَّوَاقِضِ كَذَلِكَ
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يَنْوِيَهُ) أَيْ الْوُضُوءَ فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ لَمْ يُجْزِئْ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا نَوَى الْمُتَوَضِّئُ غَيْرَ الْجُنُبِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ خِلَافُهُ مَا قَالَهُ الْقَابِسِيُّ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا إعَادَةُ مَا فَعَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْمَسِّ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدَ الْحَقِّ: إذَا مَسَّ الْمُغْتَسِلُ ذَكَرَهُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَمَسَّهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ شَيْئًا، فَهَذَا إذَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا: أَنْ يَمَسَّهُ بَعْدَ غَسْلِ جَمِيعِ جَسَدِهِ وَكَمَالِ طَهَارَتِهِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ فِيهِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَمَسَّهُ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَبْلَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ أَوْ بَعْدَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا بُدَّ أَنْ يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَنِيَّةٍ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: يَمُرُّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ.
وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَغْرِبِيُّ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ مَسَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَزِمَتْهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ إعَادَتِهِ، وَإِنْ مَسَّهُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ لَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى يُنْقَضَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا مَسَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَنْوِي الْوُضُوءَ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يَنْوِي، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ اُتُّفِقَ عَلَى اثْنَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْحَدَثُ يُرْفَعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَعَلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِذَهَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْأَعْضَاءِ، أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِتَمَامِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَلْحَظُ الْقَابِسِيِّ لِبَقَاءِ النِّيَّةِ ضِمْنًا فِي نِيَّةِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِتَمَامِ الطَّهَارَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ مَا فَعَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْمَسِّ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِهِ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ، لِأَنَّا نَقُولُ: مُرَادُ الْقَابِسِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ رَفْعُهُ إلَّا بِتَمَامِ الطَّهَارَةِ، وَإِلَّا فَالرَّفْعُ حَصَلَ بِدَلِيلِ وُجُوبِ إعَادَةِ غَسْلِهِ، وَلَا يُقَالُ: إذَا حَصَلَ رَفْعُهُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ، لِأَنَّا نَقُولُ: جَوَازُ مَسِّهِ يَرْفَعُهُ عَنْ الْمَاسِّ لَا عَنْ الْعُضْوِ فَافْهَمْ.
(خَاتِمَةٌ) : بَقِيَ شَيْءٌ يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ وَهُوَ إذَا حَصَلَ الْمَسُّ بَعْدَ إكْمَالِ الْغُسْلِ يَتَوَضَّأُ وَيُثَلِّثُ الْغُسْلَ كَوُضُوءِ غَيْرِ الْجُنُبِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ قَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ قَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ اهـ أُجْهُورِيٌّ بِالْمَعْنَى. وَلَمَّا قَدَّمَ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ بِقِسْمَيْهَا صُغْرَى وَكُبْرَى شَرَعَ يَتَقَدَّمُ عَنْ الْبَدَلِيَّةِ فَقَالَ:.