الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَةِ مِرَارًا
وَإِنْ حَمَلُوا الطَّعَامَ خَاصَّةً إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ خَاصَّةً أُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ
وَيُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ الْعُشْرُ إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
وَفِي الرِّكَازِ وَهُوَ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ الْخُمُسُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ.
ــ
[الفواكه الدواني]
أَوْ عَنْوِيَّةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ التَّحَيُّلُ بِالْإِسْلَامِ عَلَى إسْقَاطِ مَا كَانَ مُنْكَسِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِتَرَهُّبِهِ فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ التَّحَيُّلَ عَلَى إسْقَاطِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ الرَّاهِبَ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ مَنْ نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ.
(خَاتِمَةٌ) : يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِلُبْسِ عَلَامَةٍ تُمَيِّزُهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَبِتَرْكِ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالسُّرُوجِ، وَإِنَّمَا يَرْكَبُونَ الْحَمِيرَ عَلَى نَحْوِ الْبَرْذعَةِ وَأَرْجُلِهِمْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْمَشْيِ فِي جَنْبِ الطَّرِيقِ وَبِالتَّأَدُّبِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا الذَّبُّ عَنْ أَذِيَّتِهِمْ لِعِصْمَتِهِمْ بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْهُمْ مَا يُنَافِي الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ عَزَّرَهُمْ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِمْ، كَقِتَالِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ أَوْ إكْرَاهِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، وَيَجِبُ لَهَا مِنْ مَالِهِ الصَّدَاقُ وَوَلَدُهَا مِنْهُ عَلَى دِينِهَا لَا بِغَصْبِ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا بِغَصْبِ حُرَّةٍ ذِمِّيَّةٍ وَخَرَجَ بِالْإِكْرَاهِ الطَّوْعُ فَلَيْسَ نَقْضًا عِنْدَ مَالِكٍ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِصْمَتِهِمْ وَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ حَتَّى لِأَمْوَالِهِمْ عَدَمُ جَوَازِ أَخْذِ الْعُشْرِ مِنْهُمْ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَ) : يَجُوزُ أَنْ (يُؤْخَذَ مِمَّنْ تَجَرَ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ (مِنْهُمْ) : أَيْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بَلْ بِمَعْنَى جَمِيعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، صِغَارًا أَوْ كِبَارًا، أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا. (مِنْ أُفُقٍ) : بِضَمِّ الْفَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا أَيْ إقْلِيمٍ (إلَى أُفُقٍ) : أَيْ إقْلِيمٍ آخَرَ، وَالْأَقَالِيمُ خَمْسَةٌ: مِصْرُ وَالشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَبَرُّ الْأَنْدَلُسِ وَبَرُّ الْمَغْرِبِ، وَالِاعْتِبَارُ بِهَذَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ عِنْدَ تَنَائِي الْأَقْطَارِ، وَأَمَّا الْأُفُقُ فِي بَابِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجَوُّ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَفِي بَابِ الْحَجِّ الْمُرَادُ بِهِ الْبَلَدُ، فَالْأُفُقُ لَهُ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ. (عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ) : مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِمَا مِنْ قُرَاهُمَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا قَدِمُوا بِهِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، فَإِذَا قَدِمُوا بِعَيْنٍ وَأَخَذُوا بَدَلَهَا عَرْضًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ الْعَرْضِ لَا عُشْرُ قِيمَتِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا مَا يَشْتَرُونَهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَا عُشْرُ ثَمَنِهِ.
قَالَ سَيِّدِي يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْمَالٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ إقْلِيمِهِ وَيَبِيعَ فِي غَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حِينَ الشِّرَاءِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا بَاعَ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ إقْلِيمِهِ وَيَبِيعَ فِي إقْلِيمِهِ فَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إذَا بَاعَ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ إقْلِيمِهِ وَيَبِيعَ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ فَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حِينَ الشِّرَاءِ وَحِينَ الْبَيْعِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعَ وَعُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَى، بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي إقْلِيمِهِ، فَهَذِهِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ، وَبَقِيَ قِسْمَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْجُرُ فِي إقْلِيمِهِ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ، وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فِي إقْلِيمِهِ، وَشَرْطُ أَخْذِ الْعُشْرِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا انْتِقَالُهُ مِنْ أُفُقٍ إلَى آخَرَ وَالثَّانِي انْتِفَاعُهُ إمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ، ثَانِيهِمَا أَنْ يَتْجُرَ فِي غَيْرِ إقْلِيمِهِ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ، فَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حِينَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ وَاشْتَرَى فِي إقْلِيمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ قَدِمَ بِهَا سَلَمًا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُهَا.
(تَنْبِيهٌ) : الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْعُشْرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ. (وَإِنْ اخْتَلَفُوا) : أَيْ كَرَّرُوا التِّجَارَةَ (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) : فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عُشْرُ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِنْدَ التَّكْرَارِ لِحُصُولِ النَّفْعِ لَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عُشْرُ ثَمَنِ إلَخْ أَنَّ الْغَلَّاتِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ كِرَاءِ الدَّوَابِّ الْمُعَدَّةِ لِلتِّجَارَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُهَا
(وَإِنْ حَمَلُوا) : أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ مُطْلَقًا (الطَّعَامَ إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ خَاصَّةً) وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْقُرَى الْمُتَّصِلَةُ بِهِمَا (أُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ) لَا جَمِيعُ الْعُشْرِ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْجَلْبِ إلَيْهِمَا لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا إلَى الطَّعَامِ، وَمَفْهُومُ الطَّعَامِ أَنَّ غَيْرَهُ يُؤْخَذُ مِنْ ثَمَنِهِ جَمِيعُ الْعُشْرِ كَالْعَرْضِ وَالْبُنِّ. (تَنْبِيهٌ) : ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ جَمِيعُ الْمُقْتَاتِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالْأَدْهَانِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ، وَمُقْتَضَى التَّعْيِينِ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ إذَا حَمَلُوا الطَّعَامَ إلَى هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ نِصْفُ عُشْرِ الثَّمَنِ
[مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ]
وَلَمَّا قَدَّمَ بَيَانَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِقَوْلِهِ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ) : وَهُمْ الْقَادِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ (الْعُشْرُ) : مِنْ نَفْسِ السِّلَعِ الَّتِي قَدِمُوا بِهَا لَمْ يَبِيعُوا. (إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
أَيْ الْعُشْرِ فَإِنْ نَزَلُوا عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا اتَّجَرَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَ عَلَى شَيْءٍ يُعْطِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَعَنْ عَدَمِ تَعْيِينِ جُزْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ اجْتِهَادَهُ إلَى أَخْذِ أَقَلَّ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةَ مَوْكُولَانِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا حَدَّ لِمَأْخُوذٍ مِنْهُمْ سَوَاءً كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ إذَا اشْتَرَوْا مِنْ أُفُقٍ وَبَاعُوا فِي أُفُقٍ آخَرَ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّونَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعُوا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ الْأَعْيَانِ لَا بِشَرْطِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمَحْمُولِ إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَكَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يَكْمُلُ النَّفْعُ لَهُمْ إلَّا بِالِانْتِقَالِ مِنْ أُفُقٍ إلَى آخَرَ وَبَاعُوا بِالْفِعْلِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ عَلَى الْحَرْبِ إلَّا حُكْمَ مَا قَدِمُوا بِهِ مِنْ السِّلَعِ الَّتِي يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ تَمَلُّكُهَا لَوْلَا الْأَمَانُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْعَيْنِ الَّتِي قَدِمُوا بِهَا إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِيَشْتَرُوا بِهَا، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ الْقِيمَةِ، وَقَيَّدْنَا بِاَلَّتِي يَحِلُّ تَمَلُّكُهَا إلَخْ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ شَرْعًا كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ أَهْلُ ذِمَّةٍ يَشْتَرُونَهُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يُتْرَكُونَ وَيُمَكَّنُونَ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِهِ فِي بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ يُرَدُّونَ بِهِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الدُّخُولِ بِهِ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُمْ لِخَبَرِ:«إنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ» وَحِينَئِذٍ فَمَا يُؤْخَذُ فِي زَمَانِنَا مِنْهُمْ عِنْدَ نُزُولِ قَوَافِلِ الْبُنِّ أَوْ الْقُمَاشِ فَهُوَ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، فَإِنْ كَانَ مَعَ اسْتِحْلَالِ الْأَخْذِ فَكُفْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِحُرْمَتِهِ فَهُوَ عِصْيَانٌ يَسْتَحِقُّ آخِذُهُ التَّعْزِيرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ بِعَيْنِهِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَالْغَاصِبِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ زِيَادَةً عَلَى مَا تَرْجَمَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (وَفِي الرِّكَازِ وَهُوَ) : لُغَةً مَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ الْقِطَعِ الْخَالِصَةِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ وَاصْطِلَاحًا (دِفْنُ) : بِكَسْرِ الدَّالِ بِمَعْنَى مَدْفُونٍ (الْجَاهِلِيَّةُ) : خَاصَّةً بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَدِفْنِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقِيلَ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ الْجَاهِلِيَّةُ أَهْلُ الْفَتْرَةِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ جَاهِلِيَّةٌ، وَهَذَا الثَّانِي كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ شَارِحِ الْمُدَوَّنَةِ. (الْخُمُسُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ) : أَيْ وَجَدَهُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَدِينًا، سَوَاءً كَانَ نِصَابًا أَوْ لَا، سَوَاءً عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، فَالنُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ وَالْحَدِيدُ وَالرُّخَامُ يُسَمَّى رِكَازًا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَحَقُّقِ كَوْنِهِ دَفْنَ جَاهِلِيٍّ أَوْ شَكٍّ فِيهِ لِعَدَمِ عَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ كَوْنُهُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ كَالْمَعْدِنِ بَلْ الْبَاقِي بَعْدَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ لِوَاجِدِهِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا حَيْثُ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا، كَمَوَاتِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ أَوْ فَيَافِي الْعَرَبِ الَّتِي لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً وَلَا أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ وَلَوْ جَيْشًا، وَتَعْبِيرُهُ بِدِفْنِ يُوهِمُ أَنَّ مَا وَجَدَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَيْسَ مِنْ الرِّكَازِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْهُ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِي مَالِ الْجَاهِلِيِّ الْخُمُسُ لِشَمْلِ الْمَدْفُونِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: مَا وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَالِ جَاهِلِيٍّ أَوْ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ تَصَاوِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلِوَاجِدِهِ يُخَمَّسُ، وَأَمَّا مَا وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ عَلَامَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَهُوَ لُقَطَةٌ سَوَاءٌ وُجِدَ مَدْفُونًا أَوْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَجِبُ عَلَى وَاجِدِهِ تَعْرِيفُهُ سَنَةً، وَإِنَّمَا كَانَ مَالَ الذِّمِّيّ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ بِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يَأْخُذُ الْخُمُسَ، وَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ الْعَدْلُ يَصْرِفُهُ فِيهِ مَصَارِفِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِمَامُ الْعَدْلُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَاجِدِهِ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
1 -
الثَّانِي: مَحَلُّ تَخْمِيسِهِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِنَفَقَةٍ كَثِيرَةٍ وَإِلَّا فَيُزَكَّى.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي نَدْرَةِ الْمَعْدِنِ الْخُمُسُ كَالرِّكَازِ وَهُوَ دِفْنٌ جَاهِلِيٌّ، وَإِنْ يَشُكُّ أَوْ قَلَّ أَوْ وَجَدَهُ عَبْدٌ أَوْ كَافِرٌ إلَّا كَبِيرَ نَفَقَةٍ أَوْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصِهِ فَالزَّكَاةُ لِقَوْلِ مَالِكٍ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي سَمِعْته مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إنَّ الرِّكَازَ إنَّمَا هُوَ دِفْنٌ يُوجَدُ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ، وَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ وَتَكَلَّفَ كَثِيرًا فَلَيْسَ بِرِكَازٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ بَعْدَ وُجُودِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ حَيْثُ اسْتَأْجَرَ عَلَى الْعَمَلِ لَا إنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ أَوْ عَبِيدُهُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الرِّكَازِ:
الثَّالِثُ: يُسْتَثْنَى مِنْ الرِّكَازِ الَّذِي يُخَمَّسُ مَا وُجِدَ مَدْفُونًا فِي أَرْضِ الصُّلْحِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ دَفْنِهِمْ أَوْ مِنْ دَفْنِ غَيْرِهِمْ، فَهَذَا لَا يُخَمَّسُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الصُّلْحِ جَمِيعًا، إلَّا أَنْ يَجِدَهُ رَبُّ دَارٍ مِنْهُمْ بِهَا فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُمْ:
1 -
الرَّابِعُ: مَا طَرَحَهُ الْبَحْرُ فِي جَوَانِبِهِ مِنْ نَحْوِ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَكُلِّ نَفِيسٍ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَاجِدِهِ بِلَا تَخْمِيسٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: