الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونتوبُ إِليه ونستغفرُه، ونَعوذُ باللهِ من
شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أَعمالِنا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلّا الله، وحْدَه لا شريكَ له، وأَشهدُ أَنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى آلِه وصحبه أَجمعين.
أَما بعد:
فهذا الكتابُ هو الثاني عشر من السلسلةِ القرآنية التي أَعانَنا اللهُ على
إِصدارها " من كنوز القرآن "، وللهِ الحمدُ والشكر.
وقد خَصَّصْنا هذا الكتابَ " القرآن ونقض مطاعن الرهبان " للانتصار
للقرآن، والدفاعِ عنه أَمامَ هجماتِ أَعدائِه، الذين انْتَقَصوهُ وخَطَّؤُوه، وأَثاروا حولَه الشبهات، ووجَّهوا له الاتهامات، وتَعامَلوا معه بعَداوَةٍ وتَحامُل.
أَدَرْنا هذا الكتابَ لتفنيدِ اتهاماتٍ وجَّهها له أَحَدُ رجالِ الدين النصارى
- أَو مجموعةٌ من رجالِ الدين النصارى - وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ ليس معصوماً من الأَخطاءِ، ففيه مجموعةٌ من الأَخْطاءِ، تُعَدُّ بالعَشَرات، في مختلفِ المجالات، وشَتّى الموضوعات.
الكتابُ الذي خَصَّصْنا كتابَنا للرَّدِّ عليه وتَفنيدِ شُبهاتِه واتهاماتِه هو: " هل
القرآنُ معصوم؟ " ونُسِب إِلى رجلِ دينٍ نصرانيّ، هو " عبد الله الفادي ".
ويَبدو أَنَّ هذا الاسْمَ مستعار.
وصَدَرَ الكتابُ عن مؤسسةٍ تنصيرية في النمسا، اسْمُها " ضوءُ الحياة "، وظهرتْ طبعَتُه الأُولى عام (1994م) ، وتوزِّعُه هيئاتُ ومراكزُ
التبشيرِ النصرانية، ودَعَتْ مؤسسةُ " ضوءِ الحياة " إِلى مراسلتِها، لإرسالِ الكتابِ لمن يَطلبونَه، كما أَنها أَنْزَلَتْه على " الإنترنت ".
والظاهرُ أَنَّ هذا الكتابَ ثمرةُ جهودٍ مشتركةٍ لمجموعةٍ من رجالِ الدينِ
النصارى، تَفَرَّغوا للنظر في القرآن، بهدفِ انتقادِه، وبيانِ أَخْطائِه وتناقُضاتِه
- حسبَ مزاعِمهم - ويَبدو أَنهم رَدَّدوا ما قالَه اليهودُ والنصارى من قبلِهم، وظَنّوا أَنهم بذلك سيقضونَ على القرآن، ويوقفونَ انتشارَه، ولكنْ خابَ ظَنُّهم، فالقرآنُ غالبٌ منصور، ونورُه منتشرٌ مشرق، يفتحُ اللهُ له القلوبَ والعقول، في الغرب والشرق.
وبما أَنَّ الكتاب " هل القرآن معصوم؟ " في الظاهر من إِعدادِ مؤلِّفٍ
واحد، هو " عبد الله الفادي " فسننظرُ إِليه وننقدُه على هذا الأَساس، ونستعينُ عليه بالله.
أَخبرَ " عبدُ الله الفادي " في مقدمةِ كتابه أَنه " رجلُ دينٍ نصراني " حريصٌ
على القيام " بخدمةٍ منتجةٍ دائمةِ الأَثرِ للجنس البشري "، وأَنْ يُقَدِّمَ للناس عملاً عظيماً، يَخدمُهم ويُقدمُ فيه الخيرَ لهم.
فماذا سيقدِّمُ لهم، وبماذا سيخدمُهم؟.
رأى أَنَّ أَفضلَ ما يخدمُهم به هو أنْ يُحَذِّرَهم من خطرٍ كبير، ويُنَبِّهَهم
إِلى افتراءٍ عظيم، حتى لا يُخْدعوا به، إِنَّ هذا الافتراءَ هو القرآنُ، الذي ادَّعى محمدٌ صلى الله عليه وسلم أَنه وَحيٌ أَوْحى اللهُ به إِليه، مع أَنَّ الفادي يوقنُ أَنَّه لا وَحْيَ بعدَ الإِنجيل، ولا رسولَ بعدَ المسيح!! فما أَتَى به محمدٌ صلى الله عليه وسلم كَذِبٌ وإفكٌ مفترى.
قال في مقدمتِه: "
…
ولكنني كرجلِ دين، رأيتُ أَنْ أَدرسَ القرآنَ..
وبما
أَنَّ اللهَ واحدٌ، ودينَه واحد، وكتابَه المقدَّسَ واحد، الذي ختمهُ بظهورِ المسيح كلمتِه المتجسِّد، وقال: إِنَّ مَنْ يَزيدُ على هذا الكتاب يَزيدُ اللهُ عليه الضرباتِ المكتوبة فيه، وبما أَنَّ القرآن يقول: إِنه وحي، أَخذتُ على عاتِقي دراستَه ودراسة تفاسيرِه، فدرسْتُه مِراراً عديدة، ووقَفْتُ على ما جاءَ به، ووضعْتُ تعليقاتي في قالبِ مئتين وثلاثة وأَربعين سؤالاً، خدمةً للحق، وتَبصرة لأُولي الألباب..
"!!.
ادَّعى عبدُ الله الفادي أَنه وجدَ في القرآن مئتين وثلاثةً وأَربعين خطأً،
وهذا معناهُ أَنَّ القرآنَ ليس معصوماً من الخطأ، ومعناهُ أَنه ليسَ وَحْياً من الله، وليس كلامَ الله، إِذْ لو كانَ كلامَ الله لما وُجدَ فيه خطأ واحد!! وإذا لم يكن القرآنُ كلامَ الله، لم يكنْ محمدٌ رسولاً من عندِ الله، وإِنما هو مُفْتَرٍ مُدَّعٍ، ومعنى هذا أَنَّ الإِسلامَ ليس ديناً من عندِ الله، وأَنَّ مَنْ يَعتنقُ الإسلام فهو كافرٌ وعلى دينٍ باطل! والدينُ الوحيدُ المقبولُ عند الله هو الدينُ اليهودي والدين النصراني، واليهودُ والنصارى هم وحدهم المؤمنون الموَحِّدون!!.
قَسَّمَ الفادي أَسئلتَه عن القرآن، التي عَرَضَ فيها أَخطاءَ القرآنِ، إِلى
عشرةِ أقسام " هي: أَسئلةٌ جغرافية، وأَسئلةٌ تاريخية، وأَسئلةٌ أَخلاقية، وأَسئلةٌ لاهوتية، وأَسئلةٌ لغوية، وأَسئلةٌ تشريعية، وأَسئلة اجتماعية، وأَسئلةٌ علمية، وأَسلةٌ فنية، وأَسلةٌ خاصةٌ بحياةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وجاءَ الكتابُ في مئتين وتسعٍ وخمسين صفحة.
وتُوَزّعُ الكتابَ هيئاتٌ وجمعياتٌ تنصيرية، بطريقةٍ خاصة، وتوجّهه إِلى
المسلمين، بهدفِ تشكيكِهم، في القرآن، الذي يؤمنون به، وتَدْعوهم هذه
الهيئاتُ إِلى التعجبِ من وجودِ مئاتِ الأَخطاءِ في كتابهم!!.
ومن بابِ الكيدِ واللؤمِ والخبث، وضعت الجهةُ التنصيريةُ المشرفة على
تأليفِ الكتابِ وطَبْعِه ونَشْرِه وتوزيعِه بين المسلمين في آخرِ الكتاب مسابقةً
مكوَّنةً من عشرةِ أَسئلة، لتتأَكَّدَ اللجنةُ من أَنَّ القارئَ قرأَ الكتاب، واستوعَبَ ما فيه، وطالَبَتْهُ بالإِجابةِ على الأسئلة، وإرسالِ الإجاباتِ إِليها، لتُقَدّمَ له الجوائز.
قالت اللجنةُ في بدايةِ المسابقة: " أَيها القارئُ العزيز: إِنْ تعمقْتَ في
قراءةِ هذا الكتاب، تستطيعُ أَنْ تُجاوبَ على الأَسئلةِ بسهولة.
ونحنُ مستعدّون أَنْ نُرسلَ لك أَحَدَ كتبِنا الروحية، جائزةً على اجتهادِك..
لا تنسَ أَنْ تكتب اسْمَك وعنوانَك كاملاً، عند إرسال إِجابتِك إِلينا..
".
وَوَضَعَتْ عنوانَها في النمسا لمراسلتِها..
ونَزلَت اللجنةُ المذكورةُ الكتابَ على الشبكةِ العنكبوتية " الإنترنت ".
المشكلةُ في القِسّيس عبدِ الله الفادي أَنه دَخَل عالمَ القرآنِ بمقررٍ فكريٍّ
مُسْبَق، هو أَنَ القرآنَ تأليفٌ بشريٌّ وليس كلامَ الله، وتعامَلَ معه على هذا
الأَساس، وزَعَمَ وُجودَ هذه الأَخطاءِ فيه.
ومن جَهْلِ الفادي بقواعدِ البحثِ العلميِّ الموضوعيّ المحايد أنه أَخذ
كلامَ المفسرين، وما فيه من أَخطاء، وحَمَّلَ القرآنَ مسؤوليتَه، كما أَنه أَلصقَ بالقرآنِ ما أَخذَه من خرافاتٍ وأَساطير.
لا يتحمَّلُ القرآنُ إِلا مسؤوليةَ ما فيه من كلام، أَمّا أَفهامُ المفسِّرين
لكلامِه فلا يتحملُ مسؤوليتَها، لأَنها فهمُ البشرِ لكلامِ الله.
وقد رأَيْنا من المناسبِ أَنْ نَرُدَّ على كتابِ الفادي " هل القرآن معصوم؟ "
وأَنْ نُبَيّنَ تَهافُتَ أَسئلتِه، وتَفاهَةَ انتقاداتِه..
والذي دَفَعَنا إِلى الرَّدّ عليه أَنه يمثلُ خُلاصةَ جُهودِ النصارى في فَحْصِ القرآن، وإِثارةِ الأَسئلةِ والشبهاتِ حوله، فهناك كتبٌ كثيرةٌ لنصارى عديدين، تنتقدُ القرآنَ، وتُثيرُ حولَه الاعتراضات، وتزعمُ الوقوفَ على أَخطاء، ولقد قرأنا بعضَ تلك الكتب، ولدى مقارنتها بهذا الكتاب، وجدناه خلاصةً لها، فالرّدُّ عليه رَدّ عليها، لأَنه لَخَّصَ ما في تلك الكتب من أَسئلةٍ وتشكيكات.
إِنَّ من اليقينِ عند كل مسلمٍ أَنَّ القرآنَ كتابُ الله، وأَن اللهَ قد تكَفَّلَ
بحفْظهِ حتى قيامِ الساعة، وأَنه لا خَطَأَ في القرآن، في أَيّ جانبٍ من جوانبه،
وأَنه أَعظمُ معجزةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تحدّى القرآنُ الكفارَ أَنْ يَجدوا ائيه أَيَّ خَطَأ أَو اختلافٍ أَو تناقُضٍ
أَو تَعارُضٍ أَو ضَعْف، قالى تعالى:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) .
الدعوةُ إِلى تَدَبُّرِ القرآنِ موجَّهَةٌ لجميعِ الناس، المؤمنين والكافرين، يتدبَّرُ
المؤمنونَ القرآنَ ليزدادوا يَقيناً أَنه مُنَزَّهٌ عن الأَخطاء، وأَنه كلامُ الله..
ويتدبَّرُ الكفارُ القرآن، ويَنظرونَ فيه، لعلَّهم يَجدونَ فيه خطأً أَو اختلافاً،
فإِنْ فَعَلوا ذلك فلن يجدوا فيه ما يَبحثونَ عنه!!.
والقرآنُ لا يُوَجّهُ الدعوةَ للكفارِ لتدبرِه واكتشافِ الخَطَأ والاختلافِ فيه،
إِلّا وهو واثقٌ من عَدَمِ وجودِ ذلك فيه، فلو كان فيه خَطَأٌ أَو اختلافٌ لما دخلَ معركةَ التحدي!!.
ونظرَ الكفارُ في القرآن، وبَحَثوا عن أَخطاء فيه، واستمرتْ نظراتُهم فيه
أكثرَ من خمسةَ عَشَرَ قَرْناً، وما زالوا يبحثون، وما زالَ القرآنُ يَتَحَدَّاهم،
ويقولُ لهم: هاتوا ما وَجَدتُم عندي من خَطَأ أَو اختلاف!.
وقَدَّمَ الكفارُ ما زَعَموا أَنهم وَجَدوه في القرآن، ونَظَرَ فيه العلماء، فوجدوهُ
تافِهاً مُتَهافتاً، لا وَزْنَ ولا قيمةَ له، ولا يَقفُ أَمامَ النقدِ والتمحيصِ والرد!!.
ولقد قَدَّمَ القسيسُ عبد الله الفادي ما ذَكَرَه إِخوانُه الكفارُ ممَّا ظَنّوه
أَخطاءَ في القرآن، وجَمَعها في كتابِه، وهو يظنُّ أَنه بذلك يوجِّهُ الضربةَ
القاضيةَ للقرآن، ولنْ يَستطيعَ حَمَلَةُ القرآنِ وجنودُه الرَّدَّ عليها!! وتباهى القسيسُ فيما قَدَّم في كتابه، وافتخرَ إِخوانُه بما سَجَّلَه، وعملوا على توزيعِ الكتابِ على أَوسعِ مدى!!.
ونشهدُ أَنَّ كَلامَ الفادي المفترِي في كتابه تافِهٌ مُتَهافت، والرَّدُّ عليه
وإِظهارُ تهافتِه سهلٌ ميسور، والرَّدُّ على الأسئلةِ المثارةِ مقدورٌ عليه، ولم يَأخُذْ
منَّا جُهداً كبيراً ولله الحمد.
ونُقَدِّمُ هذا الكتابَ " القرآن ونقض مطاعن الرهبان " إِلى المسلمين،
ليَزْدادوا يَقيناً بأَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنه مُنَزَّهٌ عن الأَخطاءِ والمطاعن، ولِيَقفوا على تهافُتِ وتَفاهةِ أَسئلةِ واعتراضاتِ الكفارِ عليه، وليعرفوا كيفيةَ الرَّدِّ عليها..
فقد يَلتقي أَحَدُهم مع أَحَدِ المنَصِّرينَ المُشكَكينَ في القرآن، فيقدِّمُ له أَسئلةً مثلَ ما في هذا الكتاب، وعندما يقرأُ الردودَ التي في هذا الكتاب تسهلُ عليه الإجابةُ على تلك الأَسئلة.
لقد صَعَّد أَعداءُ القرآنِ المعاصرون من شبهاتِهم ضدَّ القرآن، وحَرصوا
على نَشْرِها بين المسلمين، وكثيرٌ من المسلمين سمعوا كثيراً من الأَسئلةِ
المُشَكِّكة الموجودةِ في هذا الكتاب، ونَدْعوهم إِلى الوقوفِ على نَقْضِها ورَدّها
في هذا الكتاب.
ونقدمُ هذا الكتابَ ليكون خُطوةً نحوَ الأَمامِ في الانتصارِ للقرآن،
ومواجهةِ أَعدائِه، ونقضِ مطاعنهم، وإطْلاع القرّاء على نماذجَ من مكائدِ
الأَعداء، وتمكينِهم من دَحْضِها.
ونسألُ اللهَ حُسْنَ القبول، وجزيل الأجر والثواب.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الخميس 28/ 10 / 1426/ هـ
1 / 12 / 2005
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي