الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
خَصصَ الفادي المفترِي الجزءَ العاشرَ من كتابِه المتهافتِ للاعتراضِ
على الآياتِ التي تتحدَّثُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والادِّعاءِ أَنَّ فيها أَخطاءً، وأَنها تدلُّ على أَنَّ القرآنَ ليس كلامَ الله، وأَنه من تأليفِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ولْننظرْ في هذه الاعتراضاتِ التي ذَكَرَها، والأسئلةِ التشكيكيةِ التي طَرَحَها.
***
حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم
-
أَوردَ الفادي المفترِي مقاطعَ من ثلاثِ آياتٍ من سورةِ الأَحزاب، تتحدَّثُ
عن أَزواج رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) .
واعترضَ الفادي المجرمُ على هذِه الآياتِ، واعتَبَرَها من تأليفِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأَنه اتبعَ فيها هَواه، وأَباحَ لنفسِه ما حَرَّمَه على أَصحابه، وسمحَ لنفسِه أَن يتزوجَ بما شاء.
قال: " ونحنُ نسألُ: لماذا حَلَّلَ محمدٌ لنفسِه ما حَرَّمَه على غيره؟
أَلم يُحدِّد للمسلمِ أَربعَ زوجات، فقال:(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) ؟.
فلماذا أَطلقَ العَنانَ لنفسِه دون المسلمين، وتزوجَ بأَكثر مما يَسمحُ به القانون، من أَيِّ امرأةٍ تَهبُه نفسَها، لو أَنه وَقَعَ في هواها، فكانَ له عند وفاتِه تسعُ نسوةٍ أَحياء، وسريَّتَيْن هما مارِيَة ورَيْحانَة؟
…
وقالَ البيضاوي: إِنَّ النساءَ اللاتي وَهَبْنَ أَنفسهنَّ للنبيِّ هن: مَيمونَةُ بِنتُ الحارث، وزينبُ بنتُ خُزامَة، وأُمُ شريك بنتُ جابر، وخولةُ بنتُ حكيم! أَليس غَريباً أَنَّ محمداً أَوصى المسلمينَ بالعدلِ بينَ النِّساء، وأَباحَ لنفسِه حريةَ عَدمِ العَدْلِ بين أَزواجه، فقال:(تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ) .
الفادي المجرمُ يُصِرُّ على استبعادِ البُعْدِ الربانيِّ للأَحكامِ الشرعية
والآياتِ القرآنية، ويُصِرُّ على نسبةِ الآياتِ وما فيها من أَحكامٍ إِلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويَظهرُ هذا في قوله:" حَلَّلَ محمدٌ لنفسِه ما حَرمَه على غيره " و " أَلَم يُحددْ للمسلمِ أَربعَ زوجات، فقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) ؟ "(1) .
ونُلاحظُ أَنَّ المجرمَ يَنسبُ الآيةَ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأَنه هو الذي أَلَّفَها وصاغَها، ثم نَسَبَها إِلى الله!
إِنه لا يعترفُ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنَّ محمداً هو رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأَنَّ الإِسلامَ هو دينُ الله؟
وإِذا كانَ هذا منطلقه في النظرةِ إِلى الإِسلامِ والقرآنِ ومحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فكلُّ تَفصيلاتِه وتحليلاتِه مرتبطةٌ بهذه النظرة، وهي ثمرةٌ طبيعية لها.
وفي كلامِ الفادي المجرمِ السابقِ مجموعَةٌ من المغالطات، منها:
1 -
زَعْمُه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي حَدَّدَ للمسلمِ التزوجَ بأَربعِ نساء، وهذا كَذِب، فالذي حَدَّدَ ذلك هو اللهُ عز وجل في القرآنِ الكريم، قال تعالى:(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) .
2 -
زَعْمُه أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَباحَ لنفسِه ما حَرَّمَه على غيرِه، وأَطلقَ العَنانَ
لنفسِه، وتزوَّجَ بأَكثر مما يسمحُ به القانون.
وهذا كذبٌ مفضوح منه، فالذي أَباحَ له ذلك هو اللهُ في كتابِه الكريم.
(1) قال الشيخ / محمد الغزالي رحمه الله ما نصه:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..) .
والمعروف أن للمسلم أن يتزوج بأربع لا يزيد. وقد أسلم رجل ولديه عشر زوجات، فأمره النبى بإمساك أربع وتسريح الباقيات. قد تقول فلماذا لم يطبق ذلك على نفسه؟ والجواب أنه بعدما اخترنه على أهلهن وآثرن البقاء معه على شظف العيش ما يسوغ ترك إحداهن! ثم ماذا تفعل من يسرحها؟ إن زواجها بغيره مستحيل لحرمة أمهات المؤمنين على سائر الأمة! فالحل أن يبقين، ولو كان من بينهن العجائز! ثم قيل للرسول عقب هذا الوضع " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا". والتعدد نظام قد يقبل مع شرف الأخلاق وتباين الطبائع والحاجة إلى الذرية، وقد عرف فى سير الأنبياء. وأشعر بريبة فيما ذكرته التوراة من أنه كان لسليمان ألف امرأة، وأحسب ذلك من المجازفات..! وليس للحضارة المعاصرة أن تخوض فى هذه القضية! فإن التعدد فيها كلأ مباح، وربما استطاع الصعلوك أن ينال أكثر مما نال! سليمان سفاحا لا نكاحا.. اهـ (نحو تفسير موضوعي. ص: 325)
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) .
لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ملتزِماً بشرعِ الله، وَقّافاً عند حُدودِ الله، مُنَفّذاً لأَوامِرِ الله.
3 -
زَعْمُه أَنَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان مُتَّبِعاً لهواه، وأَنه أَباحَ لنفسِه أَنْ يتزوَّجَ أَيةَ امرأةٍ عشقَتْه ووهبَتْ نَفْسَها له، وهَوِيَها هو!..
وهذا كَذِب منه.
فالرسولُ صلى الله عليه وسلم لم يَتبعْ هواه، وإِنما كانَ إِمامَ الزاهدين، واللهُ هو الذي أَباحَ له الزواجَ من المرأةِ التي وَهَبَتْ نَفسَها له:(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) .
وكَذَبَ المجرمُ عندما ادَّعى أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ أَربعاً من أَزواجِه عن طريقِ الهِبَة، بعدَ أَنْ وَهبْنَ أَنفسهنَّ له.
فلم يتزوج الرسولُ صلى الله عليه وسلم من أَيّ امرأةٍ
وهبتْ نفسَها له..
والذي حَصلَ أَنَّ امرأةً وَهَبَتْ نفسَها له، بأَنْ فوَّضتْه أَمْرَها، وجعلَتْه وليَّ أَمْرِها، وزَوَّجَها لأَحَدِ أَصحابه
…
روى البخاريُّ عن سهلِ بنِ سعدٍ الساعديّ رضي الله عنه قال: إِنّي لفي القومِ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إِذْ قامَت امرأة فقالَتْ: يا رسولَ الله، إِنها قد وَهَبَتْ نفسَها لك، فَرَ فيها رأْيَكَ.
فلم يُجِبْها شيئاً.
ثم قامَتْ فقالَتْ: يا رسول الله! إِنها قد وَهَبَتْ نفسَها لك، فَرَ فيها رأْيَك..
فلم يُجِبْها شيئاً..
ثم قامَت الثالثةَ، فقالَتْ: إِنها قد وَهَبَتْ نفسَها لك، فَرَ فيها رأْيَك..
فقامَ رجلٌ فقال: يا رسولَ الله! أَنْكِحْنيها.
قال: " هل عندَك من شيء؟ " قال: لا.
قال: " اذهبْ فالتمسْ ولو خاتماً من حديد..
" فَذَهَبَ وطَلَب، ثم جاءَ فقال: ما وجدْتُ شيئاً، ولا خاتماً من حديد.
قال: " هل معك من القبرآنِ شيء؟ " قال: معي سورةُ كذا وسورةُ كذا.
قال: " اذهبْ فقد أَنْكَحْتُكَهَا بما معكَ من القرآن..".
4 -
زَعْمُه أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَوصى المسلمينَ بالعدلِ بين نسائِهم، وأَباحَ لِنفسِه عدمَ العَدْل، فقال: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ
…
) .
إِنَّ الفادي المجرمَ يُصِرُّ على أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي قالَ: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) ..
مع أَنَّ اللهَ هو الذي أَنزلَ هذه الآيةَ على رسولِه صلى الله عليه وسلم.