الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يُؤَثِّر السّمُّ في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، لأَنه اكتفى بمضْغِ اللقمةِ من اللَّحمِ المسَمَّم، ثم لَفَظَها وأَخْرَجَها، وقال: يُخْبِرُنِي هذا الذراعُ بأَنه مسمومٌ.
وهذا معناه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يَمُتْ بتأثيرِ السُّمّ، كما زَعَمَ الفادي المفتري، ولو ماتَ بتأثير السُّمِّ لماتَ فوراً، أَو بعدَ ساعاتٍ أَو أَيامٍ أَو أَشهر، مثلُ بشْرِ بنِ البراء الذي ماتَ فوراً.
وقد عاشَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد حادثةِ السُّمِّ
أَكثرَ من ثَلاثِ سنوات! حيثُ كان فَتْحُ خيبرَ في محرم من السنةِ السابعة
للهجرة، وتُوُفِّي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأَول من السنةِ الحادية عشرة.
صحيحٌ أَنه بَلَعَ أَثَرَ السّمّ، لكنَّ هذا الأَثَرَ لم يُؤَدِّ إِلى وفاتِه " لأَنَّ اللهَ
تكفَّلَ بحمايتِه وعصمتهِ من الأَعداء، فكم حاولَ الأَعداءُ اغتيالَه وقَتْلَه،
ولكنَّ اللهَ عَصمَه وحَماه، وأَخبره عن ذلك في قولِه تعالى:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) .
وصحيحٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لعائشةَ رضي الله عنها: "ما زلْتُ أَجِدُ أَثَرَ السّمّ الذي قُدّمَ لي في خيبر ".
وأَنه قالَ لها أَيضاً: " هذا أَوانُ انْقِطاعِ أَبهَري ".
وهذا معناه أَنه كان يَمْرَضُ من أَثَرِ ذلك السم، وكانَ أكبرَ الأَثَرِ على
أَبهَره، وهو وَريدُه، لكنْ فرقٌ بين أَنْ نقول: كان يَمرضُ من أَثَرِ السم، وبينَ أَنْ نقولَ: ماتَ متأثراً بالسم.
***
حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي
أَثارَ الفادي المفترِي الشبهاتِ حولَ أَحوالِ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانَ يَأتيه الوحي، وَوَجَّهَ الاتهاماتِ له في عَقْلِه ونَفْسِه وأَعْصابِه، مما يدلُّ على أَنَّه ليس رسولاً، وأَنَّ الذي يتخيَّلُه ليس وحياً.
1 -
الرسول المزمل المدثر:
قالَ الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) .
والمُزَّمِّلُ هو المتَغَطي بثيابِه.
ونقلَ عن تفسرِ البيضاوي معاني الآيات الأولى من السورة.
وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) .
والمُدَّثِّرُ هو المتَغَطّي بثجابِه أَيْضاً، ونقلَ عن تفسيرِ البيضاوي معاني آياتِ السورة.
ومع تحفُّظِنا على بعضِ ما وَرَدَ في تفسيرِ البيضاوي، من رواياتٍ وأَخبارٍ
غيرِ دقيقة، أَو مرجوحة، إِلّا أَنّنا لن نتوقَّف معها، وننتقلُ مع الفادي المفتري
لنرصدَ شبهاته واتهاماتِه وافتراءاتِه.
2 -
هل صورة الرسول صلى الله عليه وسلم صورة السكران؟ :
قال الفادي المفترِي: " جاءَ في الأَحاديث الصحيحة أَنَّه إِذا نَزَلَ عليه
الوحْيُ يُغْشى عليه، لتغيُّره تَغَيُّراً شديداً، حتى تصيرَ صورَتُه كصورةِ السَّكْران.
وقال علماءُ المسلمين: إِنه كانَ يُؤْخَذُ من الدنيا ".
وفي هذا الكلامِ مُغالطاتٌ وافتراءات، أَطْلقَهَا الفادي المجرمُ ضدَّ
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونَسَبَها لعلماءِ المسلمين.
أَمّا أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم كان يَتَأَثَّرُ بالوَحْي، وأَنه كانَ يُغْشى عليه من ثقَلِ الوَحْي، فهو صحيح.
وهذا ما وَرَدَ في الأَحاديثِ الصحيحة.
ونكتفي من هذه الأَحاديث بالحديثِ الثاني من صحيحِ البخاري، حيثُ
روى البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها: أَن الحارثَ بنَ هشام رضي الله عنه سأَلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله، كيفَ يَأتيك الوَحْي؟
فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَحْياناً يأْتِيني مثل صَلصلة الجَرَسِ، وهو أشَدُّه علَيَّ، فيفصمُ عني وقد وَعَيْتُ عنه ما قالَ، وأحْيَاناً يتمثَّلُ لي المَلَكُ رَجُلاً فيكَلِّمُني، فأعي ما يقول ".
قالَتْ عائشةُ رضي الله عنها " ولقد رأيْتُه يَنزِلُ عليه الوحْيُ في اليومِ الشَّديدِ البَرْدِ، وإِنَّ جبينَه ليتفَصَّدُ عَرَقاً ".