الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند تدبُّرِ الآيات ِ في السورِ الثلاث، المتحدثةِ عن إِهلاكِهم، فإِننا لا
نَجدُ فيها تَعارضاً أَو تَناقضاً، إِنما نَجِدُ فيها تَكامُلاً في الإِخبارِ عن ما جَرى.
لقد كان إِهلاكُهم على ثَلاثِ.
مراحلَ مُتدرّجةٍ مُتَعاقبة، وتحدثَتْ كُلُّ سورةٍ عن مرحلةٍ منها، ولا بُدَّ من جَمْعِ المراحلِ والخطواتِ الثلاث:
المرحلةُ الأُولى: في سورةِ الأَعراف..
حيثُ أَخبرتْ أَنهم أُهْلِكوا بالرَّجْفَة، وهي الزلزلة، حيث زَلْزَل اللهُ الأَرضَ من تحتِهم، فَرَجَفَتْ وتحركَتْ واضطربَتْ وانشَقَّتْ.
المرحلةُ الثانية: في سورة هود..
حيثُ أَخبرتْ أَنهم أُهلكوا بالصيحة، وهي الصوتُ المدَوِّي العالي، الذي يَصُمُّ الآذان من شدَّتِهِ وعُلُوِّه، وهذه الصيحةُ ناتجةٌ عن الرجفةِ والزلزلة، فلما انشَقَّتِ الأَرض، حَدَثَ انفجارٌ بركانيٌّ كبير مُدَوٍّ، وسَمعوا صوتَ ذلك الانفجارِ، فأُصيبوا بالفَزَع والهَلَع!!.
المرحلة الثالثة: في سورةِ الشعراء..
حيثُ أَخبرتْ أَنهم أهلكوا بالظُّلَّة، وهي السحابةُ التي أَظَلَّتْهم، وهي ليستْ سحابةً عاديةً كباقي السُّحُب، ولكنها سحابَةٌ بركانيةٌ نارية حارقة، وهذه السحابةُ ناتجةٌ عن ذلك الانفجارِ البركانيِّ الضخْم، الذي قَضى عليهم.
فالرجفةُ في الأَرض، أَحْدَثَتْ صيحةً مُدَوّيَةً، ونتجَ عنها ظُلَّة نارية
حارقة.
أَين هذا من الأَساطيرِ التي يذكُرُها الفادي، ثم يَنسبُها للقرآنِ، ويُخَطِّئُهُ
بسببِها؟!.
***
كيف مُسخ اليهود قردة
؟
ذَكَرَ القرآنُ قصةَ أَصحابِ القريةِ من اليهود، الذين اعْتَدَوْا في السَّبتَ،
وخالَفوا حُكْمَ اللهِ في تحريمِ صيدِ السَّمَكِ يومَ السَّبْتَ، ولم يَستَمِعوا لنُصْحِ
إِخْوانِهم، الملْتَزِمينَ بحكمِ الله، فأَوقعَ اللهُ بهم العِقاب، وأَنجى إِخوانَهم
الملْتَزِمين الناصحين!.
وكانَ عِقابُهم اَيةً من آياتِ الله، حيثُ مَسَخهم اللهُ قردةً خاسِئين " قال
تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) .
ونَقَلَ الفادي الجاهلُ من تفسيرِ البيضاويِّ كَلاماً في تفسيرِ مَسْخِهم قردَةً،
ثم عَلَّقَ على ذلك مُنْكِراً حُصولَه، لأَنه يتعارضُ مع العقلِ والعلمِ الحديثِ.
قال: " ونحنُ نسأل: هل من المعقولِ أَنْ نُقابِلَ إِنْساناً مُسِخَ قِرْداً أَو خِنزيراً؟
أَلا تُعَلِّمُنا الطبيعةُ أَنَّ كُلَّ شيءٍ يُبْذَرُ بِذْراً كجنْسِه؟
أَليسَ مَنْ يَقولُ: إِنَّ القمحَ صارَ شعيراً، وإِنَّ العِنَبَ صارَ تيناً، كمنْ يَقولُ: إِنَّ الإِنسانَ صارَ قِرداً أَو خِنزيراً؟ ".
وللرَّدِّ على استغرابِ الفادي وإِنكارِه نَقول: ذَهَبَ بعضُ المفَسِّرين إِلى أَنَّ
مَسْخَ اليهود قِرَدَة، لم يَكُنْ مسخاً حقيقيّاً، أَيْ لم يَتَحَوَّلوا من بَشَرٍ إِلى قُرود،
وِإنما مُسخَتْ أَرواحُهم وقُلوبُهم، بمعنى أَنهم تَخَلّوا عن فطرتِهم الإِنسانية،
ومشاعِرِهم واهتماماتِهم العالية، وصارُوا كالقُرودِ في الاكتفاءِ بالطعامِ
والشَراب.
وممن قالَ بهذا القولِ المفسّرُ التابعي مجاهدُ بنُ جَبْر.
ولَسْنا مع الإِمام مجاهدٍ في قولِه بالمسْخ المعنويّ، ونحنُ مع جمهورِ
المفسّرين في أَنَ المسخَ كانَ مَسْخاً حقيقيّاً، بحيثُ حَوَّلَهم اللهُ من بَشَر آدَميّين
إِلى قُرود، عقاباً لهم على عُدوانِهم في السبت.
والراجحُ أَنُ هؤلاء القُرودَ لم يُعَمِّروا طويلاً، وإِنما تُوُفُّوا بعدَ المسخِ مباشرة، فالقرودُ الموجودةُ هي حيواناتٌ حقيقية، وليستْ يَهوداً مُتحوِّلينَ إِلى قرود.
واعتراضُ الفادي على هذا المسخ دَليلُ جَهْلِه وغَبائِه، وتَساؤُلُه في غيرِ
مَحَلّه، والمثالُ الذي ذَكَرَهُ هنا لا يَنطبقُ على المَسخ، لأَنَّ القمحَ لا يَصيرُ