المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حديث القرآن عن المسيح عليه السلام - القرآن ونقض مطاعن الرهبان - جـ ١

[صلاح الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم

- ‌نقد مقدمة الكتاب

- ‌الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

- ‌هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء

- ‌هل الأرض ثابتة لا تتحرك

- ‌كيفَ تُرْجَمُ الشياطينُ بالنجوم

- ‌هل السموات سبع والأراضي سبع

- ‌ما هو النسيء

- ‌بماذا تروى مصر

- ‌هل الرعد ملك من الملائكة؟وكيف يسبح الله

- ‌بين وادي طوى وجبل حوريب

- ‌هل الشمس ثابتة

- ‌القمر كالعرجون القديم

- ‌أسطورة جبل قاف

- ‌الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

- ‌هل كان هامان وزيراً لفرعون

- ‌حول تعاون هامان وقارون مع فرعون

- ‌حول صنع السامري للعجل

- ‌من هو أبو إبراهيم عليه السلام

- ‌حول أبي مريم وأخيها

- ‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

- ‌كيف دعا نوح على قومِه بالضلال

- ‌هل نجا فرعون من الغرق

- ‌بين زكريا ومريم

- ‌حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

- ‌حول ولادةِ مريم وكلام وليدها

- ‌هل لكلِّ أمةٍ رسول

- ‌هل أشرك آدم وحواء بالله

- ‌هل غرق ابن نوح عليه السلام

- ‌هل أيوب حفيد إسحاق

- ‌الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم

- ‌حول ترتيب أسماء الأنبياء

- ‌إدريس وليس أخنوخ

- ‌من هم أتباع نوح عليه السلام

- ‌بابل والنمرود

- ‌ما هو أصل الكعبة

- ‌إِبراهيم عليه السلام ونمرود

- ‌إسماعيل صِدِّيقَّ نبٌيّ عليه السلام

- ‌كيف احتال إخوة يوسف عليه السلام على أبيهم

- ‌الشاهد ببراءة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف ومراودة نسوة المدينة

- ‌توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

- ‌عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر

- ‌حقيقة قميص يوسف

- ‌امرأة فرعون تتبنَّى موسى عليه السلام

- ‌حول تقتيل أولاد بني إسرائيل

- ‌حول صداق امرأة موسى عليه السلام

- ‌وراثة بني إسرائيل للأرض

- ‌تسع آيات لا عشر ضربات

- ‌العيون المتفجرة من الحجر

- ‌الألواح التي كتبت عليها التوراة

- ‌هل طلب بنو إسرائيل رؤية الله

- ‌قارون الإسرائيلي الكافر

- ‌بين داود وسليمان عليهما السلام

- ‌بين هاجر ومريم عليهما السلام

- ‌حول نزول المائدة على الحواريين

- ‌أصحاب القرية والرسل الثلاثة

- ‌حول قوم عاد

- ‌من هم أصحاب الرَّسِّ

- ‌حول لقمان الحكيم

- ‌بين الإسكندر وذي القرنين

- ‌الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام

- ‌يمين أيوب والضغث والضرب

- ‌الصرح الذي بُني لفرعون

- ‌حول الطوفان على المصريين

- ‌حول طالوت وجيشه

- ‌حول كلام عيسى في المهد

- ‌عيسى ومعجزة خلق الطير

- ‌من هو المصلوب

- ‌الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية

- ‌الرخصة لمن أكره على الكفر

- ‌العفو عن لغو اليمين

- ‌حول إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌حول آيات الجهاد والقتال

- ‌حول إباحة الغنائم

- ‌حول قسم الله بمخلوقاته

- ‌حول الترخيص بالكذب

- ‌إباحة ردِّ العدوان

- ‌حول إباحة تعدد الزوجات

- ‌الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

- ‌التوحيد والتثليث والأقانيم

- ‌الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

- ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

- ‌هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية

- ‌هل يباح القتال في الأشهر الحرم

- ‌ما هو أصل التكبير

- ‌حول عالم الجن

- ‌هل يأمر الله بالفسق والفحشاء

- ‌لم يشك الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحىِ

- ‌هل في القرآن أقوال للناس

- ‌حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين

- ‌كيف يشاء الله الكفر

- ‌الله يبتلي عباده بالخير والشر

- ‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

- ‌ما الذي كان يفعلُه عيسى عليه السلام

- ‌6 - رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

- ‌7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:

- ‌8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده

- ‌موقف الملائكة من خلق آدم عليه السلام

- ‌ما معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام

- ‌هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار

- ‌مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة

- ‌أرواح الشهداء وأجواف الطيور الخضر

- ‌حول تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ

- ‌من الذي صُلب: المسيح أم شبيهه

- ‌حول تكفير الصوم للخطايا

- ‌نفي النبوة عن نسل إسماعيل عليه السلام

- ‌هل بلاد العرب للمسيح عليه السلام

- ‌هل أكلت الشاة القرآن

- ‌حول إحراق عثمان المصاحف

- ‌كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه

- ‌بين قدر الله وإرادة الإنسان

- ‌الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

- ‌ذكر المرفوع بعد المنصوب

- ‌الفاعل لا يكون منصوباً

- ‌المبتدأ مؤنث والخبر مذكر

- ‌تأنيث العدد وتذكير المعدود

- ‌اسم الموصول المفرد العائد على الجمع

- ‌جزم فعل معطوف على منصوب

- ‌هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع

- ‌هل ينصب المضاف إليه

- ‌جمع الكثرة بدل جمع القلة

- ‌جمع القلة بدل جمع الكثرة

- ‌هل يجمع الاسم العلم

- ‌بين اسم الفاعل والمصدر

- ‌لا يُعطف المنصوب على المرفوع

- ‌حكمة وضع المضارع بدل الماضي

- ‌حكمة حذف جواب الشرط

- ‌هل صرف القرآن الممنوع من الصرف

- ‌حول تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌هل القرآن يوضح الواضح

- ‌هل يأتي فاعلان لفعل واحد

- ‌اعتراض على الالتفات:

- ‌حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى

- ‌كم قلباً للإنسان

- ‌الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

- ‌لماذا قطع يد السارق

- ‌معنى قوله تعالى: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌حول شهادة المرأة وضربها وميراثها

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌هل الطلاق خطأ

- ‌حول جلد الزاني والزانية

- ‌حول إباحة التسري

- ‌الحجاب الحافظ للمرأة

- ‌هل شعائر الحج من الوثنية

- ‌حول إباحة التجارة في موسم الحج

- ‌من الدي حدد وقت الحج

- ‌هل الإفاضة من أعمال الجاهلية

- ‌هل أركان الحج من الجاهلية

- ‌حول توزيع الزكاة

- ‌توجيه تفضيل الرجال على النساء

- ‌هل صلاة المسلمين تقليد وثني

- ‌حول التطهر بالتيمم

- ‌تفسير سياسي لتحويل القبلة

- ‌اعتراض على الصلوات الخمس

- ‌الصلوات وليلة المعراج

- ‌حول فرض صيام رمضان

- ‌حول حرمة الأشهر الحرم

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌حول القصاص في القتل

- ‌حكم قتل المرتد

- ‌حكم الزواج بالكتابيات

- ‌الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية

- ‌لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌لماذا ميراث المرأة نصف ميراث الرجل

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌ضرب الزوجات: لماذا؟ ومتى؟ وكيف

- ‌ماذا بعد الطلقة الثالثة

- ‌حول حجاب المرأة

- ‌حول قتال مانعي الزكاة

- ‌حول توزيع الغنائم

- ‌حول أخذ الجزية من أهل الكتاب

- ‌حول إكراه الجواري على الزنى

- ‌حول الشهود على الزنى

- ‌لماذا جلد الزاني أمام الناس

- ‌المنسوخ والناسخ في حد الزنى

- ‌هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة

- ‌حول الإعداد للأعداء

- ‌حول النهي عن موالاة الكفار

- ‌هل يدعو القرآن إلى الكراهية

- ‌حول تقبيل الحجر الأسود

- ‌حول عدم الاستعانة بالكافرين

- ‌حول انتشار الإسلامِ في العالم

- ‌حول تقاتل المسلمين

- ‌الفصل الثامن نقض المطاعن العلمية

- ‌هل لتمثال العجل خوار

- ‌أسطورة خاتم سليمان

- ‌لماذا إنكار عذاب القبر

- ‌حول ناقة صالح عليه السلام

- ‌حول إهلاك قوم مدين

- ‌كيف مُسخ اليهود قردة

- ‌حول عالم الجن

- ‌حول التداوي بالعسل

- ‌أين شهود الإسراء والمعراج

- ‌حول مهمة الهدهد زمن سليمان عليه السلام

- ‌ما هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان

- ‌حول موت سليمان عليه السلام

- ‌رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل

- ‌هل تتكلم الجبال

- ‌الله يلين الحديد لداود عليه السلام

- ‌حول نوم أصحاب الكهف

- ‌حول الريح المسخرة لسليمان عليه السلام

- ‌حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل

- ‌هل خاف يعقوب على أبنائه من العين

- ‌حول بقرة بني إسرائيل

- ‌هل الرعد ملاك

- ‌حول سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية

- ‌ما المراد بالحروف المقطعة

- ‌هل في القرآن كلام أعجمي

- ‌دعوى التناقض في القرآن

- ‌أَوَّلاً: هل يتبدَّلُ كلامُ الله

- ‌ثانياً: التفاوت في مقادير أيام الله:

- ‌ثالثاً: بين نفي الشفاعة وإثباتها في الآخرة:

- ‌رابعاً: هل أهل الجنة قليلون أم كثيرون

- ‌خامساً: هل اليهود والنصارى مؤمنون

- ‌سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:

- ‌سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌ثامناً: حول القسم بالبلد الأمين:

- ‌تاسعاً: حول المنافقين:

- ‌عاشراً: بين النهي عن الهوى وإباحته:

- ‌أحد عشر: التناقض في الخمر بين الحل والحرمة:

- ‌ثاني عشر: بين النهي عن إيذاء الكفار والأمر بقتالهم:

- ‌ثالث عشر: هل نجا فرعون أم غرق

- ‌رابع عشر: السماء والأرض أيهما خلقت أولاً

- ‌خامس عشر: هل القرآن محكم أو متشابه

- ‌حول التكرار في القرآن

- ‌هل في القرآن من كلام الآخرين

- ‌ثانياً: ماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من كللام عمر بن الخطاب

- ‌ب - ثلاث موافقات لعمر:

- ‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

- ‌حول إنزال القرآن مفرقاً

- ‌حول الكلمات الغريبة في القرآن

- ‌حول الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌2 - لماذا نسخت القبلة إلى بيت المقدس

- ‌3 - هل نسخ تمسك الرجل بزوجته

- ‌ لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام

- ‌6 - هل نسخَ تَحريمُ إِتلافِ أَشجارِ الأَعداء

- ‌7 - لا نسخ في الصلاة على غير المسلم:

- ‌حول الكلام المتشابه في القرآن

- ‌هل القرآن مثل كلام الناس

- ‌حول الاختلاف والتناقض في القرآن

- ‌مع أمثلة الفادي للاختلاف في القرآن:

- ‌الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حول حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌ما الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه

- ‌حول أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الزعم بأن القرآن وحي من الشيطان

- ‌هل مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين

- ‌اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زوجة ابنه

- ‌حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تقبيل الرسول للحجر الأسود

- ‌التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها

- ‌حول قتلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصومَه

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم

- ‌لم يطرد الرسول صلى الله عليه وسلم الفقراء والعبيد

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيطان

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذنب

- ‌حول موقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون معجزات

- ‌اتهامات الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم مسموماً

- ‌حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي

- ‌3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:

- ‌هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الانتحار

- ‌خرافة امتحان خديجة لجبريل

- ‌سخرية المجرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حول إرجاء وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم من يشاء من نسائه

- ‌هل أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال أهل الكتاب في القرآن

- ‌هل شتم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين شتموه

- ‌حول غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إشاعة إبادة الكلاب في المدينة

- ‌حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌ما معنى الأُمِّي والأميين

- ‌عودة إلى دعوى التناقض في القرآن

- ‌لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم

- ‌تَمَّ الكتاب بحمد الله وتوفيقه

الفصل: ‌حديث القرآن عن المسيح عليه السلام

على ضوءِ هذه الآيةِ نَعرفُ ابتلاءَ أَهْلِ القرية، حيثُ امتَحَنَهم بعدمِ صَيْدِ

الحيتان يوم السبت، ومبالغةً في الابتلاءِ كان يَسوقُ إِليهم الأَسماكَ والحيتانَ

في يومِ السبت، وكانت هذه الحيتانُ لا تأْتيهم في باقي أَيام الأُسبوع.

ورسب معظم أَصحابِ القريةِ في الامتحان، حيث تَحايَلوا على

حُكْمِ الله، وارْتَكَبوا ما حَرَّمَ الله.

وكما ابْتَلى اللهُ بني إِسرائيلَ بالتكليف، ومَنَعَهم من الصيدِ يومَ السبت،

ابْتَلى اللهُ المؤمنين، ومَنَعَهم من صَيْدِ البَرِّ أَثناءَ إِحرامِهم بالحَجِّ أَو العمرة.

قال تعالى.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) .

فاللهُ قَرَّبَ الصيدَ للمسلمين المُحْرِمين، كما قَرَّبَ الحيتانَ لليهودِ من

أَصحابِ القرية، وعَبَّرَت الآيةُ عن هذا التقريب:(تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) .

وقد نجحَ المسلمونَ في هذا الابتلاءِ والامتحان، والْتَزموا بحُكْمِ الله.

***

‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

-

تحدَّثَ القرآنُ عن المسيح عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام كما تَحَدَّثَ عن غيرِه من الرسل، وكان حَديثُه عن أُولي العزمِ من الرسلِ أَكثرَ من حديثِه عن غيرِهم.

وأُولو العزمِ من الرسلِ خمسةٌ هم: نوحٌ وإِبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمدٌ،

عليهم الصلاةُ والسلام.

وقد كَذَبَ الفادي المفترِي عندما قالَ: " إِنَّ الذي ذَكَرَهُ القرآنُ عن

المسيحِ يَفوقُ ما ذَكَرَهُ عن سائرِ البَشَر، بمنْ فيهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم أَلا يُشيرُ هذا إِلى تَفَرُّدِ المسيحِ عن سائرِ البشر؟

وهذا ما يقولُه الإِنْجيلُ عن لاهوتِ المسيح ".

ص: 285

إِنَّ ما ذَكَرَهُ القرآنُ عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم أَكثرُ مما ذَكَرَه عن عيسى عليه السلام، وكذلك ما ذَكَرَهُ عن إِبراهيمَ وموسى عليهما السلام أَكثرُ مما ذَكَرَهُ عنه.

أولاً: مثل عيسى كمثل آدم:

أَخْبَرَ اللهُ أَنَّ مَثَلَ عيسى كَمَثَلِ آدم عليه السلام.

قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .

خَلَقَ اللهُ آدمَ عليه السلام من تراب، ثم نَفَخَ فيه من روحِه، وقالَ له: كُنْ إِنساناً حَيّاً، فكانَ إِنْساناً حَيّاً..

وهكذا عيسى عليه السلام، أَرادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَبٍ، فأَمَرَ

جبريلَ عليه السلام أَنْ يَنفخَ روحَه في مريم عليها السلام فَفَعَل، وقالَ الله لعيسى: كُنْ إِنساناً حَيّاً في رَحِمِ مريم، فكانَ كما أَرادَ الله.

فلا غَرابةَ في خَلْقِ عيسى عليه السلام بدونِ أَبٍ، كما أَنه لا غَرابةَ في خَلْقِ آدمَ بدونِ أَبٍ أَو أُمّ.

ولكنَّ هذا الكلامَ لم يُعْجب الفادي المفترِي، ولذلك اعترضَ على الآيةِ

بقولِه: " ونحنُ نَقولُ: إِنَّ آدَمَ مِثْلُ المسيحِ في أَنه أَبو الجِنْسِ البشريِّ ووكِيلُه

ونائبُه، ولكنَّ آدمَ بمعصيتِه جَرَّ ذريتَه جَميعاً للهَلاك.

أَمّا المسيحُ فهو أَبٌ ووكيلٌ ونائبٌ جَديدٌ للمؤمنين به، الذين مَنَحَتْهُم كفارتُه وعملُه النيابيُّ وطاعتُه خلاصَهم، ولهذا قالَ الإِنجيل: آدمُ الذي هو مِثالُ الآتي ".

أَمّا أَنَّ آدمَ عليه السلام أَبو البشر فهذا متفقٌ عليه، لأَنه أَوَّلُ مخلوقٍ من البشر.

وأَمّا أَنّ عيسى المسيحَ عليه السلام أَبو البشرِ فهو أَمْرٌ مَرْفوض، لأَنه وُلدَ بعدَ آدمَ بفترةٍ طويلة، تَزيدُ عن مئاتِ الآلافِ من السنين.

ولقد كانَ الفادي وأَهْلُ ملَّتِه مُغالين مُبالغين عندما اعْتَبَروا عيسى عليه السلام أَباً للبشر، ووكيلَهم ونائباً عنهم، لدرجةِ أَنْ

فَداهم بنفسِه، وجَعَلَ دَمَه كفارةً لذُنوبهم، وتَخْليصاً لهم!! وقد سبقَ أَنْ ناقَشْنا الفادي في موضوعِ الكفارةِ والفداءِ والخلاص.

ويُخَطِّئُ الفادي الآيةَ، لأَنها شَبَّهَتْ عيسى عليه السلام بآدمَ:(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .

فهو يَرى أَنَّ خَلْقَ

ص: 286

عيسى ليسَ كخلْقِ آدم، قال: " أَمّا تَشبيهُ المسيح بآدَم، بما يُفيدُ أَنَّ المسيحَ

مخلون كآدمَ بأَمْرِ الله، فهذا خَطَأ..

لأَنَّ المسيحَ ليس بكائِنٍ من كلمةِ الله، بل هو ذاتُه كلمةُ اللهِ الأَزليّ، الذي تَجَسَّدَ من مريمَ العذراء، وظَهَرَ بينَ الناسِ ليخلَصَهم.. ".

يَرى الفادي أَنَ آدمَ عليه السلام خُلِقَ بكلمةٍ من الله، وكُلُّ بَشَرٍ خُلِقَ بكلمةٍ من الله، إِلّا المسيحُ عليه السلام، فإِنه ليسَ مَخْلوقاً بكلمةٍ من الله، وإِنما هو كلمةُ اللهِ ذاتُها، التي يَخْلُقُ بها الناس، وهي كلمةٌ أَزليةٌ غيرُ مَخلوقة، وَجَّهَها الله ُ إِلى مريم، وتجسَّدَتْ هذه الكلمةُ في عيسى!!.

ومعنى هذا الكلامِ أَنَّ عيسى ليسَ مخلوقاً، وإِنما هو أَزَليّ، والأَزَلِيُّ

هو الله، لأَنَّ كُلَّ ما سوى اللهِ مَخْلوق، فإِنْ لم يكنْ عيسى مخلوقاً، وإِنْ كانَ أَزَلِيّاً، فسيكونُ إِلهاً، لأَنَّ الموجودَ إِمّا أَنْ يكونَ مَخلوقاً حادِثاً، وإِمّا أَنْ يَكونَ أَزَليّاً خالِقاً، فإِنْ لم يكنْ مَخْلوقاً حادِثاً كان أَزَلِيّاً خالقاً!!.

إِنَّ جملةَ الفادي السابقةَ تأليه منه لعيسى عليه السلام.

وقد أَدانَ اللهُ الذين أَلّهوا عيسى عليه السلام وكفَّرَهم، وذلكَ في قولِه تعالى:(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .

ثانياً: وضوح حديث القرآن عن المسيح:

كانَ القرآن واضحاً صريحاً في تقريرِه خَلْقَ عيسى كخلقِ آدمَ عليه السلام، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بينَهما أَنَ كُلّاً منهما خُلِقَ بكلمةِ اللهِ الأَزلية، التي خَلَقَ بها باقي المخلوقين، وهي كلمةُ " كُنْ " التكوينية:(إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) .

ورغْمَ تقريرِ القرآنِ الواضحِ بشأنِ خَلْقِ عيسى عليه السلام، وأَنه عبدُ اللهِ ورسولُه، إِلَّا أَنَّ الفادي اتَّهَمَهُ بالتناقض.

قال: " ويقولُ القرآنُ في المسيحِ

ص: 287

كَلاماً متناقضاً.

تقولُ سورةُ المائدة: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) .

وَوَرَدَ في سورةِ الزخرف: (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) .

وفي الوقْتِ نفسِهِ توجَدُ آياتٌ أُخرى تُشيرُ إِلى لاهوتِ المسيح، كشخصٍ

غريبٍ وعَجيب بين البشر، وتُعطيهِ أَعظمَ الأَلْقاب، التي لم تُعْطَ في القرآنِ

لغيره ".

إِنّ الفادي يَفتري على القرآن عندما يَتهمُه بالتناقضِ في حديثِه عن

عيسى عليه السلام، وهو الذي لم يُحْسِنْ فهمَ حديثِ القرآن!.

ومن أَرادَ أَنْ يَعرفَ حديثَ القرآن عن عيسى عليه السلام، وأَنْ يَتَعَرَّفَ على شخصيتِه من خلالِ القرآن، فعليهِ أَنْ يَجمعَ الآياتِ التي تحدثَتْ عنه من مختلفِ السُّور، وأَنْ يَنظرَ فيها مجتمعة، وأَنْ يَجمعَ بينها، ويستخرجَ دلالتَها.

ومعلومٌ أَنه لا تَعارُضَ ولا تَناقُضَ في آياتِ القرآن.

عيسى عليه السلام خَلَقَهُ اللهُ بدونِ أَب: وخَلَقَ روحَه بكلمتِه التكوينية، " كُنْ "، وأَمَرَ جبريلَ أَنْ يَحملَ روحَه المخلوقَة، وأَنْ يَتَوَجَّهَ إِلى مريمَ العذراء، وأَنْ يَنفخَ تلك الروحَ فيها، فحملَتْ مريمُ بعيسى بأَمْر الله، وكانَ حملَ معجزةٍ بأَمْرِ الله، وبعدَ ولادةِ عيسى بلحظاتٍ كَلَّمَ أُمَّه، وبعدَ ذلك كَلَّمَ قومَها، فهو عبدُ اللهِ ورسولُه، وهو كلمتُه التكوينيةُ " كُنْ "، والروحُ التي فيه روحٌ من عندِ الله، وهو خَيْرُ مَنْ يُقَدِّمُ نفسَه، عندما كَلَّمَ قومَ أُمَّه بعدَ ميلادِه.

قال تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) .

وقد وَقَفَ الفادي أَمامَ كلماتٍ قرآنيةٍ وَرَدَتْ في حديثِ القرآنِ عن

ص: 288

عيسى عليه السلام، واستشهدَ بها على عقيدةِ أَهْلِ مِلَّتِه في المسيح، وحَرَّفَ مَعْناها ودلالتَها، وهذه الكلماتُ هي:

1 -

المسيح كلمة الله:

ذَكَرَ القرآنُ أَنّ عيسى عليه السلام كلمةُ الله.

قال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) .

وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .

وفهمَ الفادي الآيتين فَهْماً خاطئاً، قال: " كلمةُ اللهِ: هذا الاسْمُ الكريمُ

لا يَصِحُّ أَنْ يُسَمّى به مخلوق، فهو خاصّ بالمسيح، انفردَ به عن سائرِ البشرِ

والملائكة ".

يُصَرخُ الفادي بأَنَّ عيسى ليس مخلوقاً، لأَنه سُمِّيَ باسمٍ لا يُطْلَقُ على

المخلوقين، فلا يَجوزُ لأَيِّ مخلوقٍ من البشر والملائكةِ أَنْ يُسَمّى " كلمةَ الله "، وبما أَنَّ المسيحَ سُمِّيَ كلمةَ الله، فهذا يَعني أَنه ليسَ مخلوقاً، وإِذا لم يكنْ

مَخْلوقاً كان خالِقاً، لأَنَّ الموجودَ إِنْ لم يكنْ مَخْلوقاً كان خالِقاً، وهذا يؤكِّدُ

إِيمانَ الفادي وأَهْلِ مِلَّتِه بأَلوهيةِ عيسى وأَزليتِه!.

وزعْمُهُ أَنَّ " كلمةَ الله " لم تُطلقْ على غيرِ المسيح في القرآنِ كَذبٌ

وافتراء، وهو يَعلمُ أَنه كاذبٌ مفترٍ، لأَنه يَعلمُ أَنَّ " كلمةَ الله " في القرآنِ أُطلِقَتْ على غير المسيح.

ذُكِرَتْ " كلمةُ الله " في مقابلِ " كلمةِ الذين كفروا "، وذلكَ في سياقِ الحديثِ عن نصرِ اللهِ رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم في رحلةِ الهجرة.

قال تعالى: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) .

ص: 289

كلمةُ الكفار: هي رغبتُهم وإِرادتُهم في محاربةِ الحَقِّ والقضاءِ عليه.

وكلمةُ اللهِ: هي إِرادةُ اللهِ فى نَصْرِ الحَق وهزيمةِ الباطل، وسُميتْ إِرادَتُه

سبحانه " كلمة "، لأَنها أَمْرٌ من اللهِ عز وجل، حيثُ يأمرُ بإنفاذِ قدرتِه وإرادتِه، وتحقيقِ علمه، فيكونُ ما أَرادَه سبحانه وأَمَرَ به.

قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) .

وقال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا)، وكلمةُ رَبّك: هي إِرادَتُه وأَمْرُه بنَصرِ بني إِسرائيل وإِهلاكِ أَعدائِهم.

فعبارةُ " كلمةِ الله " ليستْ خاصةً بالمسيحِ عليه السلام، إِنما أُطلقَتْ في القرآن على عيسى وعلى غيره.

ومعنى كون عيسى عليه السلام كلمةَ الله: أَنَّ اللهَ أَرادَ أَنْ يَجعلَ خَلْقَه معجزةً، عن غيرِ طريقةِ الخَلْقِ المعروفةِ المألوفة، عن طريقِ التزاوجِ والاتِّصالِ

والمعاشرةِ والإِخصاب! فأَنْفَذَ إِرادَتَه وخَلَقَ عيسى في رَحِمِ مريمَ العذراء.

وكان خَلْقُه بكلمتِه التكوينيةِ التنجيزية، التي تُحَوّلُ إِرادةَ اللهِ من صورتِها العلميةِ النظريةِ إِلى صورتِها العمليةِ الحادثة، التي تَمَّ بها إِيجادُ عيسى عليه السلام!.

وفَرْقٌ بينَ إِخبارِ القرآنِ أَنَ عيسى كلمةُ (الله) ، أَيْ أَنَّه خُلِقَ بكلمةِ اللهِ

وإِرادتِه، وبين كَلامِ الإِنجيلِ المحَرَّفِ أَنه كلمةُ الله: " في البدءِ كان الكلمة،

والكلمةُ كانَ عندَ الله، وكانَ الكلمةُ الله، هذا كانَ في البدءِ عندَ الله! ".

فالمسيحُ كلمةُ الله، أَيْ أَنه هو الله! كما سَبَقَ أَنْ صَرَّحَ الفادي بذلك، لأَنَّهُ

يعَتقدُ أَنَ الكلمةَ ليستْ مخلوقة، وإِنما هي أَزليةٌ مثلُ الله، ملازِمَةٌ لله، لا

تنفصلُ عن الله، وهذا هو الكفرُ الصريح.

وقد قاس الفادى الجاهلُ كلمةَ اللهِ على كلمةِ الإِنسان، فقال: " ولقد سُمّيَ المسيحُ كلمةَ الله، لأَنَّ كلمةَ الإِنسانِ هي منه، ومن مقوماتِ شخصيتِه، فهي صورةُ عَقْلِه وفِكْرِه، والمترجمةُ له، والمنفذةُ لسلطانِه وقوَّتِه..

فالمسيحُ هو ذاتُ كلمةِ الله، وهذا يُثبتُ لاهوتَه،

ص: 290

لأَنَّ كلمةَ الله من اللهِ وفي اللهِ منذ الأَزل.

وهل يُمكنُ أَنْ يكونَ قد مَرَّ وَقْتٌ على الله كان فيه بلا كلمة؟ ".

كلمةُ اللهِ في نظرِ الفادي وأَهْلِ ملته أَزَلِيَّةٌ ملازمةٌ لله، وهي اللهُ نفسُه:

" وكانَ الكلمةُ الله " كما وردَ في إِنجيلِ يوحَنّا، وبما أَنَّ عيسى كلمةُ الله فهو أَزليّ مثلُ الله، وليسَ مخلوقاً مثلُ المخلوقاتِ التي خَلَقَها الله..

وبما أَنَّ المسيحَ هو كلمةُ الله، وبما أَنَّ الكلمةَ هي الله، فإِنَّ المسيحَ هو الله!! وهذا ما يؤمنُ به الفادي وقومُه! وهذا هو كفر النصارى الذي أَدانهم اللهُ به، في قوله تعالى:(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) .

2 -

المسيح روح من الله:

أَخبرَ اللهُ أَنَّ المسيحَ عيسى ابنَ مريمَ عليه السلام روحٌ من الله.

قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .

وَوَقَفَ الفادي المفترِي الخبيثُ أَمامَ الآية، واستدلَّ بها على عقيدتِه

الباطلة! قال: " لم تكتفِ الآية ُ بنْعتِ المسيحِ بالرسالة، بل شهدَتْ أَنه كلمةُ الله.

ولكي لا نتوهَّمَ خلافَ المقصودِ باللفظِ " كلمةُ الله "، أَتْبَعَها بما يُزيلُ الشّكّ، وهو " وروحٌ منه "، لنفهمَ أَنَّ المسيحَ ليس مجردَ رسولٍ عادي، بل ابنٌ مرسَلٌ من أَبيه إِلى عالمِ الدُّنيا، كأَشعةِ الشمسِ المنبعثةِ إِلى الأَرضِ من الشمس!!

وما الفرقُ بين القول: إِنَّ المسيحَ نورٌ من نورِ إلهٍ حَقٍّ من إِله حق، والقول:

روحُ الله، أَو: روحٌ من الله؟

أَليسَ أَنَّه من ذاتِ اللهِ ومن جَوْهَرِه؟ ".

يُؤَكِّدُ الفادي على فكرتِه الباطلةِ وعقيدتِه المخالفةِ للحق، التي تقومُ على

أَنَّ المسيحَ جزءٌ ماديّ من ذاتِ اللهِ المادية!!.

إِنه يرى أَنَّ المسيحَ ليس مجردَ رسولٍ عاديٍّ! ومعنى هذا أَنه ليسَ رسولاً

بَشَراً، كباقي الرسلِ البشر!.

ص: 291

وهذا كلامٌ مرفوضٌ مردود؟

فعيسى عليه السلام رسول عاديّ كباقي الرسل، كلُّ

ما في الأَمْرِ أَنَّ اللهَ الحكيمَ خَلَقَه بدونِ أَب، وأَنطَقَه وهو في المهد، وهو في

هذا يَختلفُ عن باقي الرسل، وفي ما سوى ذلك هو رسول عاديٌّ كباقي

الرسل..

وشَبَّهَ القرآنُ خَلْقَ عيسى بخْلقِ آدم عليه السلام، ليُزيلَ استغرابَ النصارى من خَلْقِه بدون أَب.

قال تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) .

ونَظرةُ الفادي إِلى المسيحِ عليه السلام نظرة باطلة، إِنّه يرى أَنه " ابنٌ مرسَل من أَبيه إِلى عالمِ الدنيا ".

أَي أَنه ابْنُ الله، واللهُ أَبوه هو الذي أَرْسَلَه إِلى الدنيا!!

وهذا هو الكفرُ والشركُ بالله! وقد نفى القرآنُ أَنْ يكونَ لله وَلَدٌ.

قال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) .

وقال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) .

صلةُ عيسى باللهِ عندَ الفادي كصِلَةِ أَشعةِ الشمسِ بالشمسِ! وانظرْ ما

أَسْخَفَ هذا التشبيه، وما أَجهلَ مَنْ ذَكَرَه! أَينَ الشمسُ وأَشعتُها من اللهِ ورسولِه عيسى عليه السلام؟

الشمسُ كوكبٌ مخلوق مرئيٌّ في السماء، إِننا نرى الشمسَ

المخلوقةَ بعيونِنا، ونرى أَشعَّتَها المنبعثةَ منها.

وفردقٌ بين الشمسِ المخلوقة، وبينَ اللهِ الذي خلَقَها، إِن اللهَ لا يُمكنُ أَنْ يُرى بالعينِ المجردةِ في الدنيا، كما تُرى الشمسُ! وفَرْقٌ بينَ عيسى الذي خَلَقَه الله، وبينَ أَشعةِ الشمسِ المتولدِة عنها والمنبعثةِ منها! لأَنَّ هذه الأَشعةَ منفصلة عن الشمس انفصالاً ماديّاً مُشاهداً، فهل انفصلَ عيسى عن اللهِ انفصال الجزءِ الصغيرِ من الكُل الكبير؟.

إِنّ الفادي الكافرَ يرى أَنَّ عيسى انفصلَ عن اللهِ انفصال الجزءِ عن

الكُلِّ! لأَنَّه جُزْءٌ ماديٌّ صَغيرٌ من ذاتِ اللهِ الكبيرة! قال: " أَليسَ أَنه من ذاتِ اللهِ ومن جوهرِه " فهو يؤمنُ أَنَّ للهِ ذاتاً مادية، وجَوْهَراً وجوديّاً، يُمكنُ أَنْ يُحصَرَ وُيجَسَّمَ ويُحَدَّدَ، ويُمكنُ أَنْ يَنفصلَ عنه جزءٌ صغير، فيه روحٌ وحياة، اسْمُه المسيح.

ص: 292

وهذا كُفْرٌ بالله، وتجسيم وتَحديدٌ له، وتَجزئةٌ وتَقسيم له، وفَصلُ جُزْءٍ

منْه عَنْه!.

ولقد كانت الآيةُ دقيقةً في الإخبارِ عن المسيحِ عليه السلام: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) .

وتكلَّمْنا عن معنى كون عيسى عليه السلام كلمةً في المسألةِ السابقة، ونُبَيّنَ هنا معنى قولِه تعالى:(وَرُوحٌ مِنْهُ) : فقد وَصَفَ اللهُ عيسى عليه السلام بأنه روحٌ من الله.

وفَرْق بعيد بين قولِه: روحٌ من الله، وقوله: روحُ الله.

لو قالَ: إِنه روحُ الله لكانَ المعنى أَنَّ لله روحاً مادية، كانَتْ فيه،

موجودةً داخِلَه، كما توجَد روحُ أَحَدِنا في كيانِه، ثم أَخرجَ اللهُ روحَه من

داخلِه وجَعَلَها عيسى، وهذا الكلامُ لا يَقولُه عاقل!.

عيسى عليه السلام "روحٌ من الله".

أَيْ خَلَقَ اللهُ روحَ عيسى عليه السلام، كما يَخلقُ روحَ أَيِّ إِنسانٍ آخَر، وهذا معناهُ أَنَّ هذه الروحَ غيرُ الله! وحَرْفُ الجَرِّ " مِنْ "

في الآيةِ للبيان، كما أَنه للابتداء.

أَي: الروحُ التي جعلَها اللهُ في عيسى عليه السلام هي روحٌ من عندِ الله.

حَرْفُ الجَرِّ " من " في قوله تعالى: (وَرُوحٌ منه) عند الفادي وأَهْلِ ملَّتِه

للتبعيض، أَيْ أَنها جزءٌ وبعفق انفصلَ عن الله ودَخَلَ مريم وصارَ عيسى! بينما هذا الحرفُ عند المسلمين للبيانِ والابتداء، كما وَضَّحْنا!.

3 -

عيسى ابن من؟ :

عيسى هو ابنُ مريمَ عليها السلام، وذَكَرَ القرآنُ ذلك أَكثر من مَرَّة، وقد شاءَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَه بدونِ أَب..

ولكنَّ الفادي الكافرَ يَقولُ: إِنَّه ابنُ الله.

قال: " انفردَ المسيحُ عن سائرِ البشرِ بولادتِه من عذراء! فلماذا تَميَّزَ عن سائرِ الأَنبياءِ بدخولِه عالَمَنا بهذه الطريقةِ المعجزيَّة؟.،.

إِنه كلمةُ الله وروحُ الله، حَلَّ في أَحشاءِ العذارء، وتَجسَّدَ وظهرَ بينَ الناسِ، آيةً ورحمةً للعالَمين

فهو ابْن مَنْ أُمُّه؟

مريمُ..

ومَنْ أَبوه؟ الله.

(فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) .

ص: 293

سَبَقَ أَنْ تكلَّمنا عن معنى كونِ عيسى كلمةَ اللهِ، وروحاًْ من اللهِ، والجديدُ

في كُفْرِ الفادي هنا أَنَّهُ نَصَّ على أَنَّ المسيحَ ابنُ الله: ْ " ومَنْ أَبوه؟

.. الله! ".

وأَرادَ بالبُنُوَّةِ البنوَّةَ الحقيقيةَ المادية، لأَنه قال: أُمّه مريمُ وأَبوهُ الله! وهذا

كُفْرٌ صريحٌ بالله، لادِّعاءِ أَنَّ له ابناً وولداً هو المسيح.

وقد كان القرآنُ صريحاً في رفْضِ كونِ عيسى ابناً لله، وكُفْرِ الذينَ جَعلوا

له وَلَداً، وإِنكارِ كونِ المسيحِ ابناً لله على وَجْهِ الخصوص.

قالَ تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .

وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) .

ودَعا اللهُ النَّصارى إِلى التَّخَلّي عن فكرةِ التثليثِ وزَعْمِ كونِ ولدٍ لله.

قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) .

وبعدَ ما تحدَّثَتْ آياتُ سورةِ مريمَ عن قصةِ حَمْلِ مريمَ بعيسى وولادتِه

وكلامِه في المهد، عَقَّبَتْ على ذلك بنفي بُنُوَّتِه لله.

قال تعالى: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) .

4 -

عيسى بدون دنب!

تحدَّثَ الفادي في المسألةِ الرابعةِ عن تميُّزِ المسيحِ عن باقي الرسلِ عليه السلام، وجَعَلَ عنوانَ الحديثِ:" قُدُّوسٌ بدونِ شَرٍّ ".

أَيْ أَنه لم يرتكبْ شَرّاً ولا ذَنْباً، في الوقتِ الذي ارتكبَ فيه الرسلُ الآخَرونَ الشرورَ والذُنوبَ والمعاصي والأَخْطاءَ! وبعدما أَوردَ آيةً قرآنية وحديثاً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكَلاماً لأَبي حامِد الغزالي

ص: 294

عن تميُّزِ عيسى عندَ ولادتِه بإِبعادِ الشيطانِ عنه، قال: " ونحنُ نسأَلُ:

ما سِرُّ هذه القداسةِ المطلقة والكمالِ الفائق؟

ولماذا لا يَذكرُ القرآنُ للمسيح خَطَأً كما ذَكَرَ لغيرِه من الأَنبياء؟

ولماذا لا توجَدُ في القرآنِ إِشارةٌ إِلى أَنَّ المسيحَ تابَ إِلى الله، ولا أَنَّ اللهَ تابَ عليه، ولا قَدَّمَ استغفاراً، ولا أَنَّ اللهَ غَفَرَ له، كما جاءَ عن سائرِ الأَنبياءِ والرسلِ؟

أَليس لأَنَّ المسيحَ ذاتٌ قدسية، وهو كلمةُ اللهِ وروحُه؟ ".

أَمّا أَنَّ اللهَ أَعاذَ عيسى عليه السلام من الشيطان، فهذا صَحيحٌ، لأَنه ذُكِرَ في القرآنِ وفي الحديث.

قالَ اللهُ عز وجل عن دُعاءِ أُمِّ مريمَ عند ولادتِها: (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) .

واستجابَ اللهُ دعاءَها، فحمى ابنتَها مريمَ عند ولادتِها من الشيطان.

روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال:" ما مِنْ مَوْلودٍ يولَدُ إِلّا والشيطانُ يَمَسُّه حينَ يولَد، فيستهلُّ صارِخاً من مَسِّ الشيطانِ إِيّاه، إِلّا مريم وابْنها ".

ثم قالَ أَبو هريرة: اقرؤوا إِنْ شِئْتُم قولَه تعالَى: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) .

وأَمّا أَنَّ عيسى عليه السلام لم يرتكبْ معصيةً ولا ذَنْباً، فهذا صحيحٌ أَيْضاً، لأَنه عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، فاللهُ عصمهُ من الأَخطاءِ والذُّنوبِ والمعاصي، ولم يَجعلْ للشيطانِ سُلْطاناً عليه!.

وأَمّا أَنَ الرسُلَ الآخَرين وَقَعوا في الأَخطاءِ والذنوبِ والمعاصي، فهذا

خَطَأٌ وباطل، فكما عَصَمَ اللهُ رسولَه عيسى، كذلك عَصَمَ باقي الأَنبياءِ

والمرسلين، ونَزَّهَهم من الأَخطاءِ والذنوبِ والمعاصي، واصْطَفاهم لنفسِه،

وصَنَعَهم على عينِه، فلم يكنْ للشيطانِ سَبيلٌ ولا سلطانٌ عليهم.

وأَخْطَأَ الفادي في اتهامِه للمرسلين: " ولماذا لم يَذْكُر القرآنُ للمسيحِ

خَطَأً كما ذَكَرَ لغيرِه من الأَنبياء؟ ".

ص: 295

والراجحُ أَنَّ القرآنَ لم يَذْكُرْ للأَنبياءِ أَخطاءً أَو ذُنوباً، إِنَّما ذَكَرَ بَعْضَ المآخذِ

التي أُخِذَتْ عليهم، وعاتَبَهم اللهُ عليها..

وهم لم يُخْطِئوا في تلك المواقف، ولم يُذْنِبوا في تلك الأَفْعال، وما صَدَرَ عنهم صواب، ولكنَّ اللهَ أَرشَدَهم إِلى ما هو أَوْلى، لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ لهم الأَوْلى والأَفضلَ والأَصْوَبَ والأَكمل.

إِنَّ عيسى عليه السلام معصومٌ كَباقي الأَنبياء، وليسَ للشيطانِ سُلطانٌ عليه كباقي الأَنبياء، ولذلك لم يَعْصِ ولم يُخْطِئ ولم يُذنب، كباقي الأَنبياء.

5 -

حول معجزات عيسى عليه السلام:

من مظاهِرِ كُفْرِ الفادي بالله، وجَعْلِه المسيحَ عيسى عليه السلام ابْناً لله، حديثُه عن معجزاتِه، التي تَمَيَّزَ بها عن باقي الأنبياء.

قال: " يَشهدُ القرآنُ للمسيحِ بقدرتِه المطلقةِ على إِتيانِ المعجزاتِ بصورةٍ ليس لها مثيلٌ بين سائرِ الأَنبياء "[ص 90] .

وهذا كَذِبٌ من المفترِي على عيسى عليه السلام، لأَنَّهُ نَسَبَ له القدرةَ المطلقةَ على إِتيانِ المعجزات، وهذا مَعناهُ أَنَّه هو الذي يَأتي بالمعجزاتِ ويَخْتارُها ويَصْنَعُها! وهذا خطأ كبير!!.

معجزاتُ الأَنبياءِ ليستْ من اختيارِهم، وإِنما هي من اللهِ وَحْدَه.

وقد كانَ القرآنُ صريحاً في تأكيدِ هذه الحقيقة، وجاءَ هذا في آياتٍ عديدة.

منها قولُه تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) .

وقالَ تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) .

وليس هذا خاصّاً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل هو عامّ، يَشملُ جَميعَ الأَنبياءِ والمرسلين، ومنهم المسيحُ عليه السلام.

قالَ تعالى: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .

ص: 296

ولما طَلَبَ الأَقوامُ السابقونَ من رسلِهم آياتٍ ومُعْجزاتٍ أَخبرهم رسلُهم

أَنَّ الآياتِ والمعجزاتِ بيدِ الله.

قال تعالى: (قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .

فإِذا كان الرسُل جَميعاً يَعترفونَ أَنهم لا يُمكنُ أنْ يأتوا بالمعجزاتِ من

أَنفسِهم، لأَنَّ اللهَ وَحْدَه هو الذي يَأتيهم بها فكيفَ يَقولُ الفادي المفترِي بأَنه

كان للمسيحِ قدرةٌ مطلقةٌ على الإِتيانِ بالمعجزاتِ بصورةٍ ليس لها مَثيلٌ بين

سائرِ ألأَنبياء؟!

إِنَّ هذا افتراءٌ على القرآن، وكَذِبٌ على المسيحِ عليه السلام.

ولما تكلمَ الفادي على معجزاتِ المسيحِ عليه السلام في القرآن قَدَّمَ مجموعةً من الافتراءات، ونَسَبَها إِلى القرآن:

أ - زَعَمَ المفترِي أَنَّ القرآنَ نَسَبَ لعيسى عليه السلام العلمَ بالغَيْب، وذلك ليَخرجَ بنتيجتِه من أَنَّ المسيحَ إِله، لأَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصٌّ بالله، وبما أَنَّ عيسى يَعلمُ الغيبَ فهو إِله!! قال: " نَسَبَ القرآنُ له العلمَ بالغَيب، وذلك في قولِه:(وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) .

مع أَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه: (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) ..

علْمُ الغيبِ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه، ولا يَعلمُ أَيُّ مخلوقٍ شيئاً من الغيبِ، إِلّا

ما عَلَّمَهُ اللهُ إِياهء قال تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) ،

وقالَ تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) .

فعيسى عليه السلام لم يَعْلَمْ شيئاً من الغيبِ إِلّا ما عَلَّمَهُ اللهُ إِياه.

وكانَ من

ص: 297

معجزاتِه لبني إِسرائيلَ أَنه كانَ ينبئُهم ويُخبرُهم بما أَكَلوهُ من طعام، وما

ادَّخَروه في بيوتِهم من الطعام، وجَعَلَ ذلك دَليلاً على نبوَّتِه.

وهو لم يَعْلَمْ ذلك بنفسِه، لأَنه لا يَعلمُ الغيب، وإِنما أَعلمه اللهُ بذلك، وهو بدورِه أَنبأَهم به.

فاللهُ هو الذي عَلِمَ الغيب، واللهُ هو الذي أَعْلَمَه بالغيب!!.

وآتى اللهُ يوسفَ عليه السلام وهو في السجنِ مع الفتَيَيْن نفسَ المعجزة، وذَكَرَها القرآنُ في قوله تعالى:(قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) .

كان يوسفُ يخبرُ السجينَيْن اللذَيْن معه بنوعِ الطعام الذي سيَأتيهِما في السجنِ قبلَ تقديمِه لهما.

وهذا علمٌ بالغيب، لكنَّه لم يعلَمْه بنفسِه، إِنما أَعلمَه به الله، ولذلك صَرَّحَ بقوله:(ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) .

ب - زعمَ المفترِي أَنَّ القرآنَ نَسَبَ لعيسى عليه السلام القدرةَ على الخلق، والخلقُ خاصٌّ بالله، وبما أَنَّ عيسى يَخلقُ خَلْقاً سويّاً فهو إِله، لأَنَّه لا خالقَ إِلّا الله.

قال: " ونسبَ القرآنُ للمسيحِ القدرةَ على الخلقِ.

قال: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) ".

ومعلومٌ أَنَّ الخلْقَ خاصٌّ باللهِ وَحْدَه: (أَفَمَن يحلُقُ كمَن لَّا يَخْلُق) .

وزَعْمُ المفترِي مردودٌ عليه، وعيسى عليه السلام لم يَخْلُقْ شيئاً خَلْقاً حقيقياً ماديّاً، يوجِدُ فيه المخلوقَ الحيَّ من العَدَم، لأَنَّ هذا الخلْقَ خاصّ باللهِ وَحْدَه، ولا يُمكنُ أَنْ يَفعلَه عيسى عليه السلام ولا غيرُه، وقد جعلَه اللهُ دليلاً على وحدانيتِه.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) .

وقد نَسَبَ القرآنُ الخلْقَ إِلى عيسى عليه السلام، لكنْ أَيُّ خَلْقٍ؟

وبإِذْنِ مَنْ كان يَتِمُّ الخلق؟

كان عيسى عليه السلام يَخلقُ الطيرَ من الطين، لكنْ بإِذن الله، وليس

بقدرتِه الذاتية.

قال تعالى: (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ) .

ص: 298