المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود - القرآن ونقض مطاعن الرهبان - جـ ١

[صلاح الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم

- ‌نقد مقدمة الكتاب

- ‌الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

- ‌هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء

- ‌هل الأرض ثابتة لا تتحرك

- ‌كيفَ تُرْجَمُ الشياطينُ بالنجوم

- ‌هل السموات سبع والأراضي سبع

- ‌ما هو النسيء

- ‌بماذا تروى مصر

- ‌هل الرعد ملك من الملائكة؟وكيف يسبح الله

- ‌بين وادي طوى وجبل حوريب

- ‌هل الشمس ثابتة

- ‌القمر كالعرجون القديم

- ‌أسطورة جبل قاف

- ‌الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

- ‌هل كان هامان وزيراً لفرعون

- ‌حول تعاون هامان وقارون مع فرعون

- ‌حول صنع السامري للعجل

- ‌من هو أبو إبراهيم عليه السلام

- ‌حول أبي مريم وأخيها

- ‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

- ‌كيف دعا نوح على قومِه بالضلال

- ‌هل نجا فرعون من الغرق

- ‌بين زكريا ومريم

- ‌حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

- ‌حول ولادةِ مريم وكلام وليدها

- ‌هل لكلِّ أمةٍ رسول

- ‌هل أشرك آدم وحواء بالله

- ‌هل غرق ابن نوح عليه السلام

- ‌هل أيوب حفيد إسحاق

- ‌الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم

- ‌حول ترتيب أسماء الأنبياء

- ‌إدريس وليس أخنوخ

- ‌من هم أتباع نوح عليه السلام

- ‌بابل والنمرود

- ‌ما هو أصل الكعبة

- ‌إِبراهيم عليه السلام ونمرود

- ‌إسماعيل صِدِّيقَّ نبٌيّ عليه السلام

- ‌كيف احتال إخوة يوسف عليه السلام على أبيهم

- ‌الشاهد ببراءة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف ومراودة نسوة المدينة

- ‌توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

- ‌عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر

- ‌حقيقة قميص يوسف

- ‌امرأة فرعون تتبنَّى موسى عليه السلام

- ‌حول تقتيل أولاد بني إسرائيل

- ‌حول صداق امرأة موسى عليه السلام

- ‌وراثة بني إسرائيل للأرض

- ‌تسع آيات لا عشر ضربات

- ‌العيون المتفجرة من الحجر

- ‌الألواح التي كتبت عليها التوراة

- ‌هل طلب بنو إسرائيل رؤية الله

- ‌قارون الإسرائيلي الكافر

- ‌بين داود وسليمان عليهما السلام

- ‌بين هاجر ومريم عليهما السلام

- ‌حول نزول المائدة على الحواريين

- ‌أصحاب القرية والرسل الثلاثة

- ‌حول قوم عاد

- ‌من هم أصحاب الرَّسِّ

- ‌حول لقمان الحكيم

- ‌بين الإسكندر وذي القرنين

- ‌الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام

- ‌يمين أيوب والضغث والضرب

- ‌الصرح الذي بُني لفرعون

- ‌حول الطوفان على المصريين

- ‌حول طالوت وجيشه

- ‌حول كلام عيسى في المهد

- ‌عيسى ومعجزة خلق الطير

- ‌من هو المصلوب

- ‌الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية

- ‌الرخصة لمن أكره على الكفر

- ‌العفو عن لغو اليمين

- ‌حول إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌حول آيات الجهاد والقتال

- ‌حول إباحة الغنائم

- ‌حول قسم الله بمخلوقاته

- ‌حول الترخيص بالكذب

- ‌إباحة ردِّ العدوان

- ‌حول إباحة تعدد الزوجات

- ‌الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

- ‌التوحيد والتثليث والأقانيم

- ‌الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

- ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

- ‌هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية

- ‌هل يباح القتال في الأشهر الحرم

- ‌ما هو أصل التكبير

- ‌حول عالم الجن

- ‌هل يأمر الله بالفسق والفحشاء

- ‌لم يشك الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحىِ

- ‌هل في القرآن أقوال للناس

- ‌حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين

- ‌كيف يشاء الله الكفر

- ‌الله يبتلي عباده بالخير والشر

- ‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

- ‌ما الذي كان يفعلُه عيسى عليه السلام

- ‌6 - رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

- ‌7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:

- ‌8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده

- ‌موقف الملائكة من خلق آدم عليه السلام

- ‌ما معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام

- ‌هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار

- ‌مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة

- ‌أرواح الشهداء وأجواف الطيور الخضر

- ‌حول تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ

- ‌من الذي صُلب: المسيح أم شبيهه

- ‌حول تكفير الصوم للخطايا

- ‌نفي النبوة عن نسل إسماعيل عليه السلام

- ‌هل بلاد العرب للمسيح عليه السلام

- ‌هل أكلت الشاة القرآن

- ‌حول إحراق عثمان المصاحف

- ‌كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه

- ‌بين قدر الله وإرادة الإنسان

- ‌الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

- ‌ذكر المرفوع بعد المنصوب

- ‌الفاعل لا يكون منصوباً

- ‌المبتدأ مؤنث والخبر مذكر

- ‌تأنيث العدد وتذكير المعدود

- ‌اسم الموصول المفرد العائد على الجمع

- ‌جزم فعل معطوف على منصوب

- ‌هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع

- ‌هل ينصب المضاف إليه

- ‌جمع الكثرة بدل جمع القلة

- ‌جمع القلة بدل جمع الكثرة

- ‌هل يجمع الاسم العلم

- ‌بين اسم الفاعل والمصدر

- ‌لا يُعطف المنصوب على المرفوع

- ‌حكمة وضع المضارع بدل الماضي

- ‌حكمة حذف جواب الشرط

- ‌هل صرف القرآن الممنوع من الصرف

- ‌حول تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌هل القرآن يوضح الواضح

- ‌هل يأتي فاعلان لفعل واحد

- ‌اعتراض على الالتفات:

- ‌حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى

- ‌كم قلباً للإنسان

- ‌الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

- ‌لماذا قطع يد السارق

- ‌معنى قوله تعالى: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌حول شهادة المرأة وضربها وميراثها

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌هل الطلاق خطأ

- ‌حول جلد الزاني والزانية

- ‌حول إباحة التسري

- ‌الحجاب الحافظ للمرأة

- ‌هل شعائر الحج من الوثنية

- ‌حول إباحة التجارة في موسم الحج

- ‌من الدي حدد وقت الحج

- ‌هل الإفاضة من أعمال الجاهلية

- ‌هل أركان الحج من الجاهلية

- ‌حول توزيع الزكاة

- ‌توجيه تفضيل الرجال على النساء

- ‌هل صلاة المسلمين تقليد وثني

- ‌حول التطهر بالتيمم

- ‌تفسير سياسي لتحويل القبلة

- ‌اعتراض على الصلوات الخمس

- ‌الصلوات وليلة المعراج

- ‌حول فرض صيام رمضان

- ‌حول حرمة الأشهر الحرم

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌حول القصاص في القتل

- ‌حكم قتل المرتد

- ‌حكم الزواج بالكتابيات

- ‌الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية

- ‌لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌لماذا ميراث المرأة نصف ميراث الرجل

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌ضرب الزوجات: لماذا؟ ومتى؟ وكيف

- ‌ماذا بعد الطلقة الثالثة

- ‌حول حجاب المرأة

- ‌حول قتال مانعي الزكاة

- ‌حول توزيع الغنائم

- ‌حول أخذ الجزية من أهل الكتاب

- ‌حول إكراه الجواري على الزنى

- ‌حول الشهود على الزنى

- ‌لماذا جلد الزاني أمام الناس

- ‌المنسوخ والناسخ في حد الزنى

- ‌هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة

- ‌حول الإعداد للأعداء

- ‌حول النهي عن موالاة الكفار

- ‌هل يدعو القرآن إلى الكراهية

- ‌حول تقبيل الحجر الأسود

- ‌حول عدم الاستعانة بالكافرين

- ‌حول انتشار الإسلامِ في العالم

- ‌حول تقاتل المسلمين

- ‌الفصل الثامن نقض المطاعن العلمية

- ‌هل لتمثال العجل خوار

- ‌أسطورة خاتم سليمان

- ‌لماذا إنكار عذاب القبر

- ‌حول ناقة صالح عليه السلام

- ‌حول إهلاك قوم مدين

- ‌كيف مُسخ اليهود قردة

- ‌حول عالم الجن

- ‌حول التداوي بالعسل

- ‌أين شهود الإسراء والمعراج

- ‌حول مهمة الهدهد زمن سليمان عليه السلام

- ‌ما هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان

- ‌حول موت سليمان عليه السلام

- ‌رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل

- ‌هل تتكلم الجبال

- ‌الله يلين الحديد لداود عليه السلام

- ‌حول نوم أصحاب الكهف

- ‌حول الريح المسخرة لسليمان عليه السلام

- ‌حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل

- ‌هل خاف يعقوب على أبنائه من العين

- ‌حول بقرة بني إسرائيل

- ‌هل الرعد ملاك

- ‌حول سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية

- ‌ما المراد بالحروف المقطعة

- ‌هل في القرآن كلام أعجمي

- ‌دعوى التناقض في القرآن

- ‌أَوَّلاً: هل يتبدَّلُ كلامُ الله

- ‌ثانياً: التفاوت في مقادير أيام الله:

- ‌ثالثاً: بين نفي الشفاعة وإثباتها في الآخرة:

- ‌رابعاً: هل أهل الجنة قليلون أم كثيرون

- ‌خامساً: هل اليهود والنصارى مؤمنون

- ‌سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:

- ‌سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌ثامناً: حول القسم بالبلد الأمين:

- ‌تاسعاً: حول المنافقين:

- ‌عاشراً: بين النهي عن الهوى وإباحته:

- ‌أحد عشر: التناقض في الخمر بين الحل والحرمة:

- ‌ثاني عشر: بين النهي عن إيذاء الكفار والأمر بقتالهم:

- ‌ثالث عشر: هل نجا فرعون أم غرق

- ‌رابع عشر: السماء والأرض أيهما خلقت أولاً

- ‌خامس عشر: هل القرآن محكم أو متشابه

- ‌حول التكرار في القرآن

- ‌هل في القرآن من كلام الآخرين

- ‌ثانياً: ماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من كللام عمر بن الخطاب

- ‌ب - ثلاث موافقات لعمر:

- ‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

- ‌حول إنزال القرآن مفرقاً

- ‌حول الكلمات الغريبة في القرآن

- ‌حول الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌2 - لماذا نسخت القبلة إلى بيت المقدس

- ‌3 - هل نسخ تمسك الرجل بزوجته

- ‌ لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام

- ‌6 - هل نسخَ تَحريمُ إِتلافِ أَشجارِ الأَعداء

- ‌7 - لا نسخ في الصلاة على غير المسلم:

- ‌حول الكلام المتشابه في القرآن

- ‌هل القرآن مثل كلام الناس

- ‌حول الاختلاف والتناقض في القرآن

- ‌مع أمثلة الفادي للاختلاف في القرآن:

- ‌الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حول حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌ما الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه

- ‌حول أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الزعم بأن القرآن وحي من الشيطان

- ‌هل مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين

- ‌اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زوجة ابنه

- ‌حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تقبيل الرسول للحجر الأسود

- ‌التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها

- ‌حول قتلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصومَه

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم

- ‌لم يطرد الرسول صلى الله عليه وسلم الفقراء والعبيد

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيطان

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذنب

- ‌حول موقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون معجزات

- ‌اتهامات الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم مسموماً

- ‌حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي

- ‌3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:

- ‌هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الانتحار

- ‌خرافة امتحان خديجة لجبريل

- ‌سخرية المجرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حول إرجاء وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم من يشاء من نسائه

- ‌هل أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال أهل الكتاب في القرآن

- ‌هل شتم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين شتموه

- ‌حول غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إشاعة إبادة الكلاب في المدينة

- ‌حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌ما معنى الأُمِّي والأميين

- ‌عودة إلى دعوى التناقض في القرآن

- ‌لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم

- ‌تَمَّ الكتاب بحمد الله وتوفيقه

الفصل: ‌ثالثا: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

؟ : وَضعَ الفادي المفترِي عنواناً مثيراً: " ما أَخَذَهُ من كُتُبِ جُهّالِ اليهود "،

وقالَ تحتَ هذا العنوان: " هاكُم جَدْولاً بالموضوعاتِ التي انتحلَها محمد،

ومكانُها في المؤلفاتِ اليهوديةِ التي أَخَذ عنها " (1) .

والموضوعاتُ التي ذكرها أَحَدَ عَشَرَ موضوعاً، وكان يذكُرُ موضِعَ كُلِّ

موضوعٍ في القرآن، وموضعَه في كتبِ اليهود.

والموضوعاتُ التي ذَكَرَها هي:

1 -

تَعَلُّمُ " قايين " من الغرابِ كيفيةَ دَفْنِ أَخيه.

وهو ابنُ آدمَ الكافر، الذي سَمّاهُ اليهودُ والنصارى " قايين "، وسَمّاهُ بعضُ المسلمين " قابيل ".

علماً أَنَّ اسْمَه لم يُذْكَرْ في القرآن.

وقد ذُكرتْ قصةُ ابْنَي آدم في سورة المائدة: 30 - 35،.

وادعى الفادي أن محمداً صلى الله عليه وسلم أخذ هذا الموضوع من الكتاب اليهودي " فرقى ربي أليعزر، فصل: 21 ".

2 -

طرحُ نمرودَ لإِبراهيمَ في النار، وعدمُ مقدرةِ النارِ على إِحراقه.

وقد ذكر هذا في السور التالية: الأنبياء 57 - 75،.

والصافات: 91 - 98،.

وادعى الفادي الجاهلُ أَنَّ قصةَ إِلقاءِ إِبراهيمَ في النارِ وَرَدَتْ في تسعِ

سُوَر، هي: البقرة: 260.

والأنعام: 74 - 84.

والأنبياء: 52 - 72.

والشعراء: 69 - 79.

والعنكبوت: 15 - 16.

والصا فات: 81 - 85.

والزخرف: 25 - 27.

والممتحنة: 4.

وهذا دليلُ جهْلِه بالعلمِ والبحثِ وبالقرآن، لأَنَّ الكلامَ ليس عن قصة إِبراهيمَ عليه السلام، ومواجهتِه لقومِه، وإِنما الكلامُ عن محاكمتِه بعد تحطيمِه الأَصنامَ، وحُكْمِهم عليه بالإِحراقِ بالنّار، وهذا لم يَرِدْ إِلّا في سورةِ الأَنبياء وسورةِ الصافات.

ولَسْنَا مع الإِخبارِيّين الذين جَعَلوا اسْمَ الملِكِ زمنَ إِبراهيم عليه السلام: " نمرود ".

(1) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:

11-

الكلام المنقول عن غيره دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة

الشبهة التى تمسكوا بها وُرُودُ مواضع بينها تشابه فى كل من التوراة والقرآن الكريم. ومن أبرزها الجانب القصصى. وبعض المواضع التشريعية تمسكوا بها، وقالوا: إن القرآن مقتبس من التوراة، وبعضهم يضيف إلى هذا أن القرآن اقتبس مواضع أخرى من " الأناجيل ".

* الرد على هذه الشبهة:

كيف يتحقق الاقتباس عموماً؟

الاقتباس عملية فكرية لها ثلاثة أركان:

الأول: الشخص المُقتَبَس منه.

الثانى: الشخص المُقتَبِس (اسم فاعل) .

الثالث: المادة المُقتَبَسَة نفسها (اسم مفعول) .

والشخص المقُتَبَس منه سابق إلى الفكرة، التى هى موضوع الاقتباس، أما المادة المقُتَبَسَة فلها طريقتان عند الشخص المُقِتَبس، إحداهما: أن يأخذ المقتبس الفكرة بلفظها ومعناها كلها أو بعضها. والثانية: أن يأخذها بمعناها كلها أو بعضها كذلك ويعبر عنها بكلام من عنده.

والمقتبس فى عملية الاقتباس أسير المقتبس منه قطعاً ودائر فى فلكه؛ إذ لا طريق له إلى معرفة ما اقتبس إلا ما ذكره المقتبس منه. فهو أصل، والمقتبس فرع لا محالة.

وعلى هذا فإن المقتبس لابد له وهو يزاول عملية الاقتباس من موقفين لا ثالث لهما:

أحدهما: أن يأخذ الفكرة كلها بلفظها ومعناها أو بمعناها فقط.

وثانيهما: أن يأخذ جزءً من الفكرة باللفظ والمعنى أو بالمعنى فقط.

ويمتنع على المقتبس أن يزيد فى الفكرة المقتبسة أية زيادة غير موجودة فى الأصل؛ لأننا قلنا: إن المقتبس لا طريق له لمعرفة ما اقتبس إلا ما ورد عند المقتبس منه، فكيف يزيد على الفكرة والحال أنه لا صلة له بمصادرها الأولى إلا عن طريق المقتبس منه.

إذا جرى الاقتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن فلاناً اقتبس منى كذا.

أما إذا تشابه ما كتبه اثنان، أحدهما سابق والثانى لاحق، واختلف ما كتبه الثانى عما كتبه الأول مثل:

1-

أن تكون الفكرة عند الثانى أبسط وأحكم ووجدنا فيها مالم نجده عند الأول.

2-

أو أن يصحح الثانى أخطاء وردت عند الأول، أو يعرض الوقائع عرضاً يختلف عن سابقه.

فى هذه الحال لا تصدق دعوى من يقول إن فلانا قد اقتبس منى كذا.

ورَدُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه، لأن المقتبس (اتهامًا) لما لم يدر فى فلك المقتبس منه (فرضاً) بل زاد عليه وخالفه فيما ذكر من وقائع فإن معنى ذلك أن الثانى تخطى ما كتبه الأول حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها واستقى منها ما استقى. فهو إذن ليس مقتبساً وإنما مؤسس حقائق تلقاها من مصدرها الأصيل ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط.

وسوف نطبق هذه الأسس التى تحكم عملية الاقتباس على ما ادعاه القوم هنا وننظر:

هل القرآن عندما اقتبس كما يدعون من التوراة كان خاضعاً لشرطى عملية الاقتباس وهما: نقل الفكرة كلها، أو الاقتصار على نقل جزء منها فيكون بذلك دائراً فى فلك التوراة، وتصدق حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة؟

أم أن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع التشابه بينهما؟ بل:

1 عرض الوقائع عرضاً يختلف عن عرض التوراة لها.

2 أضاف جديداً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.

3 صحح أخطاء " خطيرة " وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.

4 انفرد بذكر " مادة " خاصة به ليس لها مصدر سواه.

5 فى حالة اختلافه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما ذكره القرآن. والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة..

أما إذا كان الواقع هو الاحتمال الثانى فدعوى الاقتباس باطلة ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استقاء الحقائق، وعرضها فلا اقتباس لا من توراة ولا من إنجيل ولا من غيرهما.

لا أظن أن القارئ يختلف معنا فى هذه الأسس التى قدمناها لصحة الاتهام بالاقتباس عموماً.

وما علينا بعد ذلك إلا أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة والقرآن، ونطبق عليها تلك الأسس المتقدمة تاركين الحرية التامة للقارئ سواء كان مسلماً أو غير مسلم فى الحكم على ما سوف تسفر عنه المقارنة أنحن على صواب فى نفى الاقتباس عن القرآن؟.

والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلاف فى الرأى يصبح فيها كل فريق موصوفاً بالسلامة، وأنه على الحق أو شعبة من حق.

وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب النجاة لصاحبها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار يوم يقدم الله إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً.

الصورة الأولى من التشابه بين التوراة والقرآن. لقطة من قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز

تبدأ هذه اللقطة من بدء مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف عليه السلام ليفعل بها الفحشاء وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن. واللقطة كما جاءت فى المصدرين هى:

أولاً: نصوصها فى التوراة: (1)

" وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت: اضطجع معى، فأبى وقال لامرأة سيده: هو ذا سيدى لا يعرف معى ما فى البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدى، ليس هو فى هذا البيت أعظم منى. ولم يمسك عنى شيئا غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله، وكانت إذ كلمت يوسف يومًا فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها..

ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج، وكان لما رأت أنه ترك ثوبه فى يدها، وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة:

" انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إلىّ ليضطجع معى فصرخت بصوت عظيم، وكان لما سمع أنى رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج. فَوَضَعَتْ ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلىَّ العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بى عبدك أن غضبه حمى..

فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان أسرى الملك محبوسين فيه ".

نصوص القرآن الأمين

(وَرَاوَدَتْهُ التى هوَ فى بيتها عن نفسه وغلّقتِ الأبوابَ وقالتْ هيت لك قال معاذ الله إنهُ ربى أحسنَ مثواى إنهُ لايُفلحُ الظالمون *ولقد هَمَّتْ به وَهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرفَ عنهُ السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهلكَ سوءًا إلا أن يُسجن أو عذابُ أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصَه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدكُنَّ إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبكِ إنك كنتِ من الخاطئ

(2) ثم بدا لهم من بعد مارأوا الآيات لَيَسْجنُنَّهُ حتى حين) (3) .

تلك هى نصوص الواقعة فى المصدرين:

وأدعو القارئ أن يقرأ النصين مرات قراءة متأنية فاحصة. وأن يجتهد بنفسه فى التعرف على الفروق فى المصدرين قبل أن يسترسل معنا فيما نستخلصه من تلك الفروق. ثم يكمل ما يراه من نقص لدينا أو لديه فقد يدرك هو ما لم ندركه، وقد ندرك نحن ما لم يدركه وربَّ قارئ أوعى من كاتب..

الفروق كما نراها

التوراة: القرآن الأمين

المراودة حدثت مرارًا ونُصح يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة: المراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.

تخلو من الإشارة إلى تغليق الأبواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها.: يشير إلى تغليق الأبواب وأن يوسف هم بالخروج فَقَدَّتْ ثوبه من الخلف وحين وصلا إلى الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال.

لم يكن يوسف موجوداً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز.: يوسف كان موجوداً حين قدم العزيز، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة، وقال هى راودتنى عن نفسى.

تخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة: يذكر تفصيلاً شهادة الشاهد كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لامرأته وتذكيرها بخطئها. وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.

تقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم يعرض أمره على رجال حاشيته.

يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز وحاشيته.

تخلو من حديث النسوة اللاتى لُمْنَ امرأة العزيز على مراودتها فتاها عن نفسه، وهى فجوة هائلة فى نص التوراة.

يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن ينفذ رغبتها

هذه ستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن الأمين، وما ذكرته التوراة. والنظر الفاحص فى المصدرين يرينا أنهما لم يتفقا إلا فى " أصل " الواقعة من حيث هى واقعة وكفى، ويختلفان بعد هذا فى كل شىء. على أن القرآن قام هنا بعملين جليلى الشأن:

أولهما: أنه أورد جديداً لم تعرفه التوراة ومن أبرز هذا الجديد:

(1)

حديث النسوة وموقف المرأة منهن.

(2)

شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز.

ثانيهما: تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها:

(1)

لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لابساً إياه ولكن قطع من الخلف.

(2)

غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها دفاعه عن نفسه.

اعتراض وجوابه:

قد يقول قائل: لماذا تفترض أن الخطأ هو ما فى التوراة، وأن الصواب هو ما فى القرآن؟! أليس ذلك تحيزاً منك للقرآن؛ لأنه كتاب المسلمين وأنت مسلم؟ ولماذا تفترض العكس؟ وإذا لم تفترض أنت العكس فقد يقول به غيرك، وماتراه أنت لا يصادر ما يراه الآخرون. هذا الاعتراض وارد فى مجال البحث. وإذن فلابد من إيضاح.

والجواب:

لم نتحيز للقرآن لأنه قرآن. ولنا فى هذا الحكم داعيان:

الأول: لم يرد فى القرآن - قط - ما هو خلاف الحق؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقد ثبتت هذه الحقيقة فى كل مجالات البحوث التى أجريت على " مفاهيم " القرآن العظيم فى كل العصور. وهذا الداعى وحده كافٍ فى تأييد ما ذهبنا إليه.

الثانى: وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك البيان: كل من التوراة والقرآن متفقان على " عفة يوسف "وإعراضه عن الفحشاء. ثم اختلفا بعد ذلك:

فالتوراة تقول: إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب والقرآن يقول: إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف ولما لم يتوقف يوسف عليه السلام اقتطعت قطعة منه وبقيت ظاهرة فى ثوبه.

فأى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين؟! أن يترك ثوبه كله؟! أم أن يُخرق ثوبه من الخلف؟!

إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس " عفيفاً " والمرأة على حق فى دعواها؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا سليماً إلا إذا كان هو الراغب وهى الآبية.

ولا يقال إن المرأة هى التى أخلعته ثوبه؛ لأن يوسف رجل، وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة، ثم لما يمتنع تحتفظ هى بالثوب كدليل مادى على جنايته المشينة؟!

وهل خرج يوسف " عريانًا " وترك ثوبه لدى غريمته..؟!

والخلاصة أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف وهذا يتنافى مع العفة التى وافقت فيها القرآن الأمين.

أما رواية القرآن فهى إدانة صريحة لامرأة العزيز، وبراءة كاملة ليوسف عليه السلام.

لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها. فأدركته وأمسكته من الخلف وهو ما يزال فاراً هارباً من وجهها فتعرض ثوبه لعمليتى جذب عنيفتين إحداهما إلى الخلف بفعل المرأة والثانية إلى الأمام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف.

وهذا يتفق تماماً مع العفة المشهود بها ليوسف فى المصدرين ولهذا قلنا: إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد فى التوراة.

.. فهل القرآن مقتبس من التوراة؟!

فهل تنطبق على القرآن أسس الاقتباس أم هو ذو سلطان خاص به فيما يقول ويقرر؟.

المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها. وها نحن قد رأينا القرآن يتجاوز هذه الأسس فيأتى بجديد لم يذكر فيما سواه، ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه.

فليس الاختلاف فيها اختلاف حَبْكٍ وصياغة، وإنما هو اختلاف يشمل الأصول والفروع. هذا بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعانى (4) .

إن الذى روته التوراة هنا لا يصلح ولن يصلح أن يكون أساساً للذى ذكره القرآن. وإنما أساس القرآن هو الوحى الصادق الأمين. ذلك هو مصدر القرآن " الوضىء " وسيظل ذلك هو مصدره تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين فى كل عصر ومصر.

الصورة الثانية من صور التشابه بين التوراة والقرآن

قصة هابيل وقابيل ابنى آدم

نصوص التوراة:

" حدث من بعد أيام أن قابين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه، ومن سمانها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قابين. وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قابين جداً وسقط وجهه. فقال الرب لقابين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك؟ إن أحسنت أفلا رفع؟؟. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها. وكلم قابين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخى؟ فقال ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض؟؟ تعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون فى الأرض فقال قابين للرب: ذنبى أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الأرض، ومن وجهك أختفى وأكون تائهاً وهارباً فى الأرض فيكون كل من وجدنى يقتلنى فقال له الرب: لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الرب لقابين علامة لكى لا يقتله كل من وجده. فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن "(5) .

نصوص القرآن الأمين

(واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبلُ الله من المتقين * لئن بسطت إلىَّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسطٍ يدى إليك لأقتلك إنى أخافُ الله ربَّ العالمين * إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين* فطوعت له نفسهُ قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث فى الأرض ليُرِيَهُ كيف يوارى سوءة أخيه * قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارىَ سوءة أخى فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون)(6) .

الفروق بين المصدرين

اتفق المصدران حول نقطتين اثنتين لا ثالث لهما واختلفا فيما عداهما. اتفقا فى: مسألة القربان. وفى قتل أحد الأخوين للآخر. أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد فى القرآن يختلف تماماً عما ورد فى التوراة، وذلك على النحو الآتى:

التوارة/القرآن الأمين

تسمى أحد الأخوين بقابين وهو " القاتل " والثانى " هابيل " كما تصف القربانين وتحدد نوعهما./ لايسميهما ويكتفى ببنوتهما لآدم كما اكتفى بذكر القربانين ولم يحددهما.

تروى حواراً بين قابين والرب بعد قتله أخاه،وتعلن غضب الرب على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة./ لا يذكر حواراً حدث بين القاتل وبين الله، ولا يذكر أن القاتل طرده الله من وجهه إلى أرض بعيدة، إذ ليس على الله بعيد.

التوراة تخلو من أى حوار بين الأخوين./ يذكر الحديث الذى دار بين ابنى آدم ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله وتهديده لأخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلماً..

لا مقابل فى التوراة لهذه الرواية ولمْ تبين مصير جثة القتيل؟! / يذكر مسألة الغراب، الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف فى جثة أخيه، ويوارى عورته.

تنسب الندم إلى " قابين " القاتل لما هدده الله بحرمانه من خيرات الأرض، ولا تجعله يشعر بشناعة ذنبه./ يصرح بندم " القاتل " بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.

لا هدف لذكر القصة فى التوراة إلا مجرد التاريخ. فهى معلومات ذهنية خالية من روح التربية والتوجيه. /يجعل من هذه القصة هدفاً تربوياً ويبنى شريعة القصاص العادل عليها. ويلوم بنى إسرائيل على إفسادهم فى الأرض بعد مجىء رسل الله إليهم.

أضف إلى هذه ما تحتوى عليه التوراة من سوء مخاطبة " قابين" الرب، فترى فى العبارة التى فوق الخط:" أحارس أنا لأخى " فيها فظاظة لوصدرت من إنسان لأبيه لعد عاقًّا جافًّا فظًّا غليظًّا فكيف تصدر من " مربوب " إلى " ربه " وخالقه..؟!

ولكن هكذا تنهج التوراة فلا هى تعرف " قدر الرب " ولا من تنقل عنه حواراً مع الرب.

ولا غرابة فى هذا فالتوراة تذكر أن موسى أمر ربه بأن يرجع عن غضبه على بنى إسرائيل، بل تهديده إياه سبحانه بالاستقالة من النبوة إذا هو لم يستجب لأمره.

والواقع أن ما قصَّهُ علينا القرآن وهو الحق من أمر ابنى آدم مختلف تماماً عما ورد فى التوراة فى هذا الشأن.

فكيف يقال: إن القرآن اقتبس هذه الأحداث من التوراة وصاغها فى قالب البلاغة العربية؟!

إن الاختلاف ليس فى الصياغة، بل هو اختلاف أصيل كما قد رأيت من جدول الفروق المتقدم.

والحاكم هنا هو العقل فإذا قيل: إن هذه القصة مقتبسة من التوراة قال العقل:

* فمن أين أتى القرآن بكلام الشقيق الذى قتل مع أخيه، وهو غير موجود فى نص التوراة التى يُدعى أنها مصدر القرآن؟!

* ومن أين أتى القرآن بقصة الغراب الذى جاء ليُرى القاتل كيف يوارى سوءة أخيه وهى غير واردة فى التوراة المُدَّعى أصالتها للقرآن؟!

* ولماذا أهمل القرآن الحوار الذى تورده التوراة بين " الرب " وقابين القاتل وهذا الحوار هو هيكل القصة كلها فى التوراة؟!

إن فاقد الشىء لا يعطيه أبداً، وهذا هو حكم العقل. والحقائق الواردة فى القرآن غير موجودة فى التوراة قطعاً فكيف تعطى التوراة شيئاً هى لم تعرف عنه شيئاً قط..؟!

لا.. إن القرآن له مصدره الخاص به الذى استمد منه الوقائع على وجهها الصحيح، ومجرد التشابه بينه وبين التوراة فى " أصل الواقعة " لا يؤثر فى استقلال القرآن أبداً.

الصورة الثالثة من صورالتشابه بين التوراة والقرآن مقارنة بين بعض التشريعات

المحرمات من النساء

قارَنَّا فيما سبق بين بعض المسائل التاريخية التى وردت فى كل من التوراة والقرآن الأمين. وأثبتنا بأقطع الأدلة أن القرآن له سلطانه الخاص به فيما يقول ويقرر، ورددنا دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة. وبَيَّنَّا حكم العقل فى هذه الدعوى كما أقمنا من الواقع " المحكى " أدلة على ذلك.

ونريد هنا أن نقارن بين بعض المسائل التشريعية فى المصدرين؛ لأنهم يقولون: إن المسائل والأحكام التشريعية التى فى القرآن لا مصدر لها سوى الاقتباس من التوراة.

وقد اخترنا نص المحرمات من النساء فى التوراة لنقابله بنص المحرمات من النساء فى القرآن الحكيم ليظهر الحق.

النص فى المصدرين

أولاً: فى التوراة:

" عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. إنها أمك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أبيك لا تكشف. إنها عورة أبيك. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت، أو المولودة خارجاً لا تكشف عورتها. عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك لا تكشف عورتها إنها عورتك. عورة بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك لا تكشف عورتها إنها أختك. عورة أخت أبيك لا تكشف إنها قريبة أبيك. عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك لا تكشف، إلى امرأته لا تقرب إنها عمتك. عورة كنتك لا تكشف. إنها امرأة ابنك لا تكشف عورتها.

عورة امرأة أخيك لا تكشف إنها عورة أخيك. عورة امرأة، وبنتها لا تكشف، ولا تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما قريبتاها. إنه رذيلة. ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها فى حياتها (7) .

ثانياً: فى القرآن الحكيم:

(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ماقد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيما والمحصنات من النساء..)(8) .

هذان هما النصان فى المصدرين. نص التوراة، ونص القرآن الحكيم. فما هى أهم الفروق بينهما ياترى؟!

وقبل إجراء المقارنة نفترض صحة النص التوراتى وخلوه من التحريف إذ لا مانع أن يكون هذا النص فعلاً مترجماً عن نص أصلى تشريعى خلا مترجمه من إرادة تحريفه.

والمهم هو أن نعرف هل يمكن أن يكون نص التوراة هذا أصلاً اقتبس منه القرآن الحكيم فكرة المحرمات من النساء، علماً بأن النص التوراتى قابل إلى حد كبير لإجراء دراسات نقدية عليه، ولكن هذا لا يعنينا هنا.

الفروق بين المصدرين:

التوراة:

1-

لا تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة.

2-

تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة.

3-

تحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه.

4-

لا تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم قائم.

5-

تجعل التحريم غالباً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة الأب الأم العم 000 وهكذا.

القرآن الأمين:

1-

يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.

2-

لا يحرم نكاح امرأة العم ولا يدعوها عمة.

3-

لا يحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه.

4-

يحرم نكاح المتزوجات فعلاً من آخرين زواجاً قائماً ويطلق عليهن وصف المحصنات من النساء.

5-

يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه. أو قرابة زوجته أحياناً.

هذه الفروق الواضحة لا تؤهل النص التوراتى لأن يكون أصلاً للنص القرآنى، علميًّا، وعقليًّا، فللنص القرآنى سلطانه الخاص ومصدره المتميز عما ورد فى التوراة. وإلا لما كان بين النصين فروق من هذا النوع المذكور.

وقفة مع ما تقدم:

نكتفى بما تقدم من التوراة وإن كانت التوراة مصدراً ثَرَاً لمثل هذه المقارنات، ولو أرخينا عنان القلم لما وقفنا عند حد قريب ولتضاعف هذا

الحجم مئات المرات. ومع هذا فما من مقارنة تجرى بين التوراة وبين القرآن إلا وهى دليل جديد على نفى أن يكون القرآن مقتبساً من كتاب سابق عليه، فالقرآن وحى أمين حفظ كلمات الله كما أنزلت على خاتم النبيين (وقد رأينا فى المقارنات الثلاث المتقدمة أن القرآن فوق ما يأتى به من جديد ليس معروفاً فى سواه إنه يصحح أخطاء وقعت فيما سواه وهذا هو معنى " الهيمنة " التى خَصَّ الله بها القرآن فى قوله تعالى:(مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه)(9) .

فالأمور التى لم يلحقها تحريف فى التوراة جاء القرآن مصدقاً لها أو هو مصدق لكل من التوراة والإنجيل بالصفة التى أنزلها الله عليهما قبل التحريف والتبديل.

أما الأمور التى حُرفت، وتعقبها القرآن فقصها قصًّا صحيحاً أميناً، وصحح ما ألحقوه بهما من أخطاء، فذلك هو سلطان " الهيمنة " المشهود للقرآن بها من منزل الكتاب على رسله.

فالقرآن هو كلمة الله " الأخيرة " المعقبة على كل ما سواها، وليس وراءها معقب يتلوها؛ لأن الوجود الإنسانى ليس فى حاجة مع وجود القرآن إلى غير القرآن.

كما أن الكون ليس فى حاجة مع الشمس إلى شمس أخرى تمده بالضوء والطاقة بعد وفاء الشمس بهما.

ولنأخذ صورة مقارنة من العهد الجديد أيضًا حيث يختلف عن العهد القديم وذلك لأن نص الإنجيل الذى سندرسه يقابله من القرآن نصان كل منهما فى سورة مما يصعب معه وضع النص الإنجيلى فى جدول مقابلا بالنصين القرآنيين. ولهذا فإننا سنهمل نظام الجدول هنا ونكتفى بعرض النصوص، والموازنة بينها والموضوع الذى سنخضعه للمقارنة هنا هو بشارة زكريا عليه السلام بابنه يحى عليه السلام وذلك على النحو الآتى:

الصورة الرابعة من الإنجيل والقرآن

بشارة زكريا ب " يحيى " عليهما السلام

النص الإنجيلى:

" لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد. إذ كانت اليصابات يعنى امرأة زكريا عاقراً. وكان كلاهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر، وكان كل جمهور الشعب يصلى خارجاً وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لاتخف يا زكريا؛ لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ولداً وتسميه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج. وكثيرون سيفخرون بولادته؛ لأنه يكون عظيماً أمام الرب. وخمراً ومسكراً لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء. والعصاة إلى فكر الأبرار، لكى يهئ للرب شعباً مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا وأنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها..؟!

فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف قدام الله. وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامى الذى سيتم فى وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل. فكان يومئ إليهم. وبقى صامتاً.." (10) .

النصوص القرآنية:

(1)

سورة آل عمران:

(هنالِكَ دعا زكريا ربَّهُ قال رب هب لى من لدُنك ذريةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يُبشرك بيحيى مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيداً وحصوراً ونبيًّا من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غلامٌ وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر قال كذلِكَ الله يفعلُ ما يشاء * قال ربِّ اجعل لى آية قال آيتك ألا تُكلم الناسَ ثلاثةَ أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشى والإبكار)(11) .

(2)

سورة مريم:

(ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا * وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقراً فهب لى من لدنك وليًّا * يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيًّا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا * قال رب أًنَّى يكون لى غلام وكانتً امرأتى عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيًّا * قال كذلكَ قال ربكَ هو علىَّ هينٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا * وحناناً من لدنَّا وزكاةً وكان تقيًّا * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيًّا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًّا)(12) .

ذلك هو نص الإنجيل. وذان هما نصا القرآن الأمين. والقضية التى نناقشها هنا هى دعوى " الحاقدين " أن القرآن مقتبس من الأناجيل كما ادعوا قبلا أنه مقتبس من التوراة.

وندعو القارئ أن يراجع النص الإنجيلى مرات، وأن يتلو النصوص القرآنية مرات، ويسأل نفسه هذا السؤال:

هل من الممكن علميًّا وعقليًّا أن يكون النص الإنجيلى مصدرًا لما ورد فى القرآن الأمين؟!

إن المقارنة بين هذه النصوص تسفر عن انفراد النصوص القرآنية بدقائق لا وجود لها فى النص الإنجيلى. ومن أبرز تلك الدقائق ما يلى:

أولاً: فى سورة آل عمران:

(أ) تقدم على قصة البشارة فى" آل عمران" قصة نذر امرأة عمران ما فى بطنها لله محرراً. وهذا لم يرد فى النص الإنجيلى.

(ب) الإخبار بأنها ولدت أنثى " مريم " وكانت ترجو المولود ذكرا وهذا لم يأت فى النص الإنجيلى.

(ج) كفالة زكريا للمولودة "مريم " ووجود رزقها عندها دون أن يعرف مصدره والله سبحانه وتعالى أعلم سؤاله إياها عن مصدره. وهذا بدوره لم يرد فى النص الإنجيلى.

(د) القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا وبين قصة مولودة امرأة عمران. وهذا لا وجود له فى النص الإنجيلى.

(هـ) دعاء زكريا منصوص عليه فى القرآن وليس له ذكر فى النص الإنجيلى.

ثانياً: فى سورة مريم:

(أ) ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا، وهو أن يرثه ويرث من آل يعقوب. ولم يرد هذا فى النص الإنجيلى.

(ب) السبب الذى حمل زكريا على دعاء ربه وهو خوفه الموالى من ورائه والنص الإنجيلى يخلو من هذا.

(ج) كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا. ولا وجود لهذا فى النص الإنجيلى.

(د) الثناء على المولود " يحيى " من أنه بار بوالديه عليه سلام الله يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا ورد فى القرآن ولا مقابل له فى النص الإنجيلى.

هذا كله جديد خاص بالقرآن لا ذكر له فى سواه. وهذا يعنى أن القرآن قد صور الواقعة المقصوصة تصويراً أمينًا كاملاً.

وهذه هى المهمة الأولى التى تعقب بها القرآن المهيمن ما ورد فى الإنجيل المذكور.

وبقيت مهمة جليلة ثانية قام بها القرآن المهيمن نحو النص الإنجيلى، كما قام بمثلها نحو النصوص التوراتية المتقدمة. وتلك المهمة هى: تصحيح الأخطاء التى وردت فى النص الإنجيلى.

ومن ذلك:

(أ) النص الإنجيلى يجعل الصمت الذى قام بزكريا عقوبة له من الملاك.

فصحح القرآن هذه الواقعة، وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه. وقد حرص على هذا النصان القرآنيان معاً. ففى آل عمران (قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً (وفى مريم: (قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا (.

فالصمت فكان تكريما لزكريا عليه السلام من الله، وليس عقوبة من الملاك، وقد انساق بعض مفسرى القرآن الكريم وراء هذا التحريف الإنجيلى فقال: إن الصمت كان عقوبة لزكريا، ولكن من الله لا من الملاك.

وها نحن نرفض هذا كله سواء كان القائل به مسلما أو غيرمسلم.

فما هو الذنب الذى ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من الملاك؟!

هل إقراره بكبر سنه وعقر امرأته هو الذنب؟!

لقد وقع هذا من إبراهيم عليه السلام حين بشر بإسحق، ووقع من سارة حين بشرت به فلم يعاقب الله منهما أحداً.

وقد وقع هذا من " مريم " حين بُشِّرَتْ بحملها بعيسى ولم يعاقبها الله عليه. فما السر فى ترك إبراهيم وسارة ومريم بلا عقوبة وإنزالها بزكريا وحده مع أن الذى صدر منه صدر مثله تماماً من غيره.

أفى المسألة محاباة..؟! كلا.. فالله لا يحابى أحداً.

إن أكبر دليل على نفى هذا القول هو خلو النصوص القرآنية منه، وليس هذا تعصباً منا للقرآن. وإنما هو الحق، والمسلك الكريم اللائق بمنزلة الرسل عند ربهم.

إن الصمت الذى حل بزكريا كان بالنسبة لتكليم الناس، ومع هذا فقد ظل لسانه يلج بحمد الله وتسبيحه فى العشى والإبكار كما نص القرآن الأمين.

(ب) النص الإنجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم أن ولد يحيى.

وهذا خطأ ثانٍ صححه القرآن المهيمن فجعل مدته ثلاثة أيام بلياليهن بعد الخروج من المحراب.

(ج) النص الإنجيلى يجعل البشارة على لسان ملاك واحد، بينما النصان القرآنيان يجعلانها على لسان جمع من الملائكة:(فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب)(13) .

(يا زكريا إنا نبشرك بغلام..)(14) .

وهذا خطأ ثالث وقع فيه النص الإنجيلى فصححه القرآن الأمين.

(د) النص الإنجيلى يجعل التسمبة ب " يحيى " يوحنا من اختيار زكريا بيد أن الملاك قد تنبأ بها.

وهذا خطأ رابع صححه القرآن الأمين فجعل التسمية من وحى الله إلى زكريا: (.. اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا)(15) .

(هـ) النص الإنجيلى يقول: " إن زكريا حين جاءه الملاك وقع عليه خوف واضطراب ".

وقد خلا النص القرآنى من هذا.. فدل خلوه منه على أنه لم يقع.

ذلك أن القرآن الحكيم عَوَّدَنَا فى قَصِّهِ للوقائع المناظرة لهذه الواقعة أن يسجلها إذا حدثت ولا يهملها، بدليل أنه قد نَصَّ عليها فى واقعة السحرة مع موسى عليه السلام فقال:(فأوجس فى نفسه خيفة موسى)(16) . وقال فى شأنه كذلك عند انقلاب العصى حية لأول مرة: (فلما رآها تهتز كأنها جَانُّ وَلَّى مُدبِراً ولم يُعَقِّبْ)(17) . وحكاها عن إبراهيم عليه السلام حين جاءته الملائكة تبشره فقال حكاية عن إبراهيم لضيوفه: (إنا منكم وجلون)(18) . وحكاها عن مريم حين جاءها الملك: (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا)(19) .

وحِرْصُ القرآن على ذكر هذا الانفعال (الخوف، إذا حدث) يدل على أن خلوه منه بالنسبة لزكريا دليل على أنه لم يقع منه خوف قط، وهذا " الخلو "يعتبر تصحيحاً لما ورد فى الإنجيل من نسبة حدث إلى زكريا هو فى الواقع لم يصدر منه.

فهذه خمسة أخطاء قام بتصحيحها القرآن الأمين نحو نصوص الإنجيل المذكورة هنا فى المقارنة. وبهذا نقول:

إن القرآن أدى هنا فى تعقبه للنص الإنجيلى مهمتين جليلتين:

الأولى: تصوير الواقعة المقصوصة تصويراً أميناً كاملاً.

الثانية: تصحيح الأخطاء الواردة فى النص الإنجيلى المقارن.

وقفة أخيرة مع دعوى الاقتباس:

موضوع الدعوى كما يروج لها المبشرون أن القرآن اقتبس من الكتاب المقدس كل قَصَصِهِ التاريخى.

والواقعة التى هى موضوع دعوى الاقتباس هنا هى حادثة تاريخية دينية محددة ببشارة زكريا عليه السلام بيحيى عبد الله ورسوله ووثائق تسجيلها هما: الإنجيل، ثم القرآن الأمين.

وصلة الإنجيل بالواقعة المقصوصة أنه سجلها فرضًا بعد زمن وقوعها بقليل؛ لأن عيسى كان معاصراً ليحيى عليهما السلام وصلة القرآن الأمين بها أنه سجلها بعد حدوثها بزمن طويل " حوالى سبعمائة سنة ".

وقرب الإنجيل من وقوع الحادثة المقصوصة، وبُعد القرآن الزمنى عنها يقتضى إذا سلمنا جدلاً بدعوى الاقتباس المطروحة أن يأتى الاقتباس على إحدى صورتين:

أولاهما: أن يقتبس القرآن جزءًا مما ورد من القصة الكلية فى الإنجيل. وتظل القصة فيه ناقصة عما هى عليه فى المصدر المقتبس منه (الإنجيل) على حسب زعمهم.

ثانيهما: أن يقتبس القرآن القصة كلها كما هى فى الإنجيل بلا نقص ولا زيادة، سواء أخذها بألفاظها أو صاغها فى أسلوب جديد (البلاغة العربية كما يدعون) ، بشرط أن يتقيد بالمعانى الواردة فى المصدر المقتبس منه؛ لأن الفرض قائم (حتى الآن) على أن القرآن لم يكن له مصدر يستقى منه الواقعة غير الإنجيل المقتبس منه.

ومحظور على القرآن عملا بهذه القيود التى تكتنف قضية الاقتباس للوقائع التاريخية من مصدرها الأوحد أن يأتى بجديد أو يضيف إلى الواقعة ما ليس فى مصدرها الأوحد.

فماذا صنع القرآن إذن؟

هل اقتبس من الإنجيل جزءًا من الواقعة؟ أم الواقعة كلها؟!

دائراً فى فلك الإنجيل دورة ناقصة أو دورة كاملة؟!

لو كان القرآن قد فعل هذا: اقتبس جزءاً من الواقعة كلها، وَلَوْ مع صياغة جديدة لم تغير من المعنى شيئا؛ لكان لدعوى الاقتباس هذه ما يؤيدها من الواقع القرآنى نفسه. ولما تردد فى تصديقها أحد.

ولكننا قد رأينا القرآن لم يفعل شيئًا مما تقدم. لم يقتبس جزءاً من الواقعة ولا الواقعة كلها.

وإنما صورها تصويراً أميناً رائعاً. سجل كل حقائقها، والتقط بعدساته كل دقائقها. وعرضها عرضاً جديداً نقيًّا صافياً، وربط بينها وبين وقائع كانت كالسبب الموحد لها فى بناء محكم وعرض أمين.

ولم يقف القرآن عند هذا الحد.. بل قام بإضافة الكثير جدًّا من الجديد الذى لم يعرفه الإنجيل. وصحح كثيراً من الأخطاء التى وردت فيه بفعل التحريف والتزوير. إما بالنص وإما بالسكوت. وهذا لا يتأتى من مقتبس ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه.

وإنما يتأتى ممن له مصدره ووسائله وسلطانه المتفوق، بحيث يتخطى كل الحواجز، ويسجل الواقعة من " مسرحها " كما رآها هو، وعقلها هو، وسجلها هو. وكان هذا هو القرآن.

إن المصدر الوحيد للقرآن هو الوحى الصادق الأمين.. وليس ما سجله الأحبار والكهان، والفريسيون، والكتبة فى توراة أو أناجيل.

إن مقاصد القرآن وتوجيهاته وكل محتوياته ليس فى التوراة ولا فى الإنجيل منها شىء يذكر. وفاقد الشىء لا يعطيه. هذا هو حكم العقل والعلم، ومن لم يخضع لموازين الحق من عقل وعلم ونقل فقد ظلم نفسه. اهـ (شبهات المشككين) .

_________

(1)

سفر التكوين الإصحاح (39) الفقرات (7 19) .

(2)

لم نذكرالنص القرآنى الخاص بحديث النسوه إذ لا مقابل له فى التوراة.

(3)

يوسف: 23-29 ثم آية 35.

(4)

تأمل عبارة التوراة " اضطجع معى " تجدها مبتذلة فاضحة تكاد تجسم معناها تجسيماً. ثم تأمل عبارة القرآن (وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه (تجدها كناية لطيفة شريفة بعيدة عن التبذل والإسفاف. والألفاظ أوعية المعانى والمعانى ظلال الألفاظ..

(5)

سفر التكوين (4-3-16)

(6)

المائدة: 27-32.

(7)

سفر اللاويين (18 7 18) .

(8)

النساء: 22-24.

(9)

المائدة: 48.

(10)

إنجيل لوقا (7- 22) الإصحاح الأول.

(11)

آل عمران: 38-41. وراجع قبله الآيات من 35-37 للأهمية

(12)

مريم: 8 - 15

(13)

آل عمران: 39.

(14)

مريم: 7.

(15)

مريم: 7.

(16)

طه: 67.

(17)

القصص: 31.

(18)

الحجر: 52.

(19)

مريم: 18.

ص: 579

وهو الذي أَشارَ له قولُه تعالى:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، ويُلاحَظُ أَنَّ الآيةَ لم تَذْكُر اسْمَه، وبما أَنَّ اسْمَه لم يَرِدْ في حَديثٍ صَحيحٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإِنَّنا نتوقَّفُ في ذِكْرِ اسْمِه، ونَجعل ذلك من مبهمات القرآن، ونقول: الله أعلم باسمه.

وادَّعى الفادي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتاب اليهودي: " مدراس رباه " فصل: 14.

في تفسير تك: 15 - 17.

ولا أَدري من أَيْنَ أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتابَ اليهودي، وهو الأُمّيُّ، والكتابُ المذكورُ مجهول عند حاخاماتِ اليهود؟!.

3 -

اجتماعُ سليمانَ عليه السلام مع رجال جيشهِ من الجنِّ والإِنسِ والطير، وقصةُ الهدهدِ معَ ملكةِ سبأ، وإِحضاره عرشَ ملكةِ سبأ.

وقد وَرَدَ هذا الموضوعُ في سورةِ النمل: 17 - 44،.

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ قصةَ سليمانَ عليه السلام مع ملكةِ سبأ من الكتابِ اليهودي: " الترجوم الثاني عن كتاب أَستير ".

ولا أَدري كيفَ قرأَ الرسولُ الأُميُّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم هذا الكتابَ اليهوديَّ المفقودَ، الذي لم يكنْ موجوداً عند اليهودِ في الحجاز؟!.

4 -

لم يُحسن الفادي الجاهلُ فَهْمَ إِشارةِ القرآنِ إِلى قصةِ الملَكَيْن اللَّذَيْنِ

أَنزلهما اللهُ في مدينة بابل، والتي وردَتْ في الآيةِ:(96) من سورة البقرة.

وأَخَذَ تفاصيل إِسرائيلية باطلة، واتهمَ الملَكَيْن هاروت وماروت بالباطل.

قال عنهما: " تَركيبُ الشهوةِ في الملاكين هاروت وماروت، وارتكابُهما شربَ الخمرِ والزنى والقتلَ وتعليمَ الناس السحر ".

وادَّعى الجاهلُ أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ قصةَ هاروتَ وماروت من الكتابِ اليهودي: " مدراس بلكوت ": الفصل: 44.

وكَذَبَ اليهودُ في اتهامِهم المَلَكَيْن هاروتَ وماروتَ بارتكابِ جرائمِ

شربِ الخمرِ والزنى والقتل، بعدَ أَنْ رَكَّبَ اللهُ فيهما الشهوة.

ويَجِبُ علينا أَنْ

ص: 580

نَبقى مع الإِشارةِ القرآنيةِ المجملةِ إِلى قصتهما، فهما مَلَكان كريمان، أَنزلَهما اللهُ من السماء على أَهل بابل، ليُحَذِّراهم من السحر، ويَنْهَيَاهُمْ عن ممارستِه، ثم صَعَدا إِلى السماء مَلَكَيْن كريمَيْن، لم يَفْعَلا ذنباً، ولم يرتكبا فاحشة.

5 -

وَرَدَ رفعُ جبلِ الطورِ فوقَ رؤوسِ اليهودِ في سورة البقرة: (63)

و (93) .

وفي سورة الأعراف: (155) و (171) .

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهودي: " عبوداه زاراه ": الفصل الثاني.

6 -

ذَكَرَ القرآنُ عبادةَ بني إِسرائيل العجلَ الذهبيَّ الذي له خُوار، أَثناءَ

غيبةِ موسى عليه السلام عنهم، ذاهباً إِلى جبلِ الطور.

وورد ذلك في سورة الأعراف: (148 - 153) .

وورد في سورة طه: (86 - 98) .

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهودي: " فرقى ربي أليعازر. فصل: 45 ".

7 -

ذَكَرَ القرآنُ أَنَّ اللهَ جَعَلَ من السماءِ سبعَ سمواتٍ في أَكثرَ من آية،

منها آيةُ (29) من سورة البقرة.

كما ذَكَرَ أَنَّ لجهنَّمَ سبعةَ أَبواب، كما وردَ في آيةِ (44) من سورة الحجر.

وَزَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهوديِّ " حكيكا 5 " باب: 9. فصل: 2.

وكتاب: " زوهر " فصل: 2.

8 -

أَخبرَ اللهُ أَنه لما خَلَقَ السمواتِ والأَرضَ كان عرشُه على الماء.

وَوَرَدَ هذا في الآية من سورةِ هود.

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من كتابِ اليهود: " تفسير راشي في تك " 1: 2.

9 -

تكلَّمَ القرآنُ عن أَصحابِ الأَعراف، وما يقولونَه لأَصحابِ الجنة

وأَصحابِ النار.

وَوَرَدَ هذا في سورةِ الأَعراف: آيات 46 - 49،.

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهوديِّ: " مدراس تفسير جامعة 7: 14 ".

ص: 581

10 -

أَخبرَ اللهُ أَنَّ علامةَ بَدْءِ الطوفان زَمَنَ نوحٍ عليه السلام هو فورانُ الماءِ من وسطِ التَّنّور.

وَوَرَدَ هذا في سورةِ هود، آية (45) .

وادَّعى الفادي الجاهلُ أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهودي: " روش هشاناه " فصل 2: 16.

11 -

أَشارَ القرآنُ إِلى أَن اللهَ حَفِظَ القرآنَ المجيدَ في اللوحِ المحفوظِ

عنده، وَوَرَدَ هذا في آيَتَى (21 - 22) من سورةِ البروج.

وادَّعى الفادي المفتري أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليهودي: " فرقي أبوت " باب: 5، فصل:6.

والكتبُ اليهوديةُ التي ذَكَرَها الفادي المفترِي لا يَعرفُها معظمُ الأَحْبارِ

والحاخامات اليهود، ولم تكنْ موجودةً عند اليهودِ في بلادِ الحجاز، فمن أَيْنَ

اطَّلَعَ عليها محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟!!

ومِنْ مَنْ أَخَذَها، وهو لم يُجالس اليهودَ والنصارى في مكة؟

وكيف يَقرأُ فيها باللغةِ العبرية وهو الأُمِّيُّ الذي لم يَقْرَا ولم يَكتبْ باللغةِ

العربية؟!.

رابعاً: ماذا أَخدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب النصارى؟

:

ادّعى الفادي المفترِي أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بعضَ موضوعاتِ القرآنِ من " كتب جهلة المسيحيين " على حَدِّ قولِه.

وذَكَرَ خمسة موضوعاتٍ في القرآن، وذكر في مقابلِها الكتبَ النصرانيةَ التي أَخَذَ منها.

1 -

ادَّعى أَنَّ قصةَ أَصحابِ الكهف التي وَرَدَتْ في سورةِ الكهف 91 -

26، أَخَذَها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الكتابِ النصرانيِّ:" مجد الشهداء " فصل: 95. تأليف غريغوريوس.

2 -

ذَكَرَ القرآنُ قصةَ مريم، منذُ أَنْ كانَتْ جَنيناً في رَحِمِ أُمِّها، إِلى أَنْ

كفَّلَها اللهُ زكريا عليه السلام، وَوَرَدَ هذا في الآيات: 351 - 48، من سورة آل عمران.

ص: 582

وزَعَمَ الفادي الجاهلُ أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ النصراني: " بروت يو أنجيليون ": إصحاح: 3، 4، 5، 7، 8، 19، 11، 15.

3 -

ذَكَرَ القرآنُ حَمْلَ مريمَ بعِيسى عليه السلام، وكيف انْتَبَذَتْ من أَهْلِها مكاناً قصياً، وكيفَ أَنجبتْ عيسى، وبماذا أَرشدها وليدُها.

وَوَرَدَ هذا في آياتِ (16 - 26) من سورة مريم) .

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من الكتاب النصراني: " حكاية مولد مريم وطفولة المخلص " الفصل: 25.

4 -

ذَكَرَ القرآنُ أَنّ عيسى عليه السلام كانَ يَصنعُ من الطينِ كهيئةِ.

الطير، ثم يَنفخُ فيه فيكونُ طَيْراً بإِذنِ الله.

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَْخَذَ هذا الموضوعَ من الكتابِ اليوناني: " بشارة هوما الإسرائيلي ". فصل: 2.

5 -

صَرَّحَ القرآنُ بأَنَّ اليهودَ والرومانَ لم يَقْتُلوا عيسى عليه السلام ولم يَصْلُبوه، وإِنما شُبّهَ لهم، فقَتَلوا وصَلَبوا الشَّبيه.

وَوَرَدَ هذا في آية (157) من سورة النساء.

وادَّعى الفادي المفترِي أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا الموضوعَ من رجل نصراني اسْمُه " باسيليوس ".

قال عنه: " حَسْبَ بدعةِ باسيليوس، الذي قالَ: إِنَّ

المسيحَ أُلْقِيَ شَبَهُهُ على " سمعان القيرواني "، فصُلِبَ بَدَنُه، لأَنَّ المسيحَ ليس له جَسَدٌ حقيقي، بل أُخذ شبه جسد ".

وكيفَ يَدّعي هذا المفترِي أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قرأَ كُتُباً نصرانية متخصصةً بعدَّةِ لغات، في أَماكنَ خاصة، في كنائسَ عديدة، في بلادِ الشامِ ومصر، بل وفي اليونان! وكأَنَّ النبيَّ الأُمّيَّ عليه السلام كان عالماً بعدةِ لُغاتٍ؟

منها: الآرامية واليونانية، اللَّتين كُتبت بهما الأَناجيل! وكأَنه صلى الله عليه وسلم سافَرَ إِلى كنائسِ الشام ومصر واليونان، وتَعَلَّمَ من رُهبانِها تلك الكتب، وأَخَذَ من كُلّ كتابٍ أَشطُراً أو صفحات!!

ص: 583

لا أَدري أَينَ ذهبَ عَقْلُ هذا الفادي المفترِي وهو يكتبُ هذا الكلام؟!.

خامساً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب الفرس؟ :

ادَّعى الفادي المجرمُ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ كَثيراً من القرآنِ من كتب الفرس، وأَنه سَمِعَ قَصَصَ ملوكِ الفرسِ وعَقَائِدَهُمْ من الناسِ حولَه، ثم أَلَّفَ منها قرآنَه.

قالَ المجرم: " ومن المعلوم أَنَ الفرسَ كانوا مُتَسَلِّطينَ على كثيرٍ من

قبائلِ العرب، قبلَ مولدِ محمدٍ وفي عصره، فانتشرَتْ قَصصُ ملوكهِم

وعقائِدُهُمْ وخرافاتُهم بين العرب، فتركَتْ تأثيرها على محمد، وَدوَّن منها

الشيءَ الكثيرَ في قرآنِه ".

ومَن الذي اكتشفَ محمداً صلى الله عليه وسلم وهو يَسطو على قَصصِ الفرسِ ويَضَعُها في قرآنِه، كما يَدَّعي الفادي المجرم؟

إِنه الزعيمُ القرشي " النَّضرُ بنُ الحارث "!

قالَ المجرم: " يَشهدُ القرآنُ أَنَّ النَّضْرَ بنَ الحارث كان يُعَيِّرُ محمداً بأَنه ناقلُ

أَقوالِ الفرس، ولم يأخُذ من الوحيِ شيئاً

وكان النَّضرُ بنُ الحارث يُحَدِّثُ الناسَ عن أَخبارِ ملوكِ الفرس، ثم يقول: واللهِ ما محمدٌ بأَحسنَ حَديثاً منّي، وما حديثُه إِلّا أَساطيرُ الأَولين، اكتتَبَها كما اكْتَتَبْتُها..

فردَّ عليه محمدٌ في قرآنِه بقولِه: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) .

وجعل يسب النضر قائلاً: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) ".

يُصَرّحُ المجرمُ في الفقرةِ السابقةِ أَنَّ القرآنَ ليسَ وحياً من عندِ الله، وإِنما

هو من صياغةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولذلك قالَ: " فَرَدَّ عليه محمدٌ في قراَنِه بقولِه: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) ".

أَيْ أَنَّ هذه الآيةَ من سورةِ القلمِ من تأليفِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، هو الذي صاغَها وَوَضَعَها في سورةِ القلم.

وسَجَّلَ المجرمُ آيتَيْن من سورةِ الجاثية اعتبَرَهما " سَبَّاً " صاغَهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وشَتَمَ به النَّضْرَ بنَ الحارِث، وَوَضَعَهُ في السورة.

وصَدَّق المفترِي افتراءَه، وجعلَه حقيقةً يَقينيَّة، ورَتَّبَ عليه نتائجَ اعتبرها

ص: 584

قاطعة، ولذلك قالَ: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يَسمحُ محمدٌ لنفسِه أَنْ يَشْتُمَ النَّضْرَ، وقد اقتبسَ في قرآنِه من أَساطيرِ الفرس، ما كان من معراج أَرتيوراف، وَوَصْفَ الفردوس بِحورِه ووِلْدانِه؟

وقد جَعَلَ محمدٌ فِعْلاً مُعَلِّمَه " سلمانَ الفَارسيَّ " واحداً من الصحابة؟ ".

وللردّ على المفترِي المجرمِ نقول: لم يَشْتُم الرسولُ صلى الله عليه وسلم النَّضْرَ بْنَ الحارث، لأَنه لم يكن سَبّاباً ولا لَعّاناً ولا شاتِماً، ولم يكنْ فاحِشاً بذيءَ اللسان، وكان كَلامُه كلُّه رِقَّةً وأَدَباً وذوقاً، ولم تَصدُرْ عنه كلمةٌ واحدةٌ جارحة..

وأَخطأَ الفادي المجرمُ الجاهلُ في زعمِه أَنَّ آيةَ سورةِ القلمِ وآيتيْ

سورةِ الجاثية السابقة نزلَتْ في النَّضْرِ بنِ الحارثِ.

وقد وَرَدَتْ بعضُ الرواياتِ في أَنَّ الذي نزلَ في النَّضرِ بنِ الحارث قولُه

تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) .

ولكنَّ الراجحَ أَنه لم يَنْزلْ فيه، كما أَنه لم ينزلْ فيه آياتُ سورةِ القلمِ

والجاثية..

ولم تَصحّ قصةُ النضرِ بن الحارث، وأَنه كان " يُشَوِّشُ " على

رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بما كانَ يَحكي للناسِ من قَصصِ مُلوكِ الفرس، ولم يَصِحّ إِنزالُ آياتٍ في قصته.

ولكنَّ الفادي جاهل، وهو لجهلِه يَعتمدُ على رواياتٍ موضوعة، وأَخبارٍ

باطلة، ويَبْني عليها اتهاماتِه ضِدَّ القرآنِ والرسولِ صلى الله عليه وسلم، وهو يَجمعُ بينَ الجهلِ والحِقْدِ والافتراءِ والادّعاء!!.

أ - هل أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حادثة المعراج من الفرس؟ :

ادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم لم تَحْدُثْ له حادثةُ الإِسراءِ والمعراج، وإنما قرأَ هذه القصةَ في كتابٍ فارسي، بلغةٍ فارسية، ونَسَبَها لنفسه، وادَّعى أَنه هو الذي عُرِج به!!.

ص: 585

لِنقرأ هذه الفقرةَ الفاجرةَ من كلامِ الفادي الفاجر: " جاءَتْ قصَّةٌ فارسيةٌ

قديمةٌ في كتابٍ باللغةِ الفارسية، اسْمُه:" أرتيوراف نامك "، كُتِبَ سنةَ أَربعمئةٍ قبلَ الهجرة، وموضوعُ القصةِ أَنَّ المجوسَ أَرْسَلوا روحَ " أَرتيوراف " إِلى السماءِ، وَوَقَعَ على جسدِه سُبات، وكان الغرضُ من رحلتِه هو الاطلاع على كُلِّ شيء في السماء، والإِتيانَ بأَنبائِها..

فعَرَجَ إِلى السماء، وأَرشَدَهُ أَحَدُ رؤساءِ الملائكة، فَجالَ من طبقة إِلى طبقة، وترقى بالتدريج إِلى أَعلى فأَعلى

ولما اطَّلَعَ على كُلِّ شيء أَمَرَه " أُورمَزْد " الإِلهُ الصالحُ أَنْ يَرجعَ إِلى

الأَرضِ، ويُخبرَ الزرادشتيةَ بما شاهَد.

فأَخَذَ محمدٌ قصةَ مِعْراج " أَرتيوراف "، وجَعَلَ نفسَه بَطَلَها!

وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) .

وقال محمدٌ في الحديثِ عن ليلةِ الإِسراء: " أُتِيتُ بدابَّةٍ دونَ البَغْلِ وفَوْقَ

الحمارِ، أَبيض يُقالُ له: البُراق، يَضَعُ خَطْوَهُ عند أَقصى طَرْفِه، فجلَسْتُ عليه، فانْطلَقَ بي جبريل، حتى أَتى السماءَ الدنيا، فاستفتَحَ ورأى آدم، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الثانية، فرأيتُ عيسى ويحيى، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الثالثة فرأيتُ يوسف، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الرابعة فرأيتُ إِدريس، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ الخامسة فرأيتُ هارونَ، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ السادسة فرأيتُ موسى، ثم صَعَدَ بي إِلى السماءِ السابعةِ فرأيتُ إِبراهيم، ثم رجعْتُ إِلى سدرةِ المنتهى، فرأيتُ فيها أَربعةَ أَنهار، منها النيلُ والفرات، ثم أُتيت بإِناءٍ من خَمْرٍ وإِناءٍ من لَبَن، وإِناءٍ من عَسَل، فأَخَذْتُ اللَّبَن، فقال: هي الفطرةُ أَنتَ عليها وأُمَّتُكَ

".

إِذَنْ: لم يحدث الإِسراءُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا العروجُ به إِلى السمواتِ العُلَى، والذي اكتشفَ هذه الحقيقةَ هو هذا القِسّيسُ الفادي، حيث اطَّلعَ هذا الفادي على المرجعِ الذي أَخَذَ منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ادِّعاءَه.

إِنه كتاب فارسي قَديم، مُؤَلَّف بلغةٍ فارسيةٍ قديمة، يتحدَّثُ عن أُسطورةِ معراج " أَرتيوراف "،

ص: 586

وقد اطَّلَعَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم على هذا الكتابِ الفارسي، وهو متمكِّنٌ من اللغةِ الفارسية في نظرِ الفادي المكتَشِف، لأَنه عالِمٌ باللُّغاتِ المختلفة، قراءةً وكتابةً ومحادثة،

ومنها العربيةُ والآراميةُ والحبشيةُ والفارسية واليونانية والرومانية والعبرية و

وأُعجبَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بقصةِ أَرتيوراف، وادَّعاها لنفسه، وكَذَبَ على الناس، وزَعَمَ أَنه هو الذي عُرِجَ بهِ إِلى السماءِ وليس أَرتيوراف!! وأَثبتَ ذلك في قرآنِه الذي أَلَّفَه، وادَّعى أَن اللهَ أَوحى به إِليه!!.

هكذا يُسجلُ الفادي المجرمُ كلامَه، ويُدَوِّنُ اتِّهاماتِه لرسولِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويَلْبَسُ ثوبَ الموضوعيةِ والحياد، ويقولُ كَلاماً حاقِداً لا يَصدُرُ عن منصفٍ مُحايد!!.

ب - هل أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الحور العين من الفرس؟ :

ادَّعى الفادي المجرمُ أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ وَصْفَ الحورِ العينِ في الجنةِ عن كُتُبِ الفرس، ووَضَعَه في القرآن، ونَسَبَه إِلى الله، قال:" أَخَذَ القرآنُ الاعتقادَ بوجودِ الحورِ العينِ في الجَنَّةِ مما قَالَه الزرادشتيةُ القُدَماءُ، عن وُجودِ أَرواح الغاديات الغانياتِ المضيئاتِ في السماء، وأَنَّ مكافأةَ أَبطال الحروبِ هي الوجودُ مع الحورِ ووِلْدانِ الحور، وكانَ الاعتقادُ بوجودِ الحورِ سارِياً عندَ الهنودِ أَيْضاً، وكلمةُ " حوري " في لغةِ " أُوْستا " (وهي من لُغاتِ الفرسِ القديمة) تَعْني الشمسَ وَضَوْءَها، وفي اللغةِ البهلويةِ " هور "، وفي لغةِ الفرسِ الحديثةِ " حنورِ "، ولَفَظَها العَرَبُ " حُور " أكتاب " شرائع منوا " فصل: 5، البيت: 89، فَجَرْياً على هذهِ العقيدةِ الفارسيةِ والتعبيرِ الفارسيِّ قال القرآن:(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) .

وقال: (وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) ".

رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم مطلعٌ على كُتُبِ الفرسِ القديمة، وخبيرٌ باللغةِ الفارسية، يَذهبُ إِلى بلادِ الفرس، ويقرأُ تلك الكتب، ويأخُذُ منها ما يُريد، ويَصوغُه

ص: 587

باللغةِ العربية، ويجعَلُه قرآناً، واكتشفَ الفادي الباحثُ ذلك، وذَكَرَ لنا الكتابَ الذي كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم يأخذُ منه إ!.

من ما أَخذَه من ذلك الكتابِ القولُ بأَنَّ في الجنةِ نساءً من الحورِ العين،

فهذه عَقيدةٌ فارسيةٌ زرادشتيةٌ، وكلمةُ " حور " هنديةٌ فارسية، معناها الشمسُ، حَوَّرَها الفرسُ إِلى " هور "، وأَخَذَها منهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وحَرَّفَها إِلى كلمةِ " حور "..

هذا ما يقررُه الباحثُ المتمكِّنُ من فقهِ اللغات، الفادي أَفندي!!.

إِن كلمةَ " حَوْرٌ " كلمةٌ عربيةٌ.

أَصيلة، وكانَ يَستعملها العربُ في الجاهليةِ قبلَ الإِسلام، ويَجعلونَها وَصْفاً للنساءِ الحسانِ الجَميلات.

قالَ العالمُ اللغويُّ الإِمامُ ابنُ فارس: " الحَوَرُ: شِدَّةُ بَياضِ العينِ في

شِدَّةِ سَوادِها.

قالَ أَبو عمرو: الحَوَرُ: أَنْ تَسْوَدَّ العَينُ..

وإِنما قيلَ للنِّساءِ: " حورُ العين " لأَنهنَّ شُبّهْنَ بالظِّباء ".

وجاءَ في لسانِ العرب: " الحَوْرُ: الرُّجوعُ عن الشيء، وإِلى الشيء.

حارَ إِلى الشيء: رَجَعَ إِليه.

وأَحارَ عليه جوابَه: رَدَّهُ.

و: المحاورةُ: المجاوبة.

و: الحَوَرُ: أَنْ يَشتدَّ بياضُ العينِ وسَوادُ سَوادِها، وتَستديرَ حَدَقَتُها، وتَرِقَّ

جُفونُها، ويَبْيَضَّ ما حوالَيْها.

وقيل: الحَوَرُ شِدَّةُ سَوادِ المقلَةِ في شِدَّةِ بياضِها، في شِدَّةِ بَياضِ الجَسَد.

قال الأَزهري: لا تُسَمّى حوراءَ حتى تكونَ مع حَوَرِ

عَيْنَيْها بيضاءَ لونِ الجَسَدِ

والأَعرابُ تُسَمّي نساءَ الأَمصارِ حواريات لبياضهِنَّ، وتَباعُدِهنَّ عن قَشْفِ الأَعراب بنظافتِهنَّ

فالحواريّاتُ من النساء: النقيّاتُ الأَلوانِ والجُلودِ لبياضهِنَّ".

وبهذا نَعرفُ أَنَّ مادَّةَ " حَوْرٌ " عربيةٌ أَصيلة، في جَذْرِها واشتقاقاتِها

وتَصريفاتِها واستعمالاتِها، وليستْ فارسيةً أَو مُعَرَّبَةً عن الفارسية، كما زعمَ

هذا الفادي المفترِي.

وقد وَرَدَتْ مادَّةُ " حَوْرٌ " في القرآنِ ثلاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَوَرَدَ منها الكلماتُ

ص: 588

التالية: يَحورُ بمعنى: يَرجعُ: مرةً واحدة.

و: يُحاورُ بمعنى: يُراجعُ ويُناقشُ

ويُجادلُ في الكلام. وَرَدَ مرتَيْن.

و: تَحاوُرٌ: بمعنى المراجعة والمناقشة. وَرَدَ مرةً واحدة.

و: حورٌ عين: صفةُ نساءِ الجَنَّة. وَرَدَ أَربعَ مرات.

و: الحواريّون: أَصحابُ عيسى عليه السلام. وَرَدَ خمسَ مرات.

قال اللهُ عن الحورِ العين: (كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) .

وقال تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) .

وقال تعالى: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) .

وقال تعالى: (وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) .

ب - هل سلمان الفارسي هو مؤلف القرآن؟ :

من مفترياتِ الفادي المفترِي الكبيرةِ الفاجرةِ زَعْمُهُ أَنَّ مُعَلِّمَ النبيِّ عليه السلام هو سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه، كان يُلَقِّنُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فيصوغُه بدوْرِه بالعربية، ويَنسبُه إِلى الله!!.

قال تحتَ عنوان: " مُلَقِّنُ محمدٍ: سلمان الفارسي ": " شهدَ القرآنُ أَنَّ

المقصودَ بإِملائِه القصصَ الفارسيةَ علي محمدٍ هو سلمانُ الفارسي، فقال:

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .

وسلمانُ هذا فارسيّ أَسلم، وكان من الصحابة، وهو الذي أَشارَ على

محمدٍ وَقْتَ حصارِ المدينة بحفْرِ الخندق، فنفَّذَ محمدٌ نصيحتَه، وهو الذي

أَشارَ على محمدٍ باستعمال المنجنيقِ في غزوةِ ثقيف في الطائف.

وقد اتهمَ العربُ محمداً أَنَّ سلمانَ هذا هو الذي ساعَدَه على تأليفِ قرآنه، ومنه اسْتَقى الكثيرَ من قَصَصه وعباراتِه، ومع أَن محمداً قال: إِن سلمانَ أَعجميّ والقرآنَ عربيّ، ولكن هذا لا يمنعُ أَنْ تكونَ المعاني لسلمان، وصياغتُها في أُسلوبها العربي لمحمد".

ص: 589

يَكْذِبُ المفْتَري عندما يَزعُمُ أَنَّ القرآنَ شَهِدَ أَنَّ المقصودَ بإِملاءِ القَصصِ

الفارسيةِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هو سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه، وأَنه هو الأَعجميُّ المقصودُ بقوله تعالى:(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .

لم يَقُلْ أَحَدٌ من العلماءِ المسلمين أَن الآيةَ نازلة في سلمانَ الفارسي، لأَنَّ سورةَ النحلِ مكية، ولم يكنْ سلمانُ مُسْلماً وقْتَ نزولِها، إِنما أَسلمَ في

المدينةِ بعدَ الهجرة.

والراجحُ أَنَّ المقصودَ بالآيةِ بعضُ العبيدِ الأَعاجمِ في مكة.

روى الواحديُّ في " أَسبابِ النزول "، والطبريُّ في تفسيرِه، عن عبدِ الله بنِ

مسلم الحضرميِّ رضي الله عنه: أَنه كانَ لهم عَبْدانِ من أَهْلِ غَيْرِ اليمن، وكانا طِفْلَيْن، وكان يُقالُ لأَحَدِهما: يَسار، وللآخَر. جَبْر.

فكانا يَقْرَأانِ التوراةَ، وكانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ربما جَلَسَ إِليهما.

فقالَ كفارُ قريش: إِنما يَجلسُ إِليهما يتعلَّمُ منهما، فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى:(لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .

وقالَ محمدُ بنُ إِسحاق في السيرة: كانَ الغلامُ النصرانيُّ واسْمُه " جَبْر "

عَبْداً لبعضِ بني الحَضْرَمي.

وقالَ عِكرمةُ وقَتادة: كان اسْمُه يعيش.

وقالَ ابنُ عباس: كان اسْمُه بلعام.

وبعدَ أَنْ ذكرَ الحافظُ ابنُ كثير الاختلافَ في اسمِ ذلك الغلامِ

الأَعجميّ، قال: " وقالَ الضَّحّاكُ بنُ مزاحم: هو سلمانُ الفارسي.

وهذا القولُ ضَعيف، لأَنَّ هذه الآيةَ مكية، وسلمانُ إِنما أَسلمَ بالمدينة ".

وقالَ ابنُ كثير في تفسيرِ الآية: " يَقولُ تعالى مُخْبِراً عن المشركين، ما

كانوا يقولونَه من الكذبِ والافتراءِ والبُهْت، أَنَّ محمداً إِنما يُعَلِّمُه هذا الذي

يَتْلوهُ علينا من القرآنِ بَشَر..

ويُشيرونُ إِلى رجلٍ أَعجمي كان بينَ أَظْهرِهم،

ص: 590

غُلامٌ لبعضِ بُطونِ قريش، كان بَيّاعاً يَبيعُ عند الصفا، وربما كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجلسُ إِليه ويُكلمُه بعضَ الشيء، وذاك كانَ أَعجميَّ اللسانِ لا يَعرفُ العربية، أَو أَنه كانَ يَعرفُ الشيءَ اليسير، بقَدْرِ ما يَرُدُّ جَوابَ الخطابِ فيما لا بُدَّ منه، فلهذا قالَ اللهُ تعالى رَدّاً عليهم في افترائِهم ذلك:(لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .

أَي: القرآنُ لسانٌ عربيٌّ مبين، فكيفَ يتعلَّمُ مَنْ جاءَ بهذا القرآنِ - في فصاحتِه وبلاغتِه ومعانيه التامةِ الشاملة، التي هي أَكملُ من كُلِّ كتابِ نَزَلَ على بني إِسرائيل - من رجلٍ أَعجميٍّ؟

لا يَقولُ هذا مَنْ له أَدنى مِسْكَةٍ من عَقْل.. ".

لقد كَذَبَ الفادي المفترِي كذبتَيْنِ كبيرتَيْن: كَذَبَ عندما زَعَمَ أَنَّ

الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ هذا القرآنَ عن رجلٍ أَعجمي، ولا نجدُ في الرَّدِّ عليه أَبلغَ من قولِه تعالى:(لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) .

والكِذْبةُ الثانيةُ عندما زَعَمَ أَنَّ هذا الأَعجميّ المعلِّمَ هو سلمانُ

الفارسيّ رضي الله عنه، وهو يقولُ هذا الكلامَ لأَنه جاهلٌ بالقرآنِ، وبالسيرةِ، وبالتاريخِ، وبأُسس البحثِ العلميِّ المحايدِ النزيه.

إِنه جاهِلٌ لا يَعرفُ أَنَّ سورةَ النحل مكيّة، وجاهلٌ لأَنه لا يَعرفُ أَنَّ

إِسلامَ سلمانَ الفارسيِّ كانَ في المدينة.

وهو حاقدٌ متحاملٌ، يُغالطُ عندما يَدَّعي أَنَّ سلمانَ الفارسيَّ كان يُعلمُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم العلومَ والقصصَ والأَخبارَ

والمعاني، باللغةِ الفارسية، فيتلقَّفُها منه، ويَصوغُها بلغتِه العربية: " ولكنَّ

هذا لا يَمنعُ أَنْ تكونَ المعاني لسلمان، وصياغتها في أُسلوبِها العربيِّ

لمحمد ".

وقد كانَ سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه خبيراً بشؤونِ الحرب، ولذلك هو الذي أَشارَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بحَفْرِ الخندق، في السنةِ الخامسةِ من الهجرةِ،

ص: 591

لما هاجمتْ أَحزابُ الكفارِ المدينة، ففوجئوا بذلك الخندق، الذي لم يَألَفوه من

قبل.

كما أَشارَ على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بضربِ الطائفِ بالمنجنيق، في السنةِ الثامنةِ من الهجرة.

سادساً: ما الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب الحنفاء؟ :

تكلمَ الفادي الجاهلُ عن " الحنفاءِ " كَلاماً باطلاً، دَل على جهلِه

وافترائِه، وزَعَمَ فيه أَنَّ هؤلاءِ الحنفاءَ كانوا من الذين عَلَّموا رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم.

أ - من هو الحنيف؟ :

من جهل الفادي أنه لم يَعْرِفْ معنى كلمة " حنيف " في اللغةِ العربية، فبَعْدَ

أَنْ دكَرَ بعضَ الآياتِ التي وَصفَتْ إِبراهيمَ عليه السلام بأَنه حَنيفٌ، كقوله تعالى:(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) .

ادَّعى الجاهلُ الغبيُّ أَنَ كلمةَ " حَنيف " عبريةٌ وسريانيةٌ وليست عربية.

قال في افترائِه: " وكلمةُ (حنيف) في اللغةِ العبريةِ والسريانيةِ تَعْني " نَجساً " أَو " مُرْتَدّاً "، وُصِمَ بها العربُ الذين هَجَروا عبادةَ الأَصْنام، وارتَدُّوا عن دينِ أَسلافِهم ".

" حَنيف " عند الجاهلِ ليستْ صفةَ مَدْح، بل صفة ذَمِّ، بمعنى: نَجِس،

وهي عبريةٌ وليستْ عربية! هكذا يَدَّعي هذا الباحثُ الموضوعيُّ المحايد!!.

علماً أَنَّ الكلمةَ عربيةٌ أَصيلةٌ، ذاتُ جَذْرٍ لغويّ صحيح، ومعنى عربي:

واضح مفهوم.

هل الحنيفُ هو النجسُ؟ لِنَنْظُر:

قال ابنُ فارس: " الحَنَفُ هو الميْلُ.

ورجلٌ أَحْنَف: مائِلُ الرّجْلَيْن.

والحَنيفُ: المائل إِلى الدينِ المستقيم.

ويُقال: الحَنيفُ هو النّاسِك، والحَنيفُ هو المستقيمُ الطريقة، وهو يَتَحَنَّفُ.

أَيْ: يَتَحَرّى أَقومَ الطَّريق ".

وجاءَ في لسانِ العرب: " الحَنيفُ: المسلم، الذي يَتَحَنَفُ عن الأَدْيان،

ص: 592

أَيْ: يَميلُ إِلى الحَقّ.

وقيلَ: هو الذي يَستقبلُ قبلةَ البيتِ الحرامِ على ملَّةِ

إِبراهيم، على نبيّنا وعليه الصلاةُ والسلام.

وقيلَ: هو المخْلِص، وقيل: هو مَنْ أَسْلَمَ في أَمْرِ الله، فلم يَلْتَوِ في شيء.

وقيل: كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ لأَمْرِ اللهِ ولم يَلْتَوِ فهو حَنيف.

فالحَنيفُ: المستقيم، والحَنَفُ: الاستقامة.

والدّينُ الحَنيفُ: الإِسلام.

والحنيفيةُ: مِلَّةُ الإِسلام.

وفي الحديث: " بُعِثْتُ بالحنيفيةِ السَّمْحَة ".

قالَ الزجاج: الحَنيفُ في الجاهليةِ: مَنْ كانَ يَحُجُّ البيتَ، ويَغتسلُ من

الجَنابة، ويَختتن، فلما جاءَ الإِسلامُ كانَ الحنيفُ المسلمَ.

وفي الحديثِ القدسيّ: " خَلَقْتُ عبادي حُنَفاء ".

أَيْ: طاهِري الأَعضاء من المعاصي

".

الحَنيفُ في اللغةِ العربيةِ هو الطاهرُ وليس النَّجس، وهو المسلمُ وليس

المرتَدّ، وهو المستقيمُ على الحَقّ، وليس المنحرفَ عنه، فهو صفةُ مدحٍ

وثناء، وليسَ صفةَ ذَم، كما ادّعى هذا الجاهلُ الغبيُّ.

ولذلك جاءَتْ هذه الصفةُ للمدحِ والثناء، وَوُصِفَ بها إِبراهيم عليه السلام أَكثرَ من مَرَّة.

كما في قولِه تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) .

وكما في قولِه تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) .

وكما في قولِه تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) .

ولذلك أَمَرَ اللهُ رسولَه محمداً صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتديَ بإِبراهيمَ عليه السلام، وأَنْ يكونَ حَنيفاً مثْلَه.

قالَ تعالى: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) .

وقال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) .

ص: 593

وأَمَرَ اللهُ كُلَّ عبادِه المسلمين أَنْ يَكونوا حُنَفاء، على اختلافِ زمانِهم أَو

مكانِهم.

قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) .

إِبراهيمُ عليه السلام حَنيفٌ، ورسولُنا صلى الله عليه وسلم حَنيفٌ..

والنَّجِسُ المرتَدُّ الخبيثُ المفتري هو هذا الفادي المجرمُ، الذي يتلاعَبُ حتى بمعاني الكلمات!.

ب - حول نشأة الحنفاء ونهايتهم:

يواصِلُ الفادي الجاهلُ جَهْلَه، فيتحدَّثُ عن نشأَةِ الحُنَفاء، ويَذْكُرُ أَمْراً

ساذجاً مُضْحِكاً، يَدَّعي أَنه نَقَلَه عن السيرةِ النبويةِ لابنِ هشام.

زَعَمَ أَنَّ قُريشاً اجتمعتْ في يومِ عيدٍ لهم، حول صنمٍ من أَصنامِهم،

يَعبدونَه ويُعَظّمونه

فاعتزلهم أَربعةُ نَفَر، وجَلَسُوا يتحدثون فيما بينهم، وهم: وَرَقَةُ بنُ نوفل، وعبيدُ الله بن جحش، وعثمانُ بن الحويرث، وزيدُ بن عمرو بن نفيل..

وقال بعضُهم لبعض: تَعلمونَ أَنَّ قومَكم ليسوا على شيء، وأَنهم تركوا دينَ أَبيهم إِبراهيم، وعبدوا أَحجاراً لا تَضُرُّ ولا تَنفع

وتواصى هؤلاء الأَربعةُ أَنْ يَتَفَرَّقوا في البلدان، للبحثِ عن الدينِ الحق.

وزَعَمَ الفادي أَنَّ وَرَقَة بنَ نوفل تَنَصَّر، وأَنَّ عُبيدَ اللهِ بنَ جحشِ بقيَ

حائِراً، إِلى أَنْ أَسلمَ ثم تَنَصَّر، وأَنَّ عثمانَ بنَ الحويرث تَنَصَّر، وزيدَ بنَ عمرو اعتزل قَومَه، وطَردوه من مكة، وأَقامَ على جبل حراء".

وهذا كلامٌ باطل، يَدُل على أَنَّ " الحنفاءَ " لم يوجَدوا إِلّا في قريش،

قُبيلَ بعثةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأَنهم أَربعةُ رجالٍ فقط، انتهى ثلاثةٌ منهم إِلى النصرانية وصاروا نصارى، والرابعُ هو الذي عَلَّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم القراَن!!.

" الحُنَفاءُ " هم: الذينَ لم يُشركوا بالله، ولم يَعْبُدوا الأَصنام، وآمَنوا بالله

وحْدَه لا شريكَ له، وبَقوا على دينِ إِبراهيمَ عليه السلام، فقد كانوا يَعلمونَ أَنَّ

ص: 594

إِبراهيمَ عليه السلام كان " حَنيفاً "، ولهذا أَعلنَ كُلُّ واحدٍ منهم أَنه حنيف، يَقْتَدي بإِبراهيم عليه السلام، وسُمّوا بالحنفاء.

أَيْ أَنَّ دينَهم كانَ " الحنيفية "، القائمةَ على توحيدِ الله، وعدمِ الشركِ به.

وكان هؤلاء قبلَ بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بمئاتِ السِّنين، ولم يتوقَّفْ وجودُ الحنفاءِ في بلادِ العرب منذُ إِسماعيلَ عليه السلام، ولم يكونوا في مكةَ وَحْدَها، إِنما كانوا موجودين في مختلفِ بلادِ العرب، كمكةَ والمدينةِ والطائف ونجد واليمن وعُمان وغيرها.

فلم يكونوا مجردَ أَربعةِ رجالِ كما زعم الفادي.

وكَذَبَ الفادي المفترِي عندما ادَّعى أَنَّ ورقةَ بنَ نوفل اعتنقَ النصرانية،

وذلك في قولِه: " فأَما وَرَقَةُ بنُ نوفل فاستحكَمَ في النصرانية، واتبعَ الكتبَ من أَهلِها، حتى عَلِمَ عِلْماً من علمِ أَهْلِ الكتاب ".

لقد بقيَ وَرَقَةُ على الحنيفية، ولم يَدخلْ في اليهوديةِ ولا في النصرانية،

لقد كان قارِئاً كاتِباً، مطَّلِعاً على التوراة، يقرأُ فيها، ويعرفُ النبوةَ والأَنبياء، لكنه لم يَعتنقْ أَيّاً من الديانتَيْن اليهوديةِ والنصرانية.

وبقيَ ورقةُ بنُ نوفلَ حَيّاً حتى بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكان قَريباً لزوجِه خديجةَ رضي الله عنها، وقد قابلَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ورقةَ بعدَ نزولِ الوحيِ عليه، وثَبّتَه على الحَقّ.

روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ رضي الله عنها حديثَ " بدءِ الوحي " الطويل، ونسجلُ هنا الجزءَ المتعلقَ بورقة، قالت: "

فقالَتْ خديجةُ لورَقَة: أَي عَمّ! اسمعْ من ابنِ أَخيك.

فقالَ له ورقة: يا بنَ أَخي ماذا تَرى؟ فأَخبره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَبَرَ ما رآه.

فقالَ له ورقَة: هذا الناموسُ الذي أُنزلَ على موسى عليه السلام، يا لَيْتَني فيها جَذَعاً، يا لَيْتَني أَكونُ حيّاً إِذْ يخرجُك قومُك! فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

((أَوَ مُخْرِجيَّ هُمْ؟ ".

قَالَ ورقَة: نَعَمْ. لم يأتِ رجلٌ قَط بمثْلِ ما جئْتَ به إِلّا عودِي، وإِنْ يدركْني يومُك أَنْصرْكَ نَصراً مُؤَزَّراً.

ثم لم يَنشِب ورقةُ أَنْ تُوُفَي ".

ص: 595

وَرَقَةُ حَنيفٌ مُوَحِّد، يَعرفُ النبوةَ والأنبياء، لذلك عَرَفَ أَنَّ اللهَ بَعَثَ

محمداً رسولاً نبياً صلى الله عليه وسلم، وأَنزل عليه الوحيَ، وأَنَّ جبريلَ الذي أُنزلَ عليه هو الذي أَنزلَه اللهُ على كُل نبيٍّ قبلَه..

وأَخبرَ ورقةُ محمداً صلى الله عليه وسلم أَنْ قُريشاً

سيُخرجونَه من مكة، وسيُعادونَه ويُحاربونَه، لأَنَّ الأَقوامَ السابقين عادوا

أَنبياءَهم وحارَبوهم، وتمنّى لو كانَ في شبابِه وقُوَّتِه لينصُرَه ويؤَيدَه ويكونَ معه، وَوَعَدَه أَنْ يَدخلَ في دينِه إِنْ أَدركَه وبقيَ حَيّاً، لكنَّه سرعانَ ما توفي!.

أَيْ أَنَّ ورقةَ أَيقنَ أَنَّ محمداً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمنّى لو دَخَلَ هو في الإِسلام، وكان يَنْوي ذلك، لكنَّه ماتَ قبلَ أَنْ يبدأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة.

ب - زيد بن عمرو ورسول الله صلى الله عليه وسلم:

ادعى الفادي المجرمُ أَنَّ قُريشاً نَفَوا زيدَ بنَ عمرو، فأَقامَ في غارِ حراء،

وهناك كانَ يجتمعُ به محمد صلى الله عليه وسلم، فعلَّمَه زيدٌ القرآن!! قالَ الفاجرُ فَضَّ اللهُ فاه:

" وأَما زيدُ بنُ عمرو فلم يدخُلْ في يهوديةٍ ولا نصرانية، وفارَقَ دينَ قومِهِ،

فاعتزلَ الأَوثانَ، ونهى عن قتْلِ الموءودةِ، وقال: أَعبدُ رَبَّ إِبراهيم، ونادَى

قومَه بعيبِ ما هم عليه، وكان يَجهرُ في الكعبةِ بمبادئِه، فطردَه عَمُّه خَطَّاب من مكة، وأَلزمَه أَن يُقيمَ على جبلِ حراء أَمامَ تلك المدينة، ولم يَأذَنْ له بالدخولِ إِلى مكة..

وكان محمدٌ يَذهبُ إِلى جبلِ حِراء، ويَصرِفُ هناكَ شهراً كُلَّ سنة،

حَيثُ طبعَ زيدٌ على محمدٍ في ذلك الغارِ أَكبرَ أَثَرٍ في أَفكارِهِ وتوجيهِه ".

ما ادَّعاهُ المجرمُ غيرُ صَحيح، فلم تَنْفِ قريشٌ زيدَ بنَ عمرو من مكة،

ومن ثَمَّ لم يكنْ مُقيماً في غارِ حِراء، فقد كانَ مُقيماً في مكَّة، ويتجوَّلُ فيها،

ويَجلسُ عند الكعبة، ويَنشُدُ الأَشْعار، ويَنطقُ بالأَقوال في عَيْبِ الشركِ بالله، والجهرِ بتوحيدِ الله، وكانوا يَسمعونَه ولا يهتَمُّون به.

ولم يَلْتقِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بزيدِ بنِ عمرو في غارِ حِراء، كما ادعى المجرمُ، وماتَ زيدُ بنُ عمرو قبلَ بعثةِ رسولِ الله عليه السلام، والذي أَدرك النبوةَ هو ابنُه

ص: 596

سعيدُ بنُ زيد، الذي كانَ من خَيارِ الصحابة، ومن العشرةِ المبَشَّرين بالجنة.

وانظر إِلى فُجورِ الفادي عندما يُوَظِّفُ الروايةَ الصحيحةَ تَوْظيفاً سيئاً،

يوافِقُ هواه، ويَستدلُّ بها على ادِّعاءاتِه واتهاماتِه.

فالرسولُ صلى الله عليه وسلم كان يَذهبُ إِلى غارِ حراءَ شَهْراً في السنة، هو شَهْرُ رمضان، هذا صحيح، حيثُ كان يَخْلو

إِلى نفسِه، يُفَكِّرُ ويتأَمَّل

لكنَّه لم يكن هناك مع زيدِ بنِ عمرو، ولم يُعَلِّمْه زيدٌ القرآنَ، ولم يُلَقّنْه التوحيدَ.

وعندما كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحيداً في غارِ حِراءَ فاجأَه الوحْيُ، وأَنزلَ اللهُ عليه جبريلَ عليه السلام.

روى البخاريُّ ومسلمٌ عن عائشةَ أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: " أَوَّلُ ما بُدِئَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النومِ، فكانَ لا يَرى رؤيا إِلّا جاءَتْ مثلَ فَلَقِ الصُّبْح

ثم حُبِّبَ إِليه الخَلاء، وكانَ يَخْلو بغارِ حِراء، فيتحنَّثُ فيه - وهو التعبّدُ - الليالي ذواتِ العَدَد، قبلَ أَنْ يَنْزعَ إِلى أَهْلِه، ويتزوَّدَ

لذلك، ثم يَرجعَ إِلى خَديجة، فيتزوَّدَ لمثْلِها

حتى جاءَهُ الحق وهو في غارِ حراء..

فجاءَه المَلَكُ، فقالَ: اقْرَأ

".

د - هل أَثَّرَ زيدُ بنُ عمرو في القرآن؟ :

ما زالَ الفادي المفْتَري مُصرًّاًعلى فُجورِه ومزاعمِه بأَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم تَلَقّى القرآنَ عن زَيْدِ بنِ عمرو.

وأَورَدَ بعضَ الأَبياتِ الشعريةِ التي نُسبتْ لزيدِ بن عَمرو، ولَخَّصَ هو بعضَ أَفكارِها، الرافضةِ للشرك، والداعيةِ إِلى التوحيد، ثم زَعَمَ أَنَّ هذه الأَبياتِ أَثَّرَتْ في القرآن.

قال المجرم: " أَقوالُ زيدِ بنِ عمرو وأَثَرُها في القرآن:

قالَ زيدُ بنُ عمرو في فراقِ قومِه:

أَرَبّ واحدٌ أَمْ أَلْفُ رَبٍّ

أَدينُ إِذا تَقَسَّمَتِ الأُمورُ

عَزَلْتُ اللَّاتَ والعُزّى جَميعاً

كَذلكَ يَفْعَلُ الجَلِدُ الصَّبورُ

فَلا عُزّى أَدينُ وَلا ابْنَتَيْها

وَلا صَنَمَى بَني عَمروٍ أَزورُ

وَلا هُبَلاً أَدينُ وَكانَ رَبّاً

لَنا في الدَّهْرِ إِذ حِلْمِي يَسيرُ

ص: 597

عَجِبْتُ وَفي اللَّيالي مُعْجباتٌ

وَفي الأَيّامِ يَعْرِفُها البَصيرُ

بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَفْنى رِجالاً

كَثيراً كانَ شَأْنُهُمُ الفُجورُ

وَأَبْقى آخَرينَ بِبِز قَوْمٍ

فَيَكْبُرُ مِنْهُمُ الطفْلُ الصَّغيرُ

وَبَيْنا المَرْءُ يَفْتُرُ ثابَ يَوْماً

كَما يَتَرَوَّحُ الغُصْنُ المَطيرُ

وَلكِنْ أَعْبُدُ الرَّحْمنَ رَبّي

لِيَغْفِرَ ذَنْبِيَ الرَّبُّ الغَفورُ

فَتَقْوى الله رَبِّكُمُ احْفَظوها

متى ما تَحْفَظوها لا تَبورُ

تَرى الأَبْرارَ دارَهُمُ جنانٌ

وللكُفّارِ حامِيَةٌ سَعيرُ

وَخِزْيٌ في الحَياةِ وَإِنْ يَموتوا

يُلاقوا ما تَضيقُ به الصُّدورُ "

وعَلَّقَ المفْتَري على شِعْرِ زيدِ بنِ عمرو بقوله: " فهذه القصيدةُ العامرةُ

تُبَيِّنُ مَبادئَ الحُنَفاءِ التي تَأَثَّرَ بها محمد، وجَعَلَها من مقوِّماتِ دينِه، فقصيدةُ

زيدِ بنِ عمرو قبلَ الإِسلام تُعلنُ المبادئَ التالية:

رفضُ عبادةِ الأَوثان.

والإِقرارُ بوحدانيةِ الله.

والوعدُ بالجنة.

والوعيدُ بالعذابِ في سَعيرِ جهنم.

وأَسماءُ اللهِ الرَّبِّ الرحمنِ الغفور.

والمناداةُ بدينِ إِبراهيم.

وقد أَخَذَ الإِسلامُ أَهَمَّ مبادِئِه عن الحنفاء، كما عَلمَها زيدُ بنُ عمرو

لمحمدٍ!! ".

صحيحٌ أَنَّ زيدَ بنَ عمرو قال بعضَ أبياتِ هذه القصيدة التي نُسبتْ له،

وبعضُ أَفكارِها التي وَرَدَتْ كانَ زيدٌ مؤمناً بها، لأَنه كانَ مُوَحِّداً حنيفاً، على

دينِ إِبراهيمَ عليه السلام.

ولكنَّ زيداً ماتَ قبلَ بعثةِ محمدٍ رسولِ الله عليه السلام، ولزيدٍ

أَبياتٌ وعباراتٌ توحيدية أُخرى، لأَنه كانَ مؤمناً مُوَحداً لله.

ولا يُسْتَغْرَبُ اتفاق بعضِ المبادئ والأَفكارِ التي كان يُؤمنُ بها زيدُ بنُ

عمرو - أَو غيرُه في العربِ الحنفاء - مع ما جاءَ في القرآنِ، لأَن تلكَ المبادئَ أَخَذوها عن دينِ إِبراهيمَ عليه السلام.

ص: 598

لقد جاءَ إِبراهيمُ عليه السلام بالتوحيد، وجاءَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وجاءَ كُلُّ نبيٍّ بالتوحيد، ولا خِلافَ في العقيدةِ بينَ رسولٍ ورسول، فكلّهم جاؤوا بعقيدةٍ واحدة، ولا غرابةَ في اتفاقِ القرآنِ مع ما كان يؤمنُ به المؤمنُ الحنيفُ زيدُ بن عمرو.

قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) .

وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) .

سابعاً: ما الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتب السماوية؟ :

ادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ القرآنَ من الكتبِ السماوية السابقة، المتمثلةِ في أَسْفارِ العهدِ القديمِ وأناجيلِ العهدِ الجديد، وادَّعى أَنَّ القراَنَ اعترفَ بذلك، واستشهدَ على ذلك بقولِه تعالى:(إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) .

ومعنى الآيةِ عندَه أَنَّ آياتِ القرآنِ موجودةٌ في الصحف الأُولى، كصحفِ

إِبراهيمَ وموسى عليهما السلام.

أَيْ أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَ آياتِ القرآنِ من الصحفِ

الأُولى، التي أُنزلَتْ على إِبراهيمَ وموسى، وزَعَمَ أَنَّ اللهَ أَنزلَها عليه.

وهذا الفهمُ الخاطئُ للآيةِ سَبَبُهُ جهلُ الفادي وغباؤُه، اسْمُ الإِشارةِ " هذا "

في الآية: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) يَعودُ في زعمِه على القرآن.

وهذا باطلٌ.

إِنَّ اسْمَ الإِشارةِ يَعودُ على المعنى الذي قَرَّرَتْه الآياتُ السابقةُ من

السورة، مثلُ قوله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) .

أَيْ: هذا المعنى في الآياتِ موجودٌ في الصحفِ الأُولى، كصحفِ إِبراهيمَ وموسى.

وهذه الآياتُ تُقررُ حقائقَ إِيمانيةً عقيدية، وهذه الحقائقُ موجودةٌ في

ص: 599

الصحفِ الأُولى، فاللهُ أَخبرَ " في صحفِ إِبراهيمَ وموسى أَنَّ مَنْ تَزَكّى وذَكَرَ

اسْمَ ربِّه فصلّى، فهو مفلحٌ فائزٌ ناجح..

ولكنَّ معظمَ الناسِ لا يَأخذون بذلك، وإنما يُؤْثِرونَ ويُفَضلونَ الحياةَ الدنيا، وهم خاسرونَ مُخطئون في إِيثارِهم واختيارِهم، لأَنَّ الآخِرَةَ خَيرٌ وأَبقى.

فهذه الآيات ُ شاهدةٌ بوحدةِ الصحفِ والكتبِ التي أَنزلَها اللهُ على رسلِه،

ووحدةِ الرسالاتِ في الأُصول، وهي مسائلُ الإِيمانِ والعقيدة، وكلُّهم جاؤوا

بعقيدةٍ واحدةٍ، تقومُ على توحيدِ الله، وإفرادِه بالعبادةِ والاستعانة، وطالَبوا

بتحقيقِ أَركانِ الإِيمان، والخلافُ بينَهم إِنما كان في الشرائعِ، لقوله تعالى:

(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) .

وذَكَرَ الفادي المفْتَري بعضَ الموضوعاتِ التي أَخَذَها محمدٌ صلى الله عليه وسلم من الكتبِ السابقة فقال: "..

وفي هذا اعترافٌ صريحٌ أَنَّ القرآنَ (عَدَا قصص نساءِ محمدٍ وغاراته) مأخوذٌ عن الكتابِ المقدس..

فمِنْ سِفْرِ التكوينِ اقتبسَ قصةَ الخليقةِ وآدمَ وحَوّاء وقايينَ وهابيلَ وأَخنوخَ ونوحٍ وإبراهيمَ ولوطٍ وإسحاق ويَعقوبَ ويوسُفَ

وعن سِفر الخروج أَخَذَ قصةَ موسى وفرعون وعامودَ السحاب والمنِّ والسلوى والصخرةِ والوصايا العشر والعجل الذهبي واللوحين

والتابوت

وعن سِفر اللّاويين أَخَذَ شريعةَ العينِ بالعينِ والسِّنِّ بالسن والذبائح الدموية

وعن سِفْرِ العددِ أَخَذَ قصةَ الجواسيس وقورح والبقرة

الحمراء وبلعام

وعن سفرِ التثنية أَخَذَ أَنَّ موسى كتبَ التوراة، وأَنَّ الكهنةَ

حفظوها

ومن سِفْرِ يَشوع اقتبسَ قصةَ دُخول بني إِسرائيلَ أَرضَ الموعد..

وأَخَذَ قصةَ جَدْعون عن سِفْرِ القضاة..

وقصةَ شاول وداود وجوليات وتوبةَ داود عن سِفْرَي صموئيل..

وقصةَ سليمان من سِفر المزامير وأَشعياء وحزقيال.

وقصةَ يونان عن سِفر يونان..

وقصةَ زكريا ويحيى ومريم العذراء

وميلاد المسيح ومعجزاتِه وموته وصعوده عن الأَناجيل.

وانتشار المسيحية ومجمع أورشليم ورسامة القساوسة عن أعمال الرسل..

وبعضَ الآياتِ اقتباساً من رسائل بولس الرسول إِلى أَهلِ رومية وكورنثوس وغلاطية وفيلبي

ص: 600

وتسالونيكي والعبرانيين، ومن رسائل يعقوب وبطرس ورؤيا يوحنا

اللاهوتي ".

إِذا توافَقَ القرآنُ في أَيِّ قصةٍ أَو خَبَرٍ مع أَسفارِ التوراةِ والأَناجيل، فهو

دليلٌ على أَنَّ محمداً " صلى الله عليه وسلم أَخَذَ ذلك من تلك الكتب، أَيْ أَنه رجعَ إِليها وقرأَ فيها وحفظها، ثم أَخَذَ واقتبسَ وصاغَ منها ما يَشاء، وادَّعى أَنَّ اللهَ أَنزلَها عليه!!.

لا أَدري كيفَ يَلبسُ هذا الفادي الجاهلُ ثوبَ البحثِ العلميِّ الموضوعيِّ

المنصفِ المحايد، ولا كيفَ يَفهمُ الأُمورَ، ولا كيفَ يَقرأُ في الأَديانِ

والرسالات!!.

إِننا نؤمنُ أَنَّ اللهَ أَنزلَ التوراةَ على موسى عليه السلام، قبلَ أَنْ يُحَرّفَها اليهود، كما نؤمِنُ أَنَّ اللهَ أَنزلَ الإِنجيلَ على عيسى عليه السلام، قبلَ أَنْ يُحرفَه النَّصارى، وبما أَنَّ الكتبَ الثلاثةَ من عندِ اللهِ فلا بُدَّ أَنْ تكونَ متوافقةً متساندة، ولا يَجوزُ أَنْ تكونَ مُتعارضةً متناقضة.

ويَجبُ أَنْ يَكونَ الكتابُ اللاحقُ المتأَخِّرُ مُصَدِّقاً للكتابِ السابق، وإذا جاءَ مُناقِضاً له، أَو مُخَطِّئاً أَو مُكَذِّباً لما فيه، فأَحَدُ الكتابَيْنِ ليسَ من عند الله!!.

وإِنَّ من المتَّفِقِ مع التفكيرِ العقليِّ المنطقيِّ أَنَّ كَلامَ اللهِ صادقٌ صَحيحٌ

صائب، وأَنه لا يَجوزُ لبعضِ كلامِ اللهِ أَنْ يُخَطِّئَ أَو يكَذِّبَ أَو يَنْقُضَ أَو يَرُدَّ

بعضَ كَلامِ الله.

ولهذا نقول: يَستحيلُ عَقْلاً وشَرْعاً أَنْ يُخَطِّئَ الإِنجيلُ

التوراة، أَو أَنْ يُناقِضَ القرآنُ ما في الإِنجيلِ والتوراة!!

كلُّ ما وردَ في الإِنجيلِ النازلِ على عيسى عليه السلام مُوافقٌ ومُصدِّقٌ للتوراةِ النازلةِ على موسى عليه السلام.

وكلُّ ما وردَ في القرآنِ النازلِ على محمدٍ صلى الله عليه وسلم موافِقٌ ومُصَدِّقٌ لما وَرَدَ في التوراةِ النازلةِ على موسى، والإِنجيلِ النازلِ على عيسى عليه السلام.

هذا أَمْرٌ بَدَهيّ عقليّ مُقَرّر!!.

ص: 601

وقد أَخبرَ اللهُ أَنَّ عيسى جاءَ مُصَدّقاً لموسى عليه السلام، وأَنَّ الإِنجيلَ جاءَ مُصَدّقاً للتوراة.

قال تعالى عن ما قالَه عيسى عليه السلام لبني إِسرائيل: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) .

وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .

وقال تعالى عن موافقة وتصديق الإِنجيل للتوراة: (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) .

ويُلاحَظُ أَنَّ الحالَ " مُصَدّقاً " وَرَدَ في الآيةِ مرتَيْن.

كان في المرةِ الأُولى حالاً لعيسى عليه السلام: (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ..) .

وكانَ في المرةِ الثانيةِ حالاً للإِنجيل: (وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ) .

ومن المعلومِ أَنَّ الإِنجيلَ مُكَمّلٌ للتوراة، حتى الأَناجيل المحرفة التي

كَتَبها النصارى، متوافقةٌ في كثيرٍ من أَفكارِها مع أَسفارِ العهدِ القديم المحرَّفَةِ

التي كتبها الأَحْبار.

فلماذا لم يَتَّهِم الفادي المجرمُ عيسى عليه السلام بأَنه أَلَّفَ الإِنجيلَ من عنده، لأَنه متوافقٌ مع التوراة في كثيرٍ من الأَخبارِ والقَصصِ والحكايات؟

بينما اتَّهَمَ محمداً صلى الله عليه وسلم بأَنه أَلَّفَ القرآنَ من عندِه، لأَنه متوافقٌ مع التوراةِ والإِنجيل؟!

ولماذا حَرَّمَ على القرآنِ ما أَباحَه للإِنجيل؟

وأَينَ هذا من الموضوعيةِ والمنهجية؟!.

لو خالَفَ القرآنُ التوراةَ والإِنجيل، ولو كَذَبَ ما فيهما من حقائقَ صادقة

فسوفَ يُشَكُّ في أَنَّه من عندِ الله، لأَنَّ مَنْ ناقَضَ وكَذَّبَ كَلامَ الله فليس من

عندِ الله.

ولذلك نَعتبرُ موافقةَ القرآنِ للتوراةِ والإِنجيل، وتصديقَه لما فيهما،

ص: 602