المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما هي مصادر القرآن البشرية - القرآن ونقض مطاعن الرهبان - جـ ١

[صلاح الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم

- ‌نقد مقدمة الكتاب

- ‌الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

- ‌هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء

- ‌هل الأرض ثابتة لا تتحرك

- ‌كيفَ تُرْجَمُ الشياطينُ بالنجوم

- ‌هل السموات سبع والأراضي سبع

- ‌ما هو النسيء

- ‌بماذا تروى مصر

- ‌هل الرعد ملك من الملائكة؟وكيف يسبح الله

- ‌بين وادي طوى وجبل حوريب

- ‌هل الشمس ثابتة

- ‌القمر كالعرجون القديم

- ‌أسطورة جبل قاف

- ‌الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

- ‌هل كان هامان وزيراً لفرعون

- ‌حول تعاون هامان وقارون مع فرعون

- ‌حول صنع السامري للعجل

- ‌من هو أبو إبراهيم عليه السلام

- ‌حول أبي مريم وأخيها

- ‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

- ‌كيف دعا نوح على قومِه بالضلال

- ‌هل نجا فرعون من الغرق

- ‌بين زكريا ومريم

- ‌حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

- ‌حول ولادةِ مريم وكلام وليدها

- ‌هل لكلِّ أمةٍ رسول

- ‌هل أشرك آدم وحواء بالله

- ‌هل غرق ابن نوح عليه السلام

- ‌هل أيوب حفيد إسحاق

- ‌الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم

- ‌حول ترتيب أسماء الأنبياء

- ‌إدريس وليس أخنوخ

- ‌من هم أتباع نوح عليه السلام

- ‌بابل والنمرود

- ‌ما هو أصل الكعبة

- ‌إِبراهيم عليه السلام ونمرود

- ‌إسماعيل صِدِّيقَّ نبٌيّ عليه السلام

- ‌كيف احتال إخوة يوسف عليه السلام على أبيهم

- ‌الشاهد ببراءة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف ومراودة نسوة المدينة

- ‌توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

- ‌عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر

- ‌حقيقة قميص يوسف

- ‌امرأة فرعون تتبنَّى موسى عليه السلام

- ‌حول تقتيل أولاد بني إسرائيل

- ‌حول صداق امرأة موسى عليه السلام

- ‌وراثة بني إسرائيل للأرض

- ‌تسع آيات لا عشر ضربات

- ‌العيون المتفجرة من الحجر

- ‌الألواح التي كتبت عليها التوراة

- ‌هل طلب بنو إسرائيل رؤية الله

- ‌قارون الإسرائيلي الكافر

- ‌بين داود وسليمان عليهما السلام

- ‌بين هاجر ومريم عليهما السلام

- ‌حول نزول المائدة على الحواريين

- ‌أصحاب القرية والرسل الثلاثة

- ‌حول قوم عاد

- ‌من هم أصحاب الرَّسِّ

- ‌حول لقمان الحكيم

- ‌بين الإسكندر وذي القرنين

- ‌الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام

- ‌يمين أيوب والضغث والضرب

- ‌الصرح الذي بُني لفرعون

- ‌حول الطوفان على المصريين

- ‌حول طالوت وجيشه

- ‌حول كلام عيسى في المهد

- ‌عيسى ومعجزة خلق الطير

- ‌من هو المصلوب

- ‌الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية

- ‌الرخصة لمن أكره على الكفر

- ‌العفو عن لغو اليمين

- ‌حول إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌حول آيات الجهاد والقتال

- ‌حول إباحة الغنائم

- ‌حول قسم الله بمخلوقاته

- ‌حول الترخيص بالكذب

- ‌إباحة ردِّ العدوان

- ‌حول إباحة تعدد الزوجات

- ‌الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

- ‌التوحيد والتثليث والأقانيم

- ‌الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

- ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

- ‌هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية

- ‌هل يباح القتال في الأشهر الحرم

- ‌ما هو أصل التكبير

- ‌حول عالم الجن

- ‌هل يأمر الله بالفسق والفحشاء

- ‌لم يشك الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحىِ

- ‌هل في القرآن أقوال للناس

- ‌حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين

- ‌كيف يشاء الله الكفر

- ‌الله يبتلي عباده بالخير والشر

- ‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

- ‌ما الذي كان يفعلُه عيسى عليه السلام

- ‌6 - رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

- ‌7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:

- ‌8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده

- ‌موقف الملائكة من خلق آدم عليه السلام

- ‌ما معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام

- ‌هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار

- ‌مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة

- ‌أرواح الشهداء وأجواف الطيور الخضر

- ‌حول تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ

- ‌من الذي صُلب: المسيح أم شبيهه

- ‌حول تكفير الصوم للخطايا

- ‌نفي النبوة عن نسل إسماعيل عليه السلام

- ‌هل بلاد العرب للمسيح عليه السلام

- ‌هل أكلت الشاة القرآن

- ‌حول إحراق عثمان المصاحف

- ‌كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه

- ‌بين قدر الله وإرادة الإنسان

- ‌الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

- ‌ذكر المرفوع بعد المنصوب

- ‌الفاعل لا يكون منصوباً

- ‌المبتدأ مؤنث والخبر مذكر

- ‌تأنيث العدد وتذكير المعدود

- ‌اسم الموصول المفرد العائد على الجمع

- ‌جزم فعل معطوف على منصوب

- ‌هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع

- ‌هل ينصب المضاف إليه

- ‌جمع الكثرة بدل جمع القلة

- ‌جمع القلة بدل جمع الكثرة

- ‌هل يجمع الاسم العلم

- ‌بين اسم الفاعل والمصدر

- ‌لا يُعطف المنصوب على المرفوع

- ‌حكمة وضع المضارع بدل الماضي

- ‌حكمة حذف جواب الشرط

- ‌هل صرف القرآن الممنوع من الصرف

- ‌حول تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌هل القرآن يوضح الواضح

- ‌هل يأتي فاعلان لفعل واحد

- ‌اعتراض على الالتفات:

- ‌حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى

- ‌كم قلباً للإنسان

- ‌الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

- ‌لماذا قطع يد السارق

- ‌معنى قوله تعالى: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌حول شهادة المرأة وضربها وميراثها

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌هل الطلاق خطأ

- ‌حول جلد الزاني والزانية

- ‌حول إباحة التسري

- ‌الحجاب الحافظ للمرأة

- ‌هل شعائر الحج من الوثنية

- ‌حول إباحة التجارة في موسم الحج

- ‌من الدي حدد وقت الحج

- ‌هل الإفاضة من أعمال الجاهلية

- ‌هل أركان الحج من الجاهلية

- ‌حول توزيع الزكاة

- ‌توجيه تفضيل الرجال على النساء

- ‌هل صلاة المسلمين تقليد وثني

- ‌حول التطهر بالتيمم

- ‌تفسير سياسي لتحويل القبلة

- ‌اعتراض على الصلوات الخمس

- ‌الصلوات وليلة المعراج

- ‌حول فرض صيام رمضان

- ‌حول حرمة الأشهر الحرم

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌حول القصاص في القتل

- ‌حكم قتل المرتد

- ‌حكم الزواج بالكتابيات

- ‌الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية

- ‌لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌لماذا ميراث المرأة نصف ميراث الرجل

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌ضرب الزوجات: لماذا؟ ومتى؟ وكيف

- ‌ماذا بعد الطلقة الثالثة

- ‌حول حجاب المرأة

- ‌حول قتال مانعي الزكاة

- ‌حول توزيع الغنائم

- ‌حول أخذ الجزية من أهل الكتاب

- ‌حول إكراه الجواري على الزنى

- ‌حول الشهود على الزنى

- ‌لماذا جلد الزاني أمام الناس

- ‌المنسوخ والناسخ في حد الزنى

- ‌هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة

- ‌حول الإعداد للأعداء

- ‌حول النهي عن موالاة الكفار

- ‌هل يدعو القرآن إلى الكراهية

- ‌حول تقبيل الحجر الأسود

- ‌حول عدم الاستعانة بالكافرين

- ‌حول انتشار الإسلامِ في العالم

- ‌حول تقاتل المسلمين

- ‌الفصل الثامن نقض المطاعن العلمية

- ‌هل لتمثال العجل خوار

- ‌أسطورة خاتم سليمان

- ‌لماذا إنكار عذاب القبر

- ‌حول ناقة صالح عليه السلام

- ‌حول إهلاك قوم مدين

- ‌كيف مُسخ اليهود قردة

- ‌حول عالم الجن

- ‌حول التداوي بالعسل

- ‌أين شهود الإسراء والمعراج

- ‌حول مهمة الهدهد زمن سليمان عليه السلام

- ‌ما هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان

- ‌حول موت سليمان عليه السلام

- ‌رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل

- ‌هل تتكلم الجبال

- ‌الله يلين الحديد لداود عليه السلام

- ‌حول نوم أصحاب الكهف

- ‌حول الريح المسخرة لسليمان عليه السلام

- ‌حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل

- ‌هل خاف يعقوب على أبنائه من العين

- ‌حول بقرة بني إسرائيل

- ‌هل الرعد ملاك

- ‌حول سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية

- ‌ما المراد بالحروف المقطعة

- ‌هل في القرآن كلام أعجمي

- ‌دعوى التناقض في القرآن

- ‌أَوَّلاً: هل يتبدَّلُ كلامُ الله

- ‌ثانياً: التفاوت في مقادير أيام الله:

- ‌ثالثاً: بين نفي الشفاعة وإثباتها في الآخرة:

- ‌رابعاً: هل أهل الجنة قليلون أم كثيرون

- ‌خامساً: هل اليهود والنصارى مؤمنون

- ‌سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:

- ‌سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌ثامناً: حول القسم بالبلد الأمين:

- ‌تاسعاً: حول المنافقين:

- ‌عاشراً: بين النهي عن الهوى وإباحته:

- ‌أحد عشر: التناقض في الخمر بين الحل والحرمة:

- ‌ثاني عشر: بين النهي عن إيذاء الكفار والأمر بقتالهم:

- ‌ثالث عشر: هل نجا فرعون أم غرق

- ‌رابع عشر: السماء والأرض أيهما خلقت أولاً

- ‌خامس عشر: هل القرآن محكم أو متشابه

- ‌حول التكرار في القرآن

- ‌هل في القرآن من كلام الآخرين

- ‌ثانياً: ماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من كللام عمر بن الخطاب

- ‌ب - ثلاث موافقات لعمر:

- ‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

- ‌حول إنزال القرآن مفرقاً

- ‌حول الكلمات الغريبة في القرآن

- ‌حول الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌2 - لماذا نسخت القبلة إلى بيت المقدس

- ‌3 - هل نسخ تمسك الرجل بزوجته

- ‌ لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام

- ‌6 - هل نسخَ تَحريمُ إِتلافِ أَشجارِ الأَعداء

- ‌7 - لا نسخ في الصلاة على غير المسلم:

- ‌حول الكلام المتشابه في القرآن

- ‌هل القرآن مثل كلام الناس

- ‌حول الاختلاف والتناقض في القرآن

- ‌مع أمثلة الفادي للاختلاف في القرآن:

- ‌الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حول حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌ما الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه

- ‌حول أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الزعم بأن القرآن وحي من الشيطان

- ‌هل مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين

- ‌اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زوجة ابنه

- ‌حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تقبيل الرسول للحجر الأسود

- ‌التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها

- ‌حول قتلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصومَه

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم

- ‌لم يطرد الرسول صلى الله عليه وسلم الفقراء والعبيد

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيطان

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذنب

- ‌حول موقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون معجزات

- ‌اتهامات الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم مسموماً

- ‌حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي

- ‌3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:

- ‌هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الانتحار

- ‌خرافة امتحان خديجة لجبريل

- ‌سخرية المجرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حول إرجاء وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم من يشاء من نسائه

- ‌هل أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال أهل الكتاب في القرآن

- ‌هل شتم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين شتموه

- ‌حول غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إشاعة إبادة الكلاب في المدينة

- ‌حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌ما معنى الأُمِّي والأميين

- ‌عودة إلى دعوى التناقض في القرآن

- ‌لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم

- ‌تَمَّ الكتاب بحمد الله وتوفيقه

الفصل: ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

ليغفِرَ اللهُ له ذَنْبَه، وعليه أَنْ يجتنبَ الكبائرَ ليكُفِّرَ اللهُ له الصغائر، وعليه أَنْ

يُكْثِرَ من الحسناتِ التي تُذْهِبُ السيئاتِ.

وقد اعترضَ الفادي المتحاملُ على القرآنِ في تقريرِه أَنَّ الحسناتِ يُذْهِبنَ

السيئات، واعتبرَ هذا لا يَتفقُ مع عدلِ الله، ولا يُريحُ ضميرَ المسلمِ العاصي.

لِنقرأْ قولَه العجيب: " أَمّا قولُ القرآن: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) ، فهو لا يتفقُ مع قَداسةِ اللهِ وعَدْلِه، ولا يُعطي الضميرَ راحةً ولا سَلاماً

ولا شعوراً بفَرَحِ الغفران ".

وهذا تَوَقّحٌ من الفادي على القرآن، وتخطئةٌ صريحةٌ له، واتهامٌ له بأنه

لا يَتفقُ مع عدلِ اللهِ وقداستِه، ولا أَدري لماذا؟!

أَليس اللهُ الرحيمُ هو الذي قضى أَنْ تُذْهِبَ الحسناتُ السيئاتِ؟ !

وماذا في ذلك طالما أَنه أَمْرُ اللهِ وقَضاؤُه؟!

وهو الفَعّالُ لما يُريدُ سبحانه..

أَليس اللهُ هو العزيزُ الغفور، الذي يَغفرُ لمن يشاء؟

أَليس اللهُ هو التوَّابُ الذي يَتوبُ على عبادِه التّائبين؟

لماذا يَدَّعي المفترِي أَنَّ هذا كلَّه لا يَتفقُ مع عدلِ الله؟!.

وادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ مفهومَ الذنبِ والتوبةِ والاستغفارِ في الإِسلام لا

تُعطي ضميرَ المسلمِ راحةً ولا سَلاماً ولا فرحاً..

وقد نَقَلَ أَقوالاً عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأَصحابه، كأَبي بكرٍ وعمرَ وعلي رضي الله عنهم، تُعَبِّرُ عن ما كانوا يَعيشونَه من قَلَقٍ

واضطرابٍ واكتئابِ وإِحباط..

وهذه الأَقوالُ مكذوبةٌ لم تَصْدُرْ عنهم، أَو لعلَّ

بعضَها صَدَرَ عنهم لَكنَّ الفادي المفترِي أَساءَ فَهْمَها وتأْويلَها وتفسيرَها.

***

‌ما هي مصادر القرآن البشرية

؟

يَرى الفادي المفترِي أَنَّ القرآنَ ليس كلامَ الله، وِإنما أَخَذَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من مصادِرَ بشريةٍ حولَه! وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ لا يَثبتُ أَمامَ التدبرِ والبحثِ والفحص.

(1) وهل من العدل أن يتحمل المسيح ذنوب الخلق، هذا منطق لا ترتضيه البهائم؟؟!!!.

ص: 238

وقد دَعانا اللهُ أَنْ نتدبَّرَ القرآنَ لمعرفةِ تناسُقِه وصحَّحِه وصَوابِه، وخُلُوِّهِ عن

الخطأ والتناقضِ والاختلافِ والاضطراب، وذلك في قولِه تعالى:(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) .

وعلق الفادي على الآية بقوله: " وهل يَحتملُ القرآنُ التدبُّرَ والفحصَ؟

وهل يَقبلُ المسلمونَ مبدأَ البحثِ للوقوفِ على حَقيقةِ القرآن؟..

لقد دَلَّت الأَبحاثُ أَنَّ محمداً أَخَذَ القرآنَ وشرائعَه من الصابئين، وعربِ الجاهلية، واليهودِ، والمسيحيين، وعن تَصَرُّفاتِه التي جعلَها سُنَّةً لغيرِه ".

هكذا إِذن! القرآنُ في نظرِ المفترِي لا يَصْمُدُ أَمامَ الفحصِ والبحثِ

والتدبُّر! وقد دَلَّت الأَبحاثُ على أَنَ القرآنَ بشريُّ المصدر، أَخَذَهُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من الناس الذين حولَه، كالعربِ واليهودِ والصابئين..

ولم يُخْبرنا الفادي المفتري من هم الذينَ قاموا بتلك الأَبحاث، ولا كيفيةَ قيامِهم بها، ولا مكانَها وزمانَها ونتائجَها.

وللتَّدليلِ على دَعواهُ عَرَضَ نماذجَ من ما أَخَذَهُ محمدٌ عن كل من:

الصابئين والعربِ واليهودِ والنصارى وعاداتِه الشخصية! لِننظرْ في النماذجِ التي قَدَّمَها:

أولاً: ما أَخذه عن الصابئين:

زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم اعتبرَ الصابئين أَصحابَ دينٍ سماوي، وأَدخلَهم الجنة، فقال:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) .

وقال أَيضاً بنفسِ الفكرةِ في سورة البقرة (61) ، وسورة الحج (17)

هل هذه الآيةُ اعترافٌ بدينِ الصابئين، وتَقريرٌ أَنهم على حق، وأَنهم من

أَهلِ الجنة؟

ص: 239

إِنها تَذْكُرُ الصابئين مع اليهودِ والنصارى، فهل كُلُّ اليهودِ مؤمنون

في الجنة؟

وهل كُلُّ النصارى مؤمنونَ في الجنة؟

كلا.

لا يُعْتَبَرُ مؤمناً مَقْبولاً من الصابئين واليهودِ والنَّصارى إِلّا مَنْ اَمنَ باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً!.

ومتى يكونُ الإِيمانُ بالله صَحيحاً كاملاً؟

لا يَكونُ صحيحاً مقبولاً إلا إذا آمنَ صاحبُه بكلِّ رسلِ اللهِ وأَنبيائِه، وبكلِّ كتبه، فمنْ لم يؤمنْ بنبوةِ رسولٍ من رسلِه لم يُقْبَلْ إِيمانُه كُلُّه، ومَنْ لم يُؤْمِنْ بأَحَدِ كُتُبه التي أَنزلَها على رسلِه لم يُقْبَلْ إِيمانُه كُلُّه..

فهل الصابئون واليهودُ والنصارى يؤمنونَ بكلِّ كُتُبِ الله ورسلِه؟

الجوابُ بالنفي!!.

لا يؤمنُ الصابئونَ بدينِ اليهودِ والنصارى والمسلمين، فهم كافرونَ

مُخَلَّدونَ في جهنم..

ولا يؤمنُ اليهودُ بدينِ النصارى، وينكرونَ رسالةَ عيسى وكتابَه الإِنجيلَ، كما يُنكرونَ رسالةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم والقرآنَ المنزَّلَ عليه.

فهم كفارٌ لم يؤمنوا باللهِ حقّاً..

أَمّا النَّصارى فإِنهم لا يؤمنون باللهِ حَقّاً، لأَنهم لا يؤمنونَ أَنَّ القرآنَ كَلامُ الله، ولا أَنَّ محمداً هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

أَما نحنُ المسلمين فإِنَّنا وَحْدَنا الذين نؤمنُ باللهِ حَقّاً، ونُحققُ أَركانَ

الإِيمانِ كاملة، فإِننا نؤمنُ بكُل الرسلِ الذين أَرسلَهم الله، وفي مقدمتِهم موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ونؤمنُ بكلِّ الكتبِ التي أَنزلها الله، ومنها التوراةُ والإِنجيلُ والقرآن.

وعندما ننظرُ في الآيةِ موضوعِ الحديث، فإِننا نَراها تُقَدِّمُ لنا المسلمين

باعتبارِهم الأُمَّةَ التي حَقَّقت الإِيمانَ الصحيحَ الكامل، أَمّا الأُمَمُ الأُخرى فإِنَّ

الواحدةَ منها لا تُقْبَلُ إِلّا إِذا كانَ إِيمانُها مثْلَ إِيمانِ المسلمين.

قال تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) .

وتتكوَّنُ الآية ُ من جملتَيْن: الجملة الأُولى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) .

والمرادُ بالموصولِ وصلَتِه (الَّذِينَ آمَنُوا) المسلمون.

وخَبَرُ " إِنَّ " محذوف، والتقدير: إِنَّ المؤمنين مفلحون

ص: 240

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)

والجملة الثانية: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ..

فالواوُ في: (وَالَّذِينَ هَادُوا) حرفُ استئناف وليسَ حرفَ عَطْف.

(وَالَّذِينَ هَادُوا) مبتدأ.

(وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) معطوفٌ عليه.

والخَبَرُ هو: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) .

ومعنى هذه الجملةِ الاسمية: (وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : المؤمنونَ من هذهِ الطوائف: اليهود والصابئين والنصارى، هم الذينَ آمَنوا بالله واليوم الآخر..

ولَنْ يَكونوا مؤمنين باللهِ حقّاً إِلّا إِذا آمَنوا بكلِّ كتبِه وخاتمِها القرآنِ، وآمَنوا بكلِّ رسلِ الله، وخاتمِهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وليسَ في هذه الآية ثناءٌ على الصابئين، وشهادةٌ لهم بأَنهم من أَهلِ

الجنة، كما زَعَمَ الفادي المفترِي (1) .

وكَذَبَ الفادي المفترِي عندما زَعَمَ أَنَّ الإِسلامَ أَخَذَ عقيدتَه عن

الصابئين! وذلك في قوله: " وقد نَقَلَ الإِسلامُ عنهم عقائدَهم، المعمولَ بها فيه إِلى الآن!! ".

ولم يَجِد المفترِي دَليلاً على دعواهُ الكبيرةِ الضالّة، إِلّا كَلاماً مُجْمَلاً

نقلَه من كتاب " بلوغ الأَرَب في أَحوالِ العرب " للآلوسي، ولم يُقَدِّم الآلوسي دَليلاً على كلامِه، واكتفى بادِّعاءِ أَنَّ للصابئةِ خمسَ صلواتٍ مثْلَ صلواتِ المسلمين، ويُصَلُّونَ على الجنازةِ مثلَ صلاةِ المسلمين عَلَيْها، ويصومون ثلاثينَ يوماً مثلَ المسلمين، ويتوجَّهون في صلاتهم نحو الكعبة، ويُحَرِّمونَ الميتةَ والدمَ ولحمَ الخنزير، ويُحَرِّمونَ زواجَ المحرمات من القريبات مثل المسلمين!!

وَهَبْ أَنَّ هذا الكلامَ صحيحٌ فهل مَعْناهُ أَنَّ الإِسلام أَخَذَ عنهم عقائِدَهم؟

إِنَّ " الصابئينَ " فرقةٌ صغيرةٌ قليلةُ العدد، لا يتجاوزُ عَدَدُ أَفرادِها بضعةَ آلاف، وهم مُقيمونَ في العراق، ولعلَّهم تَأَثَّروا بالإِسلام على مَدارِ التاريخِ الإِسلامي، فأَخذوا منه بَعْضَ أَحكامِه وتَشريعاتِه..

أَمّا أَنْ يكونَ الإِسلامُ هو الذي أَخَذَ

(1) المعنى كما قاله المحققون: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا بالعمل الصالح قبل الله توبتهم وأزال ذنبهم، حتى الصابئون فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك.. والله أعلم.

ص: 241

عنهم عقائِدَهم وأَحكامَهم، فهذا ادعاءٌ كبيرٌ ليس عليه دَليل.

وبهذا نَرى أَنَّ القرآنَ لم يَأخُذْ من الصابئين شيئاً، وأَنَّ الفادي كاذبٌ

مُفْتَرٍ عندما ادَّعى ذلك!!.

ثانياً: ما أَخَذَه عن عرب الجاهلية:

نَقَلَ الفادي المفترِي أَقوالاً عن بعضِ العلماءِ المسلمين عن أَحوالِ

العربِ الجاهليِّين الدينية، مثلِ الشهرستاني في المِلَلِ والنَحَل، والآلوسي في

نهايةِ الأَرب، وزَعَمَ أَنَّ الإِسلام جاءَ بها واعتَمَدَها، وأَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَها عنهم، وبذلك صارَتْ حياةُ العربِ الجاهليةُ من مصادرِ القرآن، وهذا معناهُ أَنَّ القرآنَ من عندِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وليس من عندِ الله!!.

ومما نَقَلَه عن الشهرستاني والآلوسي عن أحوال العرب الدينيةِ في

الجاهليةِ: كانوا يُحَرّمونَ الجمعَ بين الأُختين، ويُحَرِّمونَ نِكاحَ زوجةِ الأَب،

ويَحُجّون ويَعْتَمرون، ويَطوفون ويَسعون، ويَغْتسِلون من الجنابة، ويقومونَ

بتقليمِ الأَظفار، ونَتْفِ الإِبْط، وحَلْقِ العانة، ويَقْطعون يَدَ السارقِ اليمنى..

وكانوا يَلتزمونَ بدينِ إِبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وكانوا يُوَحِّدونَ اللهَ ولا يُشركونَ به أَحَداً، ويُصَلّون ويَصومون ويُزَكّون ويَحُجّون، ثم طَرَأَ عليهم الشركُ بعد ذلك.

وليس غريباً أَنْ يَلتزمَ العربُ الجاهليّون بدينِ إِبراهيمَ وإِسماعيلَ عليهما السلام فقد بَعَثَ اللهُ إِسماعيلَ رسولاً إِليهم عليه السلام، والبيتُ الذي بَناهُ إِبراهيمُ وإسماعيلُ عليهما السلام ما زالَ موجوداً بينهم، وقد كانوا مُوَحِّدينَ لله فترةً من الزمان، ثم طرأَ عليهم الشركُ بعد ذلك، عندما أَدخَل عمرُو بنُ لُحَيّ عبادةَ الأَصنامِ عليهم، ووضعَ الأَصنامَ في الكعبة، وحَتّى بعد شِرْكِهم بالله، بقيتْ فيهم بعضُ الأَحكامِ والقيمِ والأَعرافِ الصحيحة، التي أَخَذوها عن شريعةِ إِسماعيلَ عليه السلام.

ص: 242

وليس غريباً أَنْ يأتيَ الإِسلامُ بتلك الأَحكامِ والتشريعات، وأَنْ يكونَ

مُصَدِّقاً لها، لأَن اللهَ بعثَ إِسماعيل عليه السلام رسولَا، كما بَعَثَ محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، فالشريعةُ التي جاءَ بها إِسماعيلُ هي من عندِ الله، والشريعةُ التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم هي من عندِ الله أَيضاً، والشرائعُ التي بَعَثَ اللهُ بها الرسلَ يُصَدِّقُ بعضُها بعضاً، مع أَنَّ كُلَّ شريعةٍ قد تختصُّ بما لم يوجَدْ بالشرائعِ قبلَها.

وقد جاءَ عيسى مُصَدِّقاً لما جاءَ به موسى قبلَه، عليهما الصلاة والسلام،

قال تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) .

وجاءَ القرآنُ مُصَدِّقاً وموافقاً لما سَبَقَه من الكتبِ الربانية، فيما لم يُحَرَّفْ

منها، قال تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) .

وكونُ القرآنِ مُصَدِّقاً للتوراةِ والإِنجيلِ ليس معناهُ أَنه أَخَذَ حَقائِقَه

وأَحكامَه منهما، ولا يقولُ هذا إِلَّا جاهل متحامل مثلُ هذا الفادي المفترِي.

وكونُ الإِسلامِ موافِقاً لشريعةِ إِسماعيل عليه السلام لا يَعني أَنَّ محمداً " عليه السلام أَخَذَ رسالتَه من العربِ الجاهليّين، كما قالَ هذا المفترِي، إِنما يَعني توافُقَ الرسالتَيْن والشريعتَيْن: رسالةِ إِسماعيلَ وشريعتِه، مع رسالةِ محمدٍ وشريعتِهِ، عليهما الصلاة والسلام، لأنهما من عند الله.

ثالثاً: ما أخذه عن اليهود:

ادَّعى الفادي المفترِي أَنَّ التوراةَ وأَسفارَ العهدِ القديمِ كانت أَحَدَ مصادرِ

القرآن، وأَنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ القصصَ الكثيرةَ التي سَجَّلَها في القرآنِ عن أَسفارِ العهدِ القديم!! وهذا يَعني أَنها كانَتْ بينَ يَدَيْه، يقرأُ فيها ويَختارُ منها، ويَنقلُ عنها، ويَنسبُها إِلى الله! وما كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم قارئاً ولا ناقلاً ولا كاتباً.

وأَشارَ اللهُ إِلى أُمّيَّتِه الدالةِ على نبوَّتِه ورسالتِه، فقالَ تعالى:(وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) .

ص: 243

ولْنقرأْ دعوى الفادي الباطلة؟

قال: " في التوراةِ قصةُ آدمَ وقابيل وهابيلَ ونوحٍ وإِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحاقَ ولوطٍ ويوسفَ وموسى وفرعونَ وبني إِسرائيل والمَنِّ والسَّلوى والوصايا العشر والتّابوت، وشريعةِ العين بالعين والذبائح، وقصة الجواسيس وقورحَ وبلعامَ وجَدعونَ وصموئيلَ وشاولَ وداودَ وسليمانَ وإِيليا واليشعَ وأَيوب.

واقتطفَ القرآنُ من أَقوالِ دوادَ وأَشعياءَ وحزقيالَ ويونان وغيرهم.

وقال: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) ".

القَصَص المذكورةُ في القرآنِ أَخَذَها محمدٌ صلى الله عليه وسلم من التوراة، في زعْمِ هذا المفتري، ودليلُه على هذه الدعوى وجودُ تلك القَصصِ في التوراةِ ووجودُها في القرآن، وهذا يعني أَنَّ الكتابَ المتأَخِّر أَخَذَها من الكتابِ المتَقَدِّم!!.

وعندما ننظرُ في حديثِ القرآنِ عن القصةِ من قَصَصِ السابقين وحديثِ

التوراةِ عنها فإِننا نجدُ فَرْقاً واضِحاً بين الحديثَيْن، ولا يَلْتَقيانِ إِلّا في ذكْرِ

عنوانِ القِصَّةِ ومُجْمَلِها، ولكنَّهما يَختلفانِ في التفاصيل، ويَظهرُ هذا في كلِّ

قصةٍ ذَكَرَها القرآن، كقصةِ آدمَ وقصةِ نوحِ وقصةِ إبراهيمَ وقصةِ يوسف وقصة موسى!.

والفادي نفسُه اعترفَ بالفَرْقِ بين حديثِ القرآنِ وحديثِ التوراةِ عن

قَصَصِ السابقين، واعتبرَ هذا الفرقَ دليلاً على وُقوعِ الأَخطاءِ التاريخيةِ في

القرآن، وسَبَقَ أَنْ ناقَشْناه في تلك الادِّعاءات.

وعجيبٌ موقفُ هذا الفادي وفهمُه الأَعوج، فإِذا وافَقَ القرآنُ التوراةَ في

حديثِه عن قَصصَ السابقين قال: أَخَذَ محمدٌ القرآنَ عن التوراة، ونَقَلَ ما فيها!

وإِذا خالَفَ القرآنُ التوراةَ في بعضِ التفاصيل قال: أَخطأَ القرآنُ في حديثِه لأَنه خالَفَ التوراة!! المهمّ أَنَّ القرآنَ عندهُ متَّهَمٌ على كلِّ حال، سواءٌ وافَقَ التوراةَ أَو خالَفَها!.

ص: 244

إِنَّ وجودَ فروقٍ بينَ حديثِ القرآن وحديثِ التوراةِ عن قَصَصِ السابقين

دليلٌ على أَنَّ القرآنَ وحيٌّ من عند الله، ولو كانَ من تأليفِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم لَنَقَلَ كُلَّ ما وَجَدَهُ أَمامَه، سواء كانَ خَطَأً أَوْ صَواباً.

وأَشارَ القرآنُ إِلى هذهِ الحقيقة، واعتبرَ ذِكْرَ أَحداثِ القصةِ في القرآنِ

دليلاً على أَنه من عندِ الله.

قال تعالى في خاتمةِ قصةِ نوح في سورةِ هود:

(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) .

وقالَ في خاتمةِ قصةِ يوسف: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) .

وقالَ في حديثِه عن قصةِ موسى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) .

ومن مُغالطاتِ الفادي المفترِي أَنه أَرادَ أَنْ يَجعلَ القرآنَ نفسَه شاهداً

على أَنه مأخوذٌ من التوراة، فَذَكَرَ قولَه تعالى:(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) ، شاهداً على ذلك.

قَطَعَ الآيةَ عن سياقِها ليُسيءَ الاستدلالَ بها، وهي واردةٌ في سياقِ آياتٍ

تتحدَّثُ عن مصدرِ القرآن، وتَجزمُ بأَنه من عندِ الله.

قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) .

وليس معنى قوله: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أَنَّ مادةَ هذا القرآن مأخوذةٌ من

زُبُرِ الأَوَّلين، وكتبِ الأَنبياءِ السابقين، كالتوراةِ والزبور والإِنجيل، ولكن

معناها أَنَّ القرآنَ مُصَدِّقٌ للكتبِ الربانيةِ السابقة، المنزَّلَةِ على الأَنبياءِ السابقين،

ص: 245

وموافقٌ لها في ما قَدَّمَتْه من حقائقَ عقيديةٍ وأَخلاقيةٍ وعلمية.

رابعاً: ما أخذه عن النصارى:

زَعَمَ الفادي أَنَّ الإِنجيلَ كان أَحَدَ المصادرِ التي أَخَذَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم منه مادَّةَ القرآن! وقالَ في زعمه: " أَخَذَ القرآنُ عن الإِنجيلِ قصةَ بشارةِ الملاكِ لزكريا عن يوحَنّا، وقصةَ بشارةِ المَلاكِ لمريمَ العذراءِ عن ميلادِ المسيح، وعن اسمِه الكريمِ كلمةِ الله، وعن مَسْحِه بالروحِ القُدُس وتعاليمِه، ومعجزاتِه من حيثُ شفاءُ الأَبرص، وتفتيحُ عينِ الأَعمى، وإِقامةُ الموتى، ورفضُ اليهودِ له، وموتُه، وارتفاعُه للسماء، وشهادةُ الرسلِ والكنيسةِ والقساوسة..

واقتطفَ من أَقوالِ بولس الرسول من رسائِلِه لأَهْلِ رومية وكورنثوس وغلاطية وفيلبي وتسالونيكي والعبرانيين..

واقتطفَ من أَقوالِ يعقوب الرسول وبولس الرسول ويوحَنا الرائي.. ".

وما قلناهُ في المبحثِ السابقِ نقولُه هنا، فالقرآنُ موافقٌ للإِنجيلِ الحَقِّ

الذي أَنزلَه اللهُ على عيسى عليه السلام، ومُصدِّقٌ له، لأَنَّ الاثنينِ من عندِ الله، وكُتُبُ اللهِ يُصَدِّقُ بعضها بعضاً، وتتوافقُ فيما تَعرضُه من معلوماتٍ وأَخبارٍ وحقائق.

صَدَّق القرآنُ الإِنجيلَ في الإِخبارِ عن بشارةِ زكريا بيحيى عليهما السلام، وعن نَذْرِ أُمِّ مريمَ وولادتِها لها، وعن بشَارةِ مريمَ بعيسى، ومجيءِ جبريلَ عليه السلام لها، وعن حملِها بعيسى وولادَتِه، وعن كونِ عيسى عليه السلام عبدَ اللهِ ورسولَه، وعن آياتِه التي آتاهُ اللهُ إِياها، وعن دعوتِه لبني إِسرائيل، وعداوتِهم له، ومحاولتِهم صلْبَه، وإِنجاءِ اللهِ له، وعن تبشيرِه بالنبيِّ الخاتمِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

ومع كونِ القرآنِ مُصدِّقاً للإنجيل في هذه الموضوعات، إِلّا أَنَّ هناكَ

فروقاً بين القرآنِ والأَناجيلِ الموجودةِ في ذكْرِ بعضِ التفصيلات، ولعلَّ السببَ

ص: 246

في ذلك هو تَحريفُ النصارى لأَناجيلِهم، وإِضافةُ كلامِهم إِلى كلامِ الله فيها، وتَسَرُّبُ الخطأ إِليها، ولذلك لا يُتابِعُها القرآنُ في تلك الأَخطاء!!.

ووجودُ هذه الفروقِ بين القرآنِ والأَناجيلِ دليلٌ على أَنَّ القرآنَ وَحْيٌ من

عندِ الله، فلو أَخَذَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم مادَّتَه من الأَناجيلِ لأَخَذَ كُلَّ ما فيها، سواء كان خَطَأً أَو صواباً! وهذا أَمْرٌ يعترفُ به كلُّ مُنْصفٍ محايد، يُفكرُ بعقلِه ويَبحثُ عن الحق!!.

خامساً: ما أخذه من تصرفاته:

زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم مَلَأَ القرآنَ بأَخبارِه وسيرتِه وتصرفاتِه وأَعمالِه.

قال: " يَحوي القرآنُ الكثيرَ من أَحوالِ محمدٍ الشخصية، التي جعلَها

سُنَّةً لأَتْباعِه، فَذَكَرَ فيه غزواتِه وحوادثَ زوجاتِه، عائشة وزينب وخديجة ومارية القبطية وحفصة وأم هانئ وغيرهن..

ودَوَّنَ ما أَصابَه من أَثَرِ السِّحْرِ وتعوُّذاتِه منه، وسَجَّلَ بعضَ أَقوالِ الصحابة، وقالَ: إِنها تنزيلُ الحكيم العليم!! ".

إِنَّ مزاعمَ الفادي باطلةٌ تافهة، فالقرآنُ ليس " سيرةً ذاتيةً " لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، سَجَّلَ فيها تفاصيلَ حياتِه ودقائقَ أَعمالِه، وليس كتابَ " مذكَّرات "، دَوَّنَ فيها كلَّ ما جرى له، كما يفعلُ الذين يكتبونَ مُذَكَّراتِ حياتِهم!! وإِنَّ الحديثَ عن حياةِ الرسولِ الخاصةِ صلى الله عليه وسلم قليلٌ في القرآن.

فقد حَزِنَ صلى الله عليه وسلم كثيراً لموتِ زوجِه خديجةَ رضي الله عنها قبلَ الهجرة، حتى سُمِّيَ ذلك العامُ عامَ الحزن، وحَزِنَ لموتِ ابنِه

إِبراهيمَ بعد الهجرة..

ولم يَتحدث القرآنُ عن موتِهما، ولا عَنْ حُزْنِ الرسولِ عليه السلام، ولو كان القرآنُ من تأليفِه لوجَدْنا فيه صفحاتٍ في رثائِهما ونعيِهما ومشاعرِه تجاههما!.

أَمّا حديثُ القرآنِ عن جهادِ الرسولِ عليه السلام لأَعدائِه فهذا لا غرابةَ فيه.

فقد تَحَدَّثَ القرآنُ عن دعوةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وتبليغِه، وعن موقفِ أَعدائِه المشركين

ص: 247