الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان الفادي صاحبَ هوى خبيثاً في نَقْلِه عن تفسيرِ البيضاوي، حيثُ
أَخَذَ منه ما يوافق هواه، ليتَّهمَ القرآنَ ويُخَطّئَهُ.
فبعدَما ذَكَرَ البيضاويًّ نُزولَ الآيةِ في حادثةِ عمارِ بن ياسر، واستدلَّ بها على جوازِ التكلم بالكفر عند الإِكراه، ذكَر أَنَّ الأَوْلى والأَفضلَ للمسلم أَنْ لا يَنطقَ بالكفر، وأَنْ يَثبتَ على الإِسلام، حتى لو أَدّى ذلك إِلى قَتْلِه..
قال: ".. وهو دليلٌ على جَوازِ التكلمِ بالكفرِ عندَ الإِكراه..
وإِنْ كانَ الأَفْضَلَ له أَنْ يَتَجَنَّبَهُ عنه، إِعْزازاً للدين، كما فعلَه أَبُو عمار، ولما رُوِيَ أَنَّ مسيلمةَ أَخَذَ رجلَيْن، فقالَ لأَحَدِهما: ما تقولُ في محمد؟
قال: هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فما تقولُ فِيَّ؟
قال: أَنتَ أَيضاً رسولُ الله!! فَخَلّاه.
وقالَ للآخَر: ما تقولُ في محمد؟
قال: هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فما تقولُ فِيَّ؟
قال: أَنا أَصَمّ.
فأَعادَها عليه ثلاثاً، فأَعادَ جوابَه، فقَتَلَه..
فبلغَ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:" أَمّا الأَوّلُ فقد أَخَذَ برخصةِ الله، وأما الثاني فقد صَدَعَ بالحقّ، فَهنيئاً له ".
ولو كان الفادي يَتصفُ بالموضوعيةِ والأَمانةِ العلميةِ لَذَكَرَ كَلامَ
البيضاويِّ كاملاً، وَذكَرَ ما رَجَّحَه البيضاويُّ من أَنَّ الأَفضلَ للمسلمِ أَنْ لا
يأخذَ بالرخصة، وأَنْ يَثبتَ على الحَقّ حتى لو قُتِل! ولكنه غيرُ أَمينٍ على العلمِ
والنقل.
***
العفو عن لغو اليمين
قالَ اللهُ عز وجل: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) .
تُخبرُنا الآيةُ أَنَّ اللهَ يَعفو عن لَغْوِ اليَمين، ولا يُؤاخِذُ بها، ولا يُحاسِبُ
عليها، وهو يُؤاخِذُ باليمينِ المقصودَة، التي يَعقدُها القلبُ ويَقصدُها ويتعمدُها.
وحتى يُثيرَ الفادي الشبهاتِ حول الآيةِ ذَهَبَ إِلى تفسيرِ البيضاوي، لعلَّه
يَجدُ عندَه ما يُريد.
قالَ: فَسَّرَها البيضاويُّ بقولِه: " اللَّغْوُ: هو الساقطُ الذي لا
يُعْتَدّ به من كلام وغيرِه..
ولَغْوُ اليمين ما لا عَقْدَ له، كالذي سَبَقَ به اللّسان، أَو تكلمَ به جاهِلاً لمعناه، كقولِ العرب: لا واللهِ، وبلى واللهِ، لمجردِ التأكيدِ لقولِه.
(وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) : المعنى: لا يُؤاخذُكم اللهُ بعقوبةٍ ولا
كَفارة بما لا قَصْدَ منه، ولكن يُؤاخِذُكم بهما أَو بإِحداهما بما قصدتُم من
الأَيْمان، وواطَأَتْ فيها قلوبُكم أَلسنَتَكم.
وقالَ أَبو حنيفة: اللغوُ هو أَنْ يَحلفَ الرجلُ بناءً على ظَنّه الكاذبِ.
والمعنى: لا يُؤاخذُكم بما أَخطاتُم فيه من الأَيْمان، ولكنْ يعاقبُكم بما تعمدتُم
الكذبَ فيه ".
ذَكَرَ البيضاويُّ قولَيْن في معنى لَغْوِ اليمينِ الذي لا يُؤاخَذُ صاحِبُه به:
الأَول: هو الكلامُ الذي يَسبقُ به اللسانُ عندَ الكلام، فينطقُ به بدونِ
قَصْدٍ ولا تَعَمُّد، كقولِ الرجلِ أَثناءَ كلامِه: لا والله، وبلى والله.
وهذا هو قولُ الجمهورِ من الفقهاءِ والمفَسِّرين.
ويُؤَيِّدُهُ ما صَحَّ عن عائشة رضي الله عنها أَنها قالت:
" إِنما اللغوُ في المزاحِ والهزل، وهو قولُ الرجل: لا والله، وبلى والله، فذاك لا كفارةَ فيه، إِنما الكفارةُ فيما عَقَدَ عليه قَلْبَهُ أَنْ يَفْعَلَه ثم لا يَفْعَلُه ".
الثاني: هو أَنْ يَحلفَ الرجلُ اليمينَ بناءً على ظَنّه، وهو يَعتقدُ أَنه
صادِق.
ثم يَظهرُ له أَنَهُ أَخطأَ في ظَنَهِ ويمينِه، فهذا لا يُؤاخَذُ به مع أَن يمينَه
غيرُ صحيح، لأَنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ بالخَطَأ.
وهذا هو فهمُ أَبي حَنيفة.
ويُؤَيّدُه ما صَحَّ عن عائشةَ أَيضاً رضي الله عنها أَنها قالَتْ: " لَغْوُ اليَمينِ هو الشيءُ يَحلفُ عليه