الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعترفُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنه كانَ يُعاني شِدَّةً من نُزولِ الوحي عليه، وتشهدُ عائشةُ رضي الله عنها لذلك بأَنها رأَتْه يَنزلُ العرقُ من جبينِه في اليومِ الشديدِ البَرْد.
لكنَّ هذه الشدةَ التي كانتْ تقعُ به عندما يَغشاهُ الوحيُ، لم تُؤَدّ إِلى تَغَيُّرِه
هو في بَدَنِه وجسْمِه، وفي نَفسيَّتهِ وأَعصابه، ولم تتغيَّرْ صورتُه تغيُّراً سلبيّاً.
وقد كانَ الفادي بَذيئاً فاجرا عندما شَبَّهَ صورَتَه بصورةِ السكران، وصورةُ
السكران صورةٌ كريهةٌ مُقَزّزة، وكيفَ تُشَبَّهُ بها صورةُ أَشرفِ الخلقِ وأَكرمِهم وأَطيبِهم صلى الله عليه وسلم، وهو في أَشرفِ أحوالِه، حيث يتلقّى كلامَ الله وهو في غايةِ السعادةِ والسرور، والوعي والانتباه..
لكنّ الفادي مجرمٌ مفتر، قالَ كَلاماً لم يَقُلْهُ أَحَدٌ من المسلمين.
وافترى المفترِي افْتراءً آخَرَ عندما نَسَبَ لعلماءِ المسلمين قولَهم: إِنَّ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤْخَذُ من الدنيا! أَيْ أَنّه كان يَغيبُ عن الدنيا بفكْرِه وعَقْلِه، ويَسرحُ في تخيّلاتِه..
ونأخذُ من كلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَبلغَ رَد على هذا، حيثُ كانَ يركزُ على وَعْيِهِ وحُضورِه وانتباهِهِ، للدلالةِ على أَنه يعيشُ الحَدَثَ بكيانِه كُلّه:" فيفْصمُ عنّي وقد وعيتُ ما قال ".
3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:
نَسَبَ الفادي إِلى أَبي هريرة رضي الله عنه قولَه: " كانَ محمدٌ إِذا نَزَلَ عليه الوحْيُ استقبلَتْهُ الرّعْدَة.
وفي روايةٍ: كَرِبَ لذلك، وتَزَبَّدَ له وجْهُه، وغَمَّضَ عَيْنَيْه،
وربما غَطَّ كغطيط الإِبِلِ ".
صَحيحٌ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَغُطُّ عندما يَغْشاهُ جبريلُ عليه السلام، وذلك من ثِقَلِ الوحي، والغَطيطُ قَريبٌ من الشَّخير، وهو إِخراجُ الصوتِ من الأَنْفِ، وهذا أَمْرٌ عاديّ يمرُّ به أَيُّ شخصٍ عندما يبذلُ جهداً كبيراً، أَو يصعدُ مرتقى، وقد يَصدرُ عن كثيرٍ من النائمين، وهو ليسَ حالَةً مرضيَّة.
أَمَّا أَنْ يَرتعدَ جسْمُه ويَرتعشَ ويَنتفضَ، كما ادَّعى المفترِي، فهو غيرُ
صحيح، وأَمّا أَن يكونَ غَطيطُه بصوتٍ مُرتفعٍ مُزعجٍ كَغَطيط الإِبل، فهو غَيْرُ صحيحٍ أَيْضاً، وأَمَّا أَنه كان يَسْودُّ وجْهُه، ويخرجُ الزَّبَدُ من فمِه كما ادّعى هذا المجرمُ، فهو غيرُ صحيحٍ أَيضاً؛ لأَنَّ هذه حالةٌ مرضية، تدلُّ على أَمراضٍ نفسيةٍ عصبيةٍ حادة!
وهذه تَنَزَّه عنها أَشرفُ وأَعقلُ الخلقِ صلى الله عليه وسلم.
4 -
صوت كدويِّ النحل:
نَقَلَ الفادي قولَ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: "كان إِذا نزلَ عليه الوحي، يُسْمَعُ عند وَجْهِه كَدَوِيِّ النَّحْل! ".
وهذا كلامٌ صحيح؛ لأَنَّ هذا الصوتَ الذي يُدَوّي هو صوتُ نُزولِ
جبريل عليه السلام عليه، ووصولِه إِليه.
5 -
صوت كصلصلة الجرس:
نَقَلَ الفادي قولَ عائشةَ رضي الله عنها: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كيفَ يَأتيكَ الوحي؟
فقال: " أَحياناً مثْلُ صَلْصَلَةِ الجَرَس، وهو أَشَدُّه عَلَيَّ، وأَحياناً يتمثَّلُ لي الملَكُ رَجُلاً يُكلِّمُني، فأَعي ما يقول ".
وهذا جزءٌ من حَديثٍ صحيحٍ عند البخاري، أَوْرَدْناهُ قبلَ قَليل..
وصلصلةُ الجَرَسِ: صوتُ ضَرْبِ الجَرَس عندما يُقْرَعُ، وصلصلةُ الجَرَسِ هو ما كانَ يُسمعُ أَمامَه كَدوِيِّ النحل، كما قالَ عمرُ رضي الله عنه.
6 -
تصبب الرسول صلى الله عليه وسلم عرقاً:
نَقَلَ الفادي قولَ عائشةَ رضي الله عنها: "ولقد رأيتُه يَنزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشَّديدِ البَرْد، وإِنَّ جَبينَه ليتفَصدُ عَرَقاً ".
وهذه تكملةٌ لحديثِ الحارثِ بن هشام السابقِ رضي الله عنه، في كيفيةِ نزولِ الوحي، حيث أخبرَ أَنَّ مجيئه كصلصلةِ الجَرَس، وكان هو الأَشَدَّ عليه، وشَهدَتْ عائشةُ رضي الله عنها على ذلك، بأنها رأَتْ جَبِينَهُ يَتَفَصدُ عَرَقاً في اليومِ الشديدِ البَرْد.
وهذا أَمْرٌ عاديّ، قد يمرُّ به أَيُّ شخصٍ منّا، وليسَ به مرضٌ نَفْسِيٌّ أَو
عضويّ، فقد يلبَسُ أَحَدُنا ملابسَ صوفيةً، ثم يَسيرُ في طريقٍ صاعداً في مُرْتَفَع، ويكونُ العَرَقُ يتصبَّبُ من وجْهِه وجسمه، مع أَنَّ الثلجَ يَتساقطُ بغَزارة!.
7 -
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع أصواتاً خفية؟ :
ادّعى الفادي أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تُسمعُ حولَه أصواتٌ خفية، لا يُعرفُ أَصحابُها، وادَّعى الفادي أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ لخديجة رضي الله عنها: "إِذا خلوْتُ سمعْتُ نِداءً: يا محمد، يا محمد.
وقال لها في روايةٍ أُخْرى: أَرى نوراً يقظة، وأَسمعُ صوتاً، وقد خشيتُ من ذلك على نفسي.
وأَخشى أَنْ أَكونَ كاهناً، وأَنْ يكونَ الذي يُنادِيني تابِعاً من الجِنّ..
وأَخْشى أَنْ يكونَ بي جُنون.. ".
وادَّعاءُ الفادي باطلٌ مردود، وهذه الأَقوال لم تَصْدُرْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رَدَّها علماءُ المسلمين؛ لأَنَ فيها اتِّهاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عَقْلِه، فهو يَسمعُ أَصواتاً لا يَدري مَصْدَرَها، وكأَنها تتشكَّلُ في مخيِّلَتِه، وهو يَخشى أَنْ يكونَ الجِنُّ مسيطراً عليه، وأَنْ يكون قد أَصابَه الجُنون!!.
ومن المعلوم أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يَكُنْ يَخْشى على نفسِه أَو عَقْلِه، وكان يوقنُ أَنَّه رسول الله، وأَن ما يأْتيه هو الوحيُ من الله، وأَنه كان على بيّنَةٍ قاطعة، ويَقينٍ كبير.
قال تعالى: (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) .
8 -
هل كانت تصيبه الرعدة؟ :
ادَّعى الفادي أَنَّ الرعدة كانَتْ تُصِيبُ رسولَ اللَه صلى الله عليه وسلم عندما كان يأْتيهِ الوحيُ، ونَسَبَ هذا الادّعَاءَ إِلى أَبي هريرةَ رضي الله عنه.
وهذا ادّعاءٌ غيرُ صَحيح، فلم يكنُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرتعدُ أَو يضطربُ، أو ينتفضُ جسْمُه، وإِنما كان متحكِّماً في جِسْمه، ضابطاً لأَعْصابِه، فَرِحاً سعيداً مسروراً.