الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقد مقدمة الكتاب
سبقَ أَن قلنا: إِنَّ كتابَ " هل القرآن معصوم؟ " صادرٌ عن لجنةٍ من
المنَصّرين، جَمعوا ما ظَنّوه خَطَأً في القرآن، من مختلفِ المراجعِ والمصادر،
ولكنَ الكتابَ منسوبٌ إِلى اسمٍ مستعار، هو " عبدُ اللهِ الفادي "، الذي زَعَمَ أَنه هو الذي أَلَّفَه! وسَتَكُونُ ردودُنا على عبد الله الفادي الذي نُسِبَ الكتابُ إليه!!.
مما قالَه المفترِي الفادي في مقدمةِ الكتاب: " رَغِبْتُ منذُ حَدَاثَتي أَنْ أَقومَ
بخدمةٍ مُنتجةٍ دائمةِ الأَثَرِ للجنسِ البشري، وليس في مَقْدوري أَنْ أَكتشفَ قارة، مِثْلَ ما فَعَلَ " كولُمْبُس "، ولا أَنْ أَخترعَ مِذْياعاً، كما فعلَ " ماركوني "، ولا أَنْ أُسَخِّرَ الكهرباء، مثلَ ما فَعَلَ " أَديسون "، ولا أَنْ أُحَلّلَ الذَّرَّة، كما فعلَ " أَيْنِشْتايْن "، فليسَ شيءٌ من هذا يَدخلُ في دائرةِ اخْتِصاصي..
ولكنَّني كرجلِ دين، رأيتُ أَنْ أَدْرُس القرآنَ..
".
المؤَلّفُ " عبدُ الله الفادي " قِسّيس، وَرَجُلُ دينٍ نصراني، وبما أَنه
مُتَخَصصٌ في الدين، فهو يُريدُ أَنْ يَقومَ بدراسةٍ دينيّة، يَخدِمُ بها الجنسَ البشريَّ خدمةً دائمة.
وأَيُّ دينٍ سيَدْرُسُه دراسةً فاحصة؟
هل هو الدينُ اليهوديّ أَم الدينُ النصرانيُّ أَم الدينُ الإِسلامي؟.
العهدُ القديمُ أَساسُ الدينِ اليهودي، وهو جزءٌ من الدينِ النصراني، لأَنَّ
العهدَ القديمَ والعهدَ الجديد يُكَوِّنان " الكتابَ المقَدَّس " الذي يُؤْمِنُ به النَّصارى أَنهُ من عندِ الله.
لم يَبْقَ أَمَامَه إِلّا إِلاسلامُ ليَدْرُسَه، وبما أَنَّ القرآنَ هو أَساسُ الإِسلام،
فلْيُوَجِّه القِسّيسُ " الفادي " نَظَراتِه الكنسيَّةَ النصرانيةَ إِليه، ليَدْرُسَه دراسةً مفصَّلَةً، يقدمُ بها خدمةً للبشرية!.
ولا مانعَ من أَنْ يدرسَ أَيُّ إِنسانٍ القرآن، والقرآنُ لا يَخْشى من أَنْ
يَدرسَهُ أَيُّ إِنسان، سواء كانَ مُسْلِماً أَو يَهودياً أَو نصرانيّاً، قِسّيساً أَو باحِثاً أَو عالِماً، لكنَّه يَشترطُ على الذي سَيدرُسُه شَرْطاً واحداً، هو: أَنْ لا يُقْبِلَ على القرآن بمقَرَّر فكري أَو عقيديٍّ مُسْبَق، وأَنْ لا يَحملَ فكرةً يُريدُ إِثْباتَها في القرآن! إِنَّه إِنْ فَعَلَ ذلك تكونُ دراستُه مُنحازةً مُتحاملة، ومن ثَمَّ سيخرجُ من هذه الدراسةِ بنتائجَ خاطئة، تَقومُ على التحامُلِ والهوى والمزاجية.
يَطلبُ القرآنُ من كُلِّ إِنسانٍ أَنْ يَضَعَ فكرتَه المسبقةَ عن القُرآنِ جانباً،
وأَنْ يَدْخُلَ عالمَ القرآنِ وهو خالي الدهْن، وأَنْ يكونَ هدفُه من ذلك البحثَ
عن الحقيقة، والرغبةَ في المعرفة، ومُتابعةَ الحَقّ، وبذلكَ تكونُ دراستُه
موضوعيةً عادلةً مُنصفَة، وسيخرجُ منها بنتائج صحيحة.
ولقد قامَ بدراسةِ القرآن كثيرون من مُفَكِّري الغربِ النَّصارى، وكانتْ
دراستُهم مَوضوعيةً مُحايدةً مُنْصفة، غيرَ قائمةٍ على المقَرَّرِ الذهنيِّ المسْبَق،
والانحيازِ الدينيِّ المسبقِ ضدَّه.
وقد قادَتْهم تلك الدراسةُ إِلى اليقينِ بأَنَّ القرآنَ حَقّ لا خطأَ فيه، وأَنه من عندِ الله، وفي مقدمةِ هؤلاء البروفسورُ الفرنسي " موريس بوكاي "، والقِسّيسُ الكندي " جاري ميللر "، والقسّيسُ السوداني
" أَشوك يانق "!.
أَمّا إِذا وَضَعَ الدارسُ في ذهْنِه مُقَرَّراً مُسْبَقاً عن القرآن، وأَقبلَ عليه
يدرسُه لتحقيقِ وتأكيدِ ذلك المقَرَّر، فسوفَ تكونُ دراستُه مُتَحاملةً مُنحازةً
ضدَّه، وسيكونُ نظرُهُ في القرآن نَظَراً خاطِئاً.
كأَنْ يوقِنَ القِسّيسُ أَنَّ القرآنَ ليس وَحْياً من الله، وإِنما هو من تأليفِ البشر، وأَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم ليسَ رسولاً، وإنما هو مُدَّعٍ مُفْتَرٍ، وأَنَّ في القرآنِ أَخطاءً عديدة، ثم يَدرسُ القرآنَ ليأخذَ منه الأَدلَّةَ والأَمثلةَ على ما يُؤْمِنُ به! عند ذلك سَيَخرجُ بنتائجَ خاطئة، ويَزعمُ أَنه وَجَدَ الأَدلةَ على ما يُريد!.
وهذا ما فعلَه القِسّيسُ " عبد الله الفادي " في دراستِه " هل القرآنُ معصوم؟ "
وقد صَرَّحَ هو بدراستِه المتحاملةِ المنحازَة، ومُقَرَّرِه المسْبَقِ الذي أَقبلَ به على
القرآن، وذلك بقولِه في المقدِّمَة:" وبما أَنَّ اللهَ واحد، ودينَه واحد، وكتابَه المقَدَّسَ واحد، الذي خَتَمَهُ بظهورِ المسيحِ كلمتِه المتَجَسِّد، وقال: إِنَّ مَنْ يَزيدُ على هذا الكتاب، يَزيدُ اللهُ عليه الضرباتِ المكتوبةَ فيه، وبما أَنَّ القرآنَ يَقول: إِنه وَحْي، أَخَذْتُ على عاتِقي دراستَه! ".
هكذا إِذَن، يُؤْمِنُ القِسّيسُ أَنَّ كتابَ اللهِ المقَدَّسَ واحد، وهو العهدُ
القديمُ والعهدُ الجديد، وأَن اللهَ أَنرْل العهدَ الجديدَ على عيسى صلى الله عليه وسلم، وهَدَّدَ أَيَّ إِنسانٍ يَزيدُ شيئاً على هذا الكتاب.
أَيْ: يُؤمنُ القِسّيسُ " الفادي " أَنه لا وَحْيَ بعدَ الإِنجيل، ولا نبيَّ بعدَ
عيسى عليه السلام! وهذا مَعناه أَنه يُؤمنُ أَنَّ القرآنَ ليس وَحْياً من عندِ الله، وأَنَّ محمداً ليسَ رسول الله، فالقرآنُ صناعةٌ بشرية، فهو غيرُ معصوم، وإِنما هو مليءٌ بالأَخْطاء.
آمَنَ القِسّيسُ بهذه الفكرة، وتَسَلَّحَ بهذا السِّلاح، ووضعَ هذا المنظارَ
على عينيه، وأَقبلَ على القرآنِ يَدرسُه ويَنظرُ فيه، ويُقَدِّمُ بذلك خدمةً للجنسِ البشريّ!.
فماذا سيجدُ فيه؟
سيجدُ فيه مجموعةً من الأَخطاء، في مختلفِ
المجالات والموضوعات، تُقاربُ مئتين وخمسين خطأً!!.
ونقول: أَينَ الباحثونَ الغربيّونَ النَّصارى، الذين دَرَسوا القرآنَ دراسةً
موضوعيةً، من هذه الأَخطاء، التي اكتشفَها " الفادي "؟
لماذا لم يَرَها موريس بوكاي، ولا جاري ميللر وغيرهما؟!.
ثم ما الذي دَرَسَه القِسّيس " الفادي "؟
دَرَسَ القرآنَ دراسةً متحاملةً
منحازة، ودرسَ التفاسيرَ القرآنية، قال في المقدمة: "..
وبما أَنَّ القرآنَ
يَقول: إِنه وَحْيٌ، أَخَذْتُ على عاتِقي دراستَه، ودراسةَ تَفاسيره، فدرَسْتُه مِراراً عديدة، ووقَفْتُ على ما جاءَ به..
".
والتفسيرُ الوحيدُ الذي أَثبتَه الفادي في قائمةِ المراجعِ هو تفسيرُ
البيضاوي، ولا أَدري لماذا تَفسيرُ البيضاوي دونَ غيرِه؟
فهناكَ تَفاسيرُ مأثورة
أَفضلُ منه، كتفسيرِ الطبري وتفسيرِ ابن كثير.
ثم ما دَخْلُ التفاسيرِ في الدراسةِ الموضوعية للنَّصِّ القرآني؟
إِنَّ التفاسيرَ هي الفهمُ البشريّ لمعاني القرآن، كما سَجَّلَه السادةُ المفَسِّرون لها، وهذا الفهمُ البشريُّ يَنطبقُ عليه ما ينطبقُ على كُلِّ الأَعمالِ البشريةِ القاصرة، ومهما بَلَغَ أَصحابُها من العلمِ والدقةِ والإِتقان، فإِنها ليستْ معصومةً من الخطأ، ولا مُنَزَّهَةً عن الضعفِ والنقص.
ولذلك وُجِدَتْ في التفاسيرِ المختلفةِ أَخطاءٌ عديدة، باعتبارِها جُهْداً
بشريّاً، ولا يوجَدُ تفسيرٌ خالٍ من الخطأ، سواء كانَ قَديماً أَو معاصراً.
وهدْا معناهُ أَنَّ النَّصَّ القرآني لا يَتَحَمَّلُ الخَطَأَ الموجودَ في تلك التفاسير، ولا يَجوزُ أَنْ نَنسبَ الخَطَأَ إِلى القرآنِ، لأَنَّ هذا الخَطَأَ وُجِدَ عند
الطبريِّ أَو الرازيّ أَو البيضاويِّ أَو القرطبيِّ أو غيرهم.
فالفهمُ البشريُّ للقرآن ليسَ حُجَّةً على القرآن، إِلّا عندَ أَصحابِ النظراتِ الحاقدةِ على القرآنِ!.
وقالَ الفادي في مقدمتِه: " وَوَضَعْتُ تعليقاتي على قالَبِ مئتين وثلاثةٍ
وأَربعين سؤالاً، خِدمةً للحق، وتبصرةً لأُولي الأَلباب..
".
وسوفَ نُتابعُ الفادي في أَسئلتِه وشبهاتِه واعتراضاتِه، التي ادّعى أَنه
اكْتَشَفَها في القرآن، وسننظرُ فيها بمنظارِ القرآن، لنعرفَ تهافُتَها وتَفاهَتَها،
وصَدَقَ اللهُ القائل: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) .