الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرى الفادي أَنَّ زكريا من حَبْرون - الخليل - وأَنَّ مريمَ كانت تُقيمُ في
الناصرة شمالَ فلسطين، والمسافةُ بينَهما بعيدة، فكيفَ يكفَلُها؟!.
وهذا كلامٌ نتوقَّفُ فيه أَيضاً.
الذي نقولُ به هو ما وَرَدَ في القرآن، من أَنَّ اللهَ حفظَ مريمَ عليها السلام، وأَنَّ العابِدينَ تَنازَعوا فيها، كلُّهم يريدُ أَنْ يكفَلَها، فاقْتَرَعوا قرعة، على أَنْ يُلقوا أَقلامَهم، وفازَ زكريا بالقُرعة، وبذلك قامَ بكفالتِها، وبقيتْ في كفالتِه حتى كبرت.
قالَ تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) .
وقال تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) .
وتَدُلُّ مصادرُنا الإِسلاميةُ على وُجودِ صلةِ قرَابةٍ بينَ مريمَ وزكريا، فقد
أَخبرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عيسى ويَحيى عليهما السلام أَبناءُ الخالة، وهذا معناهُ أَنَّ أُنَّ يحيى وأُمَّ عيسى أُخْتان، فامرأةُ زكريا عليه السلام هي أُختُ مريم الكبرى، وبكفالة
زكريا مريمَ تكونُ مريمُ قد عاشَتْ عند أُخْتِها، لِتَرعاها وتتعهدَها!! (1) .
***
حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً
أَخبرنا اللهُ في القرآنِ أَنَّ مريمَ انتبذَتْ من أَهلِها مكاناً شرقيّاً.
قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) .
ورفضَ الفادي هذا الكلامَ، واعترضَ عليه، وقال بتهكُّمٍ وسخرية:
(1) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما نافعًا وعملا صالحًا؛ ولأنه كان زَوْجَ خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير [وغيرهما] (7) وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصحيح:"فإذا بِيحيى (8) وعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ"، وقد يُطْلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضا تَوسُّعا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها. اهـ (تفسير ابن كثير. 2 / 35)
" لا يَذكرُ القرآنُ لماذا انبتذَتْ مريمُ العذراءُ من أَهلِها مكاناً شرقيّاً، واتخذَتْ من دونِهم حجاباً، قبلَ أَنْ تُبَشَّرَ بعيسى..
هل كانَتْ في مشاجرةٍ مع أَهلِها، وهم المشهورونَ بالتقوى؟
ولماذا تسكنُ فتاةٌ عذراءُ بَعيداً عن أَهْلِها، مع أَنَّ القرآنَ
يقولُ: إِنها كانَتْ في المحرابِ في كَفالةِ زكريا؟
ويقولُ الإِنجيلُ: إِنَّ مريمَ كانَتْ في الناصرة، وهيَ مخطوبةٌ ليوسفَ النجار ".
يُنكرُ الفادي أَنْ تَكونَ مريمُ عليها السلام -قد انتبذَتْ من أَهْلِها مكاناً شرقياً، فلماذا تبتعدُ عنهم؟
هل اختلَفَتْ معهم؟
وهل طَردوها؟
وكيفَ ترضى أَنْ تبتعدَ عن الناس، وأَنْ تبقى وحيدةً وهي الفتاةُ العذراء؟
أَلا تخشى أَنْ يَبطش بِها أَو يَعتديَ عليها أَحَدُهم؟
وكيفَ قالَ القرآنُ في سورةِ مريم: إِنها انتبذَتْ من أَهْلِها
وابتعَدَتْ عنهم، مع أَنه هو نفسه أَخبرَ في سورةِ آلِ عمران أَنها كانتْ في
المحرابِ عند زكريا كفيلِها؟.
وتساؤلاتُ واعتراضاتُ الفادي لا معنى لها، والقرآنُ لم يَتناقَضْ في
حديثِه عن مريمَ عليها السلام.
أَخبَر في سورةِ آلِ عمران أَنَّ اللهَ كَفَّلَها زكريا وهي طفلة، وهو زوجُ
أُخْتِها كما ذكرنا، فنشأَتْ عنده صلى الله عليه وسلم، وكانتْ عابدةً لله في محراب بيتِه ومكانِ صلاتِه، بينما كان يُؤَمِّنُ لها حاجتَها من الطعام.
قال تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) .
وكانتْ مريمُ متفرغةً للعبادة، حيث ملأَتْ عليها وقْتَها، وأَنفقَتْ فيها
عُمْرَها، فلم تَلتفتْ إِلى غيرها.
ولعَلَّها لأَجْلِ هذه الغاية كانت تَنتبذُ عن أَهْلها، وتَذهبُ إِلى مكانٍ
هادِئ، تعتزلُ فيه مُتعبدة، وكان أَهْلُها يَعرفونَ ذلك، وكانوا عابِدين صالحين،