الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الكتاب، فكانَ مما أَنزلَ عليه آيةُ الرجم، قرأناها ووَعَيْناها وعَقلناها،
فَرَجَم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ورَجْمنا بَعْدَه، فأخشى إِنْ طالَ بالناسِ زَمان أَنْ يقول قائل: ما نَجدُ الرجمَ في كتابِ الله، فيَضلّوا بتركِ فريضةٍ أَنزلَها الله، وإنَّ الرجْمَ في كتابِ اللهِ حَقٌّ على مَنْ زنى إِذا أُحْصِنَ، من الرجالِ والنساء، إِذا قامت البينةُ أَو كانَ الحَبَلُ أَو الاعتراف ".
ومعنى كلامِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ الله هو الذي أَمَرَ برجْمِ الزاني المحْصَن، وأوحى بهذا الحكمِ لرسولِ اللهِ عليه السلام، وعَدَمُ وُجودِه في القرآنِ منصوصاً عليه، لا يَعْني أَنه غَيْرُ مَشْروع، فوجودُه في السُّنَّةِ كافٍ لإِثباتِ مشروعيتِه!.
أَمّا الجواري الإِماءُ فإِن عقوبتَهنَّ نِصْفُ عقوبةِ الحَرائر، كما صرَّحَ بذلك
القرآن، قال تعالى:(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) .
ومعنى قولِه: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) : إِذا تَزوَّجْنَ، فإِذا زَنَت الأَمَةُ بعدَ الزواج
أُقيمَ عليها الحَدُّ، وهو على النِّصْفِ من الحَدِّ الذي يُقامُ على الحُرَّة، وبما أَنَّ
حَدَّ الحرةِ المحصنةِ هو الرجم، فإِنه لا يُقامُ على الأَمَةِ نصفُ الرجم " لأَنَّ
الرجْمَ لا يُنَصفُ.
وقد كانَ الفادي خَبيثاً عندما قالَ مُشَكِّكاً: " ويَقولُ القرآنُ: إِنَّ حَدَّ الإِماءِ
نصفُ حَدِّ الحَرائِر، ولكنَّنا لا نَعْلَمُ ما هو نصْفُ الرجم! ".
بما أَنَّ الرجمَ لا يتنصَّفُ، فينقل الحكْمُ إِلى الجلدِ مئهَ جَلْدَة، وبما أَنَّ
الحرةَ تُجْلَدُ مئةَ جلدة فإِنَّ الأَمَةَ تُجْلَدُ خمسينَ جلْدَة!!.
***
هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة
؟
وَقَفَ الفادي أَمامَ قولِ الله عز وجل: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) .
وكان نزولُ هذه الآيةِ بعد غزوةِ أُحُد، في السنةِ الثانيةِ من الهجرة، التي
جَرى فيها للمسلمين ما جَرى، وقد استشهدَ حمزةُ رضي الله عنه، بعد أَنْ بَقَرَ المشركونَ بَطْنَه ومَثَّلوا به.
وقد نَقَلَ الفادي عن البيضاويِّ أَنَّه لما رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حمزةَ وقَدْ مُثِّلَ به، قال:" واللهِ لئن أَظْفَرني اللهُ بهم، لأَمَثِّلَنَ بسبعينَ منهم مكانَك "، فأنزلَ اللهُ الآية، وكَفَّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن يمينِه.
وعَلَّقَ الفادي المغرضُ على ذلك بقولِه: " ونحنُ نَسأل: هل الأَخْذُ بالثأرِ
يُهَذّبُ النفسَ ويَحفظُ الأَمْن؟
إِنّنا نُعاني من عادةِ الأَخْذِ بالثأرِ ويلاتٍ مُرَّة..
قال المسيح: إِنَّ الذينَ يأخُذونَ السيفَ بالسيفِ يَهْلِكون..
وما أبعدَ الفرق بينَ قولِ محمدٍ: " والله لئن ظَفِرْتُ بهم لأُمَثلَنَّ بسبعينَ مكانك " وبين قولِ المسيح: إِنْ أَخْطَأَ إِليكَ أَخوكَ سبعينَ مَرَّةً سبْعَ مراتٍ فاغفِرْ له ".
تُبيحُ الآيةُ لمن اعْتُدِيَ عليه وعُوقِبَ وظُلِمَ من المسلمين أَنْ يَنتصفَ
ويَأخذَ حَقَّه ممنْ ظَلَمَه واعتدى عليه، وترشدُه إِلى ما هو أَوْلى، وهو الصبرُ
على الأذَى، والعفوُ عنِ العِقابِ.
واعترضَ الفادي على الآية، لأَنها تُبيحُ الأَخْذَ بالثأر، وهو ينشرُ الفَسادَ
ويُخَرّبُ الأَمْنَ، ولا يُهَذّبُ النَفْسَ.
والعِقابُ بالمثْل، والإِذْنُ بِرَدِّ الاعتِداء، ليسَ من بابِ الأَخْذِ بالثَّأْرِ " لأَنَّ
الأَخْذَ بالثأرِ عادَةٌ عشائرية، والعِقابُ بالمثْلِ مبدَأٌ إِسلامي، وفَرْقٌ بين الأَمْرَيْن.
ورغمَ أَنَّ القرآنَ أَجازَ الانتصافَ من الظالمِ والمعْتَدي إِلّا أَنَّه وَجَّهَ
المسلمينَ إِلى الأَفضل، وهو العَفْوُ والصفْح.
قالَ تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) .
وقد انتقصَ الفادي المفْتَري رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَنه قالَ: " واللهِ لئن أَظْفَرَني اللهُ بهم لأُمَثِّلَنَّ بسبعينَ مكانَك " لأَنه أَخْذٌ بالثَّارِ على الطريقةِ الجاهلية، حيث سيَقْتُلُ سَبْعين شَخْصاً مقابلَ حمزَة رضي الله عنه، وقارَنَ بين هذا الموقِف، وموقفِ عيسى صلى الله عليه وسلم
الذي دَعا فيه إِلى العَفْوِ عن مَنْ أَخْطَأَ على الإِنسانِ سَبْعينَ مَرَّة.
وكَلامُ الفادي مَرْدود، لأَنه مبنيّ على باطِل، فلم يَقُلْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم " ما نُسِبَ إِليه، وقد رَدَّ المحَدِّثونَ والمفَسّرونَ هذا الحديثَ لأَنه لم يَصِحّ.
قالَ الإِمامُ ابنُ كثير في حُكْمِه على الحديث: " وقالَ محمدُ بنُ إِسحاق:
عن بعضِ أَصحابِه، عن عطاءِ بن يسارِ قال: قُتِلَ حمزَةُ رضي الله عنه، ومُثّلَ به يومَ أُحُد، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لئن أَظْهَرَني اللهُ عليهم لأُمَثِّلَنَّ بثلاثين رَجُلاً منهم، فلما سمعَ المسلمونَ ذلك قالوا: واللهِ لئنْ أظْهَرَنا اللهُ عليهم لنُمَثِّلَنَّ بهم مُثْلَةً لم يُمَثِّلْها أَحَدٌ من العربِ بأَحَدٍ قط، فأَنزلَ الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
…
) إِلى آخرِ السورة.
وهذا مُرْسَلٌ، وفيه رَجُلٌ مُبْهَمٌ لم يُسَمَّ!!.
وقد رُوِيَ هذا من وجْه آخَر مُتصل.. عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ
رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَقَفَ على حَمزةَ بن عبدِ المطلب رضي الله عنه حين اسْتُشْهِد، فَنَظَرَ إِلى مُنْظرٍ لم يُنْظَرْ إِلى مَنظرٍ أوجع للقَلْب منه، وقد مُثِّلَ به، فقال:" رحمةُ اللهِ عليك، إِن علمتُكَ إِلّا وَصولاً للرَّحِم، فَعولاً للخَيْرات، واللهِ لولا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عليك، لسَرَّني أَنْ أَتركَك حَتَّى يَحشُرَك اللهُ من بُطونِ السِّباع، أَما واللهِ لأُمَثّلَنَّ بسبعينَ كمُثْلَتِك " فنزل جبريلُ عليه السلام على محمدٍ صلى الله عليه وسلم بهذه السورةِ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، فكَفَّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن يَمينِه، وأَمسكَ عن ذلك ".
وهذا إِسنادٌ فيه ضَعْف، لأَنَّ صالِحاً هو ابنُ بشيرٍ المرّي، ضعيفٌ عند
الأئمة.
وقال البخاري: هو منكرُ الحديث ".
وبَنى الفادي لجهلِه كَلامَه على حديثٍ ضعيفٍ مردودٍ عندَ المحَدّثين،
ورَتَّبَ عليه نتائج، وانتقصَ فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وبما أَنَّ الأَساسَ الذي اعتمدَ عليه مَرْدود، فكلُّ النتائج التي خرجَ بها مردودة.