الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قراءتِه، ليعرفوا المستوى الهابط الذي انحدر إليه الذين كتبوه..
وزعموا أنه وحي من الله، وأَنه كانَ في القرآن، ثم حَذَفَه منه المسلمون زَمَنَ
عثمانَ رضي الله عنه.
ولا وَجْهَ للمقارنةِ بينَ هذا الكلامِ وبينَ القرآن، لأَنه لا مُقارنَةَ
بين الثّرى على الأَرْضِ والثُّرَيّا في السماء!!.
وكم كان الفادي غَبِيّاً سَخيفاً عندما جَعَلَ عنوانَ كلامِه: " سُوَرٌ مِثْلُه "،
وادَّعى أَنَّ هذا الكلامَ مِثْلُ القرآن! ولا أَتحرجُ من ذِكْرِ وتَسجيلِ ما زَعَمَه
بعضهم من أَنَّه قرآن، وما ادَّعاهُ بعضُهم من القدرةِ على معارضةِ القرآنِ
والإِتيانِ بسوَرٍ مثلِه، ولا أَخافُ منه على القرآن.
ولدي قراءتِنا لكلامِهم التافهِ الذي كَتَبوه نَزْدادُ ثقةً بالقرآن، ومحبةً له، ويَقيناً بأَنَّه كلامُ الله، وعجز البشرِ الأَبَدِيِّ عن معارضتِه!!.
***
كيف يشاء الله الكفر
؟
اعترضَ الفادي المفترِي على قولِ اللهِ عز وجل: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
ونَقَلَ من تفسيرِ البيضاويِّ كَلاماً، خُلاصتُه: " (وَمَا يَكُونُ لَنَا) : ما يَصِحّ
لَنا (أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا) خِذلانَنا وارْتِدادَنا..
وفيه دليلٌ على أَنَّ الكفرَ بمشيئةِ الله! ".
وسَجَّلَ اعتراضَه وتساؤلَه قائلاً: " ونحنُ نسأل: كيفَ يَشاءُ اللهُ الكفر،
وهو أَكبرُ المعاصي؟!
وهل يتفقُ هذا معَ قداسةِ اللهِ وصَلاحِه وعَدْلِه؟
أَليسَ الأَوفقُ والأَكرمُ لمجدِ اللهِ أَنْ نعتقدَ بقولِ التوراةِ وقولِ الإِنجيل: اللهُ يُريدُ أَنَّ جميعَ الناس يُخْلِصون، وإِلى معرفةِ الحَقِّ يُقْبِلون ".
الآيةُ التي اعترضَ - عليها المفترِي ضمنَ آياتٍ تتحدثُ عن قصةِ
شعيبٍ عليه السلام مع قومِه، وتُسَجِّلُ رَدَّ شعيبِ على تهديدِ قومِه الكافرين له ولأَتْباعِه المؤمنين، بإِخراجِهم من قريتِهم إِنْ لمَ يَعودوا في مِلَّتِهم.
قال تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا) .
أَخبرَ شعيبٌ عليه السلام قومَه بأَنه لنْ يعودَ هو وأَتباعُه المؤمنون في ملَّتِهم الكافرة، وأَنه لا يكونُ ولا يَنْبَغي له ولأتْباعِه المؤمنين أَنْ يَعودوا إلى الكفر بعدَ أنْ نَجَّاهم الله منه، ومَنَّ عليهم بالإِيمان.
ثم رَبَطَ شعيب عليه السلام الأَمْرَ بمشيئةِ الله: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) .
والمعنى: نحنُ قَرَّرْنا أَنْ لا نعودَ في ملَّتِكم، لكن لا نَدري ما الذي
يَشاؤُه اللهُ ويُريدُه، فإِنْ شاءَ خِذْلانَنا ورِدَّتَنا فإِنَّ مشيئَتَه نافذةٌ ماضية.
والمصْدَرُ " أَنْ يشاءَ اللهُ ربُّنا " في محلِّ نصب مستثنى، والاستثناءُ هنا
منفصل، غيرُ مرتبط مع ما قَبْلَه، والمفعولُ به لفعل " يشاء " محذوف، تقديرُه: يَشاءُ اللهُ ربّنا عودَتَنا.
وتقديرُ الاستثناء: ما يكونُ لنا أَنْ نعوَد فيها إِلا مشيئة ربِّنا ذلك.
وحكمةُ ذكْرِ الاستثناءِ هنا، رَبْطُ كُلِّ شيء بمشيئةِ اللهِ وإِرادتِه، وعلمه
وقَدَرِه وقَضائِه، وبيانُ أَنَّ مشيئةَ الله هي النافذة، وأَنَّ إِرادتَه هي الماضية، وأَنه إِذا أَرادَ شيئاً أَوجَده كما أَراد، وأَنَّه لن يَقَعَ شيءٌ في الوجودِ كُلِّه إِلا بمشيئتِهِ سبحانَه وإِرادتِه.
وهذا معناه أَنْ يُسَلِّمَ المؤمنُ أَمْرَهُ إِلى الله، وأَنْ يحسنَ التوكلَ
عليه، والتفويضَ إِليه، والرضا بقدرِه!.
وخاطَبَ إِبراهيمُ عليه السلام قومَه بكلامٍ قَريب مما خاطَبَ به شعيبٌ عليه السلام قومَه
قال تعالى: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) .
فبعدَ أَنْ واجَهَهم بعدمِ خوفِه مِنهم ومِن آلهتِهم، رَبَطَ الأَمْرَ بمشيئةِ الله،
والمعنى: أَنا لا أَخافُ آلهتَكم لأَنها لا تَضُرُّ ولا تَنْفَع، فإِنْ شاءَ اللهُ رَبّي أَنْ
تَضُرَّني، وَقَعَ الضُّرُّ بي، لأَنَّ اللهَ شاءَ ذلك، وليس لأَنها هي تَضُرُّ، فهي سببٌ في هذه الحالة، والمسَبِّبُ والمقَدِّرُ هو الله!!.
ولم يَفْهَم الفادي الجاهلُ معنى إِرادةِ اللهِ ومشيئتِه، وادَّعى أَنَّ اللهَ لا يَشاءُ
الكفر! وهذا ادِّعاءٌ كبير، وخَطَأٌ فادح!.
إِذا كانَ اللهُ لا يَشاءُ الكفر، فمعنى ذلك أَنَّ الكفارَ يَكْفُرون رَغْماً عن الله،
وهذا يَقودُ إِلى إثباتِ العجزِ لله، لأَنه لا يَستطيعُ مَنْعَ كُفْر الكفار، وأَنَهُ تَحدثُ في مُلْكِه أَشياءُ بدونِ إِذْنِه!! وهذا اتِّهامٌ للهِ بالنقصِ والضَّعفِ والعَجْز!!.
ولا إِشكالَ في قولِنا: الكافرُ يكفُرُ بمشيئةِ الله، واللهُ هو الذي يَشاءُ
الكفر، لأَنه لا يَقعُ شيءٌ في الوجودِ بدونِ إِذْنِ اللهِ وإِرادتِه ومشيئتِه سبحانه، ومَنْ هو ذلك الشخصُ المخلوقُ القادرُ على تعجيزِ الله؟!.
ومشيئةُ اللهِ كُفْرَ الكافرِ تَعْني عِلْمَه بأَنه سيكفُرُ، وإِرادَتَه في أَنْ يَكْفُر، ولو
لم يُرِدْ ذلك لَمَنَعَ الكافرَ من الكفر، ومَنَعَ العاصي من المعصية.
ولا يَعْني هذا أَنَ اللهَ يَرضى ذلك الكفر، ويحبُّ الكافرَ عندما يكفر،
فإِنَّ اللهَ لا يَرضى ذلك، ولا يُحِبه، وقد نَهى الكافِرَ عنه، وهَدَّدَه بالعذاب، وسيحاسِبُه ويعاقِبُه ويُعَذِّبُه.
ومعنى هذا أَنَّ مشيئةَ اللهِ وإِرادتَه نوعان:
الأَول: مشيئةٌ كونيَّة: وهي مشيئَةٌ تَقومُ على مجردِ العِلْم، وهي المتعلقةُ
بكفرِ الكافرِ، ومعصيةِ العاصي..
فاللهُ شاءَ ذلك الكفرَ وأَرادَه، بمعنى أَنه عَلِمَه، لكنَه لا يرضى ذلك ولا يَقْبَلُه، وقد نَهى عنه وحَذَّر منه، وتَوَعَّدَ فاعِلَه بالعذاب.