الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونَصت الآيةُ على حكمةِ هذا الزواج: (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا) ، وأَدعياؤهم هم أَبناؤُهم بالتبني، ويَجوزُ للرجلِ أَنْ يتزوَّجَ مُطَلَّقَةَ ابنِهِ بالتبنّي، لأَنه ليس ابنَه حقيقة.
وأَخبرت الآيات ُ أَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم ليس أَباً لأَحَدٍ من
رجالِ المسلمين: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) .
وشاءَ اللهُ الحكيم أَنْ يموتَ أَبناؤُه وهم صغار.
وبهذا نعرفُ أَنه لا منسوخ ولا ناسخ في الآية التي تحدثَتْ عن ذلك
الزواج، وليس في الأَمْرِ هوى أَو شهوة، كما قالَ ذلك المجرمُ المفترِي.
4 -
حولَ النسخ في معاشرة الزوجات في ليل رمضان:
أَثارَ الفادي المجرمُ سؤالاً خَبيثاً حولَ النسخِ في بعضِ أَحكامِ الصيام:
"
لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام
؟ ".
واعترضَ فيه على قولِ اللهِ عز وجل:
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) .
وعَلَّقَ المجرمُ على الآيةِ زاعماً اكتشافَه السببَ الحقيقيَّ للنسخ، فقال:
" جاءَتْ هذه الآيةُ الناسخةُ بعدَ اعترافِ أَصحابِ محمد، ومنهم عمرُ بن
الخطاب، أَنهم خانوا نِظامَ الصيامِ المتَّبَع، بإِتْيانِهم نساءهم بعد صلاةِ العشاء،
فجَعلت الآيةُ الناسخةُ الممنوعَ ممكِناً، والمحَرَّمَ مُحَلَّلاً "!!.
إِنَّ المجرمَ يأْبى إِلا الغَمز واللمزَ والإِيذاء، ولذلك عَلَّقَ على القصةِ
الصحيحةِ باعترافِ بعضِ الصحابة بمخالفتِهم بقوله: " فجعَلت الآيةُ الناسخةُ
الممنوعَ ممكِناً، والمحرمَ مُحَلَّلاً ".
مع أَنَّ النسخَ هنا ليس تَحليلاً للحرام، وإِنما هو إِلغاءٌ وإِبطالٌ للحرام، ووضْع للحَلالِ مكانَه.
ولذلك عَرَّفَ العلماءُ النسخَ قائلين: هو رَفْعُ حُكْمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخّر.
وسُؤالُ المجرمِ خَبيثْ: لماذا نُسِخَ الامتناعُ عن النساءِ وقْتَ الصيام؟
هَدَفُه منه التشكيكُ بالحكمِ الشرعي، عِلْماً أَنَّ الآيةَ لم تَنسخ الامتناعَ عن
النّساء وقتَ الصيام، فالامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيامِ في نهارِ رمضان ما زالَ قائماً، ومَنْ جامعَ امرأَتَه في نهارِ رمضان وجبَ عليه القضاءُ والكفارة، وذلك بعتْقِ رقبة، أَو صيامِ شهريْن متتابعَيْن، أَو إِطعامِ ستّين مسكيناً.
وحتى نعرف النسخَ في الآية لا بُدَّ أَنْ نتعرفَ على مناسبةِ نزولِها.
كانَ الإِمساكُ عن الطعامِ والشرابِ والجماعِ بمجردِ النوم في ليلِ
رمضان، فإِذا نامَ المسلمُ بعدَ الإِفطار وجبَ عليه الإِمساكُ حتى مغربِ اليومِ
التالي، ولو كان نومُه بعدَ صلاةِ العشاءِ مباشرة، وهذا الحكمُ ثابتٌ في السُّنَّةِ
وليسَ في القرآن.
وكانَ أَحَدُ الأَنصارِ - وهو قَيْسُ بنُ صِرْمَة - يعملُ في أَرضِه طولَ النهار،
وعادَ إِلى بيتِه في المساء، وقامت امرأَتُه لتعِدَّ له الإِفطار، ولكنَّه غلبَتْه عينُه فنام، وجاءَتْه امرأَتُه بالطعام فوجدَتْه نائماً، فأَمسكَ ولم يَأكل، وذهبَ في الصباحِ إِلى أَرضِه، ولكنه سقطَ في الأَرضِ مغشيّاً عليه من التعبِ والجوعِ والإِرهاقِ.
وجاءَ عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله!
لقد هلكْتُ! لقد عدتُ إِلى بيتي ليلةَ أَمس، فوجدْتُ امرأَتي نائمةً، فوقعْتُ
عليها.
فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) .
لقد رحمَ اللهُ المسلمين وخَفَّفَ عنهم، فأَباحَ لهم ما كانَ منعَهم فى ليلِ
رمضان، وأَباحَ لهم الطعامَ والشراب ومعاشرةَ الزوجات طيلةَ ليلِ رمضان:
(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ) .
أللهُ هو الذي شرعَ لهم الحكْمَ السابقَ بالإِمساكِ بمجردِ النَّوْم، واللهُ هو
الذي نَسَخَ ذلك الحكم، وأَباحَ لهم كلَّ المفطراتِ في ليلِ رمضان، وأَوجبَ
الإِمساكَ بطُلوعِ الفجر.
5 -
حول نسخ ما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه:
طَرَحَ الفادي المجرمُ سُؤالاً قالَ فيه: " لماذا نَسَخَ ما حَرَّمَه على نفسِه،
وحَنَثَ بالقَسَم؟ ".
وقالَ في توضيح الأَمر: جاءَ في سورةِ التحريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) .
وعَلَّقَ المجرمُ على الآيةِ وما زَعَمَه فيها من نَسْخٍ بقولِه: "
روى محمد هذه الآيةَ بعد أَنْ أَتى بماريةَ القبطية في بيتِ زوجتِه حفصةَ بنتِ عمر بن الخطاب، وفي غيبتِها، فَشَقَّ ذلك على حَفْصَة، فأَرضاها، وقالَ لها: اكتمي عَلَيَّ، وقد حَرَّمْتُ ماريةَ القبطيةَ على نفسي، ولكنَّ حفصةَ أَخبرَتْ عائشةَ، فغضبَ محمدٌ، وطَلَّقَ حفصة.
فكيفَ السبيلُ لتحليلِ ماريةَ بعدَ أَنْ حَرَّمَها على نفسِه؟
وكيفَ السبيلُ لمراجعةِ حفصةَ التي طَلَّقها؟
أَتى الناسخ يُحللُ ذلك، ويُعفي من القَسَم! فقد أَقَرَّ اللهُ بمعاشرةِ ماريةَ المحَرَّمَة، وبرجوعِ حفصةَ المطَلَّقة ".
القصةُ التي أَوردَها المفترِي مرجوحةٌ وليست راجحة، فلا نَقولُ بها.
والراجحُ أَنَّ اللهَ أَنزلَ الآياتِ في عتابِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، لأَنه حَلَفَ يَميناً حَرَّمَ فيه شيئاً أَباحَهُ اللهُ له.
وخلاصةُ الحادثةِ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ يوماً إِلى امرأَتِهِ زينبَ بنتِ جحش رضي الله عنها، وشَرِبَ عندَها عَسَلاً، وكانَ يُحبُّ العَسَلَ.
ثم غادرَ حجرةَ زينب، وتوجَّهَ إِلى حفصةَ رضي الله عنها، فقالَتْ له حفصةُ: يا رسولَ الله! لقد أَكلتَ مَغافير!.