المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل في القرآن أقوال للناس - القرآن ونقض مطاعن الرهبان - جـ ١

[صلاح الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم

- ‌نقد مقدمة الكتاب

- ‌الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

- ‌هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء

- ‌هل الأرض ثابتة لا تتحرك

- ‌كيفَ تُرْجَمُ الشياطينُ بالنجوم

- ‌هل السموات سبع والأراضي سبع

- ‌ما هو النسيء

- ‌بماذا تروى مصر

- ‌هل الرعد ملك من الملائكة؟وكيف يسبح الله

- ‌بين وادي طوى وجبل حوريب

- ‌هل الشمس ثابتة

- ‌القمر كالعرجون القديم

- ‌أسطورة جبل قاف

- ‌الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

- ‌هل كان هامان وزيراً لفرعون

- ‌حول تعاون هامان وقارون مع فرعون

- ‌حول صنع السامري للعجل

- ‌من هو أبو إبراهيم عليه السلام

- ‌حول أبي مريم وأخيها

- ‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

- ‌كيف دعا نوح على قومِه بالضلال

- ‌هل نجا فرعون من الغرق

- ‌بين زكريا ومريم

- ‌حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

- ‌حول ولادةِ مريم وكلام وليدها

- ‌هل لكلِّ أمةٍ رسول

- ‌هل أشرك آدم وحواء بالله

- ‌هل غرق ابن نوح عليه السلام

- ‌هل أيوب حفيد إسحاق

- ‌الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم

- ‌حول ترتيب أسماء الأنبياء

- ‌إدريس وليس أخنوخ

- ‌من هم أتباع نوح عليه السلام

- ‌بابل والنمرود

- ‌ما هو أصل الكعبة

- ‌إِبراهيم عليه السلام ونمرود

- ‌إسماعيل صِدِّيقَّ نبٌيّ عليه السلام

- ‌كيف احتال إخوة يوسف عليه السلام على أبيهم

- ‌الشاهد ببراءة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف ومراودة نسوة المدينة

- ‌توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

- ‌عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر

- ‌حقيقة قميص يوسف

- ‌امرأة فرعون تتبنَّى موسى عليه السلام

- ‌حول تقتيل أولاد بني إسرائيل

- ‌حول صداق امرأة موسى عليه السلام

- ‌وراثة بني إسرائيل للأرض

- ‌تسع آيات لا عشر ضربات

- ‌العيون المتفجرة من الحجر

- ‌الألواح التي كتبت عليها التوراة

- ‌هل طلب بنو إسرائيل رؤية الله

- ‌قارون الإسرائيلي الكافر

- ‌بين داود وسليمان عليهما السلام

- ‌بين هاجر ومريم عليهما السلام

- ‌حول نزول المائدة على الحواريين

- ‌أصحاب القرية والرسل الثلاثة

- ‌حول قوم عاد

- ‌من هم أصحاب الرَّسِّ

- ‌حول لقمان الحكيم

- ‌بين الإسكندر وذي القرنين

- ‌الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام

- ‌يمين أيوب والضغث والضرب

- ‌الصرح الذي بُني لفرعون

- ‌حول الطوفان على المصريين

- ‌حول طالوت وجيشه

- ‌حول كلام عيسى في المهد

- ‌عيسى ومعجزة خلق الطير

- ‌من هو المصلوب

- ‌الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية

- ‌الرخصة لمن أكره على الكفر

- ‌العفو عن لغو اليمين

- ‌حول إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌حول آيات الجهاد والقتال

- ‌حول إباحة الغنائم

- ‌حول قسم الله بمخلوقاته

- ‌حول الترخيص بالكذب

- ‌إباحة ردِّ العدوان

- ‌حول إباحة تعدد الزوجات

- ‌الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

- ‌التوحيد والتثليث والأقانيم

- ‌الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

- ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

- ‌هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية

- ‌هل يباح القتال في الأشهر الحرم

- ‌ما هو أصل التكبير

- ‌حول عالم الجن

- ‌هل يأمر الله بالفسق والفحشاء

- ‌لم يشك الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحىِ

- ‌هل في القرآن أقوال للناس

- ‌حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين

- ‌كيف يشاء الله الكفر

- ‌الله يبتلي عباده بالخير والشر

- ‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

- ‌ما الذي كان يفعلُه عيسى عليه السلام

- ‌6 - رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

- ‌7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:

- ‌8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده

- ‌موقف الملائكة من خلق آدم عليه السلام

- ‌ما معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام

- ‌هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار

- ‌مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة

- ‌أرواح الشهداء وأجواف الطيور الخضر

- ‌حول تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ

- ‌من الذي صُلب: المسيح أم شبيهه

- ‌حول تكفير الصوم للخطايا

- ‌نفي النبوة عن نسل إسماعيل عليه السلام

- ‌هل بلاد العرب للمسيح عليه السلام

- ‌هل أكلت الشاة القرآن

- ‌حول إحراق عثمان المصاحف

- ‌كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه

- ‌بين قدر الله وإرادة الإنسان

- ‌الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

- ‌ذكر المرفوع بعد المنصوب

- ‌الفاعل لا يكون منصوباً

- ‌المبتدأ مؤنث والخبر مذكر

- ‌تأنيث العدد وتذكير المعدود

- ‌اسم الموصول المفرد العائد على الجمع

- ‌جزم فعل معطوف على منصوب

- ‌هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع

- ‌هل ينصب المضاف إليه

- ‌جمع الكثرة بدل جمع القلة

- ‌جمع القلة بدل جمع الكثرة

- ‌هل يجمع الاسم العلم

- ‌بين اسم الفاعل والمصدر

- ‌لا يُعطف المنصوب على المرفوع

- ‌حكمة وضع المضارع بدل الماضي

- ‌حكمة حذف جواب الشرط

- ‌هل صرف القرآن الممنوع من الصرف

- ‌حول تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌هل القرآن يوضح الواضح

- ‌هل يأتي فاعلان لفعل واحد

- ‌اعتراض على الالتفات:

- ‌حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى

- ‌كم قلباً للإنسان

- ‌الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

- ‌لماذا قطع يد السارق

- ‌معنى قوله تعالى: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌حول شهادة المرأة وضربها وميراثها

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌هل الطلاق خطأ

- ‌حول جلد الزاني والزانية

- ‌حول إباحة التسري

- ‌الحجاب الحافظ للمرأة

- ‌هل شعائر الحج من الوثنية

- ‌حول إباحة التجارة في موسم الحج

- ‌من الدي حدد وقت الحج

- ‌هل الإفاضة من أعمال الجاهلية

- ‌هل أركان الحج من الجاهلية

- ‌حول توزيع الزكاة

- ‌توجيه تفضيل الرجال على النساء

- ‌هل صلاة المسلمين تقليد وثني

- ‌حول التطهر بالتيمم

- ‌تفسير سياسي لتحويل القبلة

- ‌اعتراض على الصلوات الخمس

- ‌الصلوات وليلة المعراج

- ‌حول فرض صيام رمضان

- ‌حول حرمة الأشهر الحرم

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌حول القصاص في القتل

- ‌حكم قتل المرتد

- ‌حكم الزواج بالكتابيات

- ‌الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية

- ‌لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌لماذا ميراث المرأة نصف ميراث الرجل

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌ضرب الزوجات: لماذا؟ ومتى؟ وكيف

- ‌ماذا بعد الطلقة الثالثة

- ‌حول حجاب المرأة

- ‌حول قتال مانعي الزكاة

- ‌حول توزيع الغنائم

- ‌حول أخذ الجزية من أهل الكتاب

- ‌حول إكراه الجواري على الزنى

- ‌حول الشهود على الزنى

- ‌لماذا جلد الزاني أمام الناس

- ‌المنسوخ والناسخ في حد الزنى

- ‌هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة

- ‌حول الإعداد للأعداء

- ‌حول النهي عن موالاة الكفار

- ‌هل يدعو القرآن إلى الكراهية

- ‌حول تقبيل الحجر الأسود

- ‌حول عدم الاستعانة بالكافرين

- ‌حول انتشار الإسلامِ في العالم

- ‌حول تقاتل المسلمين

- ‌الفصل الثامن نقض المطاعن العلمية

- ‌هل لتمثال العجل خوار

- ‌أسطورة خاتم سليمان

- ‌لماذا إنكار عذاب القبر

- ‌حول ناقة صالح عليه السلام

- ‌حول إهلاك قوم مدين

- ‌كيف مُسخ اليهود قردة

- ‌حول عالم الجن

- ‌حول التداوي بالعسل

- ‌أين شهود الإسراء والمعراج

- ‌حول مهمة الهدهد زمن سليمان عليه السلام

- ‌ما هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان

- ‌حول موت سليمان عليه السلام

- ‌رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل

- ‌هل تتكلم الجبال

- ‌الله يلين الحديد لداود عليه السلام

- ‌حول نوم أصحاب الكهف

- ‌حول الريح المسخرة لسليمان عليه السلام

- ‌حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل

- ‌هل خاف يعقوب على أبنائه من العين

- ‌حول بقرة بني إسرائيل

- ‌هل الرعد ملاك

- ‌حول سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية

- ‌ما المراد بالحروف المقطعة

- ‌هل في القرآن كلام أعجمي

- ‌دعوى التناقض في القرآن

- ‌أَوَّلاً: هل يتبدَّلُ كلامُ الله

- ‌ثانياً: التفاوت في مقادير أيام الله:

- ‌ثالثاً: بين نفي الشفاعة وإثباتها في الآخرة:

- ‌رابعاً: هل أهل الجنة قليلون أم كثيرون

- ‌خامساً: هل اليهود والنصارى مؤمنون

- ‌سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:

- ‌سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌ثامناً: حول القسم بالبلد الأمين:

- ‌تاسعاً: حول المنافقين:

- ‌عاشراً: بين النهي عن الهوى وإباحته:

- ‌أحد عشر: التناقض في الخمر بين الحل والحرمة:

- ‌ثاني عشر: بين النهي عن إيذاء الكفار والأمر بقتالهم:

- ‌ثالث عشر: هل نجا فرعون أم غرق

- ‌رابع عشر: السماء والأرض أيهما خلقت أولاً

- ‌خامس عشر: هل القرآن محكم أو متشابه

- ‌حول التكرار في القرآن

- ‌هل في القرآن من كلام الآخرين

- ‌ثانياً: ماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من كللام عمر بن الخطاب

- ‌ب - ثلاث موافقات لعمر:

- ‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

- ‌حول إنزال القرآن مفرقاً

- ‌حول الكلمات الغريبة في القرآن

- ‌حول الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌2 - لماذا نسخت القبلة إلى بيت المقدس

- ‌3 - هل نسخ تمسك الرجل بزوجته

- ‌ لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام

- ‌6 - هل نسخَ تَحريمُ إِتلافِ أَشجارِ الأَعداء

- ‌7 - لا نسخ في الصلاة على غير المسلم:

- ‌حول الكلام المتشابه في القرآن

- ‌هل القرآن مثل كلام الناس

- ‌حول الاختلاف والتناقض في القرآن

- ‌مع أمثلة الفادي للاختلاف في القرآن:

- ‌الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حول حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌ما الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه

- ‌حول أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الزعم بأن القرآن وحي من الشيطان

- ‌هل مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين

- ‌اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زوجة ابنه

- ‌حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تقبيل الرسول للحجر الأسود

- ‌التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها

- ‌حول قتلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصومَه

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم

- ‌لم يطرد الرسول صلى الله عليه وسلم الفقراء والعبيد

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيطان

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذنب

- ‌حول موقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون معجزات

- ‌اتهامات الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم مسموماً

- ‌حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي

- ‌3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:

- ‌هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الانتحار

- ‌خرافة امتحان خديجة لجبريل

- ‌سخرية المجرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حول إرجاء وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم من يشاء من نسائه

- ‌هل أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال أهل الكتاب في القرآن

- ‌هل شتم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين شتموه

- ‌حول غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إشاعة إبادة الكلاب في المدينة

- ‌حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌ما معنى الأُمِّي والأميين

- ‌عودة إلى دعوى التناقض في القرآن

- ‌لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم

- ‌تَمَّ الكتاب بحمد الله وتوفيقه

الفصل: ‌هل في القرآن أقوال للناس

ودعوةُ القرآنِ النصارى إِلى الاحتكامِ للإِنجيل، ليقودَ ذلك إِلى الاعتقادِ

بأَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنَّ محمداً هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لأَنَّ الإِنجيلَ بَشَّرَ بالنبيِّ الخاتمِ صلى الله عليه وسلم، فاحتكامُهم الصحيحُ للإِنجيل معناهُ دخولُهم في الإِسلام!!.

***

‌هل في القرآن أقوال للناس

؟

هل أَخَذَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم القرآنَ من النّاس؟

وهل وَضَعَ فيه أَقوالاً للنّاس؟

هذا ما يؤكِّدُه الفادي المفترِي، ولذلك بَدَأَ اعتراضَه السادسَ والثمانينَ على القرآنِ بنَفْي كونِ القرآنِ وَحْياً من عندِ الله، قال: جاءَ في سورةِ المدثر: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) .

فقالَ محمد: إِنَّ قرآنَه وحيٌ من الله: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) .

وهذه مغالطةٌ من الفادي المفترِي، فآيةُ سورةِ المدَّثرِ التي سَجَّلَها،

ذَكَرَ اللهُ فيها اتهامَ زعيمِ مكةَ الوليدِ بن المغيرةِ للقرآنِ بأَنه سِحْر، والآيةُ ضمنَ آياتٍ تتحدَّثُ عن حادثةِ الوليدِ واتِّهامِه، يَعرفُها الفادي عن يَقين، لكنَّه لم يُشِرْ إِليها.

وخلاصةُ حادثةِ الوليدِ بن المغيرة أَنَ زعماءَ قريشٍ اجْتَمعوا قُبيلَ موسمِ

الحَجِّ، ليتَّفِقوا على كلامٍ موحَّد، يَقولونَه في القرآن، ليصُدّوا الناسَ عنه، فقالَ لهم الوليد: قولوا وأَنا أَسمع.

فقالوا: نَقولُ عنه: إِنَّه شِعْر.

قال: إِنَّه ليس شِعْراً.

فقالوا: نقول: إِنه سِحْر.

قال: إِنَّه ليس سِحْراً.

فقالوا: نقول: إِنه كَذِب.

قال: إِنه ليس كَذباً..

وكُلَّما ذَكروا قولاً رَدَّه الوليدُ بأَنه غيرُ منطقي، وأَنَّ الذين يَسمعونَه لا يُصَدِّقونه!.

فقالوا له: قُلْ أَنتَ يا أَبا الوليد! فماذا تَقول فىِ القرآن؟.

قال: دَعوني أُفَكّرْ

ولما فَكَّر لم يَجِدْ إِلّا أَنْ يَتَّهمه بأَنه سِحْر! وهو ما نَفاهُ عنه من قَبل.

وقالَ لهم: قولوا: إِنه سِحْرٌ يُؤْثَر، يُفَرقُ بينَ المرءِ وزوجِه.

ص: 270

وقد أَنزلَ اللهُ آياتٍ من سورةِ المدَّثِّر تُصَوّرُ الوليدَ بنَ المغيرة صورةً

ساخرةً وهو يُفَكِّرُ ويُقَدِّرُ، ويَقولُ كلاماً لا يُصدقُه هو.

قال تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) .

فالذي قالَ عن القرآن: " إِنْ هذا إِلّا قولُ البشر " هو الزعيمُ القرشيّ

الكافر، الوليدُ بنُ المغيرة، واعتمدَ الفادي المفترِي كلامَه، لأَنه يوافقُ هوىً

في نفسه إ!.

ولاحِظْ قَصْدَ المفترِي الخبيث من قولِه: " فقالَ محمد: إِنَّ قرآنَه وحي

من الله: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) .

فهو يُؤَكِّدُ على بشريةِ القرآنِ، وأَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي يُؤَلِّفُ الآيات، ويَضَعُها في السُّوَر، ويَدَّعي أَنها من عندِ الله "!!.

وأَثارَ الفادي المفترِي الشبهاتِ حولَ " موافقات عمر "، واستشهدَ بها

على فكرتِه الشيطانيةِ حولَ بشريةِ القرآن!.

ومُوافقاتُ عمرَ هي حوادِثُ محدَّدَةٌ، كانَ عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه يقترحُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فعْلَ شيء مُعَيَّن، فتنزلُ الآيةُ توافِقُه على اقتراحِه، ويَدعو اللهُ فيها إِلى الأَخْذِ به.

قالَ الفادي المفترِي: " أَمّا أَنَّه قولُ البشرِ فواضِحٌ من أَنَّ القرآنَ حوى

أَقوالَ عمرَ بنِ الخطابِ التي دَوَّنَها محمد، باعتبارِ أَنها نزلَتْ من السماء ".

ويَقصدُ المجرمُ من هذا الكلامِ الاستفزازيِّ الوقحِ أَنَّ القرآنَ من قولِ

البَشر، وأَنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم أَخَذَه من قولِ الناسِ وكلامِهم وعباراتِهم، وادَّعى أَنها نازلة عليه من عندِ الله، ونَسَبَ القرآنَ كلَّه لله!!.

ص: 271

وهو بهذا الاتهامِ يَنفي الجريمةَ التي وَقَعَ هو وأَهْلُ مِلتِه وأَسيادُه اليهودُ

بها عن نفسِه وشياطينِه، ويوجِّهُها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

اليهودُ والنصارى هم الذين حَرَّفوا التوراةَ والإِنجيل، وقد أَدانَهم اللهُ على

جريمتِهم، قال تعالى:(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) .

أَمّا الرسولُ صلى الله عليه وسلم فقد رَدَّ على الكفارِ الذين طَلَبوا منه تغييرَ القرآنِ أَو تَبديلَه، بأَنه لا يُمْكِنُهُ أَن يَفعلَ ذلك، لأَنه مُتَّبعٌ للوحْيِ الذي يَأتيه من عندِ الله.

قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) .

وهَدَّدَ اللهُ بأَنه لن يسمحَ لأَحَدٍ أَنْ يَتقوَّلَ عليه، ويَنسبَ له ما لم يَقُلْه،

حتى لو كانَ هذا الشخصُ هو رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) .

وقد نَسَبَ الفادي المفترِي خمسةَ أَقوالٍ لعُمر، وزَعَمَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَها منه وأَثْبَتَها في القرآن.

قالَ عن القولِ الأَول: " مَرَّةً قالَ عُمر: يا رسولَ الله! لو اتَّخَذْنا من مَقامِ

إِبراهيمَ مُصَلّى.

فجاءَ قرآنٌ يَقول: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) .

والروايةُ صحيحة، ومقامُ إِبراهيمَ هو الحجرُ الذي كانَ إِبراهيمُ عليه السلام يَقومُ

ص: 272

ويَقفُ عليه وهو يَبْني الكعبة، حيثُ كانَ ابنُه إِسماعيلُ عليه السلام يُناولُه الحجارة، وكان هو يَقفُ على الحَجَر، وكان ذلك الحجرُ مُلْتصقاً بالكعبة، ثم أَبْعَدَه عمرُ عن الكعبة لئلا يَشُقَّ الطوافُ على الطائفين.

وقد اقترحَ عمرُ رضي الله عنه على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصلِّيَ الطائفون ركعَتي الطوافِ عندَ مَقامِ إِبراهيم، وهما ركْعَتا السنَّةِ اللَّتان يُصَلّيهما الطائفُ بعد الانتهاءِ من الطواف، فأَقَرَّه الرسولُ صلى الله عليه وسلم على اقتراحِه.

وأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) .

وهو يَدُلُّ على صحةِ اقتراحِ عمرَ رضي الله عنه وفطنتِه

وبُعْدِ نَظَرِه.

وقالَ عن القولِ الثاني لعُمَر: " ومَرَّةً قالَ عمر: يا رسولَ الله! إِنَّ نِساءَك

يَدخلُ عليهن البَرُّ والفاجر، فلو أَمرتَهن أَنْ يحتجبْنَ.

فجاءَ قرآنٌ يقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) .

والروايةُ صحيحة، دالّةٌ على بُعْدِ نَظَرِ عمرَ رضي الله عنه، فَرَغْمَ أَنَّ أَزواجَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم مُحَرَّماتٌ على المسلمين، إِلَّا أَنَّ بعضَ المسلمين قد تَخطرُ لهم خواطرُ السوءِ نحوهن، ولذلك اقترحَ عمرُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ يأْمرهن بالحجاب، لأَنه يدخلُ عليهنَّ البَرُّ والفاجر، وهذا من فَرْطِ غيرتِه عليهن.

وأَنزلَ اللهُ الآيةَ يأمُرُه بذلك، مما يدلُّ على صحةِ اقتراحِ عمر رضي الله عنه.

وقالَ الفادي عن القولِ الثالث: " ومَرَّةً اجتمعَ نساءُ محمدٍ في الغيرة.

فقالَ عمرُ لهنّ: عسى ربُّه إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَه أَزواجاً خيراً منكن.

فجاءَ قرآنٌ يقول: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) .

والروايةُ صحيحة، فقد اجْتمعَتْ أَزواجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واتَّفقْنَ على أَنْ يُطالبنَه بالتوسعةِ عليهن، وزيادةِ نفقتِهنَّ، فتألَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من مَطالبهن، فوعَظَهُنَّ عمرُ رضي الله عنه وذَكَّرَهُنَّ وهَدَّدَهُنَّ، وقالَ لهنّ: إِنْ طَلَّقَكنَّ فعسى ربُّه أَنْ يُبدلَه أَزواجاً خيراً منكُنّ.

فأَنزلَ اللهُ تعالى قوله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) .

ص: 273

وقال الفادي عن القولِ الرابع: " ومَرَّةً جاءَ قرآنٌ يَقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ)

، فقالَ عمر:(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، فسجَّلَ محمدٌ قولَ عمرَ في القرآن:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) .

وهذه الروايةُ أَوردَها الحاكمُ وابنُ مردويه وابنُ المنذر، لكنَّها لم تَصِحّ.

فلا تُصَنَّفُ ضمنَ موافقاتِ عمر.

وقالَ الفادي عن القولِ الخامس: " ومَرةً لقيَ يهوديٌّ عمرَ بنَ الخطاب،

فقالَ: إِنَ جبريلَ الذي يَذْكُرُه صاحبُكم عَدَوٌّ لَنا! فقال له عمرُ: مَنْ كانَ عدوّاً للهِ وملائكتِه ورسلِه وجبريلَ وميكال فإِنَّ اللهَ عدوٌّ للكافرين.

فَسَجَّلَ محمدٌ أَقوالَ عمر هذه بنصها: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) .

وهذه الروايةُ أَوردَها الحاكم، ولكنَّها لم تصح.

والحادثةُ وَقَعَتْ بينَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبينَ اليهود، وليسَ بين عمرَ رضي الله عنه وبين اليهود.

روى البخاريُّ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما عن حوارٍ بينَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبينَ اليهودِ حولَ أَسئلةٍ ثَلاثةٍ سأَلوهُ عنها، لا يَعلمُ جوابَها إِلّا نبيّ، فلما أَجابَهم عليها الجوابَ الصحيحَ قالوا له: حَدِّثْنا مَنْ وليُّك من الملائكة، فعندها نجامِعُك أَو نُفارِقُك..

قال: فإِنَّ وَلِيّي جبريلُ، ولم يَبعث اللهُ نبيّاً قَطّ إِلّا وهو وليُّه..

قالوا: عندها نفارقُك، ولو كَانَ وَليُّكَ سِواه من الملائكةِ تابَعْناكَ وصَدَّقْناك!.

قال: فما يمنَعُكُم أَنْ تُصدِّقوه؟

قالوا: إِنه عَدُوّنا!..

فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) .

ص: 274

وبهذا نعرفُ أَنَّ نسبةَ القولَيْن الرابعِ والخامسِ لعمرَ رضي الله عنه لم تَصِحّ، رغم أَنَّهما ذُكِرا في بعضِ الروايات، ونقلَهما عنها السيوطيُّ في " الإِتقان "، ومعلومٌ أَنَّ السيوطيَّ لا يتحرّى الدِّقَّةَ في ما يَنقل، وأَنَّ صحةَ الروايةِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأَصحابِه شرطٌ لقَبولِها واعْتمادِها.

أَمَّا الأَقوالُ الثلاثةُ السابقة فقد ذَكَرَها البخاريُّ في صحيحه، وهي من

موافقاتِ عمر.

روى البخاريُّ عن أَنَسِ بنِ مالك صلى الله عليه وسلم قالَ: قالَ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه: وافَقْتُ رَبّي - أَو وافَقَني ربّي - في ثلاث: قلتُ: يا رسولَ الله: لو اتّخَذْتَ من مَقامِ إِبراهيمَ مُصلّى، فنزلَتْ:(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) .

وقلتُ: يا رسولَ الله: يدخلُ عليك البَرُّ والفاجر، فلو أَمرتَ أُمَّهاتِ المؤمنين بالحجاب، فأَنزلَ اللهُ آيةَ الحجاب.

وبَلَغَني مُعاتبةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعضَ نسائِه، فدخَلْتُ عليهنّ فقلْتُ: إِن انتهيْتُنَّ أَو لَيُبْدِلَنَّ اللهُ رسولَه خيراً منكن، فأَتَتْ إِحْدى

نسائِه، فقالَتْ: يا عُمَر: أَما في رسولِ اللهِ ما يَعِظُ نِساءَه، حتى تَعِظَهُنَّ أَنت؟

فأَنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) .

ولا تَدُلُّ موافقاتُ عمرَ رضي الله عنه وما نَزَلَ من القرآنِ على لسانِ بعضِ الصحابة كما ذكرَ السيوطيُّ في الإِتقان - على أَنَّ في القرآنِ أَقوالَ الناس.

وأَنَّ القرآنَ صناعةٌ بشرية، كما قالَ الفادي المفتري! فكلّ مسلمٍ يُؤمنُ أَنَّ القرآنَ كُلَّه كلامُ الله، وأَنَّ ما فيه من موافقاتٍ إِخبارٌ من اللهِ عن بعضِ ما قالَه الصحابةُ أَو فَعَلوه، وهذا عِلْمٌ معروفٌ بعِلْمِ " أَسبابِ النزول ".

وهو أَنْ تَقَعَ الحادثةُ، فتنزل الآيةُ عَقِبَها.

وموافقاتُ عمرَ التي نَزَلَت الآياتُ مُقَرِّرَةً لكلامِ عمرَ واقتراحِه، تَدُلُّ على

فَضْلِ ومنزلةِ وفطنةِ عمرَ رضي الله عنه، بحيثُ يُنزلُ اللهُ الآيةَ في اعتمادِ كلامِهِ والأَخْذ ومن هذا البابِ ما " حكاهُ " القرآنُ في قصصِه، ونَسَبَهُ لأُناسٍ من السابقينَ، من كلماتٍ وأَقوالٍ وحِوارات، حيث نَقَلَ ما قالوه بلغاتِهم السابقةِ غيرِ العربية بلسانٍ عربيٍّ مبين!!.

ص: 275