المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل هم يوسف عليه السلام بالزنى - القرآن ونقض مطاعن الرهبان - جـ ١

[صلاح الخالدي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تعريف بكتاب " هل القرآن معصوم

- ‌نقد مقدمة الكتاب

- ‌الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

- ‌هل تَغيبُ الشمسُ في بئرِ ماء

- ‌هل الأرض ثابتة لا تتحرك

- ‌كيفَ تُرْجَمُ الشياطينُ بالنجوم

- ‌هل السموات سبع والأراضي سبع

- ‌ما هو النسيء

- ‌بماذا تروى مصر

- ‌هل الرعد ملك من الملائكة؟وكيف يسبح الله

- ‌بين وادي طوى وجبل حوريب

- ‌هل الشمس ثابتة

- ‌القمر كالعرجون القديم

- ‌أسطورة جبل قاف

- ‌الفصل الثاني نقض المطاعن التاريخية

- ‌هل كان هامان وزيراً لفرعون

- ‌حول تعاون هامان وقارون مع فرعون

- ‌حول صنع السامري للعجل

- ‌من هو أبو إبراهيم عليه السلام

- ‌حول أبي مريم وأخيها

- ‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

- ‌كيف دعا نوح على قومِه بالضلال

- ‌هل نجا فرعون من الغرق

- ‌بين زكريا ومريم

- ‌حول انتباذ مريم مكاناً شرقيّاً

- ‌حول ولادةِ مريم وكلام وليدها

- ‌هل لكلِّ أمةٍ رسول

- ‌هل أشرك آدم وحواء بالله

- ‌هل غرق ابن نوح عليه السلام

- ‌هل أيوب حفيد إسحاق

- ‌الصلة بين موسى والخضر ومحمد - صلى الله عليهم وسلم

- ‌حول ترتيب أسماء الأنبياء

- ‌إدريس وليس أخنوخ

- ‌من هم أتباع نوح عليه السلام

- ‌بابل والنمرود

- ‌ما هو أصل الكعبة

- ‌إِبراهيم عليه السلام ونمرود

- ‌إسماعيل صِدِّيقَّ نبٌيّ عليه السلام

- ‌كيف احتال إخوة يوسف عليه السلام على أبيهم

- ‌الشاهد ببراءة يوسف عليه السلام

- ‌يوسف ومراودة نسوة المدينة

- ‌توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

- ‌عدد مرات مجيء إخوة يوسف لمصر

- ‌حقيقة قميص يوسف

- ‌امرأة فرعون تتبنَّى موسى عليه السلام

- ‌حول تقتيل أولاد بني إسرائيل

- ‌حول صداق امرأة موسى عليه السلام

- ‌وراثة بني إسرائيل للأرض

- ‌تسع آيات لا عشر ضربات

- ‌العيون المتفجرة من الحجر

- ‌الألواح التي كتبت عليها التوراة

- ‌هل طلب بنو إسرائيل رؤية الله

- ‌قارون الإسرائيلي الكافر

- ‌بين داود وسليمان عليهما السلام

- ‌بين هاجر ومريم عليهما السلام

- ‌حول نزول المائدة على الحواريين

- ‌أصحاب القرية والرسل الثلاثة

- ‌حول قوم عاد

- ‌من هم أصحاب الرَّسِّ

- ‌حول لقمان الحكيم

- ‌بين الإسكندر وذي القرنين

- ‌الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام

- ‌يمين أيوب والضغث والضرب

- ‌الصرح الذي بُني لفرعون

- ‌حول الطوفان على المصريين

- ‌حول طالوت وجيشه

- ‌حول كلام عيسى في المهد

- ‌عيسى ومعجزة خلق الطير

- ‌من هو المصلوب

- ‌الفصل الثالث نقض المطاعن الأخلاقية

- ‌الرخصة لمن أكره على الكفر

- ‌العفو عن لغو اليمين

- ‌حول إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌حول آيات الجهاد والقتال

- ‌حول إباحة الغنائم

- ‌حول قسم الله بمخلوقاته

- ‌حول الترخيص بالكذب

- ‌إباحة ردِّ العدوان

- ‌حول إباحة تعدد الزوجات

- ‌الفصل الرابع نقض المطاعن اللاهوتية

- ‌التوحيد والتثليث والأقانيم

- ‌الذنوب بين الاستغفار والتكفير والفداء

- ‌ما هي مصادر القرآن البشرية

- ‌هل صلاة الجمعة من تشريع الجاهلية

- ‌هل يباح القتال في الأشهر الحرم

- ‌ما هو أصل التكبير

- ‌حول عالم الجن

- ‌هل يأمر الله بالفسق والفحشاء

- ‌لم يشك الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحىِ

- ‌هل في القرآن أقوال للناس

- ‌حول سور الخَلْع والحَفْد والنّورين

- ‌كيف يشاء الله الكفر

- ‌الله يبتلي عباده بالخير والشر

- ‌حديثُ القرآن عن المسيح عليه السلام

- ‌ما الذي كان يفعلُه عيسى عليه السلام

- ‌6 - رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

- ‌7 - المسيحُ وجيهٌ في الدنيا والآخرة:

- ‌8 - هل المسيح هو المخلِّص وحده

- ‌موقف الملائكة من خلق آدم عليه السلام

- ‌ما معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام

- ‌هل جهنم لجميع الأبرار والأشرار

- ‌مظاهر نعيم المؤمنين في الجنة

- ‌أرواح الشهداء وأجواف الطيور الخضر

- ‌حول تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌هل تذهب الحسناتُ السيئاتِ

- ‌من الذي صُلب: المسيح أم شبيهه

- ‌حول تكفير الصوم للخطايا

- ‌نفي النبوة عن نسل إسماعيل عليه السلام

- ‌هل بلاد العرب للمسيح عليه السلام

- ‌هل أكلت الشاة القرآن

- ‌حول إحراق عثمان المصاحف

- ‌كيف يضل الله الإنسان ثم يعذبه

- ‌بين قدر الله وإرادة الإنسان

- ‌الفصل الخامس نقض المطاعن اللغوية

- ‌ذكر المرفوع بعد المنصوب

- ‌الفاعل لا يكون منصوباً

- ‌المبتدأ مؤنث والخبر مذكر

- ‌تأنيث العدد وتذكير المعدود

- ‌اسم الموصول المفرد العائد على الجمع

- ‌جزم فعل معطوف على منصوب

- ‌هل يجوز نصب المعطوف على المرفوع

- ‌هل ينصب المضاف إليه

- ‌جمع الكثرة بدل جمع القلة

- ‌جمع القلة بدل جمع الكثرة

- ‌هل يجمع الاسم العلم

- ‌بين اسم الفاعل والمصدر

- ‌لا يُعطف المنصوب على المرفوع

- ‌حكمة وضع المضارع بدل الماضي

- ‌حكمة حذف جواب الشرط

- ‌هل صرف القرآن الممنوع من الصرف

- ‌حول تذكير خبر الاسم المؤنث

- ‌هل القرآن يوضح الواضح

- ‌هل يأتي فاعلان لفعل واحد

- ‌اعتراض على الالتفات:

- ‌حكمة إفراد الضمير العائد على المثنى

- ‌كم قلباً للإنسان

- ‌الفصل السادس نقض المطاعن التشريعية

- ‌لماذا قطع يد السارق

- ‌معنى قوله تعالى: (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)

- ‌حول شهادة المرأة وضربها وميراثها

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌هل الطلاق خطأ

- ‌حول جلد الزاني والزانية

- ‌حول إباحة التسري

- ‌الحجاب الحافظ للمرأة

- ‌هل شعائر الحج من الوثنية

- ‌حول إباحة التجارة في موسم الحج

- ‌من الدي حدد وقت الحج

- ‌هل الإفاضة من أعمال الجاهلية

- ‌هل أركان الحج من الجاهلية

- ‌حول توزيع الزكاة

- ‌توجيه تفضيل الرجال على النساء

- ‌هل صلاة المسلمين تقليد وثني

- ‌حول التطهر بالتيمم

- ‌تفسير سياسي لتحويل القبلة

- ‌اعتراض على الصلوات الخمس

- ‌الصلوات وليلة المعراج

- ‌حول فرض صيام رمضان

- ‌حول حرمة الأشهر الحرم

- ‌هل انتشر الإسلام بالسيف

- ‌حول القصاص في القتل

- ‌حكم قتل المرتد

- ‌حكم الزواج بالكتابيات

- ‌الفصل السابع نقض المطاعن الاجتماعية

- ‌لماذا شهادة المرأة نصف شهادة الرجل

- ‌لماذا ميراث المرأة نصف ميراث الرجل

- ‌حول تعدد الزوجات

- ‌ضرب الزوجات: لماذا؟ ومتى؟ وكيف

- ‌ماذا بعد الطلقة الثالثة

- ‌حول حجاب المرأة

- ‌حول قتال مانعي الزكاة

- ‌حول توزيع الغنائم

- ‌حول أخذ الجزية من أهل الكتاب

- ‌حول إكراه الجواري على الزنى

- ‌حول الشهود على الزنى

- ‌لماذا جلد الزاني أمام الناس

- ‌المنسوخ والناسخ في حد الزنى

- ‌هل أخد الرسول صلى الله عليه وسلم بثأر حمزة

- ‌حول الإعداد للأعداء

- ‌حول النهي عن موالاة الكفار

- ‌هل يدعو القرآن إلى الكراهية

- ‌حول تقبيل الحجر الأسود

- ‌حول عدم الاستعانة بالكافرين

- ‌حول انتشار الإسلامِ في العالم

- ‌حول تقاتل المسلمين

- ‌الفصل الثامن نقض المطاعن العلمية

- ‌هل لتمثال العجل خوار

- ‌أسطورة خاتم سليمان

- ‌لماذا إنكار عذاب القبر

- ‌حول ناقة صالح عليه السلام

- ‌حول إهلاك قوم مدين

- ‌كيف مُسخ اليهود قردة

- ‌حول عالم الجن

- ‌حول التداوي بالعسل

- ‌أين شهود الإسراء والمعراج

- ‌حول مهمة الهدهد زمن سليمان عليه السلام

- ‌ما هي الدابة التي تخرج في آخر الزمان

- ‌حول موت سليمان عليه السلام

- ‌رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل

- ‌هل تتكلم الجبال

- ‌الله يلين الحديد لداود عليه السلام

- ‌حول نوم أصحاب الكهف

- ‌حول الريح المسخرة لسليمان عليه السلام

- ‌حول أصحاب الفيل والطير الأبابيل

- ‌هل خاف يعقوب على أبنائه من العين

- ‌حول بقرة بني إسرائيل

- ‌هل الرعد ملاك

- ‌حول سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية

- ‌ما المراد بالحروف المقطعة

- ‌هل في القرآن كلام أعجمي

- ‌دعوى التناقض في القرآن

- ‌أَوَّلاً: هل يتبدَّلُ كلامُ الله

- ‌ثانياً: التفاوت في مقادير أيام الله:

- ‌ثالثاً: بين نفي الشفاعة وإثباتها في الآخرة:

- ‌رابعاً: هل أهل الجنة قليلون أم كثيرون

- ‌خامساً: هل اليهود والنصارى مؤمنون

- ‌سادساً: بين الأمر بالصفح والأمر بالغلظة:

- ‌سابعاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌ثامناً: حول القسم بالبلد الأمين:

- ‌تاسعاً: حول المنافقين:

- ‌عاشراً: بين النهي عن الهوى وإباحته:

- ‌أحد عشر: التناقض في الخمر بين الحل والحرمة:

- ‌ثاني عشر: بين النهي عن إيذاء الكفار والأمر بقتالهم:

- ‌ثالث عشر: هل نجا فرعون أم غرق

- ‌رابع عشر: السماء والأرض أيهما خلقت أولاً

- ‌خامس عشر: هل القرآن محكم أو متشابه

- ‌حول التكرار في القرآن

- ‌هل في القرآن من كلام الآخرين

- ‌ثانياً: ماذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم من كللام عمر بن الخطاب

- ‌ب - ثلاث موافقات لعمر:

- ‌ثالثاً: ماذا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتب اليهود

- ‌حول إنزال القرآن مفرقاً

- ‌حول الكلمات الغريبة في القرآن

- ‌حول الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌2 - لماذا نسخت القبلة إلى بيت المقدس

- ‌3 - هل نسخ تمسك الرجل بزوجته

- ‌ لماذا نُسخَ الامتناعُ عن النساءِ وقتَ الصيام

- ‌6 - هل نسخَ تَحريمُ إِتلافِ أَشجارِ الأَعداء

- ‌7 - لا نسخ في الصلاة على غير المسلم:

- ‌حول الكلام المتشابه في القرآن

- ‌هل القرآن مثل كلام الناس

- ‌حول الاختلاف والتناقض في القرآن

- ‌مع أمثلة الفادي للاختلاف في القرآن:

- ‌الفصل العاشر نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌تمهيد:

- ‌حولَ أَزواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم

- ‌حول حرمة نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌حول جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته

- ‌ما الذي حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه

- ‌حول أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الزعم بأن القرآن وحي من الشيطان

- ‌هل مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المشركين

- ‌اتهام الرسول صلى الله عليه وسلم بتزوج زوجة ابنه

- ‌حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول تقبيل الرسول للحجر الأسود

- ‌التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها

- ‌حول قتلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم خصومَه

- ‌موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم

- ‌لم يطرد الرسول صلى الله عليه وسلم الفقراء والعبيد

- ‌استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيطان

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم مذنب

- ‌حول موقف عبد الله بن سعد بن أبي السرح

- ‌هل الرسول صلى الله عليه وسلم بدون معجزات

- ‌اتهامات الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌هل مات الرسول صلى الله عليه وسلم مسموماً

- ‌حول أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الوحي

- ‌3 - غطيط الرسول صلى الله عليه وسلم عند الوحي:

- ‌هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم في الانتحار

- ‌خرافة امتحان خديجة لجبريل

- ‌سخرية المجرم من رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌حول المرأة التي وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌حول إرجاء وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم من يشاء من نسائه

- ‌هل أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال أهل الكتاب في القرآن

- ‌هل شتم الرسول صلى الله عليه وسلم الذين شتموه

- ‌حول غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌إشاعة إبادة الكلاب في المدينة

- ‌حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام

- ‌ما معنى الأُمِّي والأميين

- ‌عودة إلى دعوى التناقض في القرآن

- ‌لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم

- ‌تَمَّ الكتاب بحمد الله وتوفيقه

الفصل: ‌هل هم يوسف عليه السلام بالزنى

‌هل هَمَّ يوسفُ عليه السلام بالزنى

؟

أَساءَ الفادي فَهْمَ إِخبارِ القرآنِ عن ما جَرى بين يوسفَ صلى الله عليه وسلم، وبين امرأةِ العزيز.

وذلك في قولِه تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) .

وذَهَبَ إِلى أَنَّ القرآنَ اتهمَ يوسفَ صلى الله عليه وسلم بالهَمِّ بالزنى بامرأةِ العزيز، وقال:" أَيْ: قَصدَتْ مخالَطتَه وقَصدَ مخالَطَتَها، والهَمُّ بالشيءِ قَصدُه والعَزْمُ عليه، ومنه " الهَمّامُ "، وهو الذي إِذا قَصَدَ شيئاً أَمْضاه.

وهذا القول يُناقضُ التاريخَ المقَدَّسَ الذي يقول: إِنَّها لما طَلَبَتْ منه الشَّرَّ

استنكرَ طَلَبها، وقال: كيفَ أَصنعُ هذا الشَّرَّ العظيم، وأُخطئُ إِلى الله؟! ".

ولما أَمسكَتْ بثوبِه تَرَكَهُ معها وهَرَب " (1) .

لم يفهم الفادي حديثَ القرآنِ عن مراودةِ امرأةِ العزيز ليوسفَ صلى الله عليه وسلم، وَرَدِّه على إِغرائِها ودعوتِها الجريئةِ له لارتكابِ الفاحشة، ولم يَفْهَمْ معنى الهَمِّ المذكورِ في الآية، واعتبرَ حديثَ القرآنِ الخاطئَ متعارِضاً مع حديثِ العهدِ القديمِ الصائبِ في نظره، وأَخَذَ جملةً من آياتٍ عديدةٍ تتحدَّثُ عن المراودة، وفَصلَها عن ما قبلَها واعْتَبَرها خطأً تاريخيّاً في القرآن.

ولا بُدَّ أَنْ ننظرَ في الآيات ِ التي أَخبرتْ عن المراودة، لنعرفَ الهَمَّ

المنسوبَ ليوسفَ صلى الله عليه وسلم.

قال الله عز وجل (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)

(1) جاء في كتاب شبهات المشككين ما نصه:

80-

يوسف همّ بالفساد

إن يوسف عليه السلام هم بالمرأة وهمت به حسبما جاء فى القرآن. وأنه لم يهم بها ولم تهم به حسبما جاء فى التوراة. وما جاء فى التوراة هو المناسب لأحوال الأنبياء.

الرد على الشبهة:

1 -

يوجد فرق بين رجل عرف الله ورجل لم يعرفه. فالعارف بالله لا يقدم على معصية لله ولا يقدم على ضرر للبشر. والذى لا يعرفه لا يستحيى أن يفعل ما يشاء من المعاصى والضرر. وعلى هذا المعنى يوجد فرق بين امرأة العزيز التى تعبد مع قومها غير الله وبين يوسف عليه السلام الذى عرف ربه بواسطة البراهين التى قادت إلى معرفته فى كونه، وبما سمعه عن الله من آبائه. فامرأة العزيز همت به أن يفعل الفاحشة بها، وهو قد قال لها: (معاذ الله (وعلّل عدم الفعل بأنه يكون مسيئاً لمن أحسن إليه. وهو سيده. والإساءة إلى المحسن نوع من أنواع الظلم.

2 -

انظر إلى قوله: (وراودته) وإلى قوله (معاذ الله) تجد أنها لما راودته (همت به) فيكون الهم منها بمعنى طلب فعل الفاحشة. وتجد أنها لما (همت به) صار منه هم بها. يفسره قوله (معاذ الله) كما فسر همها (وراودته) فيكون همه بها؛ دفعاً لها وامتناعاً عنها.

3 -

ولو فرضنا أن يوسف غير عارف بالله وغير مقر به مثلها؛ فإننا نفرض أنه لو همت به للفعل بها؛ لهم بها للفعل بها. ولولا أنه رأى برهان وجود الله فى كونه، لكان قد فعل بها. إذ هذا شأن الوثنيين. وكهذا البرهان؛ أريناه براهين فى الآفاق وفى الأنفس (لنصرف عنه السوء والفحشاء) .

4 -

ولا يمكن تفسير (برهان ربه (بعلامة مجىء سيده إلى بيته؛ لأنه لو ظهرت علامة مجئ سيده؛ ما استبقا الباب: هى للطلب، وهو للدفع. فاستباقهما معناه: أنها تغلق الأبواب وتمنع من الإفلات وهو يحاول الدفع، حتى أنها جذبته من خلف ظهره من ثوبه، وعندئذ (ألفيا سيدها لدا الباب)

وصرح بأنه غير مذنب، وشهد شاهد بالقرائن من أهل الشهادة أنه غير مذنب.

5 -

على هذا يكون القرآن مقراً ببراءة يوسف عليه السلام ويكون لفظ الهم فى جانبه على سبيل المشاكلة لأنه صرح قبله بقوله (معاذ الله) .

اهـ (شبهات المشككين) .

ص: 72

أَخبرَ القرآنُ أَنَّ امرأةَ العزيز راودَتْ فَتاها يوسفَ مراتٍ عديدة، وأَنه كانَ

يُقابلُ مراودتَها وإِغراءَها وفتنتَها بالتعفُّفِ والتَّرَفُّع، وهذا ما اعترفَتْ هي به

لنساءِ المدينة: قال تعالى: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) .

وازدادت المرأةُ عِشْقاً له، وكلَّما أَمعنَ يوسفُ في تعفُّفِه ورفْضِه المراودةَ

أَمْعَنَتْ هي في عشقِها وإِغرائِها وتهالكِها!!.

واضطرت المرأَة أَخيراً إِلى دعوتِه لمعاشرتِها دعوةً جريئةً صريحةً

مكشوفة، بعدما غَلَّقَت الأَبواب، لكنَّه تَرَفَّعَ بصراحَة:(وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) .

وسيطرتْ عليها شهوتُها، وزادَ سُعارُها الشَّهوانيّ، وأَرادَتْ أَنْ يُعاشِرَها

بالقُوَّة، فَهَمَّتْ به، وعَزَمَتْ على مخالطتِه، وهَجَمَتْ عليه، والأَبوابُ مُغَلَّقَة:(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) .

ولما رأى يوسفُ نفسَه في هذا الموقفِ المثير، أَرادَ أَنْ يتعفَّفَ ويُحَصنَ

نَفْسَه، فأَمامَه سيدتُه المتهالكةُ المثيرةُ المغرية، وهو الشابُّ القويُّ الممتلئُ،

فما الذي يعصِمُه منها، ويَحميه من فتنتِها وإِغرائِها؟

وما الذي يمْنَعُه من مقابلةِ هَمِّها بِهَمٍّ منه؟

إِنه قوةُ إِيمانِه ومراقبتِه لله!! لقد استحضَرَ هذا المعنى الإِيماني،

وهو في ذلك الموقفِ والجَوّ، وقَوّى بُرهانَ ربِّه في قلبِه وكيانِه، فمنَعَه هذا من

الهَمّ بها، أَو الرغبةِ في معاشرتِها، أَو التوجُّهِ إِليها، والعزمِ على ارتكابِ

الفاحشةِ معها!!.

ص: 73

وقد ذَكَرَ القرآنُ هذا في قوله: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) .

إِنَّ هذه الآيةَ تَنفي عن يوسفَ الهَمَّ بارتكابِ الفاحشة، بعد أَنْ أَثبتَتْ

لامرأةِ العزيزِ الهَمَّ والعزمَ والتصميمَ على ارتكابِ تلك الفاحشة!!.

وتتكوَّنُ الآيةُ من جملتَيْن: الأُولى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) .

الثانية: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) .

الواوُ في (وَهَمَّ بِهَا) : حرفُ استئناف، وليستْ حرفَ عطف.

ولو كانَتْ حرفَ عطفٍ لَعَطَفَتْ جملةَ " هَمَّ بها " على " هَمَّتْ به "، ويكونُ هَمّ كُلٍّ منهما مِثْلَ هَمِّ الآخر، أَيْ: هَمَّتْ هي بمعاشرتِه، وهَمَّ هو بمعاشرتِها! وهذا اتهامٌ ليوسفَ بالعَزْمِ على الزنى بها!.

وعندما تكونُ الواوُ حرفَ استئناف، يكونُ ما بعدَها جملةً استئنافيةً

جديدة، وهي جملةٌ شرطية:(وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) .

لولا: حرفُ شرط، يدلُّ على الامتناعِ لوجود.

وفعلُ الشرطِ جملةُ (أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وجوابُ الشرطِ مَحْذوف، دَلَّ عليه ما قَبْلَه.

والتقدير: لَهَمَّ بها.

فتكونُ الجملةُ هكذا: لولا أَنْ رأى بُرهانَ رَبِّه لَهَمَّ بها.

وبما أَنَّ " لولا " حرفُ امتناعٍ لوجود، فإِنَّها تُقَرِّرُ امتناعَ حصولِ جوابِ

الشرطِ لوجودِ فعلِ الشَّرط.

أَي: الذي مَنَعَ يوسفَ من الهَمِّ بها وجودُ بُرهانِ رَبِّه.

والمرادُ ببرهانِ ربِّه هنا قوةُ الإِيمانِ في قلْبه، واستحضارُه رقابةَ اللهِ ومَعِيَّتَه، فكيفَ يعصيه ويرتكبُ فاحشةَ الزنى، واللهُ يَراهُ ويُراقبُه،

ولذلك رَدَّ على مراودةِ المرأةِ قائلاً: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُو) .

إِنَّ قولَه تعالى: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) يدلُّ على أَنَّ

يوسفَ صلى الله عليه وسلم لم يهمَّ بامرأةِ العزيزِ مطلقاً، ولم يُفَكَرْ بمعاشرتِها، ولم يَلْتَفِتْ لها، في الوقتِ الذي هَمَّتْ هي به، وعَزَمَتْ على معاشرتِه.

وبهذا نَعرفُ جهلَ وغَباءَ الفادي عندما اتَّهَمَ يوسفَ بالهَمِّ بامرأةِ العزيز،

ص: 74

والعزمِ على مخالطتِها ومعاشرتِها، وذلك في قوله:" قَصدَتْ مُخالَطَتَه، وقَصَدَ مُخالَطَتَها ".

أَما ما نَقَلَه الفادي المفترِي عن سِفْرِ التكوينِ: " أَنَّ امرأةَ العزيز لَما

أَمْسَكَتْ بثوبِه تَرَكَ الثوبَ معها وهَرَبَ " فهذا ليسَ صحيحاً، وهو يَتعارَضُ مَع ما ذَكَرَه القرآن.

قالَ الأَحبارُ في سِفْرِ التكوين عن المراودة: " كان يوسفُ حَسَنَ الهيئة،

جميلَ المنظر..

وحَدَثَ أَنَّ امرأةَ سيدِه رَفَعَتْ عينَيْها إِلى يوسف، وقالَتْ له:

اضطجعْ معي! فأَبى وقالَ لها: سَيِّدي لا يعرفُ شيئاً في البيت، وكلُّ ما يملكُه

ائتمنَنِي عليه، وسَيِّدي لم يمنعْ عَنّي شيئاً غَيْرَك، لأَنك امرأَتُه، فكيفَ أَصنعُ

هذه السيئةَ العظيمة، وأُخطئُ إِلى الله؟ !.

وكَلَّمَتْه يوماً بعدَ يوم، أَنْ يضطجعَ بجانبِها وينامَ معها، فلم يسمعْ لها!.

واتفقَ في أَحَدِ الأَيّام أَنه دخلَ البيتَ ليقومَ بعملِه، ولم يكنْ في البيتِ

أَحَدٌ من أَهلِه، فأَمسكَتْ بثوبِه، وقالَتْ له: ضاجِعْني!..

فتركَ ثوبَه بيدِها، وفَرَّ هارباً إِلى الخارج.

فصاحَتْ بأَهْلِ بيتِها، وقالَتْ لهم: انْظُروا كيفَ جاءَنا برجلٍ عِبْرانِيٍّ،

ليُداعِبَنا ويَتلاعَبَ بنا..

دَخَلَ عَلَيَّ لِيُضَاجِعَني، فصرَخْتُ بأَعلى صوتي..

ولما سَمِعَني أَصرخُ تركَ ثوبَه بجانبي، وَفَرَّ هارباً إِلى الخارج!.

وَوَضَعت المرأةُ ثوبَ يوسفَ بجانِبها، حتى جاءَ زوجُها إِلى بيتِه، فحكَتْ

له الحكايةَ ذاتها.

قالَتْ: هذا العبدُ العِبْرانيُّ الذي جئتَنَا به، دَخَلَ ليُداعِبَني،

وعندما رَفَعْتُ صَوْتي وصَرَخْت، تركَ ثوبَه بجانبي وهَرَب

فلما سمعَ ذلك غضبَ على يوسف غَضَباً شديداً، وجَعَلَه في

السجن ".

ص: 75