الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيُهلكُ اللهُ المدينةَ كُلَّها مقابلَ ذبْح نَاقة؟
وهلْ من المعقولِ أَنْ تَسمعَ الصخرةُ رُغاءَ الفَصيل، فتنشقَّ ويدخلَ فيها، ويَعودَ جُزْءاً من الصخرة كما كان؟
أَليسَ هذا أَشبهَ بحكاياتِ أَلْفِ لَيْلَةٍ ولَيْلَة؟! " (1) .
الواجبُ علينا أَنْ نبقى مع حديثِ القرآنِ عن ناقةِ صالح عليه السلام، لا سيما أَنه لا يوجَدُ حَديثٌ صحيحٌ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُفَصِّلُ ما أَجْملَه القرآنُ عنها، ولا يجوزُ لنا أَنْ نَذهبَ إِلى الأَساطيرِ والرواياتِ غير الصحيحة، كما فَعَلَ الفادي الجاهل!.
لم يَقُل القرآنُ: إِنَّ الناقةَ خرجَتْ من الصخرة، وأَنَّ ابْنَها خَرَجَ منها
بَعْدَها، ولم يَقُل القرآن: إِنّ الناقةَ كانت تُلاحِقُ وتُطارِدُ أَنعامَ ثَمود، ولم يَقُل
القرآنُ: إِنَّ ابْنَها عادَ إِلى الصخرةِ بعدَ ذبْحِ أُمِّه، ولم يُفَصل القرآنُ كيفيةَ ذبْحِ الناقة، ولم يَقُل القرآنُ: إِنَّ وجوهَ قومِ ثمودَ اصْفَرَّتْ في اليومِ الأَوَّلِ بعدَ ذبْح الناقة، واحمَرَّتْ في اليومِ الثاني، واسْوَدَّتْ في اليومِ الثالث.
وبهذا تُصبحُ كلّ الأَسئلةِ الإِنكاريةِ التي أَثارَها الفادي لاغية، لأَنَّها تُوَجَّهُ إِلى التفاصيلِ الأُسطورية، ولا تُوَجَّهُ إِلى القرآن!.
كُلُّ ما قالَه القرآنُ: إِنَّ اللهَ جَعَلَ الناقةَ آيةً لقومِ ثمود، ولا نَعرفُ كيفَ
كانَتْ آية، وأَنهم لم يَلْتَزِموا بتحذيرِ صالحٍ لهم من ذَبْحها، وأَنهم عُذِّبوا بعدَ
ثَلاثةِ أَيامٍ من ذَبْحِها!!.
***
حول إهلاك قوم مدين
أَخبرَ اللهُ عن قصةِ قومِ مَدْيَن مع نبيّهم شعيبٍ عليه السلام، ووردَتْ قصتُهم في أَكثرَ من سورةٍ في القرآن.
(1) لا وجه لما استبعده هذا الفاسق الفاجر، فالكلام في عن معجزة أيد الله بها نبيه صالحاً عليه السلام وهي أمر خارق للعادة، ومن ثَمَّ فلا وجه للاستبعاد ولا الإنكار إلا إذا تعارض مع نص الكتاب العزيز أو السنة المطهرة. والله أعلم.
وقد ذَكَرَ الفادي خمسَ عشرةَ آيةً تحدثَتْ عن قصةِ قومِ مَدْيَنَ في سورةِ
الشعراء [الشعراء: 176 - 190] ، ثم ذَكَرَ كلاماً مَنْسوباً لابنِ عباسٍ في كيفيةِ إِهلاكِ قومِ مدين، خُلاصتُه أَنَّ اللهَ بَعَثَ عليهم حَرَّاً شديداً من جَهَنَّم، بحيثُ لم ينفَعْهم ظِلّ ولا ماء ولا سِرْداب، فَهَرَبوا إِلى البريَّة، فأَرسلَ اللهُ لهم سَحابَةً أَظَلَّتْهم، فوجَدوا لها بَرْداً ونَسيماً، ولما تَنادَوْا إِليها وصاروا تَحْتَها، جَعَلَها الله عليهم ناراً فأَحرقَتْهم!.
وعَلَّقَ الفادي على ذلك بقولِه: " ونحنُ نسأل: لا نَجِدُ في الكتابِ
المقَدَّسِ كلمةً عن رجلٍ اسْمُه شُعَيب، أُرسلُ إِلى مَدْيَن، ولا أَنَّ مَدْيَن هلكَت
بالنّار، وهل من المعقولِ أَنَّ سَحابة تَبعَثُ نَسيماً عَليلاً وهَواءً طيباً، وهي نارٌ
حاميةٌ تَحرقُ المدُنَ فتُفْنيها؟ ".
إِنّ الفادي المفترِي يُكَذِّبُ كلامَ القرآنِ عن نبوَّةِ شُعيبِ عليه السلام، وعن إِهْلاكِ مَدْيَن، لأَنَّ الكتابَ المقَدَّسَ الذي يؤمنُ به لم يَذْكُرْ ذلك، ونحنُ نؤمنُ بأَنَّ شُعَيباً عليه السلام هو رسولُ اللهِ إِلى مَدْيَن، وأَنهم لما كَذَّبوه أَهلكَهم الله، لأَنَّ اللهَ ذَكرَ ذلك في القرآن.
والخلافُ بَيْنَنا وبين الفادي في المرجعية، إِنَّ مرجعيَّتَه هي ما يسمِّيه
بالكتابِ المقَدَّس، وهو يؤمنُ بكلِّ ما وَرَدَ فيه، ويُكَذِّبُ كُلَّ ما لَم يَرِدْ فيه،
لأَنه عنده كلامُ الله! ونحنُ لا نُؤمنُ بذلك، لأَنَّ اللهَ أَخْبَرَنا أَنَّ اليهودَ حَرَّفوا
التوراة، وأَنَّ النصارى حَرَّفوا الإِنجيل، فكَثيرٌ مما ذُكِرَ في أَسفارِ الكتاب
المقَدَّس من كَلامِ الأحبارِ والرُّهبان المشكوكِ فيها!.
ومرجعيتُنا نحنُ هي القرآن، لأَنه كلامُ الله، وكلُّ ما وردَ فيه نؤمنُ به
ونصَدِّقُه، ولكنَّه يُنكرُ أَنْ يكونَ القرآنُ من عندِ الله، ولذلك يُكَذِّبُ ما وَرَدَ فيه!.
نحنُ نؤمنُ أَنَّ اللهَ بَعَثَ شُعَيْباً عليه السلام نبيّاً رسولاً إِلى قومِ مَدْيَن، وأَنَّ معظمَهم كَذَّبوه وكَفَروا به، فعذَّبَهم اللهُ بالرجفةِ والظُّلَّةِ فأَهلَكَهم وقَضى عليهم.
ولا دليلَ على ما ذَكَرَهُ الفادي من تَفْصيل عَذابِهم بالحَرّ، ولم يَصِحَّ هذا
الكلامُ إِلى ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، ولذلك نحنُ لا نَقولُ به ونَرُدُّه، فلم يَبعثْ لأَهْلِ مَدْيَنَ سَحابةً منعشةً فوقَهم، نسيمُها طَيِّبٌ وظِلُّها لطيف، فلما تجمعوا تَحتَها تَحَوَّلَ ذلك النَّسيمُ إِلى لهب وتَحَوَّلَت السحابةُ إِلى نارٍ حارقة! لا نَقولُ بذلك لأنه لم يُذْكَرْ في القرآنِ الكريم، ولا في حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
ثم مَنْ قالَ: إِنَّ اللهَ عَذبَ قومَ مَدْيَن بالظُّلَّةِ (السحابةِ الباردة) ، فلما
تَجَمَّعوا تَحْتَها حَوَّلَها اللهُ إلى نارٍ حارقة؟!.
لقد أَخبرَ اللهُ أنه أَهلكَ قَوْمَ مدينَ بالرَّجفَةِ والصيْحةِ والظُّلَّةِ:
قالَ تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) .
والرَّجْفَةُ هي حركةُ الأَرضِ من تحتِهم، حيثُ زُلزلتْ ورَجفتْ وتَحركتْ
واضْطربتْ.
وقال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) .
والصيحةُ هي الصوتُ العالي المدَوّي، الناتجُ عن زلزالٍ أَو انفجارٍ
هائل.
وقال تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) .
والظُّلَّةُ هي السَّحابة، وكانت تلك السحابةُ سحابةً بركانيةً حارقة، وليستْ
باردةً أَو منعشة.
وقد يَتهمُ بعضُهم القرآنَ بالتناقضِ في حديثهِ عن إِهلاكِ قومِ مَدْيَن،
فسورةُ الشعراءِ تُخبرُ أَنَّ إِهْلاكَهم كانَ بالظُّلَّة، وسورةُ الأَعرافِ تُخبرُ أَنَّ
إِهلاكَهم كانَ بالرجفة، وسورةُ هودٍ تُخبرُ أَنَ إِهلاكَهم كان بالصيحةِ! فبماذا
كان إِهلاكُهم؟
ولماذا تَناقضت السُّوَرُ الثلاثُ في حديثِها عن إِهلاكِهم؟.