الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: مشيئة شرعية: وهي تقومُ على العِلْمِ أَوَّلاً، ثم يَنتجُ عنها الرضا
والمحبة، وهي المتعلقةُ بإِيمانِ المؤمنِ وعبادتِه لله وطاعتِه له.
فاللهُ شاءَ إِيمانَ المؤمن وعبادتَه، بمعنى أَنَّه عَلِمَ أَنَّه سيؤمن، وقَدَّرَ له أَنْ يُؤمن، وأَرادَ له أَنْ يُؤمن، وأَعانَه على أَنْ يُؤمن، ورضيَ له أَنْ يُؤمن
…
ولَمّا آمَنَ المؤمنُ أَحَبَّهُ الله، وأَثابَه على إِيمانِه، وأَعطاهُ على ذلك الأَجْرَ والثواب!.
والقرآنُ صَريحٌ في حديثِه عن هاتَيْن المشيئَتَيْن، وذَكَرَ ذلك في آياتٍ
عديدة، نكتفي منها بقولِ اللهِ (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) .
وبهذا نعرفُ أَنَّه لا مَحْذورَ في الحديثِ عن مشيئةِ الله، وتَقْريرِ أَنه يَشاءُ
الكفر، بالمعنى الذي وَضَّحْناه، وإِنما المحذورُ في نفيِ ذلك عن الله، لأَنه
يُؤَدّي إِلى إثباتِ العَجْزِ والضعفِ لله، وهو ما يُؤَدّي إِليهِ كلامُ الفادي الجاهل!!.
***
الله يبتلي عباده بالخير والشر
تحدثَتْ آياتُ سورةِ الأَعراف عن قصةِ أَصحابِ السبت، وهم سُكّانُ قريةٍ
من اليهود، نَهاهم اللهُ عن صيدِ الأَسْماكِ يومَ السبت، فتَحَايَلُوا على ذلك،
وارْتَكَبوا المحْذور، ولم يَسْتَجيبوا للنّاصحين الذين نَصحوهم ونَهوهم عن
ذلك، فعاقَبَهم اللهُ بأَنْ مَسَخَهم قردةً خاسِئين، وأَنجى الدعاةَ الذين نَهوهم عن ارتكابِ ما حَرَّمَ الله!.
ومما قالَهُ اللهُ عن أَصحابِ السبت: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) .
تُخبرُ الآيةُ أَنَّ اللهَ ابْتَلى أَصحابَ القرية، فَوَجَّهَ الأَسماكَ والحيتانَ إِليهم
يومَ السبت، الذي حُرِّمَ عليهم صَيْدُها فيه، حيث كانت تأتيهم على وجْهِ
الماء، وكأَنها شُرَّعٌ تَسيرُ على وَجْهِ الماء، وفي باقي الأَيامِ كانت لا تَأتيهم،
وكانوا يُتْعِبونَ أَنفسَهم في البحثِ عنها في البحرِ لصيْدِها.
واعترضَ الفادي على الآية، وخَطَّأَها، واعتبرها لا تتفقُ مع عَدْلِ الله.
قال: " ومعنى هذا أَنَّ اللهَ أَوصى بني إِسرائيل أَنْ يسْتَريحوا من أَعمالِهم للعبادةِ يومَ السبت، وجَعَلَ الحيتانَ تأتي ظاهرةً يَوْمَ السبت، لإِغرائِهم بصيدها، وتَخْتَفي باقىِ أَيام الأُسبوع
…
فكيف نتصوَّرُ إِلهاً يُجَرِّبُ عبادَه بالشُّرور، ويُسَهِّلُ لهم العصيان بإِظهار الحيتانِ يومَ السبت؟..
مع أَنَّ الإِنجيلَ يَقول: لا يَقُلْ أَحَدٌ إِذا جُرِّبَ إِني أُجَربُ من قِبَلِ الله، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرِّبٍ بالشّرور، وهو لا يُجَرِّبُ أَحَداً، ولكن كلُّ واحِدٍ يُجَرَّبُ إِذا انْجَذَبَ وانْخَدَعَ من شهوتِه ".
يَرى الفادي الجاهلُ أَنَّ اللهَ لا يَبْتَليَ عبادَه ولا يَمتحنُهم ولا يُجَرِّبُهم،
لأَنَّ هذا لا يتفقُ مع عَدْلِه، أَيْ كيفَ يُقَدِّمُ لهم الشرورَ والمغرياتِ، ويُسَهِّلُ
لهم الحصولَ عليها، ثم يمنَعُهم منها ويُحَرِّمُها عليهم؟!.
واعتراضه مرفوض، وكلامُه مردود، فاللهُ خَلَقَ عبادَه وكَلَّفَهم بالتكاليف،
وذلك ليبتَلِيَهم ويمنحِنَهم، ويُجَرِّبَهم ويَختبرَهم، فالتكاليفُ والشرائعُ ابتلاءٌ
من اللهِ لعبادِه..
قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) .
واللهُ يَبْتَلِي عبادَه بالخير، كما يَبْتَليهم بالشَّرِّ، ليَميزَ الخبيثَ من الطَّيِّب.
فالمؤمنُ يشكرُ اللهَ عند الخير والسّرّاء، ويَصبرُ عندَ الشَّرِّ والضرّاء، وبذلكَ
ينجحُ في هذا الابتلاءِ والاختبار.
أَمّا الكافرُ والفاسقُ فإِنه يَطْغى عندَ الخَيْرِ والنعمة.
ويَيْأَسُ عند الشَّرّ والمصيبة، وبذلك يَخسرُ ويَرسبُ في الابتلاءِ
والامتحان.
قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) .