الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآنُ بذكْرِ أَنَّ الدابةَ ستكلمُ الناس، ونَبقى عندَ حديثِ القرآنِ عن كلامِها، ولا نُجاوزُهُ إِلى غيره، فهي ستكلمهم والسّلام! ولا نَعرفُ كيفَ تُكلمُهم، ولا بأيّ لغة ستكَلّمُهم، ولا بأَيّ جزءٍ من جِسْمِها ستكلّمُهم، ولا كيفَ سيسمَعون كلامَها، فعِلْمُ ذلك كلّه عندَ اللهِ وحدَه!.
واللهُ الذي خَلَقَ الدابَّة، وأَخرجَها من الأَرضِ، هو الذي جَعَلَها تتكلَّم،
وبما أَنَّ الدابَّة لا تتكلمُ بقدرتِها الذاتية، وإِنما بأَمْرِ اللهِ، فلا غرابةَ في ذلك.
واللطيفُ أَنَّ القرآنَ الذي أَبهمَ الكلامَ عن صفاتِ وأَعمالِ الدابة، أَخبرَ
عن ما سَتُكَلِّمُ الدابةُ الناسَ به، وما ستَقولُه لهم:(تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) .
أَيْ: أَنَّ الناسَ يَكْفُرون بآياتِ الله، ويُنكرونَ ما أَخبرتْ عنه
تلكَ الآيات، ومن ذلك بَعْثُ الناسِ بعدَ الموت، وإِخبارُ الدابة بذلك قُبيلَ
قيامِ الساعة من بابِ ذَمّ الكفارِ الموجودين عند خروجها، لأَنهم ذاهبون إِلى
الموت، ثم البعثِ بعده!.
وبهذا نَعرفُ غَباءَ الفادي الجاهلِ في أَسئلتِه التي اعترضَ بها على
القرآنِ، في إخباره عن الدابة، ونعرفُ سفاهَتَه في عنوانِه:" دابَّة بين الأَنبياء "، فمنْ قالَ: إِنَ تلك الدابةَ ستكونُ بين الأَنبياء؟
ومَن الذي جمَع بين الدابةِ الحيوان وبينَ الأَنبياءِ الذين هم أفضلُ الناسِ عندَ الله؟!.
***
حول موت سليمان عليه السلام
-
اعترضَ الفادي المفترِي على حديثِ القرآنِ عن موتِ سليمانَ عليه السلام، وجَعَلَ عنوانَ اعتراضِه:" مَيِّت يتوكَّأُ على عَصا مدةَ سَنَة "!.
قالَ اللهُ عن وفاةِ سليمانَ عليه السلام: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) .
أَخبرَ اللهُ أَنه لما قَضى على سليمانَ عليه السلام الموتَ وَحانَ أَجَلُه، تَوفّاهُ اللهُ وقبضَ روحَه، ولم يَعْلم الجنُّ بوفاتِه إِلّا بعدَ أَنْ أَكلتْ دابَّةُ الأَرضِ مِنْسَأَتَه، وهي عصاهُ التي كان يستعملُها، فبعدَما أَكلتْ دابَّةُ الأَرض عَصاه، خَرَّ سليمانُ عليه السلام على الأَرض، وسَقَطَ جثةً هامدة، ففوجئَ الجِنُّ بذلك وثبتَ لهم أَنهم لا يعلمونَ الغيب، فلو كانوا يَعلمونَ الغيبَ لعَرَفوا بموتِه.
وذهبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاوي ليأخذَ منه تفسيرَ الآية، وأَخَذَ منه
كَلاماً لم يَثبت، وقَدَّمَ تفصيلاتٍ لموتِ سليمان عليه السلام ليس عليها دليلٌ صحيح.
تقولُ تلك الروايات: " بَدَأ داودُ عليه السلام بناءَ الهيكلِ في بيتِ المقْدِس، لكنّه ماتَ قبلَ إِتمامِ البِناء، فتولَّى ابنهُ سليمانُ عليه السلام إِتمام البناء، واستخدم الجنَّ في البناء، وكانَ شَديداً عليهم، ودَنا أَجلُه، وخشيَ إِنْ ماتَ قبلَ إِكمالِ البناء، أَنْ يتوقَّفوا عن العمل، فأَمرهم أَنْ يَبْنوا له بَيتاً من زُجاج، ليسَ له باب، ودَخَلَ سليمانُ البيتَ الزجاجي، وقامَ يُصلّي وهو مُتَّكِئٌ على عصاه، وهم يَعمَلونَ في البناء..
ومات وهو متكئٌ على عَصاه، وهم يرونَه يَنظرُ إِليهم.
وبقيَ مُتَّكئاً على العَصا حتى أَكَلَتْها الأَرَضَةُ، عند ذلك سَقَطت العصا، فخرَّ على الأَرض، ولما حَسَبَ الجنُّ الزمنَ وَجدوه قد مات قبلَ سنة، فتعَجَّبوا! ".
وعَلَّقَ الفادي على هذه الأُسطورةِ بقوله: " ونحنُ نسأَل: كيفَ يَموتُ
سليمانُ الملك، ويَستمرُّ سَنَةً دونَ أَنْ يَعلمَ به أَحَد؟
أَينَ نساؤُه؟ وأَينَ أَولادُه؟ وأَينَ حاشيتُه؟ وأَينَ شعبُه؟
ألا يوجَدُ واحدٌ من هؤلاء يَسأَلُ عنه؟
وهل يتصوَّرونَه قائماً يُصَلّي على عَصاهُ سَنَةً كاملةً، بدونِ نومٍ ولا أكلٍ ولا شربٍ ولا اسْتِحْمام؟
وكيفَ لما ماتَ على عَصا لم يَسْقُط؟
أَلم يتحلَّلْ جسدُه ويُصِبْهُ النَّتنُ والتَّعفنُ؟
ولما أَكلت الأَرَضَةُ جُزْءاً من العصا أَلَمْ يختلّ توازُنُه ويَسْقُط؟
أَليس تآكلُ العَصا في يوم يَكفي لسقوطِ الميتِ، كتآكُلِها إِلى آخِرِها لمدةِ سَنَة؟
وإِذا كان سليمانُ قد بنى على نفسِه صَرْحاً من قواريرَ لِيُعَمِّي عينَ الإِنسِ والجنِّ عن موتِه، فلماذا لم يَعلمْ مُقدَّماً الدور الذي ستَلْعبُه الأَرَضَة؟ ".
الأَسئلةُ التي يُثيرُها الفادي هنا وجيهةٌ ومَعْقُولة، نحنُ معه في إِثارتِها،
ولكنَّها لا تُوَجَّهُ إِلى القرآنِ في حديثِه عن موتِ سليمانَ عليه السلام، وإنما تُوَجَّهُ إِلى تلك الأَسطورةِ، التي صَوَّرَتْ موتَ سليمانَ عليه السلام بهذه الصورةِ غير المعقولة، والتي يرفضُها كُلُّ عاقل.
إِنَّ هذه الأَسطورةَ التي أَخَذَها الفادي من تفسيرِ البيضاوي، والتي أَخذَها
البيضاويُّ من بعضِ التفاسيرِ السابقة، التي لا تَتَحَرّى الصحةَ فيما تُورده، هذه الأَسطورةُ مرفوضةٌ عندنا لأَنها لم تَصحّ عن رسولِ الله عليه السلام، ولا عن أصحابِه الكرام.
وقد سبقَ أَنْ قَرَّرْنا أَن قَصصَ السابقين لا تُؤْخَذُ تفاصيلُها إِلّا من آياتِ
القرآنِ الصريحة، وأَحاديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
والمشكلةُ عندَ الفادي المفترِي هي جهْلُه، فهو يَعتمدُ كَلاماً غيرَ مقبولٍ
عندَ العلماء والمحققين، ثم يُحَمِّلُ القرآنَ تِبعتَه، ويُخَطِّئُ القرآنَ بسببِه، مع أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْه، وبذلك تتهاوى أَسئلةُ الفادي الجاهل.
إِنَّ القرآنَ لا يتحمَّلُ إِلّا ما يذكُرُه هو في آياتِه، وما يَذكُرُه لا خَطَأَ فيه
ولا اعتراضَ عليه، أَمّا الفهمُ البشريُّ لآياتِه الذي صَدَرَ عن المفَسِّرين فلا
يتحمَّلُه القرآن، لأَنَّ هذا الفهمَ البشريَّ قد يكونُ خاطئاً!.
لا بُدَّ أَنْ نفهمَ الآية التي تحدَّثَتْ عن موتِ سليمانَ عليه السلام فَهْماً - صحيحاً، لا سيما أَنه لا يوجَدُ عندنا حديثٌ صحيحٌ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُضيفُ جَدِيداً إِلى ما ذَكَرَتْه الآيَة.
أَرادَ اللهُ أَنْ يَجعلَ موتَ سليمانَ عليه السلام آيةً وعبرةً للإِنسِ والجِنّ، ودَليلاً على عدمِ عِلْمِهم بالغيب، لأَنَّ عِلْمَ الغيبِ خاصّ باللهِ سبحانه..
فقد كانَ سليمانُ عليه السلام يَحكمُ الإِنْس والجِنَّ والطير، وكانَ يُسَخِّرُ الجِنَّ في الأَعمالِ الكبيرة، وكان مَلِكاً حازماً يَهابُهُْ الذين يَعملونَ عنده من الإِنْسِ والجِنّ.
ولما حانَ أَجَلُ سليمانَ عليه السلام، كان الجنُّ يَعملونَ بينَ يَدَيْه، وكانَ هو واقفاً أَمامَهم، مُتَّكِئاً على عصاه، يُراقِبُهم ويَضبطُهم، وهم يَنْشَطونَ في العمل، ولا يَرْفَعونَ رؤوسهم ناظِرينَ إِليه هيبةً له.