الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا نعلقُ على هذا الكلامِ الفاجرِ البذيء، ونُحيلُ على ما قُلْنَاهُ سابقاً في
هذا الأمر!
وقد بَيَّنَ كثيرٌ من العلماءِ حادثةَ زَواجِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من زينبَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها، وتَحَدَّثْنَا عنها بالتفصيلِ في كتابنا " عتاب الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن: تحليل وتوجيه ".
***
حول سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
عَلَّقَ الفادي المجرمُ على حادثةِ سِحْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تحتَ عنوان: " النبيّ المسحور "
وأَخَذَ الحادثةَ من مصادرَ صحيحةٍ ومصادر باطلة، وخلط فيها الحقَّ
بالباطل، ثم وظَّفَها دليلاً على جُنونِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وقارنَ بينَه وبين موسى وعيسى عليهما السلام، اللَّذيْنِ غَلَبا السحرةَ والشياطين.
أَوردَ سورةَ الفلقِ وسورةَ الناس ثم نَقَلَ كَلاماً للبيضاوي في تفسيرِ
النفاثات في العُقَد.
وقال بعد ذلك: " جاءَ في كتابِ " السيرةِ النبوية الملكية ":
" رُوِيَ أَنَّ لَبيداً بنَ الأَعْصَمِ اليهودي سَحَرَ النبيَّ.
فكانَ يُخَيَّلُ للنبيِّ أَنه يَفعلُ الشيءَ، وهو لا يَفعلُه، مما لا تَعَلُّقَ له بالوحي، كالأَكْل والشربِ وإِتيانِ النِّساءِ، ومَكَثَ في ذلك سَنَةً، أَو ستة أَشهر، على ما قيل، حتى جاءَه جبريلُ، وأَخبرَه بذلك السِّحرِ ومكانِه، فأَرسلَ النبيُّ واستحضَره وفَك عُقَدَه، فَفُكَّ عنه السحر ".
وجاءَ في كتابِ العَقْد الفريد: " في مسندِ ابن أَبي شيبة: أَنَّ رَجُلاً من
اليهودِ سَحَرَ النبيّ، فاشتكى لذلك أياماً، فأَتاهُ جبريلُ فقال له: إِنَّ رجلاً من
اليهودِ سَحَرَك، عَقَدَ لك عُقَداً، وجَعَلَها في مكانِ كذا وكذا، فأَرسلَ عليّاً - فاستخرجَها وجاءَ بها، وجَعَلَ يَحُلُّها، فكلما حَلَّ عُقْدَة، وَجَدَ رسولُ الله خِفَّة، ثم قامَ رسولُ الله، وكأنما نَشَطَ من عِقال ".
قال البخاري: رَوَتْ عائشةُ قالت: كان رسولُ الله سُحِرَ، حَتَى كان يَرى
أَنه يأتي النساءَ وهو لا يأتيهن..
فقالَ محمد: يا عائشةُ! أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ أفتاني
فيما أَنا اسْتَفْتَيْتُهُ فيه، أَتاني رَجُلان، فقعَدَ أَحَدُها عند رأْسي، والآخَرُ عند
رِجْلَيَّ، فقالَ الذي عندَ رأسي للآخَر: ما بالُ الرجل؟
قال: مَطْبوب.
قال: وَمَنْ طبَّهُ؟
قال: لَبيدُ بنُ الأعصم، رجلٌ من بني زريق، حليفُ اليهود، كان
منافقاً، قال: وَفيم؟
قال: في مُشْطٍ ومُشاطَةٍ.
قال: وأَيْنَ؟
قال: في جُفِّ بئر ذِروان
…
قالت: فأَتى النبيُّ البئرَ فاستَخْرَجَها
…
".
ما زَعَمَه الفادي المفترِي من أَنَّ سِحْرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم استمرَّ ستةَ أَشهرٍ أَو سنةً غيرُ صحيح، فلم يستمر ذلك إِلّا فترةً قصيرةً لم تَتَجاوزْ أَياماً قليلة.
والراجحُ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يُرسلْ عليَّ بنَ أَبي طالب رضي الله عنه إلى البئرِ التي فيها السحرُ، ولم يستخرجْه منها، وما نَقَلَه الفادي عن العقدِ الفريدِ مرجوح مردود.
والصحيحُ في هذه الحادثةِ ما رواه البخاريُّ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: " سُحِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتى إِنه ليُخَيَّلُ إِليه أَنه يفعلُ الشيءَ وما فَعَلَه
…
حتى إِذا كانَ ذاتَ يومٍ وهو عندي، دَعا اللهَ ودَعاه..
ثم قال: أَشعرتِ يا عائشةُ أَنَّ اللهَ قد أَفْتاني فيما اسْتَفْتَيْتُهُ فيه؟
قلتُ: وما ذاك يا رسولَ الله؟
قال: جاءَني رَجُلان، فجلسَ أَحَدُهما عند رأسي، والآخَرُ عند رِجْلَيَّ، ثم قالَ أَحَدُهما للآخَر: ما وَجَعُ الرجل؟
قال: مَطْبوب، قال: ومَنْ طَبهُ؟
قال: لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليهودي من بني زُريق.
قال: في ماذا؟
قال: في مُشْطٍ ومشاطَة وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر.
قال: فأَينَ هو؟
قال: في بْئرِ ذي أَروان.
قالَتْ: فذهبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في أُناسٍ من أَصحابِه إِلى البئر، فَنَظَرَ إِليها وعليها نَخْل..
ثم رجعَ إِلى عائشةَ، فقال: واللهِ لكَأَنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنّاءِ، وكأَنَّ نخلَها
رؤوسُ الشياطين..
قلتُ: يا رسولَ الله، أَفَأَخْرَجْتَه؟
قال: لا..
أَمّا أَنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخشيتُ أَنْ أُثَوِّرَ على الناس منه شَرّاً.
وأَمَرَ بها فدُفنتْ ".
لقد شاءَ اللهُ أَنْ يُسحرَ رسولُه صلى الله عليه وسلم، وذلك تأكيدٌ لبشريَّتِه وضعْفهِ؛ لأَنَّ كُلَّ بشر مخلوقٌ ضَعيف، تؤثَرُ فيه الأَسبابُ بأَمْر الله، والذي سَحَرَه هو اليهوديُّ " لَبيدُ بنُ الأَعْصَم "، حيثُ أَخَذَ مِشْطاً كان يُمَشِّطُ فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَعْرَهُ، وفيه " مشاطةٌ "، وهي بقيةُ الشَّعْرِ الذي عَلِقَ من رأسِه بالمشط، وَرَبطَ المشط
والمشاطةَ في " جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَر "، وهو الغشاءُ الذي على طَلْعِ البَلَحِ عند بدايةِ خروجِه من كُمِّه على النخلة.
وَوَضعَ المشْط والمشاطَةَ والجُفَّ الغشاءَ في قَعْر بئرِ ذي أَروان، والماءُ الذي فيها قليل.
وشاءَ اللهُ أَنْ يُؤَثِّرَ هذا السحرُ في الجانبِ المادِّيِّ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أَيْ أَنَّه أَثَّرَ في جِسْمِهِ فقط، ولم يُؤَثِّرْ في عَقْلِه وإدراكِه، كما أنه لم يُؤَثِّرْ في رسالتِه أَو الوحيِ الذي يَتَلَقّاهُ من الله، ولم يُؤَثَرْ في عبادَتِه ودعوتِه وذِكْرِه لله..
أَقصى ما أَثَّر فيه السحرُ كما أَخْبَرَتْ عائشة رضي الله عنها أَنه كانَ يُخَيَّلُ إليه أَنه فعل الشيءَ وما فعلَه، ولم يستمرَّ هذا فيه طويلاً، حيثُ كانَ صلى الله عليه وسلم يلجأُ إلى الله، يَدْعوهُ ويتضرَّعُ إليه، كي يُذهبَ عنه ما أَثَّر فيه..
وفي أَحَدِ الأَيّام كانَ صلى الله عليه وسلم عند عائشهَ رضي الله عنها، فدعا الله طويلاً، واستجابَ اللهُ دُعاءَه، وأَخبرَه عن حقيقةِ ما به،
وأَخبرَ عائشة رضي الله عنها عن ما حَصَلَ له، وأَنَّ اللهَ قد أَفْتاهُ فيما اسْتَفْتاهُ فيه، حيثُ أَرسلَ إِليه ملكَيْنِ في صورةِ رجلَيْن.
فجلسَ أَحَدُهما عند رأْسِه، وجلسَ الآخَرُ عند رجلَيْه، وجَرى بينهما حوارٌ على مسمَع منه صلى الله عليه وسلم، وعَرَفَ منهما أَنَّ لَبيدَ بن
الأَعصم اليهوديَّ سَحَرَه، وأَنه وَضَع السِّحْرَ في قعرِ بئرِ ذي أَروان.
وعافاهُ الله، وأَذْهَبَ عنه ما أَثَّر فيه.
وذهبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى البئر، وعادَ إلى عائشةَ رضي الله عنها وأَخْبَرَها عنها: ماؤُها قليلٌ أَحمرُ كأنَّه حِنّاء، وعليها نَخْلٌ مثمرة، ثَمَرُها كأَنه رؤوسُ الشياطين.
وأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بدفن المادَّةِ التي سُحِرَ فيها، ولما اقترحَتْ عليه عائشةُ رضي الله عنها أَنْ يُخرِجَها، وأَنْ يَتَنَشَّرَ، أَيْ أَنْ يُعالجَ نفسَه بالرُّقْيَة، رَفَضَ ذلك، وقال: لقد عافاني اللهُ وشفاني فلن أَتَنَشَّرَ، حتى لا أَثيرَ على الناسِ من ذلك السحرِ شَرّاً.
وبهذا انتهتْ هذا الحادثةُ العابِرة، التي مَرَّتْ برسولِ اللهِ عليه السلام مُروراً
عابراً، ولم يتأَثَّرْ بها عَقْلُه أَو وَعْيُه أَو حِفْظُه وعبادَتُه، ولم تُؤَثِّرْ على نبوَّتِه
ورسالته.
أَمّا الفادي المجرمُ فقد وَظَّفَ الحادثةَ لَيُحققَ هَدَفَه بالإِساءَةِ إِلى
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونَفْي نُبُوَّتِه.
وعَلَّقَ على الحادثةِ بقولِه: " ونحنُ نسأل: كيفَ
يكونُ محمدٌ نبياً وقد خَضَعَ لسطوةِ الشيطان، فتارةً يُذْهِبُ عَقْلَه بالسِّحْر، وتارةً يُلقي على لسانِه آياتٍ شيطانية، كالتي قالَها في سورةِ النجم؟
لهذا اتَّهَمَه أَعداؤه بأَنه مجنون، فدفعَ عن نفسِه هذه التهمة، في آياتٍ كثيرة، كقوله تعالى:(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) .
وقوله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52) .
فأَيْنَ هو من موسى الذي غَلَبَ السحر؟
وأَينَ هو من المسيحِ الذي أَخرجَ الشياطينَ وأَقامَ الموتى؟
وإِنْ كانَ في إِمكانِ جبريلَ فَكّ سِحْرِه، وشِفاؤُه، فلماذا تَرَكَه، ولم يَأتِه إِلّا بعدَ ستةِ أشهر أَو سَنَة؟
وكيفَ يُؤْتمَنُ مِثْلُه على أَقوالِ الوحي؟
لذلكَ قال له إِلهه: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) ".
اتهمَ الفادي المجرمُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم بالجُنون، وَردَّدَ التهمةَ التي أَطلقها الكفارُ زمنَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقد نَفَتْ آياتُ القرآنِ الصريحةُ هذه التهمة عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولو كانَ صلى الله عليه وسلم مَجْنوناً لما نجحَ في دعوتِه هذا النجاح، ولما تكلمَ بما تكلمَ به، ولما تعامَلَ مع أَصحابِه بأَعْلى درجاتِ العلمِ والحلم
والحكمةِ وسَعَةِ الصَّدْر.
ونُكررُ أَنَّ السحرَ لم يُؤَثِّرْ في عَقلِه صلى الله عليه وسلم ووعيه!.
ومقارنةُ الفادي المجرم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينَ أَخَوَيْهِ موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لا دَاعيَ لها، لأَنَّ كُلَّاً منهم رسولٌ كريمٌ أَيَّدَهُ اللهُ بالمعجزات، وقد شاءَ اللهُ أَنْ يُؤَثّرَ السحرُ قليلاً في الجانب البشريِّ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، تأكيداً على بشريته.