الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن المعلومِ عندنا أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يُشَرّعْ من عندِه، وإِنما كان يُبَلِّغُ المسلمين حكمَ اللهِ وشَرْعَه، فاللهُ سبحانه هو الذي شَرَعَ مناسكَ الحج، من إِحرامٍ وطوافٍ وسعي ورميِ للجِمار وغير ذلك، واللهُ هو الذي شَرَعَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم والمسلميًن استَلامَ الحجرِ الأَسودِ عند الطوافِ وتقبيلهِ، كما أَمرهم باستقبالِ الكعبةِ في الصلاة، وعندما كان صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الحجرَ الأَسودَ كان
يُطَبِّقُ أَمْرَ الله، ويُنَفِّذُ شَرعَ الله، وهو بهذا عابدٌ لله وليس مشركاً به!.
وكم كانَ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه واعياً حكيماً فَطِناً، عندما قَرَّرَ أَنه يُقَبّلُ الحجرَ الأَسود؛ لأَنه يقتدي في ذلك برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يوقنُ أَنه مجردُ حجرٍ، لا يَضُرُّ ولا يَنْفَع.
***
التشكيك في عفَّة عائشة رضي الله عنها
-
شَكَّكَ الفادي المجرمُ في عِفَّةِ عائشةَ رضي الله عنها، وكَرَّرَ ما قالَه المنافقون الكافرون في اتِّهامها.
وكانتْ وقفتُه الفاجرةُ الخبيثةُ أَمامَ قولِ اللهِ عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) .
ذَكَرَ خُلاصَةَ الحادثة كما وَرَدَتْ في تفسير البيضاويِّ: من أَنَّ
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خرجَ في غزوةٍ من غزواتِه، واستصحبَ معه عائشة رضي الله عنها، ولما عاد من الغزوة إِلى المدينة، نَزَلَ بالجيشِ ليلاً ليستريحوا، ثم نادى بالرَّحيل، وكانتْ عائشةُ قد مَشَتْ قليلاً لتقضيَ حاجتَها، ولما عادَتْ إِلى الرَّحْلِ عرفَتْ أَنها أَضاعَتْ عُقْدَها الذي في عنقِها، فعادَتْ لتبحث عنه، وظنَّ المكلَّفُ بترحيلها أَنها داخلَ الهودج، فأَقامَ الناقة وسارَ بها مع الجيش، وهو يوقنُ أَنَّ عائشةَ في الهودَج، ولما عادَتْ إِلى المكانِ في الليل وَجَدَت الجيش قد تحركَ فجلَستْ على الأَرض مكانها..
وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -
قد كَلَّفَ صفوانَ بنَ المعَطِّلِ السلميَّ رضي الله عنه أَنْ يَسيرَ خَلْفَ الجيش، ليلتقطَ ما يسقطُ منه..
ولما وصلَ صفوانُ إِلى المكانِ رأى عائشة، فأَناخ راحلَتَه، فركبَتْها وساقَها حتى وَصَلَ الجيش..
ولما رآهُ المنافقون أَشاعوا حادثةَ الإِفك، واتَّهموها في عِفَّتها
وطهارتِها..
واستمرَّ الحديثُ حول الشائعةِ حوالي خمسين يوماً، وأَنزل اللهُ
بعدَ ذلك شهادةً ببراءةِ عائشةَ رضي الله عنها، وأَقامَ الرسول صلى الله عليه وسلم حَدَّ القَذْفِ على الذينَ رَدَّدوا الإِشاعة، واتهموها في عِرْضها
…
وأَطلقَ الفادي المجرمُ سِهامَه الخبيثة المسمومة، وقَذَفَ عائشةَ رضي الله عنها في عِفَّتِها.
قال: " ونحنُ نسأل: هل كان زواجُ محمدٍ بعائشة بركةً له أَم لعنةً
عليه؟..
قال ابنُ هشام: إن محمداً تزوج ثلاثَ عشرة امرأة، منهنَّ عائشة، التي
كانَتْ بِنْتَ لسِتٍّ لَمّا عَقَدَ عليها، وبِنْتَ تِسعٍ لَمَّا بَنى بها..
فلماذا يتزوجُ محمدٌ وهو شيخٌ بطفلةٍ في التاسعة؟
وإنْ كانَتْ هذه عادةُ عربِ زمانِه، فلماذا لم يُصْلِحْ
نَبِيُّ العَرَبِ عادة أَهْلِ زمانه، بَدَل أَنْ يُمارِسَها معهم؟
ولماذا كان محمدٌ يصطحبُها معه في غَدْواتِه ورَوْحاته، حتى في الحروب، فتصبحَ سيرتُه وسيرتُها مضغةً في الأفواه، كما حَدَثَ مع صفوانَ بن المعَطِّل في غزوةِ بني المْصطَلِق؟.
ولقد كانَ عليُّ بنُ أَبي طالب حكيماً، وهو يُقدِّمُ النصحَ لابنِ عَمِّه وَحَميِّه، ويقول له: لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساءُ سواها كثير..
ولكنَّ علياً لم يكنْ يعلمُ مكانةَ عائشةَ في قلبِ محمد، وقد كانَ يقول عنها: إِنها بينَ نسائِه كالثريد بينَ الطعام.
فذهبَ محمدٌ إِليها، وقال لها: " بَلَغَني عنك ما بَلَغني، فإِنْ كنت بِريئةً
فيبرِّئُكِ اللهُ، وإِنْ كنتِ أَلممْتِ بذنْبِ فاستْغفِري اللهَ وتوبي إِليه، فإِنَّ العبدَ إِذا اعترفَ بذنْبه ثم تابَ تابَ اللهُ عليَه ".
وسرعانَ ما جاءَ جبريلُ بوحيٍ يُبَرِّئُ عائشة، ويَلْعَنُ الذين اتَّهموها، وشَغَلَتْ شهادَةُ جبريلَ ولعناتُه ثماني عشرةَ آية من سورة النور.
قال ابنُ عباس - كما ذَكَر البيضاوي -: " لو فَتَّشْتَ وعيداتِ
القرآن لم تَجِدْ أَغلظَ مما نَزل في إِفْكِ عائشةَ رضي الله عنها".
أَلا يرى العاقلُ أَنَّ محمداً شَحَنَ قرآنَه بشؤونه الخاصةِ وشؤونِ نسائِه؟
وإذا كانتْ عائشةُ بريئةً، فلماذا لم يُبَرِّئْها في الحال؟..
ولماذا لَبِثَ الوحيُ مدةً طويلة، تاركاً إِياها في بيت أَبيها، ومحمد مرتابٌ في عِفّتها؟.. ".
كلامُ الفادي المجرم وقحٌ قبيح، وكلُّه اتهامٌ للرسولِ صلى الله عليه وسلم ولعائشةَ رضي الله عنها.
إِنه يَعتبرُ زواجَه بعائشةَ لعنةً عليه، وأَنه خسر كثيراً بسببه، علماً أَنَّ حياةَ
الرسولِ صلى الله عليه وسلم مع عائشةَ كانَتْ سعيدةً هانئة، وكانتْ عالشةُ مباركةً رضي الله عنها.
وأَثارَ المجرمُ إِشْكالاً حولَ عُمْرِ عائشة عندما تزوَّجَها صلى الله عليه وسلم، صَحيحٌ أَنه خَطَبَها وهي بنتُ لسِتِّ سنوات، ودخلَ بها وهي بنتُ تِسْعِ سنوات، - ولا غَرابَةَ في هذا الزواج، فقد كانَتْ كاملةَ الأُنوثةِ وهي في هذا السِّنِّ، ومعلوم أَنَّ البَناتِ في المناطقِ الحارَّةِ تكبرُ أَجسامُهُنَّ بِسُرْعة.
أَما اصطحابُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ في غَزواتِه وسَفراتِه فقد كانَ يَخرجُ بها عندما ي؟ أتي دورها، حيثُ كانَ يَعدِلُ بين زوجاتِه، ويخرجُ بمن هي على الدَّور!.
والفادي مجرمٌ وقح عندما قال عن الحادثة: " فتصبحُ سيرتُه وسيرتُها
مضغةً في الأَفواه ".
ولقد كانتْ سيرةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسيرةُ عائشة أُمِّ
المؤمنين رضي الله عنها، عنوانَ العِفَّةِ والطهرِ والفَضيلة، ولم يكنْ في حياتِه أَو حياتها ما يُريب، والذينَ تَحَدَّثوا عن عائشةَ واتهموها في عِفَّتِها هم المنافقون، ومَنْ تَأَثَّر بهم من مرضى القُلوب، أما المسلمونَ الصادقون فقد كَذَّبوا حديثَ الإِفك وقالوا: سبحانَك هذا بهتان عظيم.
واستغربَ الفادي الجاهلُ حديثَ سورةِ النورِ عن حديثِ الإِفكِ، في
ثماني عشرةَ آية، وهذا دَليلُ جَهْلِه، فالقرآنُ كان يُرَبّي المسلمينَ بالأَحداث،
ويَجعلُها مناسبةً لعَرْضِ وتقريرِ حقائقِه، وقد كانت الدروسُ والعِبَرُ والتوجيهاتُ من حادثةِ الإِفْكِ كثيرة، ولذلك تَحَدَّثَ عنها القرآنُ في ثماني عشرة آية.
وكان الفادي وَقحاً مُجْرِماً عندما قال: " أَلا يرى العاقِلُ أَنَّ محمداً شَحَنَ
قرآنَه بشؤونه الخاصةِ وشؤونِ نسائه؟ ".