الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الدكتور نصر أبو زيد يقول عن القرآن أنه نص بشري .. ومُنتَج ثقافي لا قداسة له:
"ونموذج ثان، لحداثي آخر، من الذين اتخذوا الدراسات الإسلامية ميدانًا لهذا التأويل العبثي .. يقول -عن القرآن الكريم- الذي يؤمن المؤمنون -كل المؤمنين- أنه وحي سماوي، وتنزيل إلهي معجز وخالد .. يقول هذا الحداثي -عن القرآن-: إنه نص بشري، ومُنْتَج ثقافي .. لا قداسة له! وأن بينه وبين الشعر الجاهلي -وخاصة شعر الصعاليك- شبهًا كبيرًا! وبنص عباراته -التي لا تحتاج إلى تعليق- يقول:
"من الواقع تكوَّن النص [القرآن]، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص .. الواقع أولاً، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا.
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية .. وهذه الثقافة هي الفاعل، والنص منفعل ومفعول .. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره مُنْتَج ثقافي.
والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عامًا
…
فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيكا هابطًا .. والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة .. والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحوّل النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته.
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص، وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري، كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلاً، والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكوّن النص القرآني .. فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة عامة، وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة .. وسياق مخاطبة النساء في القرآن، المغاير لسياق مخاطبة الرجال، هو انحياز منه لنصوص الصعاليك"!.
هذا عن القرآن .. أما عن "النبوة والرسالة" و"الوحي" .. فإنها -عند
هذا الحداثي الماركسي-: ظواهر إنسانية، وثمرة "لقوة المخيلة" الإنسانية، وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه .. فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة، مع فارق في درجة "المخيلة"، فقط لا غير .. وبنص عباراته:
"إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية "المخيلة" في اليقظة والنوم على السواء .. ومن حيث قدرة "المخيلة" وفاعليتها، فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب، يليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب.
وتفسير النبوة اعتمادًا على مفهوم "الخيال" معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية "المخيلة" الإنسانية، التي تكون في "الأنبياء" أقوى منها عند سواهم من البشر .. إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة، فالنبوة، في ظل هذا التصور، لا تكون ظاهرة مفارقة .. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثبًا عليه وتجاوزًا لقوانينه، بل كانت جزءًا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها"! (1).
وبعد تحويل القرآن إلى نص بشري .. والوحي والنبوة إلى قوة في "المخيلة" الإنسانية .. يذهب هذا الحداثي الماركسي إلى تطبيق "التاريخية والتاريخانية" على معانٍ ومضابين وأحكام القرآن -كل معانيه ومضامينه وأحكامه- من العقائد إلى الأحكام وحتى القيم والأخلاق والقصص - الأمر الذي يعني نسخ كل مضابين القرآن وتجاوزها .. فيقول:
" .. فالقرآن خطاب تاريخي، لا يتضمن معنى مفارقًا جوهريًا ثابتًا ..
وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص .. فالقرآن قد تحوّل من لحظة نزوله من كونه [نصًا إِلهيًّا] وصار فهمًا [نصًّا إِنسانيًّا]؛ لأنه تحول من التنزيل إلى التأويل.
(1)"مفهوم النص" لنصر حامد أبو زيد (ص 56، 38) - طبعة القاهرة سنة 1990 م.