الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدقيق الذي وجه لمبدأ القياس كان يهدف إلى كبح الميل إلى إيثار النظر المجرد والفكرة التي تدور في العقل على الأمر الواقع، على أن المنتقدين أنفسهم وقعوا في خطأ آخر، وهو أنهم رغم إدراكهم ما للواقع من شأن، إلا أنهم في الوقت نفسه جعلوه ثابتًا إلى الأبد وقصروا نظرهم على (السابقات) التي وقعت بالفعل في أيام النبي وصحابته، ثم يدعو إلى إحسان فهم وتطبيق مبدأ القياس وهو أنه حق طليق في حدود النصوص الملزمة" (1).
*
ملاحظات على آراء إِقبال حول الاجتهاد:
وبعد أن استعرضنا آراء إقبال حول الاجتهاد والتشريع ومصادره الرئيسية المتفق عليها، يجب أن نعلق على نقاط الضعف في هذه الآراء بما رأيناه صوابًا وحقًا في ميزان التعليم الإسلامي الصحيح فنقول:
أولاً: ليست مشكلة الاجتهاد النظري مشكلة أساسية كما ظن إقبال بل المشكلة الأساسية هي العقبات القائمة في طريق تطبيق أحكام الإسلام وتحكيم ْالشريعة وتنفيذها في الأوضاع الحالية. فإن الغرب بجميع وسائله وعملائه وكامل سلطته ودهائه يحارب أي محاولة تقوم لتطبيق الشريعة ويفشلها فليس الإسلام في حاجة اليوم، إلى مجتهد نظري أو مقنن منطقي أكثر مما هو في حاجة إلى ما يقوم بتنفيذ الشريعة وتطبيق الأحكام المدونة في القرآن وكتب السنة والفقه. فإقبال يبدو متأثرًا إلى حد بالغ بدعاية المستشرقين الكذابين بأن الفقه الإسلامي لا يستطيع أن يتكفل بحاجات المجتمع المعاصر المتقدم في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها.
ثانيًا: لو فتح المجال للاجتهاد والاجتماع، كما يراه إقبال، بغض النظر عن الشروط والصلاحيات التي لا بد من توفرها في المجتهد عند الفقهاء
(1)"مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سعيد (ص 135 - 141) دار الدعوة - الكويت.
المتقدمين لكان ذلك فتحًا لباب الفتنة والفساد، فيأخذ كل متبع لهواه أو عميل لأعداء الإسلام يدعي لنفسه حق الاجتهاد ويبدي رأيه الفاسد باسم الاجتهاد والإصلاح، ويصير الدين عرضة للأهواء والفتن. فلا بد من الإصرار على توفر شروط الفقهاء عند من يدعي الاجتهاد. فالعودة إلى الاجتهاد مطلوبة، ولكن بنفس الشروط وبنفس الروح التي اجتهد بها فقهاؤنا القدامى الكبار.
ثالثًا: ما يراه إقبال حول السنة من أن بعضها ذو صفة عامة في تطبيقها والأخرى ليست كذلك، وحول الأمور التي أبقاها الإسلام دون تغيير، من تقاليد الجاهلية وكونها تعتبر تشريعًا أم أمورًا محلية، فهذا رأي خطير يفتح المجال للفتنة والفوضى والفساد؛ لأن كل شيء لم يغيره الإسلام من تقاليد الجاهلية عاد إِسلاميًّا مصطبغًا بصبغة الإسلام، فإن الشريعة التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامية من أولها إلى آخرها. فإذا فتح المجال للتفرقة بين أمور الشريعة بأن بعضها من عادات العرب وتقاليد الجاهلية والأخرى ذات طابع إسلامي وأن بعضها ذو طبيعة وقتية وبعضها الآخر ذو صفة دائمة، يكون ذلك مدخلاً للفتن والأهواء والفساد على ما هو واضح فإنه لا يمكن وضع حد لهذا التمييز والتفرقة.
رابعًا: ردد إقبال ضمن هذا الباب غير مرة، كلمة الجمهورية والديمقراطية الروحية، فإذا كان قصده بذلك التآخي والتعاون الإسلامي وتشاور علماء الإسلام في أمور دينهم ودنياهم لكان من الأفضل أن يستخدم لذلك لفظ الشورى؛ لأن الشورى لها أصل ومكانة في الإسلام، وإذا قصد به تقليد أساليب الغرب في التقنين ووضع الأنظمة فذلك شيء ليس له مجال في الإسلام، فإن البشر ليس لهم حق في وضع القوانين. "هما بلغ عددهم ومهما تطورت علومهم.
وقد عارض هذه الفكرة إقبال نفسه وفندها في معظم شعره ومؤلفاته