الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إن أفكار الأستاذ مالك بن نبي عن أمراض العالم الإسلامي وشروط النهضة هي أفكار تستحق الدراسة والتأمل، ونتمنى أن يستفيد منها المسلمون في كل مكان، فقد أصاب فيها المحز، ووضع الأصبع على الجرح، ورغم مرور سنين على طرحها، لكن مشكلة المسلمين لا زالت كما حللها وكتب عنها.
وكل يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللأستاذ مالك بن نبي أخطاء أحببنا أن ننبه عليها.
- يقول الأستاذ محمد العبدة في مجلة البيان:
"إن الأخطاء التي سنتكلم عنها ليست أخطاء عادية مما يقع لكل كاتب، فكان لا بد من ذكرها والتنبيه عليها.
*
النظرة السطحية للأحداث والشخصيات:
كان مالك بن نبي عميقًا في فهم غور الاستعمار وأساليبه الخفية للتسلط على العالم الإسلامي، وعميقًا في معالجة (القابلية للاستعمار) عند المسلمين، ولكنه في عالم الواقع والسياسة فيه سذاجة أو طفولة سياسية، وهذا ليس غريبًا فقديمًا تعجب الإمام الجوزي من شخصية أبي حامد الغزالي، كيف يجمع بين الفقه والذكاء من جهة، وبين الصوفية وحكايات العجائب والخرافات من جهة أخرى.
1 -
أعجب مالك بثورة 23 يوليو في مصر، ومدحها ووضح أماله فيها من ناحية الإصلاح الزراعي والصناعة، وإنشاء وزارة الثقافة والإرشاد، والحياد الإيجابي، وكل الدجل والشعارات التي أطلقها مهرج هذه الثورة.
فثورة يوليو 1952 عند مالك: "من أهم الحوادث بالنسبة للصراع الفكري، وكان لهذا الحدث تأثير شرارة كهربائية انطلقت في وعي البلاد
العربية والعالم الإسلامي" (1) "وكل عربي يعلم أن نظرة الرئيس جمال عبد الناصر خطت للنهضة العربية الاتجاه الصحيح الذي يحقق الشرط الأول للانسجام مع القانون العام .. " (2).
كيف يكون هذا الزعيم بهذه الصفات ونحن لا نعلم أن هناك زعيمًا آخر في العصر الحديث ترك بلاده خرابًا مثل جمال عبد الناصر؟ كيف لا يدري مالك بن نبي وهو من هو في فهم اللعبة الاستعمارية أن عبد الناصر كان ضمن (لعبة الأمم)، وأنهم ساعدوه على صنع هذه البطولة المزيفة، وحتى لو كانت هناك بعض الإصلاحات المادية -وهي لم تتحق فعلاً- فأين الحديث عن الاستبداد السياسي وكرامة الشعب المسحوقة؟ بل أين تطبيق الإسلام؟.
2 -
علق مالك بن نبي آمالاً كبيرة على مؤتمر باندونغ، واعتبره كتلة سلام للعالم، واعتبر هذا التنوع الذي يضم تسعًا وعشرين دولة، تضم تراثًا شكريًا متفاوتًا "يمكن بطبيعة الحال أن يقدم العناصر اللازمة لبناء قاعدة متينة للسلام .. "(3). هذه نظرته لهذا المؤتمر، والحقيقة أنه كان يحب التكتلات الكبيرة لمواجهة الغرب، وقد يكون معه بعض الحق في هذا، ولكن مثل هذا التكتل كان يحمل بذور فشله، وقضية الحياد التي يرفعها لم تكن صحيحة، فكل دولة منحازة، والهند التي كانت من أبرز أعضاء المؤتمر وتدعي السلام والروحانية كانت تحمل بين جوانحها الكره العميق للمسلمين، بل إن صورة الهند العدوانية كانت من البديهيات عند الشباب المسلم في الستينات، ولم ينخدعوا بكلام الدبلوماسي الهندي "ليس لدينا من الخشوع ما يكفينا ونحن
(1)"الصراع الفكري"(ص 22).
(2)
"تأملات"(ص 178).
(3)
"فكرة الأفروآسيوية"(ص 98).
ذاهبون إلى باندونغ" (1)، ويصدق مالك بن نبي أن نهرو حمل رسالة اللاعنف التي سلمه إياها غاندي، ونهرو هذا يكتب في (المجلة العصرية) مقالتين ينكر فيهما على الجمعيات المسلمة الحركة ضد القاديانية ويؤيد جانب القاديانية"(2)، وهند نهرو هي التي احتلت كشمير وأخذتها بالقوة، فأين المسلم وأين الديمقراطية التي تدعيها؟ وما الفرق بين الهند وباكستان في (القابلية للاستعمار).
وقد أدرك مالك أخيرًا عدم جدوى أي محاولة تجمع ليست عناصره منسجمة (3)، كما كان يلمح في آخر حياته بأن ثورة 23 يوليو لم تقم بالواجب، ولا شك أن الكبار من أمثال مالك بن نبي يتراجعون إذا عرفوا الحق.
3 -
كانت روسيا بعد الثورة الشيوعية تدعي أنها دولة صديقة للشعوب وللعالم الثالث، وأنها ليست دولة استعمارية، وقد صدق مالك بن نبي هذه المقولة، يقول:"فالمناخ الاستعماري الذي تكون في أوربا وأمريكا على حد سواء، وفي الاتحاد السوفييتي قبل الثورة أيضًا"، ولكن الحقيقة أن روسيا مستعمرة قبل الثورة وبعدها، ولم تتخل عن جشع الدول الكبرى، وهي وجه آخر للحضارة الغربية.
4 -
نقد مالك الانتخابات السياسية التي تطالب بالحقوق فقط وتنسى الواجبات، وتعتمد أسلوب المظاهرات والحفلات، وهو محق في هذا، ولكنه شارك في هذه الوسائل، وساعد (مصالي الحاج) في قيام الحزب الوطني، مع أنه ينتقده هو وحزبه، ولكنه حب الحركة ثم يكتشف الأخطاء بعدئذ.
(1) المصدر السابق (ص 7).
(2)
"تاريخ الحركة الإسلامية في الهند"(ص 220).
(3)
"فكرة كومنولث إسلامي"(ص 7).