الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
استدلالات الدكتور عمارة:
يستدل الدكتور بعدة أدلة:
1 -
قوله: "دين الله واحد .. وهو الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} لكن الإسلام الذي هو دين الله الواحد ليس هو فقط كما يظن البعض شريعة محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون ليسوا فقط أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ذلك أن فارقًا واضحًا وهامًا بين عقائد الدين وأصوله وهي واحدة -وبين شرائعه ومناهجه- وهي بتعدد الرسالات والمجتمعات التي بشر فيها الرسل عليهم السلام""الإسلام والوحدة"(ص 60). ثم يستشهد بوصف الله تعالى للأنبياء إبراهيم وذريته بأنهم مسلمون .. وهم قبل الإسلام .. !.
2 -
قوله: "لم تكن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى دين جديد، بل كانت إلى ذات الدين الواحد، وإن كان قد جاء بشريعة جديدة، أي نهج جديد .. والقرآن الكريم يحدثنا عن ذلك عندما يعلمنا قول الله سبحانه: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 136، 137] فمن يؤمن، كأتباع محمد، بكل ما نزل الله، قرآنًا فما سبقه، وبكل الرسل، منذ بدأت الرسالة وحتى ختامها بمحمد، عليه الصلاة والسلام، فهو "المهتدي"، ومن يترك الإيمان بشيء مما سوى "التوحيد" و"الطاعة". فهو في "شقاق" وهو "كافر" أي جاحد بهذا الذي لم يؤمن به. ولكنه غير مشرك؛ لأنه متدين. وموحد. بل ومسلم .. ولذلك طلب القرآن إلى الرسول أن يدع أمر هؤلاء إلى الله {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} بينما طلب إليه قتال المشركين كافة كما .. قاتلوا المؤمنين
كافة! " "الإسلام والوحدة" (ص 625).
3 -
قوله: "إن توهم إمكان توحد أهل الأديان السماوية أو بالأحرى أهل الشرائع السماوية على شريعة واحدة وملة واحدة وتحولهم من أمم مؤمنة ومتعددة إلى أمة مؤمنة واحدة إن توهم إمكانية ذلك ومن ثم السعي إلى تحقيقه خصوصًا إذا كان هذا السعي بغير المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة هو معاندة لإرادة الله سبحانه، وسعي ضد سنته التي لا سبيل إلى تبديلها أو تغييرها. إرادة الله وسننه مع تعدد الأمم والشرائع وما نسميه تجاوزًا الأديان وليس مع وحدتها وتوحيدها .. إنها مع التعدد والاختلاف لا مع الوحدة والاتحاد! ""الإسلام والوحدة"(ص 70).
4 -
قوله: "لما تحاكم اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طلب الله منه أن يحكم بينهم بشريعتهم ويقضي فيهم بأحكام التوراة، وكذلك طلب أن يكون تحاكم النصارى إلى الإنجيل والحكم بينهم بما فيه تمامًا مثلما طلب أن يكون تحاكم المسلمين إلى القرآن والحكم بينهم وفق آياته .. ونبه في وضوح وحسم على أن لكل أمة وملة من هذه الملل شريعتها ومنهاجها فوحدة الدين حق ومن الحق أيضًا تعدد المناهج والشرائع بتعدد الأمم والرسالات""الإسلام والوحدة"(ص 71).
5 -
6 -
قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى .. } الآية.
7 -
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ .. } الآيات. ثم قال عقبها: "ومن مفسرى القرآن الكريم من يقول إن المراد: ما أنزل إليهم من ربهم: كتب أنبيائهم وليس القرآن"(ص 144).
8 -
قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال بعدها: "والقرآن يستخدم هنا فعل المضارعة وهو المعبر عن الفعل الواقع في الحال والمستمر للمستقبل"(ص 144).
9 -
قوله تعالى: {فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ .. } . قال: "فهم مؤمنون بكتابهم ولذلك ميزهم الله عن الجاحدين الكافرين"(ص 145).
10 -
قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ .. } الآيات.
- هذه الأدلة السابقة هي في نظري كل ما عند الدكتور حول عدم تكفير اليهود والنصارى. أما أدلة أهل الإسلام على كفرهم فإنه عرض بعضًا منها وأعرض عن بعض! تدليسًا وتلبيسًا على القارئ. فأوهمنا بأن المكفِّرين لهم -وهم جميع الأمة- لا دليل عندهم إلا ما ذكره الدكتور مما يُمكن تأويله والإجابة عنه.
فذكر من حجج المكفرين لهم:
1 -
الجزية.
2 -
الزي الخاص.
3 -
وقف بناء الكنائس.
4 -
قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} .
5 -
قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} .
6 -
قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ} .
7 -
قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} .
8 -
قوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} .
أما الأحاديث فلم يذكر شيئًا منها؛ لأنها لا حجة فيها عنده إلا كما يُحَجُّ البوذي بها! فلذلك اجتنبها.
- فهذا ما ذكره الدكتور من أدلتنا على كفر اليهود والنصارى؛ ولكنه ترك الآيات والأحاديث الصريحة في ذلك، واكتفى بهذه كما قلت؛ لأنه يمكن الإجابة عليها بسهولة، وأما تلك فيعجز عن دفعها، وهذا دليل على تلبيس الرجل لنصره بدعته ويعلم الله أني لم أتوقع أن يأتي اليوم الذى أرد فيه على من يزعم إيمان اليهود والنصارى؛ لأن هذه القضية قد حسمها القرآن عندنا نحن المسلمين واستقر ذلك في أعماق أمتنا لا يزيغ عنه إلا هالك! وكم تأسفت أن يأتي في هذا الزمان من اسمه (محمد) ليزكي أولئك الكفرة أعداء الإسلام ويعطيهم العهد بدخول الجنان، ولكن ما دام الدكتور قد أفصح عن بدعته وأرصد لها المقالات والكتب فلا بد من مناقشته فيها لعله يتعظ ويرجع عنها قبل فوات الأوان، ومناقشتي للدكتور ستكون على هيئة أوجه متتالية تسهيلاً لي وللقارئ وسأكتفي بالأدلة الصريحة التي لا تحتمل التأويل في عدم كفرهم؛ لأن الدكتور قناص ماهر لهذه الثغرات.
الوجه الأول: في الأدلة من القرآن على كفر النصارى وهي كثيرة جدًا وسأكتفي بأوضحها دلالة:
1 -
قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].
- قال ابن كثير: أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان، والنيران من العرب (1).
ففي هذه السورة تكفير لهم لعدم إيمانهم بالقرآن وهو البينة وعدم إقامتهم الصلاة والزكاة، ثم أخبر أنهم ولو رغم أنف الدكتور في نار جهنم، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} .
- قلت: قد يوحي الشيطان إلى الدكتور أن هذه السورة في {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم - كما يزعم الذين خرجوا عن الأمة الواحدة، أو لم يقيموا دينهم مثلاً، لا أستبعد ذلك منه، فيقال: لو صح ما تقول -وهو خرافة إبليسية- لقيل لك إن الله تعالى كفّرهم لأجل عدم إيمانهم بالقرآن وإقامتهم الصلاة والزكاة وهم مشتركون في هذا طيبهم -عندك- وخبيثهم وهذا بين، ويقال ثانيًا: إن الله تعالى قال: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} فيلزم أن في المشركين من يمكن أن يكون مؤمنًا! وهذا ما لا تقول به باعترافك لأنه لم يقر بالتوحيد ولأنهم كلهم محاربون للدين الجديد.
2 -
3 -
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، الخطاب لجميع أهل الكتاب أن يدعوا اعتقادهم الشركي في المسيح وعزير؛ فإن لم يفعلوا ذلك فهم ليسوا مسلمين.
(1)"تفسير ابن كثير"(4/ 574).
4 -
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} .
5 -
- قال ابن كثير: "يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرّقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم والسامرة لا يمؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يمؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن ردّ نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانًا شرعًا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله {يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} أي في الإيمان {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا ومسلكًا، ثم أخبر تعالى عنهم فقال:{أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به؛
لأنه ليس شرعيًّا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهانًا منه لو نظروا حق النظر في نبوته" (1). قلت: وهذه الآية أعتقد أنها قاصمة الظهر للدكتور .. فأين المفر؟.
6 -
قال تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} .
7 -
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} .
8 -
- قال ابن كثير: "يقول تعالى آمرًا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات ومتهددًا لهم إن لم يفعلوا"(2).
9 -
فمن كفر برسول واحد فقد ضل ضلالاً بعيدًا. ثم في هذه الآية أمر لنا بالإيمان بالكتب السابقة. أفلا يُستغرب أن نؤمر بالإيمان بكتبهم ولا يؤمرون كما يرى الدكتور بالإيمان بكتابنا والرب واحد؟
10 -
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي
(1)"تفسسيره"(1/ 585).
(2)
"تفسيره"(1/ 520).
بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ .. } الآية. وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} قلت: فإذا كفتهم رسلهم فلماذا يرسل الله تعالى إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم؟.
11 -
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} .
12 -
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .
13 -
قال تعالي: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وتأمل قوله تعالى: {جَمِيعًا} فهو تأكيد لعموم الرسالة لكي لا يُسْتثنى أحد من يهود أو نصارى!
الوجه الثاني: مما يشهد على كفرهم من السنة: وسأكتفي منها بالأدلة الصريحة وأقلل منها اكتفاءً بما سبق من آيات القرآن؛ لأن الدكتور لا يؤمن إلا به!.
1 -
قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" قال النووي: "وقوله صلى الله عليه وسلم لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم"(1).
2 -
قال صلى الله عليه وسلم: "لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم"(2).
(1)"شرح مسلم" للإمام النووي (2/ 188).
(2)
المصدر السابق (17/ 136).
- قلت: أي أنهم غير مسلمين إذا لم يتابعوه صلى الله عليه وسلم.
3 -
عن أبي موسى "أن رجلاً أسلم ثم تهود. فأتاه معاذ بن جبل -وهو عند أبي موسى- فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود. قال: لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"(1).
- قلت: والشاهد: قول معاذ: "قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم"؛ لأنه معلوم عندهم أن من أسلم من اليهود والنصارى، ثم رجع إلى دينه قتل؛ لأنه مرتد ولم يقل أحد كالدكتور أن الأديان كلها توصله إلى النجاة. وإلا لتركه الصحابة وشأنه واختياره. ثم لو تأملنا قول الدكتور لوجدناه يلغي كتبًا وأبوابًا في الفقه الإسلامي بعنوان "حكم المرتد"!.
الوجه الثالث: إن المسلمين قد أجمعوا على كفر اليهود والنصارى، ولم يشذ أحد منهم غير من ذكرناه من غلاة الصوفية وفرق الزندقة الذين لا يعدون من جملة المسلمين. قال ابن حزم في "مراتب الإجماع":"واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا"(2).
- وقال ابن تيمية: "قد ثبت في الكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة"(3).
وقال: "نعلم أن خلقًا لا يعاقبون في الدنيا مع أنهم كفار في الآخرة مثل أهل الذمة والمقرين بالجزية على كفرهم"(4).
(1)"فتح الباري"(13/ 143).
(2)
(119).
(3)
"الفتاوى"(12/ 496).
(4)
"الفتاوى"(12/ 499).
وقال: "إن اليهود والنصارى كفار كفرًا معلومًا بالاضطرار من دين الإسلام"(1)
الوجه الرابع: أن يقال هذا القول منك قد ناقضته كعادتك بنفسك! بل وفي كتابك هذا "الإسلام والوحدة القومية"! وهذا من أطرف ما عثرت عليه من تناقضاتك الكثيرة فقد قلت فيه: "إن الإسلام على الرغم من أنه دعوة للبشر أجمعين إلا أن سنن الله في الكون وقوانينه لن تتبدل أن يظل الخلاف والاختلاف والتمايز قائمًا بين البشر في الدين .. فلن يجتمع الناس على دين واحد .. ومن ثم فليس هناك ما يدعو إلى أن يكره الإنسان إنسانًا على الدخول في دينه .. ومن يحب النجاة لأخيه ويتمنى أن يقاسمه نعيم الجنة فأولى به أن يسلك لهدايته طريق الحكمة والموعظة الحسنة لا طريق الحرب والسيف والعنف والإكراه" فقد اعترفت بعدم دخولهم الجنة!!.
الوجه الخامس: يقول الشيخ عمر الأشقر -حفظه الله-: "قد ذم الله هذا الصنف من الناس الذين يريدون مزج الإسلام بغيره والالتقاء في طريق وسط بزعم التوفيق وأخبر أن هذا فعل المنافقين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} (2).
2 -
محمد عمارة والوطنية:
1 -
مر معنا أن الدكتور عمارة يرى نجاة اليهود والنصارى يوم القيامة إذا تمسكوا بدينهم الآن ولو لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام وهذا تمهيد منه للوطنية وأن المسلم المصري لا يفرق بين المسيحي واليهودي المصري إلا
(1)"الفتاوى"(35/ 201).
(2)
"العقيدة في الله" للشيخ عمر سليمان الأشقر (ص 59) - طبع دار النفائس.
بالشريعة التي أراد الله بحكمته أن تتنوع بين البشر. فلا فرق بيننا إذن عند الله .. وبعد أن قرر الدكتور هذا سهل عليه أن يقول ما شاء في الوطنية.
2 -
يقول الدكتور: "عندما هاجم المستعمرون الإنجليز مصر سنة 1807 بحملتهم التي قادها الجنرال فريزر لم يكونوا يعتمدون مثلاً على أقلية من الأقليات الدينية التي تعيش في مصر .. وإنما كان الذين تعاونوا مع الحملة الإنجليزية الفاشلة هم أمراء المماليك بقيادة الألفي بك .. وهم الأمراء الذين لم تكن تربطهم بأهل البلاد روابط حضارية ولا قومية ولا عرقية، ولم يكن بينهم وبين المصريين سوى رابطة الدين""نظرة جديدة"(228) أي أن الدين في نظره أقل تأثيرًا من رابطة الوطنية.
3 -
يقول عن رفاعة الطهطاوي: "الناس عنده لا ينقسمون إلى مؤمنين وكافرين وإنما ينقسمون على أساس من التحضر والتمدن وليس على أساس من العقائد والأديان. فيحدثنا هذا الشيخ في كتابه "تخليص الإبريز" عن انقسام "سائر الخلق" إلى عدة مراتب:
"المرتبة الأولى: مرتبة الهمل المتوحشين .. المرتبة الثانية: مرتبة البرابرة الخشنين .. والمرتبة الثالثة: مرتبة أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن والتمصر .. ".
وعندما يوزع الشعب على هذه المراتب الثلاثة، يضع بعض الشعوب المسلمة، الذين "يعرفون الحلال من الحرام .. وأمور الدين .. غير أنهم لم تكمل عندهم درجة الترقي في أمور المعاش والعمران والصنائع البشرية والعلوم العقلية والنقلية .. " -مثل عرب البادية- يضع هؤلاء المسلمين في مرتبة "البرابرة الخشنين" .. بينما يضع "بلاد مصر والشام واليمن والروم والعجم والإفرنج والمغرب وسنار وبلاد أمريكة، على أكثرها، وكثير من جزائر المحيط" يضعها في مرتبة "أهل الأدب والظرافة والتحضر والتمدن
والتمصر"؛ لأنهم "أرباب عمران وسياسات، وعلوم وصناعات، وشرائع وتجار، ولهم معارف كاملة في آلات الصنائع .. ولهم علم بالسفر في البحور، إلى غير ذلك .. " "نظرة جديدة" (228).
4 -
ينقل فتوى محمد عبده بجواز مساعدة الكفار من أهل الوطن والتي يقول في نصها "قد قامت الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على الاستعانة بغير المؤمنين وغير الصالحين على ما فيه خير ومنفعه المسلمين وإن الذين يعمدون إلى هذه الاستعانة .. لم يفعلوا إلا ما اقتضته الأسوة الحسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن من كفرهم أو فسقهم فهو بين أمرين إما كافر أو فاسق فعلى سعاة الخير أن يجدوا في دعوتهم، وأن يمضوا في طريقهم ولا يحزنهم شتم الشاتمين ولا يغيظهم لوم اللائمين""نظرة"(237).
5 -
ويقول أيضًا: "إيمان هذه الأمة بالوحدة الوطنية والقومية إيمان راسخ لا شك فيه .. بل لقد رأت، ببصيرتها النافذة وحسها الفطري، أن الشقاق الطائفي كان، على مر تاريخها، الثغرة التي يحاول أعداؤها النفاذ منها، بحثًا عن الركيزة التي تضمن لاستعمارهم واستغلالهم الفعالية والاستمرار! .. وأوضح ما كانت وتكون يقظة أمتنا لهذه الحقيقة في لحظات المحن والمواجهة مع الأعداء .. ففي مصر مثلاً أثناء الثورة العرابية (1881 - 1882 م) كانت أوربا الاستعمارية وإنجلترا بالذات تسعى لشق وحدة الصف الوطني الذي ارتفع متينًا وشامخًا خلف أحمد عرابي (1257 - 1329 هـ 1841 - 1911 م) .. وفي مواجهة هذا المسعى الاستعماري كانت يقظة الشعب والثورة، التي تجلت في وحدة طوائف الأمة، على نحو لا مثيل له في غير مجتمعاتنا العربية التي تنعم بسماحة دين الإسلام! ..
فعندما انحاز الخديوي توفيق (1269 - 1309 هـ - 1852 - 1892 م) وأعوانه إلى الإنجليز الغزاة، رفض الشعب الاستسلام وخلع عن سلطة