الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
العلمانية عند الدكتور عمارة:
- يقول الدكتور: "إن فصل الدين عن الدولة على النحو الذي تقرره العلمانية الغربية لا يمكن أن يكون شعار الذين يفهمون الإسلام حق الفهم .. فهو شعار مرفوض""الدولة الإسلامية"(64). فالدكتور يرفض علمانية الغرب التي تفصل الدين عن الدولة وتجعل الدين يقبع في الكنيسة.
2 -
لماذا يرفض الدكتور العلمانية؟ يقول: "شعار العلمانية قد ارتفع في أوربا بمعنى عزل السلطة الدينية للكنيسة عن شئون المجتمع السياسية؛ لأن تراث أوربا وواقعها كانا يشهدان سلطة دينية تحكم قبضتها على مقدرات المجتمع كلها أما في واقعنا نحن وتراثنا ومنطلقاتنا فالأمر مختلف بل وعلى النقيض فالإسلام لم يقر السلطة الدينية بل هو كما يقول الإمام محمد عبده ينكرها ويدعو إلى رفضها بل ويهدمها من الأساس .. ""الدولة الإسلامية"(63).
إذن هو ينكر العلمانية الغربية؛ لأنه لا يوجد لدينا سلطة دينية تواجهها في الطرف الآخر كما حدث في الغرب مما اضطرهم للجوء إلى العلمانية للحد من سلطات الدين ورجاله .. لهذا فالدكتور عمارة أيضًا.
3 -
ينكر السلطة الدينية في الإسلام ويقول: "أما إسلامنا فإنه ينكر السلطة الدينية التي تجعل لنفر من البشر سلطانًا اختص به المولى سبحانه ورسله عليهم الصلاة والسلام""الدولة الإسلامية"(63).
ويقول: "إن السلطة الدينية تعني -في كلمات بسيطة ودقيقة- أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحق الانفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره. وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الادعاء من قبل فرد. يتولى منصبًا دينيًّا أو منصبًا سياسيًّا. وسيان كذلك أصدرت كهذه الدعوى من فرد أو من مؤسسة فكرية
أو سياسية.
وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي، فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية -باستثناء الشيعة- تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء" "الدولة الإسلامية" (14).
4 -
يرى الدكتور: "أن مصدر هذه النظرية قديم قدم طموحات السلطة المستبدة بمقدرات البشر، من أن حاول أصحابها تغليف استبدادهم وانفرادهم بالسلطان بغلاف ديني يصد الناس بسلاح الإيمان والدين عن السعي لممارسة حقهم، بل واجبهم في محاسبة الحكام .. لقد بدأت وظلت. ولا تزال محاولة يريد بها البعض الإفلات من نطاق محاسبة الجماهير، عن طريق تجريد الأمة من حقها في التشريع وحقها في أن تكون مصدر السلطان والسلطات .. زاعمة هذه المحاولة أن الحاكم نائب عن الله لا عن الأمة .. وهم بذلك يغفلون أو يتغافلون عن أن "حق الله" هو "حق المجتمع"، أي حق الأمة والناس .. بحكم خلافة الإنسان -في الأرض- عن الله ..
وإذا نحن ذهبنا نلتمس بدايات هذه الدعوى في تراث الإنسانية السياسي وجدناها لدى فراعنة مصر الأقدبين الذين ادّعوا بنوتهم للإله .. ووجدناها في الكسروية الفارسية التي سبقت ظهور الإسلام. عندما كان كسرى يحكم "بالحق الإلهي". جاعلاً من قراراته وأحكامه وحي الإله "أهورا - مزدا" .. وجدناها كذلك في القيصرية الرومانية. قبل اعتناقها المسيحية، عندما كانت ذات الإمبراطور "مقدسة إلهية" .. وحتى بعد اعتناقها للمسيحية فلقد طوعت أوربا المسيحية لتراثها في نظرية الحكم بالحق الإلهي. ولم تطوع المسيحية أوربا لتعاليمها التي عرفت بالشرق خالية من هذا المفهوم. وبعبارة قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (415) فإن النصرانية (المسيحية)
عندما دخلت روما لم تتنصر روما ولكن المسيحية هي التي ترومت؟! .. فلقد أصبح الإمبراطور رئيسًا للكنيسة. وحكم بالحق الإلهي في ظل المسيحية، كما كان الحال وهم يعبدون الأوثان! ..
فمن تراث أوربا الوثني القديم تسربت هذه النظرية إلى أوربا المسيحية.
حتى أصبحت المسئول الأول عن العصور المظلمة التي شهدتها أوربا لعدة قرون.
ومن تراث الكسروية الفارسية تسربت هذه النظرية إلى فكر الشيعة السياسي حتى لقد انفردت به هذه الفرقة من دون سائر فرق الإسلام.
فهي إذن نظرية غريبة عن فكر الإسلام الجوهري وتراثه النقي .. وهي إذن ميراث من مواريث الأمم الأخرى. سواء في العصور القديمة أم في العصور الوسطى" "الدولة الإسلامية" (80).
5 -
يرى الدكتور أن من الداعين إلى السلطة الدينية في عصرنا الحاضر - والذين لأجلهم ألف كتابه "تيار الرفض في حركة الصحوة الإسلامية" ويعني بهما الجماعات التي تأثرت بفكر السيد المودودي والسيد قطب كما صرح بذلك في أكثر من موضع بدعوى أنهما شابها الشيعة في دعوتهما المشهورة بأن تكون (الحاكمية لله) فهم في نظره "يزعمون أن السلطان السياسي في المجتمع الإسلامي ليس حقًّا من حقوق الأمة، فالبشر ليسوا هم الحكام في مجتمعاتهم، وإنما الحاكم في هذه المجتمعات هو الله وسبحانه وتعالى .. أي أن الأمة ليست هي مصدر السلطات، كما تعارفت على ذلك الدساتير والأنظمة والنظريات التي تسود أغلب أنحاء الدنيا في العصر الذي نعيش فيه! فهذه الجماهير وتلك الأمم والشعوب التي تناضل من أجل أن تصبح هي مصدر السلطة والسلطان على أرضها وفي مجتمعاتها، هي بنظر هؤلاء النفر من المفكرين والمشتغلين بشئون الإسلام، خارجة عن صراط الله
المستقيم. ومتعدية حدودها، وجائرة على اختصاص المولى جل وعلا! ".
"وهم، بقولهم هذا، يجعلون صاحب السلطة السياسية في النظام
الإسلامي -الحاكم- وكيلاً عن الله -سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا- لأن الحاكم هو في النهاية منفذ شريعة ومطبق قانون، وهو في عمله هذا إنما ينوب عن صاحب السلطة الأصلي في المجتمع. فإذا قلنا إن السلطة لله.
كانت دينًا ووحيًا، ومن ثم كانت سلطة دينية، وكان متوليها حاكمًا "بالحق الإلهي" ونائبًا عن الله. وخليفة له وظلاًّ! .. أما إذا قلنا -كما هو الحال في الفكر الديمقراطي- بأن صاحب السلطة الأصلي هو الشعب. كان متوليها نائبًا عن الأمة ووكيلاً أو شبه وكيل. وكان مسئولاً أمام الأمة التي لها الحق في محاسبته ومراقبته. وعزله إن هو أخل بشروط عند البيعة والتفويض والاختيار" "الدولة الإسلامية" (31 - 32).
6 -
وبعد أن رفض الدكتور العلمانية والسلطة الدينية فهو يختار أن الإسلام "يفرق بين العلوم الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها "بأصول الدين"، وبين ما سواها من العلوم .. فالعلوم التي تتعلق بالنبوة، واليوم الآخر، وبالعبادات وبأركان الدين، هي علوم شرعية، المرجع الأول فيها إلى النصوص الموحى بها، وهذه هي علوم الدين، أما ما سواها من العلوم، رغم تسميتها بالإسلامية، فإنها علوم عقلية، دنيوية جاءت ثمرة لنشاط العقل الإنساني المحكوم فقط، بالحقائق المقررة والمكتشفة في ميادين هذه العلوم، فنحن لدينا في تراثنا علوم وفنون مثل: "العمارة الإسلامية" و"الزخرفة الإسلامية" و"الفن الإسلامي" و"الطب" و"الصيدلة" و"الفلك" .. إلخ .. إلخ .. علوم وفنون تبلورت صروحها في المجتمع الإسلامي، فسميت إسلامية، ولكن بالمعنى الحضاري، ليس بالمعنى الديني، فهي علوم الحضارة الإسلامية وليست علوم الديانة الإسلامية، وهي علوم العقل الإسلامي
وليست علوم الوحي الإسلامي، وهي محكومة بحقائق العلم كما يقررها عقل العالم المسلم وليس المرجع في صحتها تفسيرًا أو تخريجًا يقتحم به دعي ميادين هذه العلوم .. فليست هناك "كيمياء" مسلمة وأخرى كافرة .. وليس هناك "جبر" مؤمن وآخر كافر .. لأن وصف كل هذه العلوم "بالإسلامية" إنما هو بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى الديني؛ لأن الإسلام كحضارة قد شمل ميادين أكثر عددًا وأوسع مدى من تلك التي امتد إليها نطاق الإسلام كدين .. فالإسلام يقرر "مدنية" السلطة السياسية في المجتمع، ويؤكد على "بشريتها"، وذلك عندما يقرر أن الطريق إلى تولي هذه السلطة هو شورى البشر، والاختيار والعقد والبيعة. وعندما يؤكد على نيابة الحاكم عن الأمة، ومسئوليته تجاهها وأمامها .. وهو في ذات الوقت لا يرى "الفصل" بين الدين والدنيا؛ لأنه -باعتراف الجميع- قد تناول عددًا من الأحكام وأشار إلى كثير من أمور الدنيا فاتخذت لنفسه فيها موقفًا، وقرر للحياة الاجتماعية عددًا من القواعد الكلية، المتمثلة في "مقاصد الشريعة" وآيات الأحكام التي قننت "للثوابت" دون "المتغيرات" ثم طلب من الناس أن يعيشوا ويتحركوا وأن يطوروا حياتهم ومجتمعاتهم في إطار هذه القواعد الكلية والوصايا الإلهية العامة، التي هي أشبه ما تكون بالمثل العليا والأطر الجامعة التي حددها الله للناس كي لا يضلوا عنها ولا يتنكبوا الطريق الموصل إلى تحقيقها أو الاقتراب منها على أقل تقدير .. ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبير الأدق عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية، أي ينكر "وحدة" السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا يفصل بينهما، وإنما هو "يميز" بينهما. فالتمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام.
فاستبعاد الدين ونفيه من نطاق العوامل الحاكمة والمؤثرة في المجتمع
خطأ فكري. لا يتصور وضعه موضع التطبيق .. وفي نفس الوقت فإن محاولة صبغ السياسة والحكم بالصبغة الدينية الخالصة هي محاولة غريبة عن روح الإسلام؛ لأنها دعوة إلى أن يقتفي المسلمون أثار الأمم الأخرى التي وحدت السلطتين: الدينية والسياسية، فعاشت أظلم عصور تاريخها تستوي في ذلك كسروية الفرس وقيصرية الروم، في القديم، وأوربا في العصور الوسطى" "الدولة الإسلامية" (62 - 65).
- ويقول محددًا منهجه: "إن ما هو دين جاء به الوحي، وانتقل إلينا في القرآن - الذي هو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم نتلقاه بروح الإيمان. من مصدره هذا. مستعينين بالسنة. التي ينفي عنها الوضع والتحريف موافقتها للقرآن، ومستأنسين ومسترشدين في نظرنا هذا بالعقل الذي هو "وكيل الله" في الإنسان جعل إليه زمام أموره وقيادة نشاطاته .. وإذا كان العقل -كدليل- هو من خلق الله، والقرآن -كدليل- هو من عند الله، فيستحيل قيام التعارض الحقيقي أو التضاد بين دليلين أبدعهما خالق واحد، وتعهد بواسطتهما معًا مهمة هداية الإنسان .. فإذا حدث وبدا أن هناك تعارضًا بين ظاهر النص وبرهان العقل، وجب تأويل النص -دون تعسف- بما يتفق مع برهان العقل، حتى تتوافق في هداية البشر الأدلة النابعة من مصدر واحد، هو الخالق سبحانه وتعالى""الدولة الإسلامية"(16).
ويقول": "ما قضاه وأبرمه وقرره الرسول في أمور الدين عقائد وعبادات، لا يجوز نقضه أو تغييره حتى بعد وفاته؛ لأن سلطانه الديني، كرسول ما زال قائمًا فيه. وسيظل كذلك خالدًا بخلود رسالته عليه الصلاة والسلام .. على حين أن ما أبرمه من أمور الحرب والسياسة يجوز للمسلمين التغيير فيه بعد وفاته. لأن سلطانه هنا قد انقضى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى.
وخلفه سلطان الخليفة، الذي هو سلطان مدني لا أثر للسلطة الدينية فيه"