الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مواطن (1)، فسبب هلاك أصحاب الفيل كان وباء الجدري أو الحصبة، والطير الأبابيل في تفسيره هي ناقلات ذلك الوباء (2).
والأمثلة كثيرة ومتعددة، وبإيجاز يمكن القول أن أيّ معجزة في القرآن ضاق عقل أسد المادي عن إدراكها، راح يؤولها بهذه الجرأة وبهذا الخرص والخبط.
*
الفقه من خلال ذوقه الأوربي:
وإذا كانت هذه نظرة أسد إلى أمور العقيدة ومنهجه في تفسيرها، فكيف ينظر إلى مسائل الفقه التي لا يستسيغها "ذوقه" الأوربي؟ ويأتي أولاً السؤال ما الذي لا يستسيغه "الذوق" الأوربي من الفقه الإسلامي ثم ننظر ثانيًا في "المنهج العلمي" الذي يقدمه أسد لتأويله ليوافق "ذوق" الغرب المتحضر.
نختار ثلاث دوائر من التي يكثر اعتراض الغرب عليها في الإسلام: وضع المرأة والحدود والربا والأمثلة عن هذه تكفي.
أما عن المرأة فنكتفي برأي أسد في الحجاب. يقول عن قوله تعالى في ذلك في سورة النور {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أن المقصود بها "اللباس المحتشم وستر الزينة إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية"(3)، أي العادة الجارية في مجتمعه. ويعيب على المفسرين الأوائل أنهم قصروا ما يظهر على الوجه والكفين فقط وأحيانًا أقل، ويقول أن معنى "إلا ما ظهر
(1) نفس المصدر P. V.
(2)
نفس المصدر P. 976.
(3)
هذه جملة مبتورة نسبها إلى القفال في تفسير الرازي. وعبارة القفال الكاملة هكذا "معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية وذلك في النساء الوجه والكفان" انظر التفسير الكبير للرازي سورة النور آية 31 ج 23 ص 205 ط أولى المطبعة البهية القاهرة.
منها" أوسع من ذلك، ويرى أنه لفظ عام، وأنه بعمومه قصد منه أن يفتح المجال للتغيرات التي تحدث في حياة الإنسان الخلقية والاجتماعية في كل زمان. إن الأمر البالغ الأهمية هو في "غض البصر وحفظ الفرج" وما يحقق هذه الغاية في كل زمان هو الذي يحدد ما يعد من "الحشمة" أو ما لا يعد في مظهر الإنسان الخارجي (1)، أي أن المقياس والمعيار الأساسي هو الحشمة، وليس لذلك حدود إلا ما تحدده عادة المجتمع الجارية وليس بالضرورة أن يكون ذلك ستر ما عدا الوجه والكفين.
- وفي مجال الحدود نأخذ مثالاً رأيه في عقوبة الحرابة، وخلاصة رأيه أن من يظن أن "العقوبات الوحشية" الواردة في الآية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} - من يظنها عقوبات شرعية، فقد وقع خطأ بالغ، وأن ما ذهب إليه المفسرون من أن المقصود بهذه الآية فرض عقوبات جنائية رأي مرفوض مطلقًا، مهما كانت الأسماء التي قالت بهذا الرأي كبيرة ومشهورة. ويؤكد أن الآية لا تنشئ أمرًا ولا تقصد تنفيذ طلب بل هي تقرير لحقيقة ويسوق لتأييد رأيه بعض الحجج، ومن ذلك أن الأفعال الواردة في هذه الآية "يقتلوا""يصلبوا""تقطع""ينفوا" واردة بصيغة المضارع، ولا يفهم منها الأمر والطلب (وهذا مثال لأحد المواضع التي يظهر فيها ضعفه في اللغة) ومن الحجج أيضًا أن صيغة هذه الأفعال تدل على المبالغة ويفهم هو من ذلك أن المقصود أن القتل والصلب والقطع هو لأعداد كبيرة، فهل يمكن أن يكون المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين
(1) المصدر السابق P. 538.
ويعفى عن البقية؟ وكيف الحال إذا كان المحارب واحدًا أو فئة قليلة؟ ثم ما معنى "ينفوا من الأرض"؟ إذا كان القصد السجن فليس ذلك نفيًا من كل الأرض وإذا كان المقصود النفي من دار الإسلام فدار الإسلام ليست هي كل الأرض. ومن أقوى الأدلة عنده على أن الآية لا تقرر عقوبات شرعية، أن العقوبات الواردة فيها قد ذكرها القرآن على لسان فرعون الذي هو مثال الطغيان والشر والعدوان في القرآن، حين قال:{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} فهل يعقل أن يجعل القرآن هذه عقوبات شرعية للمجتمع المسلم، وقد اعتبرها في موضع آخر جريمة نكراء من جرائم عدو الله فرعون؟.
ويخلص من ذلك إلى أن التفسير الصحيح للآية أنها تقرر حقيقة، وهي أنه لا مهرب لمن يحاربون الله ورسوله من العقاب الذي يجرونه على أنفسهم بأنفسهم وذلك أنه بسبب ما يحدث من الصراع بينهم، فإنهم يقتلون أنفسهم بأعداد كبيرة، ويعذبون ويشوهون بعضهم بعضًا بأعداد كبيرة، إلى الحد الذي يقطعون فيهم دابر بعضهم بعضًا أحيانًا (ينفوا من الأرض) ويرى أن هذا التفسير هو الذي يستقيم مع سياق الآية وتزول به الأعتراضات التي يعترض بها على التفسير الأول (1).
- وعن الربا يقول أن تعريفه لم يزل أمرًا مشكلاً للفقهاء، وأنهم عرفوه بحسب الظروف الاقتصادية السائدة في عصورهم، وأنه بالنظر إلى الاقتصاد السائد عند العرب عند نزول تحريم الربا يمكن تعريفه في ضوء ذلك عمومًا بأنه الفائدة التي تجنى من الدين استغلالاً لحاجة الفقير المحتاج، من غني قادر، وأنه بالنظر إليه من خلال ذلك يبدو أن مسألة تحديد المعاملات التي
(1) نفس المصدر P. 148.
يمكن أن تعتبر داخلة تحت الربا، هي مسألة أخلاقية في المقام الأول، وتعتمد أساسًا على الدوافع والبواعث التي تقوم عليها العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين الدائن والمدين، وإلى أيّ مدى يتحملان معًا الربح والخسارة. وذلك كما هو واضح يتغير تبعًا لتغير النمو الاقتصادي والاجتماعي والتقني، وعلى هذا فإن كل جيل من المسلمين هو الذي يضع بحسب ظروف عصره المعنى الجديد للربا والدوائر التي يشملها (1) " اهـ (2).
***
(1) نفس المصدر P. 623.
(2)
"مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سجد (ص 153 - 161) - دار الدعوة - الكويت.