الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأقل مش كيف هو حاصل الآن، قال والله ما نبقى نفصل الدين عن الدولة، هو مسلم، اسمه مصطفى كمال أتاتورك، اسمه مصطفى على اسم النبي، لم يقل أن تركيا يجب أن تكون ملحدة، قال: تركيا دولة إسلامية، وتبقوا مسلمين. ولكن قال: أنا عندي طلب واحد. قال لهم أريد أن أفصل الدين عن الدولة .. كيف؟ إن الدولة وهي دولة وضعية تعالج مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية وفقًا للعصر التي هي فيه، أما الدين خلّوا كل واحد، يصلي ويحج ويصوم .. يصلي بالمسجد، يبني مسجدًا.
جاء المتعصبون الذين سموا أنفسهم علماء في ذلك الوقت، وقالوا له مستحيل، هذا كفر إذا فصلت الدين عن الدولة هذا كفر، ناداهم وقال لهم: أرجوكم هاتوا لي فتوى، فقط فتوىَ تجعلني أعلن باسم الإسلام، وإن الإسلام يبيح لي فصل الحكومة عن الدين، اجعلوا الحكومة لوحدها، واتركونا مسلمين كما كنا، قالوا له مستحيل .. هذا كفر .. قال لهم طالما هو كفر، فأنا ذاهب إلى قمة الكفر. وهذا هو القرآن، وهذا هو الإسلام .. وأحضر لي السيف لأقطع رقابهم وهرب من الشبابيك علماء الإسلام كلهم .. ومن تلك اللحظة كانت نكبة على الإسلام، أعلن الإلحاد والكفر قال: هذا الدين الذي يكبلني ولم يتركني أتصرف في تركيا لكي تواجه أعداءها وتنهض من جديد. قال: أنا لا أريد هذا الدين وأتاتورك مظلوم" (1).
وفي هذا من الدجل والكذب وتزييف الحقائق ما فيه، وفي القذافي وأتاتورك يصدق قول القائل:
ومن جعل الغراب له دليلاً
…
يمر بهم على جيف الكلاب
*
محمد أسد: نسخة أوربية لرائد العصرانية سيد خان منكر السنة:
محمد أسد (أو ليوبولد فايس) مستشرق نمسوي الأصل، كان في أول
(1) المصدر السابق، ونقل عنه يوسف كمال في كتابه "العصريون معتزلة اليوم"(ص 57).
أمره مراسلاً للصحف الأوربية في الشرق الأوسط، وبعد تجوال في ربوعه وبخاصة في جزيرة العرب هداه الله فأعلن إسلامه في عام 1926 م. وبعد فترة من العيش بالمملكة السعودية انتقل للهند، ومكث فيها مدة طويلة، وكانت له صلات قوية بالحركة الفكرية فيها، وبعد إنشاء حكومة باكستان عمل في خدمة حكومتها، حتى استقال من خدمتها عام 1952 م وكان يشغل منصب ممثلها في الأمم المتحدة (1).
وقد عرفه العالم العربي من خلال أول كتاب ترجم له إلى اللغة العربية بعنوان "الإسلام على مفترق الطرق"، وصدرت الترجمة عام 1946، واشتهر وذاع صيته بسبب هذا الكتاب الذي لاقى انتشارًا واسعًا يتضح من تعدد طبعاته. ومن خلال الكتاب -يبدو فكر المؤلف ناصعًا ورؤيته واضحة، وبخاصة لمعايب الحضارة الغربية ولأخطار تقليدها على المسلمين، ولمزايا الإسلام عليها ولأهمية التمسك بأسسه وأصوله: الكتاب والسنّة. ولمّا كان المؤلف من أبناء الغرب وأهله أحدث نقده للحضارة الغربية، وشهادته للإسلام بغض النظر عن قيمة محتواه، تأثيرًا قويًا ولاقى رواجًا وإعجابًا.
ولكن كتب المؤلف الأخرى لا تعطي الانطباع الذي يعطيه كتابه السالف، وإذا استبعدنا كتابه "الطريق إلى مكة" الذي هو قصة أدبية رائعة عن الثلاثين سنة الأولى من حياته واعتناقه الإسلام، ولا يعد كتابًا فكريًّا، فإن كتبه الأخرى (2) تنضح بفكر عصراني خالص، حتى أن المرء لا يجانب الصواب كثيرًا إذا وصفه -وبخاصة في ترجمته لمعاني القرآن والحواشي والهوامش التي ضمتها الترجمة- بأنه نسخة أوربية لسيد خان، أعظم مفكري
(1)"الطريق إلى مكة" - محمد أسد - ترجمة عفيف البعلبكي (ص 16) والإسلام على مفترق الطرق - محمد أسد ترجمة عمر فروخ (ص 12 - 14).
(2)
له كتاب "منهاج الإسلام في الحكم" وترجمة لمعاني القرآن وترجمة لصحيح البخاري إلى الإنجليزية.
العصرانية المسلمين. ولا غرو فإنه لتأثره بالمادية الغربية التي لا تؤمن بما وراء المحسوس المشاهد، لم يستطع أن يتخلص من بقاياه الجاهلية، فأقبل في الإسلام على العصرانية يؤول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس وأذواق الغرب. ويقدم لنا محمد أسد -تمامًا كسيد خان- نموذجًا متكاملاً للفكر العصراني الإسلامي، إذ لم يقتصر فكره في دائرة واحدة من دوائر الإسلام، بل شمل العقائد والتفسير والحديث والفقه. ونقدم هنا أمثلة قليلة من ذلك.
المفتاح الأساسي لفهم القرآن في نظره هو في الآية السابعة من آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يقول: "فهذه الآية هي التي تجعل رسالة القرآن سهلة التناول (لقوم يتفكرون) " وهو يعرف المتشابه بأنه تلك الآيات التي جاء التعبير فيها بطريقة مجازية، والتي تتضمن معنى رمزيًّا لا يمكن الإفصاح عنه مباشرة، ولو في كلمات كثيرة. أما لماذا يحتوي القرآن على المتشابه فيقول؛ لأنه يتحدث عن عالم "الغيب" ذلك العالم الذي هو وراء إدراك البشر الحسي، ولمّا كان العقل البشري لا يدرك الأشياء، ولا تكون عنده معرفة إلا من خلال تجاربه الماضية (هكذا يقول)، فلا يمكن نقل معاني "الغيب" له إلا باستعارة أمثلة وتشبيهات تؤخذ من نفس هذه التجارب، أو كما يقول الزمخشري:"تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد"، ثم يقفز من ذلك إلى النتيجة التالية "وهكذا يبين لنا القرآن بوضوح أن كثيرًا من تعبيراته وآياته يجب أن تفهم باعتبار أنها متشابهة، لسبب بسيط وهو أنها لتخاطب العقل البشري فلا يمكن أن تخاطبه بغير هذه الطريقة، فإذا أخذنا كل تعبير في القرآن وكل كلمة وكل آية بمعناها الظاهري الحرفي، وغضضنا الطرف عن احتمال أن تكون متشابهة، أو رمزًا أو مثالاً، فإننا نسيء إلى روح النص القرآني ذاته"(1).
(1) صلى الله عليه وسلمsad، the Message of the Quran P. 66. 989
ومن خلال اعتبار كثير من نصوص القرآن رموزًا وأمثلة، يمكن لأي امرئ أن يفسر ما شاء كيف شاء، ولم لا؟ فهل يمكن الادعاء أن للرمز معنى واحدًا بعينه هو المعنى المقصود دون غيره؟ وهذا ما فعله محمد أسد، فقد أوّل ما شاء كيف شاء ضاربًا بقواعد اللغة وبكثير من تفسيرات السلف عرض الحائط، ولم يتقيد بها -كما يقول- أليس من "مزايا القرآن الفذة أنه كلما ازدادت معرفتنا بهذا العالم، وازدادت تجاربنا كلما تكشفت لنا آياته عن معاني كثيرة جديدة لم تخطر من قبل" وهذا في ظاهره صحيح إذا أريد به أن معاني القرآن الأولية، يمكن أن تتسع للفهم بازدياد معرفة البشر، ولكن اتساع الفهم لا يناقض المعنى الأولي الأساسي، فهل هذا الذي يقصده محمد أسد؟ من عباراته التالية يبدو أن الذي يقصد إليه أن النص الواحد يمكن أن تكون له معاني متعددة، بل ومتناقضة حسب ثقافة المفسر المتاحة له في عصره، فهو يستمر ليقول:
"لقد أدرك أسلافنا العظماء هذه الحقيقة إدراكًا كاملاً، وفي تفسيرهم القرآن اقتربوا من نصوصه من خلال "عقولهم"، أو بعبارة أدق حاولوا شرح معاني القرآن على ضوء اللغة العربية والسنّة جنبًا إلى جنب مع المعارف العامة المتاحة لهم، مما تجمع لدى المجتمع الإنساني حتى عصرهم من تجارب وثقافة، ولهذا كان من الطبيعي أن يختلف في أحيان كثيرة فهم أحد المفسرين لآية من القرآن عن فهم من سبقوه، وقد يكون ذلك الاختلاف -وغالبًا ما يكون- حادًا وواسعًا، ويناقض بعض المفسرين بعضهم بعضًا، ولكن ذلك لم يخلق عداء بينهم، لإدراكهم لعنصر النسبية في التفكير البشري، وأنه لا أحد يبلغ الكمال (1).
(1) نفس المصدر P. Viii.
ولنأخذ مثلاً كيف يفسر محمد أسد صفات الله الواردة في القرآن.
يقول: "بما أن الله عز وجل كائن لا تحده حدود الزمان والمكان فإن كل ما يمكننا أن ندركه عنه ما يسمى بالصفات السلبية What he is not، أما صفاته الثبوتية فلا يمكن أن نكون عنها إلا فكرة ناقصة عن طريق استعارات وأمثلة عامة ومجملة. ولهذا فهو يعتبر هذه الصفات مجازات لا بد من تأويلها، فيقول عندما يوصف الله تعالى بأنه في السماء أو أنه {عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}، فإن هذه ليست إلا أداة لغوية لتقرب لنا معنى فوق إدراك البشر، وهو قدرة الله الواسعة وسلطانه القاهر فوق كل شيء. وكذلك عندما يوصف الله بأنه "السميع" "البصير" فإن ذلك لا يمت بصلة إلى ظاهرة السمع والبصر العضوية، ولكنه فقط يصور بطريقة مفهومة للعقل البشري حضور الله عند كل شيء وكل حدث. وكذلك كثير من الصفات التي يبدو لأول وهلة أنها تعني التجسيم، مثل الغضب والفرح والحب و {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}، وأمثالها فهي لا تعدو أن تكون "تراجم" في لغة بشرية ورموزًا لأفعال الله (1).
ونفس الرموز -في رأي أسد- موجودة في وصف القرآن لليوم الآخر والحياة الثانية، والجنة والنار. وكل ما جاء من وصف لهذه ما هو إلا رموز مأخوذة من تجاربنا، فكأن القرآن يقول لنا:"تخيلوا كل ما يمكن لكم تخيله مما ينعم به الإنسان نفسيًّا وبدنيًّا، وتخيلوا نعيمًا فوق ما تتخيلون بأضعاف مضاعفة، ونعيمًا في ذات الوقت مختلفًا عن كل ما تتخيلون، فإنكم فقط حينئذ تكونون قد أدركتم لمحة وإن كانت غامضة عما يسمى "الفردوس".
ونفس الأمر صادق أيضًا عن وصف القرآن أن للنار (2). وهو بذلك يعني أن وصف القرآن للجنة النار لا ينبغي أن يؤخذ على ظاهره، أو على أنه وصف
(1) نفس المصدر P. 991
(2)
نفس المصدر P. 990. 991
لحقائق واقعة، بل هو مجرد تمثيل وتصوير.
وهو ينظر إلى بقية أمور الغيب والسمعيات الأخرى، مثل الجن والملائكة والمعجزات، بنفس النظرة أي أنها كلها رموز وأمثلة. وبكل "تمحل" يعطيها تفسيرات في حدود عالم الحس وليس له من دليل إلا الحدس والتخمين والخيال الواسع.
فقصة أهل الكهف -مثلاً- ونومهم لمدة ثلاثمائة عام ثم استيقاظهم يرى أنها ليست إلا "أسطورة"، واعتمادًا على الاكتشاف الحديث لما سمي مخطوطات البحر الميت عز وجلead Sea Scrolls، يرى أن المقصود بأهل الكهف مجموعة من اليهود كانت تعزل نفسها في الكهوف تفرغًا لدراسة ونقل وكتابة الصحف المقدسة. ولمّا كان الناس من حولهم يعظمونهم وينظرون إليهم نظرة قدسية، فمن المحتمل جدًا أن يكونوا قد نسجوا حولهم بسبب عزلتهم التامة عن العالم، أسطورة النوم لمدة طويلة ثم "الاستيقاظ" بعد أن يكونوا قد أكملوا مهمتهم المقدسة. أي أن القرآن يحكي فقط أسطورة شائعة، ولكن لماذا يحكيها القرآن؟
- يقول: إن القرآن يستخدمها بطريقة رمزية بحته ليوضح أولاً قدرة الله الكاملة على الإماتة - "النوم" - والإحياء - "الاستيقاظ" ويشير ثانيًا من خلالها إلى التضحية التي يمكن أن يدفع إليها الإيمان، فيعتزل قوم أتقياء العالم الفاسد نجاة من شروره (1).
وكذلك يرى أن قصة سليمان عليه السلام التي يحكيها القرآن والمعجزات التي تصاحبها كلها كانت أساطير شائعة عند العرب وأهل الكتاب من يهود ونصارى حين نزول القرآن، ومن الممكن إعطاؤها تفسيرات "عقلية"
(1) نفس المصدر P. 438.
(هكذا يقول فلديه تفسيرات جاهزة لكل شيء)، ولكن لا فائدة في ذلك؛ لأن القرآن وجد هذه الأساطير في البيئة التي نزل فيها، فحكاها كما هي دون أن يؤكد صحتها أو يدحضها فاستخدمها لأنها كانت ضاربة بجذورها في عقول الناس، ليبث من خلالها بعض مفاهيمه العقدية والأخلاقية (1).
وإذا كانت هذه أمثلة لواحدة من وسائله لرفض العجزات باعتبارها أساطير فقط، إلا أن في أحيان أخرى يعطيها تأويلات تبعدها أن تكون خارقة للعادة. من ذلك مثلاً قصة إبراهيم، مع الطيور الأربعة، ففي نظره أن إبراهيم لم يقتل الطيور ولم يقطعها أجزاء ثم أحياها الله بعد ذلك، بل كل ما في الأمر أنه علّم الطيور ودرّبها على طاعته وإجابة أوامره، وهذا عنده هو معنى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} ، ثم إن إبراهيم وضع كل طائر على جبل، ثم حين دعاها أجابته. والمغزى من ذلك أنه إذا كانت الطيور بمثل هذا التعليم والتدريب تطيع الإنسان ولا تعصي أمره، فكذلك الله عز وجل الذي يطيعه كل شيء، فهو قادر على أن يحيي الموتى بأمرهم بكلمة منه "كن"(2).
- ويقول عن الحوت الذي التقم يونس عليه السلام أن القرآن يذكره بأداة التعريف "الحوت" لأن أسطورته كانت معروفة فهو بذلك حوت معروف معهود. وفي هذه المرة لا يكتفي بالقول أنه أسطورة بل يعطيه تفسيرًا من تفسيراته "العقلانية" من بنات أفكاره، فيقول: مما لا شك فيه أن التقام الحوت هنا ما هو إلا رمز للغم والكرب الذي وقع فيه يونس (3).
ويفسر حجارة السجيل في سورة الفيل مثل تفسير محمد عبده، الذي صرح في مقدمة الكتاب أنه تأثر به كثيرًا واقتبس منه في عدة
(1) نفس المصدر P. 498.
(2)
نفس المصدر P. 59.
(3)
نفس المصدر P. 691.