الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنفعة.
وكما أولت فرنسا الجنرال لافيجري اهتمامًا خالدًا بإقامة تمثاله الضخم في مدخل تونس، كذلك أقيم للمارشال ليوتي مدفنًا على ربوة تشرف على مدينة رباط الفتح بالمغرب.
وقد أشارت جريدة المقطم إلى الرابطة بين أهداف كرومر وليوتي، فقال خليل ثابت رئيس تحريرها: إن كرومر وليوتي كانا يمثلان سياسة من أكبر السياسات في القرن التاسع عشر فإنهما مع عنايتهما بالإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، لم ينسب أنهما وكيلا دولتين لهما أغراض ومقاصد لا بد من مراعاتها والسهر عليها وأنهم كانوا من أعظم رجال الاستعمار.
- وبعد فقد كان ليوتي عاملاً على هدم ثلاث قواعد هامة:
1 -
اللغة العربية وإحلال اللغة الفرنسية مكانها وتشجيع اللهجة البربرية.
2 -
تحويل التعليم إلى اتجاه الفكر التونسي والثقافة التونسية والقضاء على القرآن والدراسات الإسلامية.
3 -
إقامة المحاكم البربرية، وذلك للقضاء على النظم القضائية المستمدة من التشريع الإسلامي.
*
الكردينال لافيجري طبّق ما وصّى به لويس التاسع وهو مؤسس جمعية الآباء البيض المبشرين في الجزائر وتونس وهو أكبر دعاة التغريب في المغرب العربي:
يعد الكردينال لافيجري من أكبر دعاة التغريب والعاملين على تثبيت قواعد النفوذ الأجنبي في المغرب العربي كله، وعندما توفي 1892 كان عملاً ضخمًا قد تم في الشمال الأفريقي لتركيز دعائم النفوذ الفرنسي حتى نسب
إليه وارتبط به المؤتمر الأفخارستي الذي عقد في مدينة تونس 1935 بعد أن أقيم تمثال له في مدخل المدينة عام 1925 يمثله وهو أخذ الصليب بيده اليمنى والإنجيل بيده اليسرى.
وما زال قائمًا في مكانه إلى اليوم، وهو مع الجنرال ليوتي من طلائع الاستعمار في المغرب أشبه بكرومر وزويمر في المشرق وقد حاول من جاء من بعده أن يربطوا بينه وبين لويس وحملته الثامنة على تونس فقال أسقف قرطاجنة: "إن الفكرة العظمى التي كانت تدور بين جني سان لوي (لويس التاسع). والتي ورثها الكردينال لافيجري هي التي تدفعنا إلى عقد المؤتمر الأفخارستي، إن مؤتمر قرطاجنة سيكون حملة صليبية جديدة أو الحملة الصليبية التاسعة والكردينال لافيجري هو مؤسس جمعية الآباء البيض المبشرين في الجزائر وتونس، وكان مصدر العمل كله تقرير حقيقة تقول: إن الوسيلة الوحيدة لبقاء الاحتلال والنفوذ الفرنسي دوامه هو تحويل أهالي المغرب إلى فرنسيين وتغيير دينهم إلى دين الغرب.
ومن أبرز ضربات الكردينال لافيجري محاضرته المشهورة عن الرقيق في الإسلام والتي رد عليها المؤرخ العربي المصري أحمد شفيق صاحب الحوليات بكتاب ضخم باللغة الفرنسية ترجمه أحمد زكي باشا إلى اللغة العربية.
ومنذ مطالع شباب الكردينال لافيجري المولود عام 1835 كان اتجاهه إلى دراسة العلوم اللاهوتية حتى وصل إلى مناصب الأكليروس إلى رتبة (الكردينالية) وقد جال جولات واسعة في بلاد المغرب وبلاد أفريقيا من أجل تدعيم إرساليات التبشير، والمعروف أن تونس احتلت سنة 1881 وأن عمله كان تمهيدًا لهذا الاحتلال الذي كانت فرنسا تتطلع إليه منذ احتلال الجزائر سنة 1830 ثم تأكيدًا ودعمًا لهذا الاحتلال.
- ومن أهم الأعمال التي وضع لافيجري أسسها:
1 -
إقامة مدارس تبشيرية ومنها مدارس للراهبات استطاعت من بعد أن تضم كثيرًا من حفيدات الباي والمفتي الأكبر وكبار الشخصيات المتصدرة للقيادات السياسية.
2 -
محاربة اللغة العربية والإسلام والقرآن.
3 -
الدعوة إلى إعادة الغرب إلى أصله الروماني.
4 -
توسيع نطاق التبشير في أفريقيا كلها وأقام جمعية الآباء البيض ذات التاريخ المعروف في مواجهة انتشار الإسلام.
وقد خلفه يونس وفوكو وجول سيكار ولهم مؤلفات خطيرة في الدعوة إلى تقويض أركان الإسلام والفكر الإسلامي واللغة العربية. وجملة رأي الكردينال لافيجري واتباعه أن هذه البلاد (المغرب) بلاد رومانية أصلاً، ولا بد من إرجاعها إلى طابعها الروماني القديم. وفي نفس الوقت الذي كان المؤتمر الأفخارستي يعقد في تونس على أثر حملة التجنيس ودعوة التونسيين إلى الجنسية الفرنسية، كان الظهير البربري الصادر في المغرب (مراكش) يدعو إلى فصل العرب عن البربر، وفي نفس العام 1930 كان احتفال فرنسا في الجزائر بمرور مائة عام على احتلالها، واعتباره احتفالاً بمرور قرن على إقرار الكنيسة المسيحية في الجزائر.
وفي هذه الحركات جميعًا كان اسم لافيجري لا يفارق الكتاب والمتحدثين متخذًا منه نقطه البدء إلى توسيع نشاط التبشير في شمال أفريقيا، ولقد آثار المؤتمر الأفخارستي ضجة لا حد لها، فقد اعتمد له مليونًا من الفرنكات من ميزانية الحكومة التونسية، وتقرر عنده في قرطاجنة، فلما اقترب موعده قدمت إلى العاصمة جماعات كثيفة من الرهبان وأخذت تتجول في الشوارع، صفوفًا متراصة تتقدمها كشافة ترتدي ملابس الحروب الصليبية، وهي قمصان بيضاء رسم عليها الصليب من أمام ومن خلف ينشدون الأناشيد
الكنائسية، وكان حديث الرهبان إلى المسلمين لا يخرج عن أنهم من أرومة مسيحية ورومانية وأنهم لا بد أن يعودوا إليها، وأن هذه البلاد "ستدخل في حياة جديدة بعد ليل الإسلام الطويل".
1 -
الرقيق في الإسلام: هاجم الكردينال لافيجري الإسلام في محاضرة له عن الرقيق، أثارت كاتبًا عربيًّا مصريًّا هو المؤرخ أحمد شفيق صاحب الحوليات الذي كان في باريس في هذه الفترة:
- قال أحمد شفيق باشا في مذكراته: في أول يوليو 1888 ذهبت إلى كنيسة سان سوليبس لأستمع فيها إلى محاضرة عن الرقيق. وهو موضوع يهمني بصفتي مسلمًا، وكان بصحبة الكردينال سوداني صغير قال: إنه أنقذه من الرق وقد تكلم عن سير الرق في أفريقيا ولفت الأنظار إلى انتشاره ومما قال: لقد زاد الرقيق في أفريقيا منذ عشر سنين وأصبح يقدر بمليون نسمة في السنة فإذا استمرت هذه الحال خمسين عامًا أخرى فلن يبقى في تلك الأنحاء إنسان حر، وما يزال ذائعًا عند حدود مصر وفي زنجبار وبلاد العرب، وعلى ساحل البحر الأحمر، وبالرغم من رقابة السفن الإنجليزية فإن النخاسة يعبرون هذا البحر في جوف الليل فلا يراهم أحد. ثم تكلم عما يلاقيه الرقيق من المر والذل وتعرض إلى الإسلام في هذه النقطة فقال: إن سوء معاملة الرقيق أمر يبيحه الإسلام. وقد عقدت العزم منذ عودتي من باريس على أن أرد بالفرنسية على المزاعم التي وردت في محاضرة الكردينال لافيجري.
وقد رددت على الكردينال سنة 1890 في مؤلف بالفرنسية ترجم إلى اللغتين التركية والعربية عنوانه "الرق في الإسلام".
- وقال شفيق باشا: الذي حملني على الشروع في هذا البحث على الاسترقاق إنما هو الخطأ الشائع في أوربا بخصوص الديانة الإسلامية إذ يزعم
القوم أن نصوصها تحض على ارتكاب الفظائع الحاصلة في أفريقيا الوسطى، فلما أقدمت على هذا العمل رأيت الواجب على أن أحيط علم الجمهور بخلاصة تاريخ عن الاسترقاق وموقف الإسلام منه.
- وقال أحمد شفيق: إن الدين الإسلامي الحنيف لا يبيح في أي حال من الأحوال معاملة الرق إذا كان أبواه مسلمين حرين، ولا يكون الاسترقاق إلا في الحرب ومع ذلك فهو مقيد بشروط وروابط معلومة منها أن يتم على وجه المقرر له، ومنها أن يكون مع أقوام يؤمنون بالله ورسوله على أنهم إذا رضوا بالإسلام دينًا أو دفعوا الجزية تخلصوا من ربقة العبودية. إن الشريعة الإسلامية تأمر تابعيها بالتزام الرفق والرأفة مع المملوكين واستشهد على ذلك بالمأثور عن النبي فقد قال:"اتقوا الله في الضعيفين المرأة والمملوك".
وأمر صلى الله عليه وسلم بأن يلبس المملوك من لباس سيده ويتغذى من غذائه، ولا يُحمل فوق طاقته وإن كان سيده مقترًا في معيشته فلا يسري عليه ذلك.
إن الكتاب والحكم والأحاديث النبوية تبيح للسيد أن يتزوج مملوكته إذا أعتقها وأمهرها.
وقال: إن الكردينال لافيجري وأتباعه قد اتهموا الديانة الإسلامية بأنها تدعو إلى النخاسة وتوصي أهلها بارتكاب الفظائع والقبائح التي يرويها عن أواسط أفريقيا. وبلغ من حكمة أحمد شفيق أنه لم يشر إلى الكردينال لافيجري في كتابه الذي لقي بالغ التقدير من الكتاب الغربيين أمثال: مسمو، رنيو، أندري لوبون، ماسيجلي. وقالت جريدة الربيو بليكان أوليانز الفرنسية: أن لافيجري زعم من المسلمين يعتقدون أن الزنجي ليس من العامة البشرية والهيئة الاجتماعية الإنسانية بل هو واسطة بين الحيوانات العجم وأنهم يعلمون هذه المعتقدات لأطفالهم ويبثونها في أذهانهم وقد حققنا بالبراهين الدامغة أن الكردينال لافيجري قد استعمل في دعواه طريق الغش والتدليس