الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتقتضي تأويلات مستحدثة للأصول والمبادئ، تلك الأصول والمبادئ التي كانت لها قيمة نظرية فقط عند قوم لم يمارسوا الانفتاح (1).
من هذه الآراء تتكشف معالم التجديد الذي يدعو إقبال الأمم الإسلامية إليه، فالتغير والحركة والنمو الذي يصيب العالم الإسلامي من اتجاهه نحو الغرب، يقتضي إعادة النظر في الترات وإعادة بناء الشريعة من جديد على ضوء الفكر والتجربة المعاصرة، واستحداث تأويلات جديدة للمبادئ والأصول. وهذه هي معالم العصرانية Modernism بعينها فهل كانت تلك حقًا هي أفكار إقبال؟ وهل كان حقًّا يدعو إلى هذا النوع من التجديد؟
*
تناقض إِقبال:
تصف مريم جميلة هذه الآراء بأنها "من الأخطاء الفكرية التي وجدت طريقها إلى مؤلفات محمد إقبال النثرية باللغة الإنجليزية" وتقول: "إن أسوأ ما في الأمر في العالم الذي يتكلم الإنجليزية "ينبغي أن تضاف العربية أيضًا" والذي يجهل أشعاره بالأردية والفارسية (2) يعتقد أن هذا الكتاب يمثل بدقة أفكار العلامة محمد إقبال، وتؤكد أن إقبال نفسه اعترف في آخر حياته أنها خطأ كبير، وتسوق مقتطفات من شعره تناقض الآراء التي طرحها في الكتاب، وتعضد مريم جميلة أقوالها، برسالة شخصية بعثها إليها المودودي جاء فيها:
" .. ولكن محمد إقبال بكل عبقريته الشعرية، لم يكن ينجو من الأخطار، ولسوء الحظ فإن كتاباته لا تخلو كلية من المتناقضات، لقد كان إقبال يمر دومًا بمراحل مختلفة للتطور العقلي أثناء حياته، ولم يستطع أن
(1) المصدر نفسه (ص 186) P. 162.
(2)
للشاعر إقبال سبعة دواوين شعر.
يكون فكرة صافية عن الإسلام إلا في السنوات القليلة الأخيرة من حياته، ففي السنوات الأولى من حياته تداخلت أفكار ومؤثرات غربية مع أفكاره الإسلامية" (1).
ونمضي قدمًا في قراءات أخرى لفكر إقبال في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام. والكتاب في الأصل كتاب فلسفي وهو محاولة كما يقول عنه مؤلفه لإعادة بناء الفلسفة الإسلامية بناءً جديدًا أخذًا بعين الاعتبار المأثور من فلسفة الإسلام، إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة (2)، ويبحث إقبال في هذا الكتاب المعرفة المكتسبة عن طريق التجربة الحسية، والمعرفة المكتسبة عن طريق ما يسميه التجربة الدينية (الصوفية)، ويقارن بين نوعي المعرفة هذين، ويناقش أيضًا حقيقة النفس وحريتها وخلودها والألوهية والنبوة وختم الرسالة ومبدأ التغير والحركة في الكون والمجتمع.
وأقدم مثالين يظهر بهما ما عند إقبال من نظرة عصرانية. ويطالعنا المثال الأول في تلك التأويلات التي يقدمها لبعض العقائد والتي تشأبه تأويلات سيد خان والفلاسفة الأولين. يقول عن قصة هبوط آدم:
"وهكذا نرى أن قصة هبوط آدم كما جاءت في القرآن لا صلة لها بظهور الإنسان الأول على هذا الكوكب، وإنما أريد بها بالأحرى بيان ارتقاء الإنسان من الشهوة الغريزية إلى الشعور بأن له نفسًا حرة قادرة على الشك والعصيان (3).
(1) انظر "الإسلام بين النظرية والتطبيق" مريم جميلة (ص 182 - 196) والطبعة الإنجليزية Islam in Theory & Preactice، P. 246 - 259
(2)
"تجديد الفكر الديني"(ص 2).
(3)
"تجديد الفكر الديني"(ص 99) والطبعة الإنجليزية P. 85.
- أما المثال الثاني للنزعة العصرانية عند إقبال فتظهر واضحة في الفصل الذي كتبه عن الاجتهاد وسماه "مبدأ الحركة في الإسلام"(1)، ويقصد أن المبدأ الذي يواجه به الإسلام التغير والحركة هو الاجتهاد. ويعرف إقبال الاجتهاد ثم يقول: "وأصل الاجتهاد على ما أعتقد هو قول القرآن في آية مشهورة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ، وهذا الاستدلال يكشف أن إقبال، لم يكن -آنذاك على الأقل- عميق المعرفة بالثقافة الإسلامية (2).
ويطرح إقبال في ذلك الفصل هذا السؤال الذي هو شغل العصرانية الشاغل " .. وأنتقل الآن إلى النظر فيما إذا كان تاريخ الشريعة الإسلامية وبناؤها يتبين فيهما إمكان تفسير الشريعة ومبادئها تفسيرًا جديدًا، وبعبارة أخرى الموضوع الذي أود أن أثير البحث فيه هل شريعة الإسلام قابلة للتطور؟ ".
وعنده أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى جهد عقلي عظيم، ويرى أن العالم الإسلامي عليه أن يواجه هذا السؤال بالروح التي كان يواجه بها عمر مشكلات الدين ويصفه بأنه أول عقل ممحص مستقل في الإسلام ولا ريب عنده أن التعمق في دراسة كتب الفقه والتشريع الهائلة العدد لا بد من أن تجعل الناقد بمنجاة من الرأي السطحي الذي يقول بأن شريعة الإسلام شريعة جامدة غير قابلة للتطور.
ثم يناقش تجديد أصول الفقه الإسلامي من أجل أن يتبخر الجمود المزعوم ويبدو للعيان إمكان حدوث تطور جديد.
* تجديد أصول الفقه:
إنه يرى أن القرآن هو الأصل للشريعة الإسلامية، وليس من شك في
(1)(ص 168 - 208) pp. 196 - 180.
(2)
انظر "الفكر الإسلامي الحديث" لمحمد البهي (ص 483).
أن القرآن يقرر بعض المبادئ والأحكام العامة في التشريع، ولكن القرآن ليس مدون في قانون، فغرضه الأساسي هو أن يبعث في نفس الإنسان أسمى مراتب الشعور بما بينه وبين الله وبينه وبين الكون من صلات. على أن الأمر الجدير بالملاحظة في هذا الصدد هو أن القرآن يعتبر الكون متغيرًا، ومن الواضح الجلي أن القرآن بما له من هذه النظرة لا يمكن أن يكون خصمًا للتطور، وأن المبادئ التشريعية في القرآن رحبة واسعة وأبعد ما تكون عن سد الطريق على التفكير الإنساني والنشاط التشريعي، وأن الرعيل الأول من الفقهاء اعتمدوا على هذه المبادئ واستنبطوا عددًا من النظم التشريعية، على أن مذهبهم مع إحاطتها وشمولها ليست إلا تفسيرات فردية، وهم لم يزعموا أبدًا أن تفسيرهم للأمور واستنباطهم للأحكام هو آخر كلمة تقال فيها، وبما أن الأحوال قد تغيرت والعالم الإسلامي يتأثر اليوم بما يواجهه من قوى جديدة، فالرأي عنده "أن ما ينادي به الجيل الحاضر من أحرار الفكر في الإسلام من تفسير أصول المبادئ التشريعية تفسيرًا جديدًا، على ضوء تجاربهم وعلى هدي ما تقلب على حياة العصر من أحوال متغايرة هو رأى له ما يسوغه كل التسويغ".
ثم ينتقل إلى أحاديث الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم التي هي الأصل الثاني العظيم للشريعة، وينقل رأي المستشرق جولد زهير بأن إخضاع الأحاديث للفحص الدقيق على ضوء القوانين المستحدثة في النقد التاريخي، يظهر أنها في جملتها لا يوثق بصحتها ..
ثم يتناول بالبحث مسألة يعتبرها هامة، وهي أن الفرق بين الأحاديث التي تتضمن أحكامًا تشريعية والأحاديث التي ليس لها طابع تشريعي .. وحتى السنّة التشريعية يرى أن يبحث عن مدى ما تضمنته من عادات كانت للعرب قبل الإسلام، فتركها الإسلام دون تغيير، وأخرى أدخل فيها النبي
تعديلاً. وهل قبول النبي لها تصريحًا أو ضمنًا قد أريد بها أن تكون ذات صفة عامة في تطبيقها.
ويستشهد بأن أبا حنيفة لم يكن أحيانًا يعتمد على هذه الأحاديث، وذلك في نظره موقف جد سليم ثم يقول:"إذا رأى أصحاب النزعة الحرة في التفكير العصري، إنه من الأسلم ألا تتخذ هذه الأحاديث من غير أدنى تفريق بينها، أصلاً من أصول التشريع، فإنهم يكونون بذلك قد نهجوا منهج رجل من أعظم رجال التشريع أهل السنة".
- والإجماع عند إقبال الذي هو الأصل الثالث من أصول التشريع الإسلامي قد يكون من أهم الأفكار التشريعية في الإسلام، وهو يرى ضرورة انتقال حق الاجتهاد من الأفراد إلى هيئة تشريعية إسلامية؛ لأن ذلك هو الشكل الوحيد الذي يمكن أن يتخذه الإجماع في الأزمنة الحديثة؛ لأن هذا الانتقال يكفل للمناقشات التشريعية الإفادة من آراء قوم من غير رجال الدين ممن يكون لهم بصر نافذ في شئون الحياة. وهو يتوقع لمثل هذه الهيئة التشريعية أن تخطئ خطأ فاحشًا في تفسير الشريعة؛ لأنها قد تتألف من رجال ليست لهم دراية بوقائع التشريع الإسلامي، ولكنه يستبعد أن يكون الحل تأليف لجنة دينية مستقلة، تكون لها سلطة الرقابة ويرى أن العلاج الوحيد الناجح للتقليل من وقوع الأخطاء في التأويل، هو إصلاح نظام التعليم القانوني وتوسيع مداه.
ثم يتساءل عن إجماع الصحابة، وهل إذا انعقد إجماعهم على أمر ما يكون ملزمًا للأجيال التي بعدهم؟ ويخلص إلى أن القول الجريء في ذلك هو أن الأجيال اللاحقة ليست ملزمة بإجماع الصحابة.
- والأصل الرابع من أصول الفقه هو القياس ويرى إقبال أن القياس كان في الأصل ستارًا يتوارى خلفه الرأي الشخصي للمجتهد، وأن النقد