الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأدناسها. فنشر تصريحات عديدة في الصحف، بين فيها موقف الإسلام بإزاء هذه النحلة المارقة التي تؤمن بنبوة الغلام القادياني الكذاب، وكشف عن عورات القاديانيين، وأماط اللثام عن خدماتهم للاستعمار البريطاني وتمسكهم بأذياله" (1).
*
مناقشة رأي إِقبال في النبوة:
"إذا نظرنا في تفسير إقبال للنبوة نظرة دقيقة، وجدنا أنه أخطأ في عديد من الأمور. منها:
أولاً: أن النبوة ليست ضربًا من الوعي الصوفي، كما توهم إقبال، فإنه يقول في تعريف النبوّة:"إنها ضرب من الوعي الصوفي ينزع ما حصّله النبي في مقام الشهود إلى مجاوزة حدوده وتلمس كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجمعية توجيهًا جديدًا، وتشكيلها في صورة مستحدثة"(2).
- وهذا القول منه ليس بصواب فإن الله تعالى يختار النبي من عباده ويصطفيه من بينهم حسب إرادته وحكمته فإنه تعالى أعلم حيث يجعل رسالته. فالنبوة موهبة ومكرمة وتكليف من الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ويحمّلها من يختاره منهم، على خلاف أمر الوعي الصوفي فإنه يحصل عليه بممارسة الرياضة الصوفية كل من يجتهد في الحصول عليه. فالنبوة مرتبة لا يمكن أن يتشرف بها أحد من اختياره وكسبه ورياضته، والوعي الصوفي يمكن الحصول عليه بالكسب والاجتهاد، وإذا كانت الولاية بالمصطلح الصوفي، ليس من الضروري الحصول عليها بالكسب والاجتهاد، مع أنها
(1)"تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند" لمسعود عالم الندوي (ص 219 - 220) بتصرف في العبارة.
(2)
"تجديد الفكر الديني"(ص 143).
أدنى رتبة من النبوة، فليست كل صوفي وليًا، كما أنه ليس كل ولي صوفيًّا، فكيف بالنبوة؟ ويوهم تفسير إقبال للنبوة المبيّن في "تجديد الفكر الديني" أنه يمكن التشرف بها بالكسب والاجتهاد، وذلك خطأ واضح، فإن الأنبياء قد وهبوا النبوة مفاجأة، مثل قصة سيدنا موسى عليه السلام، فإنه لم يكن على معرفة أن الله تعالى قد اختاره للنبوة حتى لحظة أن رأى نارًا في طور سيناء، وكلمه الله تعالى وأخبره باختياره نبيًّا، وكذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن على معرفة من أنه سوف يُختار للنبوة حتى إذا نزل عليه الروح الأمين في جبل حراء، وألقى إليه رسالة الله تعالى، رجع إلى البيت وهو خائف، يقول: زمّلوني ودثّروني. فلو كان الوحي نوعًا من وعي يتحصل بقطع المدارج الصوفية وسلوك المناهج الروحية المعتادة لدى الصوفية، لما حدثت تلك المفاجأة عند نزول الوحي في أول الأمر، على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا موسى عليه السلام. ففي هذا التفسير انخدع إقبال بآراء الصوفية الذين يفسرون النبوة والولاية بتفاسير ليس لها برهان منزل من الله تعالى، حتى قد اغتر بعضهم إلى حد أنه قال: إننا، معشر الصوفية أفضل من الأنبياء؛ لأن اتصالنا بالله تعالى مباشر واتصال الأنبياء به تعالى يحتاج إلى واسطة وهي الملائكة.
ثانيًا: أن إقبالاً لم يشرح في تفسيره كيفية نزول الوحي بواسطة الملائكة والروح الأمين، فإن الروح الأمين هو الذي يقوم بنقل الوحي إلى الأنبياء، ولم يشر إقبال في تفسيره إلى هذه المسألة مطلقًا.
ثالثًا: يوهم تفسير إقبال كأن النبوة عمل خاص للنبي وله فيه رغباته وتصرفاته وليس ذلك حقًّا، فإن النبيّ مأمور بأوامر الله تعالى، فإنه تعالى يربيه للتجرد إليه والعمل من أجل مرضاته حتى لم تعد للنبي رغبة ذاتية، ولو للهداية، فقد قال تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
* وقال تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} .
* وقال تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].
والفارق الذي أوضحه إقبال بين عمل الصوفي وعمل النبي من أن عمل الصوفي يبقى فرديًّا، وعمل الرسول ينتقل إلى المجتمع، صحيح ولكن عمل الرسول ليس من عند نفسه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد خائفًا حين نزل عليه الوحي في بدء الأمر، وقال: دثروني وزملوني ولم يقل: إني مارست هذه التجربة، فتعالوا، أيها الناس، وأوجدوها في حياتكم.
رابعًا: لا شك في أن للعقل دورًا بالغًا في بناء المجتمع وتوجيهه وتطوير العلوم والتجارب ولكن له مجال محدد وليس في استطاعته إقامة ميزان ثابت يميز به الحق من الباطل. فدور العقل في الإسلام مقيد بالوحي والأمة المسلمة مسئولة أن تحمل رسالة الإسلام في ضوء ذلك الوحي المنزل، وليس العقل في المنهج الإسلامي حرًّا طليقًا في تصرفاته يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء كما يوهم تفسير إقبال هذا.
- والواقع أن إقبالاً متأثر ومنخدع في رأيه أن العقل حلّ محلّ الوحي في العصر الحاضر، بأفكار الغربيين. والواقع كذلك أن هذا الرأي لا يمثل وجهة نظره الشاملة في هذا الشأن، فإنه قد أعطى القرآن الكريم حقه والسنة النبوية حقها في أكثر من موضع من دواوينه ومقالاته، فقال مثلا، ضمن منظومة "رموز اللاذاتية":
"إن دين محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو دين الحياة وشرعه شرح لنظام الحياة. وإذا فقدت الأمة أسوة الرسول تفقد وجودها وبقاءها".
وقال كذلك، تحت عنوان "إن الأمة لا تنتظم بدون شريعة وشريعة
الأمة المحمدية القرآن الكريم:
"لكتاب الله حق، فاقرأن
…
كل ما تبغيه، منه فاطلبن"
وقال:
"وحدة الشرع حياة الأمة
…
فمن القرآن روح الملة
نحن طين وهو قلب لا جرم
…
هو "حبل الله" من شاء اعتصم
فانتظم في سلكه كالدرر
…
أو غبارا في الرياح انتثر" (1)
- يرى إقبال أن النبوة ضرب من الوعي الصوفي يستعمل فيه النبي ما حصّله في مقام الشهود في سبيل توجيه قوى الحياة توجيهًا جديدًا. ورغبة النبي في أن يرى رياضته الدينية تتحول إلى قوى عالمية حية رغبة تعلو على كل شيء. واختبارها ليس إلا اختبار هذه القوى الحية التي أوجدها النبي في إطار إنشائي بالميزان التاريخي فعندما يتغلغل النبي فيما يواجهه من أمور مستعصية وينفذ إلى أعماقها تتجلى له حينئذ نفسه، فيعرفها ويزيح القناع عنها فتراها أعين التاريخ. ولهذا كان من بين ما يحكم به على قيمة دعوة النبي ورسالته، البحث في نوع البطولة الإنسانية التي ابتدعها، والفحص عن العالم الثقافي الذي انبعث عن روح دعوته.
ثم يوضح إقبال طبيعة الوحي باعتباره الصلة القائمة بين الله والنبي، ويرى أنه ظاهرة عامة من ظواهر الوجود. فالظواهر البيولوجية والفسيولوجية في عالمي الحيوان والنبات إنما تستمدّ اتجاهها من الإلهام الذي يوجه الحياة كلها
(1) ترجمة "الأسرار والرموز" للدكتور عبد الوهاب عزام، و"محمد إقبال مفكرًا إسلاميًّا"
لمحمد الكتاني (ص 71 - 73). و"تجديد الفكر الديني في الإسلام" لإقبال (ص 142 - 144)، و"محمد إقبال وموقفه من الحضارة الغربية" لخليل الرحمن عبد الرحمن (ص 182 - 189).
في اتجاهها الخلاق. والقرآن نفسه يستعمل الوحي لعوالم مختلفة، كقوله تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].
وهكذا يعتبر إقبال النبوة ظاهرة طبيعية أملتها المراحل التطورية للبشرية. ففي طفولة البشرية كانت القوى الروحانية تتطور أحيانًا، إلى ذروة الوحي النبوي لتوجيه الناس وتحقيق مصالحهم. فالنبوة التي هي ثمرة القوى الروحانية الفطرية، كانت وسيلة للاقتصاد في التفكير وتمييز النافع من الضار، غير أنه بنمو ملكة العقل والتفكير لدى الإنسان أخذت الحياة نفسها تعمل لكبت تلك القوى التي لا تعتمد في معارفها على التفكير الاستدلالي.
وهكذا عرفت الإنسانية في تاريخها طورين عظيمين:
1 -
طورًا اعتمدت فيه على قواها الروحية، ممثلة في الوحي.
2 -
طورًا نسخ ذلك الطور السابق وتميز باعتمادها على القوى العقلية المنظمة. ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم صلة وصل بين الطورين أو العالمين، عالم الفطرة وعالم العقل. فهو من عالم الفطرة باعتبار مصدر رسالته وهو الوحي، وهو من العالم الحديث، عالم العقل، باعتبار مضمون رسالته يعني ما احتوته رسالة الإسلام والنص القرآني من دعوة صريحة إلى استعمال العقل، وحث على النظر في الكون، بحيث اعتبرت هذه الدعوة فريضة دينية قائمة. وهكذا ينص إقبال على أن النبوة في الإسلام تبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا إلى الأبد على زمام يقاد منه، وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو، وأن مخاطبة القرآن للعقل وحثه على التجربة على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة