الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
ضعف ثقافته الشرعية:
لم يتصل مالك بن نبي بعلماء عصره ليستفيد منهم، ورغم اعترافه بأهمية جمعية العلماء في الجزائر التي كان على رأسها الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ إلا أن علاقته بها كانت فاترة ويعترف هو بعد ذلك أنه كان مخطئًا في هذا (1)، ولذلك كانت دراسته للإسلام نابعة من قراءاته الشخصية وهي قليلة إذا قيست بقراءاته في الفكر الغربي، وهذا ما جعله يخطئ في أمور كثيرة سواء كانت في الفقه والأحكام أو في النظرة لبعض جوانب التاريخ الإسلامي، فمن رموز الثقافة عنده الفارابي، وابن سينا، وابن رشد (2) ..
"والمجتمع الإسلامي في عصر الفارابي كان يخلق أفكارًا وفي عهد ابن رشد يبلغها إلى أوربا وبعد ابن خلدون لم يعد قادرًا على الخلق ولا على التبليغ"(3).
وفي العصر الحديث فإن من رموز الثقافة عنده جمال الدين الأفغاني، وهو موقظ الشرق، وهو رجل الفطرة .. إلخ. وإطلاقه هذا القول جزافًا يدل على ضعف ثقافته الشرعية.
وفي التاريخ يلمز كثيرًا بني أمية دون وضع الضوابط للإنصاف والتقويم الصحيح. وبسبب عدم وضوح توحيد الألوهية ظن أنه من الممكن اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند "وليس بوسعنا أن نغض من قيمة الدور الذي يمكن أن يؤديه اتصال العالم الإسلامي بروحانية الهند"(4).
ولم يشر في كتبه إلى موضوع تحكيم الشريعة الإسلامية، وكان معجبًا
(1) بقي له ملاحظات مهمة على جمعية العلماء سنذكرها في نهاية المقال.
(2)
"شروط النهضة"(ص 71).
(3)
"مشكلة الثقافة"(ص 48).
(4)
"وجهة العالم الإسلامي".
بدولة الوحدة عام 1958 مع أنها لا تطبق شرع الله، وهناك أخطاء جزئية لا نريد التفصيل فيها ونعتقد أنه لو نبه عليها لتراجع.
- وقبل أن ننهي هذه القراءة لفكر مالك بن نبي لا بد من التنبه لأمور:
1 -
هذه السلبيات والأخطاء يجب أن لا تمنعنا من الاستفادة من الإيجابيات، فهذا المفكر خبير في نهضة المجتمعات وأمراض المسلم المعاصر.
وكأني أسمع بعض المسلمين يقولون: ما دامت هذه آراؤه فما الفائدة من قراءة كتبه؟ وهذا خطأ فادح منهم، فنحن نقرأ لأعداء الإسلام ونستفيد منهم؛ فكيف بمفكر كان يسعى -حسب جهده- لخير المسلمين، وإن أخطأ في مواضع.
2 -
إن مالك بن نبي شخصية كبيرة، فهو يتراجع عن الخطأ إذا تبين له، لقد نصح جمعية العلماء في الجزائر بصدق وقال كلامًا دقيقًا في هذا "لقد كان على الحركة الإسلامية أن تبقى متعالية على أوحال السياسة والمعامع الانتخابية"(1)"وبأي غنيمة أراد العلماء أن يرجعوا من هناك وهم يعلمون أن مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر"(2)، وهو يقصد سير العلماء في القافلة السياسية عام 1936.
ويقول: "فيما يخصني لقد بذلت شطرًا من حياتي في سبيل الحركة الإصلاحية، وشهدت في مناسبات مختلفة بالفضل لجمعية العلماء"(3)، ويتأسف لأن الجمعية لم تدعه للمساهمة في شئونها الإدارية، ومع ذلك فقد تراجع واعترف أن موقفه من الجمعية لم يكن طبيعيًّا بسبب نظرته الخاصة للشيخ ابن باديس.
(1)"شروط النهضة"(ص 38).
(2)
"في مهب المعركة"(ص 190).
(3)
"وجهة العالم الإسلامي"(ص 127).