الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
محمد عمارة ومفهوم الجهاد عنده:
يرى الدكتور عمارة أن "القتال في الإسلام سبيل يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة، ضرورة حماية الدعوة وتأمين حرية الدعاة وضمان الأمن لدار الإسلام وأوطان المسلمين .. سيان كان ذلك القتال دفاعيًّا تمامًا أو مبادأة يجهض بها المسلمون عدوانًا أكيدًا أو محتملاً .. فهو في كل الحالات صد للعدوان .. إما إذا جنح المخالفون إلى المسلم وانفتحت السبل أمام دعوة الإسلام ودعاته وتحقق الأمن لدار الإسلام فلا ضرورة للحرب عندئذ ولا مجال لحديث عن القتال باسم (الدنيا) كان ذلك الحديث أو بالسم (الدين) ""الدولة الإسلامية"(136).
ويقول: "الحديث عن أن الإسلام يوجب على أهله قتال كل حكومات المعمورة وجيوشها فإنه أقرب إلى هذيان الضعفاء ينفسون به عن العجز إزاء القهر الذي يمارسه الطغاة الداخليون منهم والخارجيون إزاء عالم الإسلام وشعوبه .. وهو هذيان يسخر منه الواقع الإسلامي بإمكانياته الحالية والمحتملة ومن ثم فلا أثر له إلا جلب العداء للمسلمين والنفور من الإسلام .. فضلاً عن منافاة فكر دعاة هذه الحرب الدينية لفكر الإسلام الحق في هذا الموضوع""الدولة الإسلامية"(136).
ويؤكد رأيه قائلاً: "ليس في الإسلام حرب دينية .. لأن القتال لا يمكن أن يكون سبيلاً لتحصيل التصديق القلبي واليقين الداخلي الذي هو الإيمان""الدولة الإسلامية"(136).
- قلت: فكرة الدكتور عمارة في هذه القضية تتلخص في أن الحرب في الإسلام التي مارسها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم من بعده هي حرب (سياسية) لا (دينية)! أي أنه لم يفرضها لنشر الإسلام وإكراه الناس على الدخول فيه. بل هي باختلافها حرب لتأمين الدولة الإسلامية ضد العدوان
عليها .. وأنه لا يمكن وجود حرب دينية في الإسلام لفرضه على الناس؛ لأن الله قد أذن بتعدد الشرائع .. فالإسلام ليس هو الدين الحق لوحده في هذا الزمان فهناك اليهودية والنصرانية .. فلماذا يقاتلهم المسلمون وهم مثلهم على هدى؟! ويرى أن الأجدى بدلاً من هذه الحرب الهجومية التي يطالب بها الدعاة أن نهتم بالنهضة الإسلامية "المؤسسة على الوعي الناضج بحقيقة الإسلام الدين والإسلام الحضارة تلك التي ستحول عالم الإسلام وبلاد المسلمين إلى شاهد صدق على عظمة الإسلام وتقدميته وجدارته بأن يكون الدين الذي تتدين به الإنسانية الراشدة دون سواه""الدولة الإسلامية"(136).
- ويجيب عن شبهات الدعاة بما سيأتي.
وهذا القول منه مخالف للكتاب والسنة وأحداث السيرة النبوية وتاريخ المسلمين. وهو قد استقاه من رجال عاشوا في زمن التبعية الغربية والانهزام الروحي أمام الكافر. فأصبح يردده في زمن أعز الله فيه الإسلام وأهله في عدة مواقع .. فكان الأحرى به أن يدع هذا القول (العتيق) ويتعالى بإسلامه قليلاً.
- قال سيد قطب رحمه الله رادًا على الدكتور ومن سار بسيره في هذه القضية: "المهزومون ررحيًّا وعقليًّا ممن يكتبون عن "الجهاد في الإسلام" ليدفعوا عن الإسلام هذا "الاتهام" يخلطون بين منهج هذا الدين في النص على استنكار الإكراه على العقيدة، وبين منهجه في تحطيم القوى السياسية المادية التي تحول بين الناس وبينه، والتي تُعَبِّد الناس للناس، وتمنعهم من العبودية لله .. وهما أمران لا علاقة بينهما ولا مجال للالتباس فيهما .. ومن أجل هذا التخليط، وقبل ذلك من أجل تلك الهزيمة! -يحاولون أن يحصروا
الجهاد في الإسلام فيما يسمونه اليوم: "الحرب الدفاعية" .. والجهاد في الإسلام أمر آخر لا علاقة له بحروب الناس اليوم، ولا بواعثها، ولا تكييفها كذلك .. إن بواعث الجهاد في الإسلام ينبغي تلمسها في طبيعة "الإسلام" ذاته ودوره في هذه الأرض، وأهدافه العليا التي قررها الله، وذكر الله أنه أرسل من أجلها هذا الرسول بهذه الرسالة، وجعله خاتم النبيين وجعلها خاتمة الرسالات.
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير "الإنسان" في "الأرض" من العبودية للعباد -ومن العبودية لهواه أيضًا وهي من العبودية للعباد- وذلك بإعلان ألوهية الله وحده -سبحانه- وربوبيته للعالمين .. ! إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها: الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض، الحكم فيه للبشر بصورة من الصور .. أو بتعبير آخر مرادف: الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور .. ذلك أن الحكم الذي مردّ الأمر فيه إلى البشر.
ومصدر السلطات فيه هم البشر. هو تأليه للبشر، يجعل بعضهم لبعض أربابًا من دون الله. إن هذا الإعلان معناه انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله، وطرد المغتصبين له، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم، فيقومون منهم مقام الأرباب ويقوم الناس منهم مكان العبيد .. إن معناه تحطيم مملكة البشر لإقامة مملكة الله في الأرض، أو بالتعبير القرآني الكريم:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} .
{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
…
} .. " (1).
(1) انظر "معالم في الطريق" لسيد قطب (ص 66 - 91)، و"افتراءات حول غايات الجهاد" لمحمد نعيم ياسين - دار الأرقم الكويت.