الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفاك، طالب لثأره، دراك يده السيف ممتشقة، وغيظه يؤديه إلى العطب، وخلقه لا يشرب الماء من قليب دم، ولا يتنسم الهواء إلا بسم، ومع ذَلِكَ إذا ظهر له الحق رجع في الحال، وندم عَلَى ما فرط منه واستحال، لكنه يروح في ذَلِكَ الغضب أرواح، وتتنكد لخلقه من الناس أشباح، وكان بدمشق في زمن الطاعون فما طعن عادة الملوك، وإنما طعن بالسيف الذي يدر الدم وهو مسفوك، فنظمت فيه:
تعجبت من أرغون شاه وطيشه ال
…
ذي كان منه لا يفيق ولا يعي
وما زال في سكر النيابة طافحاً
…
إلى حين غاضت نفسه في المنيبع
انتهى كلام الصفدي باختصار.
قلت: كانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أرغون الكاملي الصغير
...... - 758هـ -...... - 1357م أرغون بن عبد الله الكاملي الصغير، الأمير سيف الدين، نائب حلب، ثم نائب الشام.
أصله من مماليك الملك الصالح، إسماعيل، وكان يدعي في أيام الملك الصالح بأرغون الصغير، فلما مات الملك الصالح وتسلطن من بعده أخوه الملك الكامل شعبان حظي عنده وصار من خواصه، ونهى الكامل أن يدعي المذكور بأرغون الصغير وسمي أرغون الكاملي، ثم أمّره الملك الكامل وصار من أعيان الأمراء إلى أن مات الملك الكامل وتسلطن أخوه الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، ولاه نيابة حلب في سنة خمسين وسبعمائة، فتوجه إلى حلب وباشر نيابتها إلى أن جاءه الأمير كجك الدوادار الناصري وأمره إن يخرج ويربط الطريق عَلَى أحمد الساقي نائب صفد، فبرز ظاهر حلب فأرجف بإمساكه فهرب منه الأمير شرف الدين موسى حاجب حلب وغيره من أمراء حلب، ثم أن جماعة من الأمراد الجند تلاحقوا بالحاجب واجتمعوا، وتواقعوا مع أرغون فانهزم أرغون إلى المعرة، ثم طلب إلى دمشق فدخلها طائعاً يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فِي عشرة مماليك، فجهز الأمير أيتمش نائب الشام الأمير قرابغا والأمير أيدمر السليماني الحاجب وعلى يدهما مطالعة إلى السلطان
تتضمن الشفاعة في أرغون المذكور، ثم أشار أيتمش عَلَى الأمير أرغون المذكور بأن يتوجه إلى الأبواب الشريفة، فخرج من وقته وقصد الديار المصرية إلى أن وصل إلى رملة لد تلقاه الأمير طشبغا الدوادار، ومعه له أمان شريف مضمونه: لم نكتب في حقك لأحد، ولنا نية في آذاك، فإن شئت كن في نيابتك بحلب، وإن شئت نيابة غيرها، وإن شئت أن تكون بالقاهرة، فمهما شئت فعلنا لك، فدخل مع طشبغا المذكور إلى القاهرة، وأقبل عليه السلطان، وأعاده إلى حلب، فتوجه إليها، فلما قدمها أحضر زكريا البريدي وأراد توسيطه وأشهره، فنزل طشبغا الدوادار وشفع فيه، فأطلقه ثم أحضر ابن أزدمر النوري وقال له: قد رسم لي السلطان أن أسمرك وأقطع لسانك، ولكن ما أؤاخذك، وأطلعه إلى قلعة حلب.
واستمر الأمير أرغون بحلب إلى أن عزل الأمير أيتمش عن نيابة دمشق في أول سلطنة الملك الصالح صالح فرسم للأمير أرغون المذكور بنيابة الشام عوضه، وكان يوم دخوله إلى دمشق يوم الاثنين حادي عشر شهر شعبان سنة اثنتين
وخمسين وسبعمائة، ودام في نيابة دمشق إلى أن خرج الأمير بيبغا أروس وأحمد الساقي نائب حماه وبكلمش نائب طرابلس عَلَى الملك الصالح، فولى أرغون هذا نيابة حلب عوضاً عن بيبغا أروس ثانياً في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واستمر بها مدة، وعمر البيمارستان الذي داخل باب قنسرين وأحكم بناءه، ووقف عليه عدة أوقاف، وفيه يقول الأديب بدر الدين بن حبيب:
أراد سيف الله أرغون لها
…
أسهم عزم للأعادي صائبة
أكرم به على الشام نائباً
…
مؤيداً كشاف كل نائبة
وفيه يقول أيضاً لما بنى البيمارستان بحلب:
قولا لأرغون الذي معروفه
…
بالعرف قد أحيا النفوس والأرج
أنزلك الرحمن خير منزل
…
رحب ورقَّاك إلى أعلا الدرج
بنيت داراً للنجاة والشفا
…
ليس بها عَلَى المريض من حرج
ثم عزل عن نيابة حلب في سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وتوجه إلى القاهرة فاعتقل بها، وبالإسكندرية مدة، ثم أطلق ورسم بتوجهه إلى القدس بطالا، فأقام بها إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشرين ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ودفن بتربة عمرها هناك، وسنة نحو ثلاثين سنة.