الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وسمع من القاضي أبي نصر بن الشيرازي، وشيخ الشيوخ بن حمويه، والسخاوي، وإبراهيم الخشوعي، وحفظ كتاب التنبيه، وخدم في الجهات، وولي نظر بعلبك مرات، توفي سنة سبع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
القاضي برهان الدين صاحب سيواس
...... - 800هـ -...... - 1398م أحمد، القاضي برهان الدين أبو العباس، السلطان صاحب سيواس.
ولد بسيواس وبها نشأ، ثم قدم حلب وقرأ بها مدة قليلة، ثم رجع إلى سيواس، وقيل أنه قدم إلى القاهرة وأقام بها مدة قبل عوده إلى سيواس، ولما قدم إلى سيواس تنقلت به الأحوال إلى أن ولي سيواس وغيرها من ممالك الروم،
واستفحل أمره وعظم إلى أن عصى الأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش نائب ملطية عَلَى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأرسل الملك الظاهر لحربه عسكراً من القاهرة، وعليهم من أمراء الألوف أربعة: الأمير يونس النورزي الدوادار، والأمير قردم الحسني رأس نوبة، والأمير سودون باق، والأمير الطنبغا المعلم أمير سلاح، فلما وصلوا إلى دمشق خرج معهم من عسكرها عدة أمراء: أتابكها الأمير إينال اليوسفي وأربعة من مقدمي دمشق، وتوجهوا إلى ملطية، ومقدم العساكر المصرية والشامية الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، فلما أحس منطاش بقدوم العسكر توجه إلى سيواس والتجأ إلى القاضي برهان الدين المذكور، فتوجه العسكر خلفه إلى سيواس، ونازلوها وحصروها عدة أيام وأشرفوا عَلَى أخذها، فلما رأى ذَلِكَ للقاضي برهان الدين استنجد بمن في تلك الأطراف من الأرمن والتتار، فجمعوا وحشدوا وخرج المقاتلة من سيواس، وصافوا العسكر وقاتلوهم قتالاً شديداً، فأشرف العسكر عَلَى الكسرة، فلما رأى مقدم العسكر الأمير يلبغا الناصري ذَلِكَ حمل عليهم بمن معه من العساكر، فكسرهم كسرة شنيعة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر منهم خلائق كثيرين، ثم رجع الأمير يلبغا الناصري والعساكر إلى حلب منصورين مؤيدين، لكنهم لم ينالوا من منطاش غرضاً، وعاد العسكر المصري إلى القاهرة، ووقع لمنطاش
أمور إلى وافقه الأمير يلبغا الناصري، وصارا علمي الملك الظاهر برقوق، ثم خلع برقوق وحبس بالكرك، عَلَى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في غير موضع.
ثم أن القاضي برهان الدين هذا بعد مدة طويلة صالح الملك الظاهر برقوق في سلطنته الثانية، واعتذر إِلَيْهِ، فقبل برقوق عذره، ومشت الرسل بينهما، ودام الصلح إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، قصد التتار المجاورون لأزرنكان سيواس، فاستنجد صاحبها القاضي برهان الدين بالملك الظاهر برقوق، فجهز إِلَيْهِ العساكر الشامية لنصرته، فاجتمع نواب الممالك الشامية بحلب، وهم: الأمير تنبك الحسني المدعو تنم نائب دمشق، ووالدي الأمير تغري بردى من يشبغا نائب حلب، والأمير يونس بلطا نائب حماه، والأمير آقبغا الهذباني نائب صفد، قلت: وكل هؤلاء النواب مماليك الملك الظاهر برقوق، ومشتري ماله، وصحبتهم جمع كثير وتوجهوا إلى سيواس، فحصل للتتار رعب كبير لما سمعوا بقدومهم، وقفلوا إلى جهة بلادهم راجعين، فاجتمعوا بالقاضي برهان الدين،
وأمنوا رعيه وخلعوا عليه، وكان الذي أخلع عليه والدي، فغضب الأمير تنم نائب الشام في الباطن وأرسل بعد قدومه إلى دمشق يعرف بذلك الملك الظاهر برقوق، واتهم والدي عَلَى العصيان، ليس هذا محل ذكر ما وقع لهما، والمقصود أن القاضي برهان الدين اطمأن في مملكة سيواس، ودام بها إلى سنة ثمانمائة، قصده عثمان بن طر عَلَى المدعو قرايلك، ووصل إلى سيواس فخرج لقتاله القاضي برهان الدين بعساكر سيواس، وتقاتلا فكسر القاضي برهان الدين وقتل بظاهر سيواس، واستمرت سيواس بغير حاكم، إلى أن أرسل إليها أبو يزيد بن عثمان حاكماً، ودامت مضافة إلى مملكته إلى يومنا هذا.
وكان القاضي برهان الدين ملكاً عالماً فقيهاً حنفياً، أديباً شاعراً، ماهراً، يقول الشعر باللغات الثلاثة، وكان سبب دخوله إلى القاهرة أنه كان في ابتداء أمره حين طلبه للعلم رأى منجساً حاذقاً، فسأله عن حاله، فقال له المنجم أنت تصير سلطاناً، فقال القاضي برهان الدين إن كان ولا بد فأكون سلطان مصر فأنها أعظم الممالك، فقدم إلى القاهرة وأقام بها سنين فما صار جندياً، فقال في نفسه أقمت هذه المدة الطويلة وما صرت جندياً، فمتى أصير سلطاناً، فعاد إلى سيواس وآل أمره إلى أن ملكها.
قال تقي الدين المقريزي: القاضي برهان الدين أبو العباس أحمد حاكم قيصيرية وتوقات وسيواس، أعلم أن ممالك الروم كانت أخيراً لبني قليج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية، وكان كرسيهم قونية، وأعمالهم كثيرة جداً، حَتَّى بعث منكوقان أخو هولاكو في سنة أربع وخمسين وستمائة عسكراً عليه بيكو إلى بلاد الروم فملك آرزن الروم، وغاب في بلاد الروم حَتَّى هلك، وولي الروم بعده صمغار، وغلبت التركمان عَلَى الجبال والثغور والسواحل، فولاهم هولاكو ما غلبوا عليه، وكان صمغار، فبعث الملك أبغا بن هولاكو عوضه تداون، وتوفوا في سنة خمس وسبعين وستمائة، قتلهما الملك الظاهر بيبرس، وملك قيصرية في محاربته لهما، فأقام آبغا عَلَى قنعرطاي، وتداول بعده عدة أمراء حَتَّى قام دمرداش بن جوبان سنة ثلاث
وعشرين وسبعمائة، فعظم ملكه، ثم قدم إلى " مصر " واستفحل أرتنا أحد أمرائه عَلَى بلاد الروم، فنزل سيواس وعملها كرسي ملكه، حَتَّى مات سنة ثلاث وخمسين، وملك بعده ابنه وأولاده، " فأخذ أولاد " دلغادر النزكماني بلاد سيس، ومات محمد بن أرتنا في حدود سنة ثمانين، فأقيم بعده صبي من أولاده، وقام بأمره " الأمير " القليج أرسلان فغدر به قاضي سيواس، وقام بأمر الصبي حَتَّى مات، وهو والد برهان صاحب الترجمة.
وكان برهان الدين هذا قد طلب العلم في صباه وقدم القاهرة، وأخذ بها عن شيوخ زمانه، فعرف بالذكاء حَتَّى حصل عَلَى طرف من العلم، فبشره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الروم، وأشار إِلَيْهِ بعوده إليها، فمضى إلى سيواس، ودرس بها وصنف، ونظم الشعر، وهو يتزي بزي الأجناد ويسلك طريقة الأمراء، فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد، ويلازم الخدم السلطانية، إلى أن مات ابن أرتنا عن ولد صغير اسمه محمد، فأقيم بعده، وقام الأمراء بأمره، وهم عضنفر بن ظغر، وفريدون، وابن المؤيد، وجي كلدي، وحاجي إبراهيم، وأكبرهم الذي يرجعون إليهم في الرأي والتدبير قاضي سيواس والد البرهان هذا،
فدبر الأمراء المذكورون مدة حياة القاضي، فلما مات ولي ابنه برهان الدين أبو العباس أحمد هذا مكانه، فسد مسده وأربى عليه بكثرة علمه وحسن سياسته وجودة تدبيره، وأخذ تدبيره، وأخذ في أحكام أمره، فأول ما بدأ به بعد تمهيد قواعده أن فرق ولايته، أعمال المملكة، عَلَى الأمراء، فأخرج ثلاثة: المؤيد وجي كلدي وحاجي إبراهيم، وبقي حول السلطان فريدون وعضنفر، فثقلا عليه واجب أن ينفرد بالأمر دونهما، فتمارض ليقعا في قبضته، فكان كذلك، فدخلا عليه يعودانه فلما استقر بهما الجلوس، فخرج عليهما من رجاله جماعة قد أقعدهما في مخدع، فقبضوا عليهما، وخرج من فوره فملك الأمر من غير منازع، ولقب بالسلطان، فلم يرضَ بذلك شيخ نجيب متولي توقات، وجي كللدي نائب أماسيه، فخرج القاضي برهان الدين واستولى عَلَى مملكة قرمان، وقاتل من عصي عليه، ونزع توقات من شيخ نجيب، واستمال إِلَيْهِ تتار الروم، وهم جمع كبير لهم بأس ومجده وشجاعة، واستضاف إِلَيْهِ الأمير عثمان قرايلك بتراكمينة فعز جانبه، ثم أن قرايلك خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إِلَيْهِ، فلم يكترث به القاضي برهان الدين احتقاراً له، فصار قرايلك يتردد إلى ماسيه وأرزن خان إلى أن قصد ذات يوم مصيفاً بالقرب من سيواس، ومر بظاهر المدينة وبها القاضي برهان الدين، فشق عليه كونه لم يعبأ وركب عَجِلاً بغير أهبة ولا جماعة، وساق في إثره ليوقع به حَتَّى أقبل إِلَيْهِ، فكر عليه قرايلك بجماعته، فأخذه قبضاً باليد، فتفرقت عساكره شذر مذر، وكان قرايلك قد عزم عَلَى أن يعيده إلى مملكته