الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَلَامِ الْحَطَّابِ، وَحَدُّ الاِعْتِدَال عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنْ لَا يَكُونَ مُنْحَنِيًا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: مَا لَمْ يَصِرْ رَاكِعًا، قَالُوا: وَالْكَمَال مِنْهُ الاِسْتِقَامَةُ حَتَّى يَعُودَ كُل عُضْوٍ إِلَى مَحَلِّهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ مُنْحَنِيًا يَسِيرًا حَال اعْتِدَالِهِ وَاطْمِئْنَانِهِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَائِمًا، وَسَبَقَ حَدُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي رُكْنِ الْقِيَامِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الاِعْتِدَال.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الطُّمَأْنِينَةُ فِي الاِعْتِدَال: أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ قَبْل رُكُوعِهِ، بِحَيْثُ يَنْفَصِل ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ الاِعْتِدَال، فَلَوْ رَفَعَ فَزِعًا مِنْ شَيْءٍ كَحَيَّةٍ لَمْ يُحْسَبْ رَفْعُهُ اعْتِدَالاً لِوُجُودِ الصَّارِفِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ شَيْئًا آخَرَ (1) .
ز -
السُّجُودُ:
22 -
مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ السُّجُودُ فِي كُل رَكْعَةٍ مَرَّتَيْنِ. وَقَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (2) } وَلِحَدِيثِ
(1) حاشية الدسوقي 1 / 241، مغني المحتاج 1 / 165، شرح روض الطالب 1 / 157، كشاف القناع 1 / 387، مطالب أولي النهى 1 / 466، 495.
(2)
سورة الحج / 77.
الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا (1) ، وَحَدَّ الْمَالِكِيَّةُ السُّجُودَ بِأَنَّهُ مَسُّ الأَْرْضِ، أَوْ مَا اتَّصَل بِهَا مِنْ ثَابِتٍ بِالْجَبْهَةِ، فَلَا يُجْزِئُ السُّجُودُ عَلَى نَحْوِ السَّرِيرِ الْمُعَلَّقِ، وَيَتَحَقَّقُ السُّجُودُ عِنْدَهُمْ بِوَضْعِ أَيْسَرِ جُزْءٍ مِنَ الْجَبْهَةِ بِالأَْرْضِ أَوْ مَا اتَّصَل بِهَا، وَيُشْتَرَطُ اسْتِقْرَارُهَا عَلَى مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى تِبْنٍ أَوْ قُطْنٍ. وَأَمَّا وَضْعُ الأَْنْفِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنْ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي الظُّهْرَيْنِ لِلاِصْفِرَارِ، وَفِي غَيْرِهِمَا لِلطُّلُوعِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْل بِوُجُوبِهِ. وَوَضْعُ بَقِيَّةِ الأَْعْضَاءِ - الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ - فَهُوَ سُنَّةٌ. قَال الدُّسُوقِيُّ. قَال فِي التَّوْضِيحِ:
وَكَوْنُ السُّجُودِ عَلَيْهَا سُنَّةً لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمَذْهَبِ. غَايَتُهُ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ قَال: الَّذِي يَقْوَى فِي نَفْسِي أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيل:
إِنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ارْتِفَاعِ الْعَجِيزَةِ عَنِ الرَّأْسِ بَل يُنْدَبُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّ أَقَل السُّجُودِ يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مَكْشُوفَةَ مُصَلَاّهُ؛ لِحَدِيثِ خَبَّابِ بْنِ الأَْرَتِّ قَال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِدَّةَ الرَّمْضَاءِ فِي
(1) حديث: المسيء صلاته " ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ". تقدم ف 20.
جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا (1) أَيْ لَمْ يُزِل شَكْوَانَا.
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ كَشْفُ الْجَبْهَةِ لأََرْشَدَهُمْ إِلَى سَتْرِهَا، وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ كَشْفُهَا دُونَ بَقِيَّةِ الأَْعْضَاءِ لِسُهُولَتِهِ فِيهَا دُونَ الْبَقِيَّةِ؛ وَلِحُصُول مَقْصُودِ السُّجُودِ وَهُوَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ بِكَشْفِهَا. وَيَجِبُ - أَيْضًا - وَضْعُ جُزْءٍ مِنَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَمِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ، وَمِنْ بَاطِنِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى مُصَلَاّهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ (2) وَلَا يَجِبُ كَشْفُ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ، بَل يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ. وَقِيل: يَجِبُ كَشْفُ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ.
ثُمَّ إِنَّ مَحَل وُجُوبِ الْوَضْعِ إِذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِلَاّ فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ، فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنَ الزَّنْدِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهُ؛ لِفَوْتِ مَحَل الْفَرْضِ.
(1) حديث خباب بن الأرت: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه البيهقي " 2 / 105 - ط. دائرة المعارف العثمانية " وأصله في مسلم (1 / 433 - ط الحلبي) .
(2)
" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 297 - ط السلفية) ومسلم (1 / 354 - الحلبي) من حديث ابن عباس.
وَيَجِبُ - أَيْضًا - أَنْ يَنَال مَحَل سُجُودِهِ ثِقَل رَأْسِهِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ (1) قَالُوا: وَمَعْنَى الثِّقَل أَنْ يَتَحَامَل بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ تَحْتَهُ قُطْنٌ أَوْ حَشِيشٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدِهِ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّحَامُل فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ مِنَ الأَْعْضَاءِ.
وَيَجِبُ كَذَلِكَ أَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِ السُّجُودِ، فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ مِنَ الاِعْتِدَال وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الاِعْتِدَال لِيُهْوِيَ مِنْهُ؛ لاِنْتِفَاءِ الْهُوِيِّ فِي السُّقُوطِ. وَإِنْ سَقَطَ مِنَ الْهَوِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ بَل يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودًا.
وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ - عَجِيزَتُهُ وَمَا حَوْلَهَا - عَلَى أَعَالِيهِ لِخَبَرِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (2) فَلَا يَكْتَفِي بِرَفْعِ أَعَالِيهِ عَلَى أَسَافِلِهِ وَلَا بِتَسَاوِيهِمَا، لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أَكَبَّ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، إِلَاّ إِنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ إِلَاّ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ؛ لِحُصُول هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِلَا تَنْكِيسٍ.
وَإِذَا صَلَّى فِي سَفِينَةٍ مَثَلاً وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ
(1) حديث: " إذا سجدت فأمكن جبهتك. . . ". أخرجه أحمد (1 / 287 - ط الميمنية) من حديث ابن عباس. وإسناده حسن.
(2)
حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". تقدم ف 19.