الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ: كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَالْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ قَبْل الْقَبْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا يَفْسُدُ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ لِلْبَيْعِ. (1)
وَلَوْ صَالَحَهُ مِنَ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ عَلَى مَنْفَعَةِ عَيْنٍ أُخْرَى، كَمَا إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا، فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارِهِ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ، أَوْ لُبْسِ ثَوْبِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ إِجَارَةً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِهَا؛ لأَِنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي، فَوَجَبَ حَمْل الصُّلْحِ عَلَيْهَا، لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهَا، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ (2) .
(1) الأم 3 / 221، بداية المجتهد (مطبوع مع الهداية في تخريج أحاديث البداية) 8 / 19، تحفة الفقهاء 3 / 419، مجمع الأنهر والدر المنتقى 2 / 308، تبيين الحقائق 5 / 31، البحر الرائق 7 / 256، والزرقاني على خليل 6 / 2، شرح الخرشي 6 / 3، مواهب الجليل 5 / 80، شرح منتهى الإرادات 2 / 262، المبدع 4 / 282، المغني 4 / 537، كشاف القناع 3 / 382، روضة الطالبين 4 / 193، كفاية الأخيار 1 / 168، نهاية المحتاج 4 / 371، وما بعدها، أسنى المطالب 2 / 215، المهذب 1 / 340، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 324 وانظر م 1030، من مرشد الحيران وم 1548 من مجلة الأحكام العدلية وم 1626 من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب أحمد
(2)
تبيين الحقائق 5 / 32، مجمع الأنهر والدر المنتقى 2 / 309، العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 324، نهاية المحتاج 4 / 371، وما بعدها، أسنى المطالب 2 / 215، المهذب 1 / 340، كفاية الأخيار 1 / 168، روضة الطالبين 4 / 193، كشاف القناع 3 / 382، المغني 4 / 537، المبدع 4 / 282، شرح منتهى الإرادات 2 / 262، مواهب الجليل 5 / 81، الخرشي 6 / 2 وانظر م 1031، من مرشد الحيران وم 1549 من مجلة الأحكام العدلية وم 1626، من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد القاري
ب -
الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ:
وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ دَيْنًا، فَيُقِرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُ بِهِ، ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى بَعْضِهِ، أَوْ عَلَى مَالٍ غَيْرِهِ. وَهُوَ جَائِزٌ - فِي الْجُمْلَةِ - بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَحَالَاتِهِ. وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ نَوْعَانِ: صُلْحُ إِسْقَاطٍ وَإِبْرَاءٍ، وَصُلْحُ مُعَاوَضَةٍ.
أَوَّلاً: صُلْحُ الإِْسْقَاطِ وَالإِْبْرَاءِ:
وَيُسَمَّى عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ.
14 -
وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى، وَصُورَتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ، أَنْ يَقُول الْمُقَرُّ لَهُ: صَالَحْتُكَ عَلَى الأَْلْفِ الْحَال الَّذِي لِي عَلَيْكَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، هُوَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ جَائِزٌ؛ إِذْ هُوَ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِبَاقِيهِ، لَا مُعَاوَضَةٌ،
وَيُعْتَبَرُ إِبْرَاءً لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ مَعْنَاهُ، فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ (1) .
وَقَدْ جَاءَ فِي (م 1044) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُصَالِحَ مَدْيُونَهُ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ، وَيَكُونُ أَخْذًا لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِبْرَاءً عَنْ بَاقِيهِ.
ثُمَّ قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الإِْبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا، كَالإِْسْقَاطِ وَالْهِبَةِ وَالتَّرْكِ وَالإِْحْلَال وَالتَّحْلِيل وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ الْقَبُول عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الإِْبْرَاءَ تَمْلِيكٌ أَمْ إِسْقَاطٌ. كَمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الأَْصَحِّ. وَفِي اشْتِرَاطِ الْقَبُول إِذَا وَقَعَ بِهِ وَجْهَانِ - كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ قَال لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ: وَهَبْتُهُ لَكَ - وَالأَْصَحُّ الاِشْتِرَاطُ؛ لأَِنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ (2) .
وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، فَوَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبَاقِيَ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُمَا إِذَا كَانَ بِلَفْظِ الإِْبْرَاءِ، وَكَانَتِ الْبَرَاءَةُ
(1) مواهب الجليل 5 / 82، المواق على خليل 5 / 82، العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 / 324، نهاية المحتاج 4 / 374، أسنى المطالب 2 / 215، مجمع الأنهر 2 / 315، البحر الرائق 7 / 259، البدائع 6 / 43، تحفة الفقهاء 3 / 422، شرح المجلة للأتاسي 4 / 562، وما بعدها وانظر م 1552 من مجلة الأحكام العدلية، وتبيين الحقائق 5 / 41
(2)
كفاية الأخيار 1 / 168، روضة الطالبين 4 / 196، نهاية المحتاج 4 / 374، أسنى المطالب 2 / 215
مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ إِعْطَاءِ الْبَاقِي، كَقَوْل الدَّائِنِ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا مِنْهُ، وَلَمْ يَمْتَنِعُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إِعْطَاءِ بَعْضِ حَقِّهِ إِلَاّ بِإِسْقَاطِ بَعْضِهِ الآْخَرِ (1) . فَإِنْ تَطَوَّعَ الْمُقَرُّ لَهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ حَقِّهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ جَازَ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصُلْحٍ وَلَا مِنْ بَابِ الصُّلْحِ بِسَبِيلٍ (2) .
أَمَّا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الأَْصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ؛ وَذَلِكَ لأَِنَّهُ صَالَحَ عَنْ بَعْضِ مَالِهِ بِبَعْضِهِ، فَكَانَ هَضْمًا لِلْحَقِّ. وَالثَّانِيَةِ: وَهِيَ ظَاهِرُ " الْمُوجَزِ "" وَالتَّبْصِرَةِ " أَنَّهُ يَصِحُّ (3) .
أَمَّا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. (4) وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 260، كشاف القناع 3 / 379، المبدع 4 / 279، وانظر م 1620 من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد
(2)
المغني 4 / 534
(3)
المبدع 4 / 279، المغني 535
(4)
البحر الرائق 7 / 259، والبدائع 6 / 45، وتبيين الحقائق 5 / 43، وروضة الطالبين 4 / 196، نهاية المحتاج 4 / 374، أسنى المطالب 2 / 216، شرح الخرشي 6 / 3، البهجة شرح التحفة 1 / 221، الزرقاني على خليل 6 / 3، شرح التاودي على التحفة 1 / 221، وشرح منتهى الإرادات 2 / 260، المبدع 4 / 79، وكشاف القناع 3 / 380.
وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ الْكِتَابَةِ؛ لأَِنَّ الرِّبَا لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. وَعَلَّل الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ الصِّحَّةِ: بِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ الْمِقْدَارِ لِيَحْصُل الْحُلُول فِي الْبَاقِي، وَالصِّفَةُ بِانْفِرَادِهَا لَا تُقَابَل بِعِوَضٍ؛ وَلأَِنَّ صِفَةَ الْحُلُول لَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهَا بِالْمُؤَجَّل، وَإِذَا لَمْ يَحْصُل مَا تَرَكَ مِنَ الْقَدْرِ لأَِجْلِهِ لَمْ يَصِحَّ التَّرْكُ. (1) وَوَجْهُ الْمَنْعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مَنْ عَجَّل مَا أُجِّل يُعَدُّ مُسَلِّفًا، فَقَدْ أَسْلَفَ الآْنَ خَمْسَمِائَةٍ لِيَقْتَضِيَ عِنْدَ الأَْجَل أَلْفًا مِنْ نَفْسِهِ.
(2)
وَقَدْ عَلَّل الْحَنَفِيَّةُ الْمَنْعَ فِي غَيْرِ دَيْنِ الْكِتَابَةِ: بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّل لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعَجَّل، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَل اسْتِيفَاءً، فَصَارَ عِوَضًا، وَبَيْعُ خَمْسِمِائَةٍ بِأَلْفٍ لَا يَجُوزُ. (3)
وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُعَجَّل لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَالتَّعْجِيل خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ لَا مَحَالَةَ، فَيَكُونُ خَمْسَمِائَةٍ بِمُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ مِثْلُهُ مِنَ
(1) أسنى المطالب 2 / 216.
(2)
البهجة للتسولي 1 / 221.
(3)
تحفة الفقهاء 3 / 423.
الدَّيْنِ، وَالتَّعْجِيل فِي مُقَابَلَةِ الْبَاقِي، وَذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنِ الأَْجَل، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَاّ مُقَابَلَةُ الْمَال بِالأَْجَل شُبْهَةً، فَلأََنْ تَكُونَ مُقَابَلَةُ الْمَال بِالأَْجَل حَقِيقَةً حَرَامًا أَوْلَى. (1)
الثَّانِي: جَوَازُ ذَلِكَ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، حَكَاهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ، (2) وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّةُ. (3)
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: لأَِنَّ هَذَا عَكْسُ الرِّبَا، فَإِنَّ الرِّبَا يَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ الأَْجَل، وَهَذَا يَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِنْ بَعْضِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ سُقُوطِ الأَْجَل، فَسَقَطَ بَعْضُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ سُقُوطِ بَعْضِ الأَْجَل، فَانْتَفَعَ بِهِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَا رِبًا لَا حَقِيقَةً وَلَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، فَإِنَّ الرِّبَا الزِّيَادَةُ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هَاهُنَا، وَاَلَّذِينَ حَرَّمُوا ذَلِكَ إِنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى الرِّبَا، وَلَا يَخْفَى الْفَرْقُ
(1) العناية على الهداية (ط. الميمنية) 7 / 396، تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 5 / 42، شرح المجلة للأتاسي 4 / 564.
(2)
المبدع 3 / 280.
(3)
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص 134، أعلام الموقعين 3 / 371، أحكام القرآن للجصاص (ط. مصر بعناية محمد الصادق قمحاوي) 2 / 186.
الْوَاضِحُ بَيْنَ قَوْلِهِ: إِمَّا أَنْ تُرْبِيَ، وَإِمَّا أَنْ تَقْضِيَ. وَبَيْنَ قَوْلِهِ: عَجِّل لِي وَأَهَبُ لَكَ مِائَةً. فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الآْخَرِ؛ فَلَا نَصَّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَا إِجْمَاعَ، وَلَا قِيَاسَ صَحِيحٌ. (1)
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَالٍّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ التَّأْجِيل لَا يَصِحُّ، وَيُعْتَبَرُ لَاغِيًا؛ إِذْ هُوَ مِنَ الدَّائِنِ وَعْدٌ بِإِلْحَاقِ الأَْجَل، وَصِفَةُ الْحُلُول لَا يَصِحُّ إِلْحَاقُهَا، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. (2)
وَالثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ صِحَّةُ التَّأْجِيل، وَذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ إِسْقَاطٌ لِوَصْفِ الْحُلُول فَقَطْ، وَهُوَ حَقٌّ لَهُ، فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ مِنْ قَبِيل الإِْحْسَانِ. (3) قَالُوا: لأَِنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَلَوْ حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَلْزَمُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسَاءً، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لأَِنَّ الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ وَالدَّرَاهِمَ
(1) أعلام الموقعين عن رب العالمين (ط. السعادة بمصر) 3 / 371.
(2)
شرح منتهى الإرادات 2 / 261، أسنى المطالب 2 / 215، نهاية المحتاج 4 / 374.
(3)
مجمع الأنهر 2 / 315، تحفة الفقهاء 3 / 423، البحر الرائق 7 / 259، شرح المجلة للأتاسي 4 / 564، وانظر م 1553، من مجلة الأحكام العدلية، البدائع 6 / 44.
الْمُؤَجَّلَةَ ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ (1) ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ حَمَلْنَاهُ عَلَى التَّأْخِيرِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ كَوْنُهُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. (2)
وَلَوِ اصْطَلَحَا عَنِ الدَّيْنِ الْحَال عَلَى وَضْعِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيل الْبَاقِي، كَمَا لَوْ صَالَحَ الدَّائِنُ مَدِينَهُ عَنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ. وَهُوَ صِحَّةُ الإِْسْقَاطِ وَالتَّأْجِيل. (3) وَقَدِ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ. قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَأْجِيل الْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ. (4)
(1) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكالئ بالكالئ ". أخرجه الدارقطني والبيهقي والطحاوي والحاكم والبزار وابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا (التلخيص الحبير 2 / 26، نصب الراية 4 / 39، شرح معاني الآثار 4 / 21، سنن الدارقطني 3 / 71، سنن البيهقي 5 / 290، المستدرك 2 / 57، نيل الأوطار 5 / 254) .
(2)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق 5 / 41.
(3)
البحر الرائق 7 / 259، التاج والإكليل للمواق 5 / 82، أعلام الموقعين 3 / 370.
(4)
أعلام الموقعين (ط. السعادة بمصر) 3 / 370.